تشن الفصائل السورية المعارضة بريف حلب الغربي، عملية عسكرية ضد مواقع قوات النظام والميليشيات الإيرانية تحت مسمى عملية “ردع العدوان”.
وبدأت العملية التي قادتها غرفة عمليات الفتح المبين، صباح أمس الأربعاء 27 نوفمبر/تشرين الثاني، محققة تقدم على محوري “الشيخ عقيل” و”الفوج 46″، إذ انتشر مقطع فيديو يوثق هروبًا جماعيًا لعناصر من قوات النظام فيما لا تزال المعارك مندلعة حتى هذه اللحظة.
في حصيلة أولية، أكدت إدارة العمليات العسكرية الخاصة بالغرفة عبر قناتها في “تلغرام”، تحرير “الفوج 46″، أحد أكبر معاقل قوات النظام والميليشيات الإيرانية على أطراف مدينة الأتارب، الذي يربط بين ريف حلب وريف إدلب من جهة معارة النعسان، وطرد قوات النظام من قرى وبلدات غربي حلب وهي: الشيخ عقيل، بالا، قبتان، حيردركل، القاسمية، كفربسين، حور، جمعية المعري، السلوم، عنجارة، عاجل، جمعية أبو عمشة، الهوتة، أورم الصغرى، ريف المهندسين الثاني، أرناز، إضافة لأسر وقتل 37 عنصرًا من قوات النظام وميليشياته على جبهة الفوج 46 واغتنام 5 دبابات، و4 بي إم بي، ومدفع 57، و3 مدافع شيلكا، و4 مدافع هاون، ومستودع لصواريخ كورنيت في قرية الهوتة، وتحييد عشرات المدفعيات ومنصات إطلاق الطائرات المسيرة التي كانت تستهدف المدنيين في المناطق المحررة.
بدوره رفع النظام جاهزيته العسكرية على جميع مرابض المدفعية وراجمات الصواريخ، حيث استهدف قرى بريف حلب الغربي كـ: دارة عزة والأتارب وفافرتين وسنحار، إضافة إلى محيط مدينة إدلب وقرى بالريف الجنوبي والشرقي للمدينة.
وطالبت عدة مراصد (وهي منصات ترصد تحركات النظام والقصف في المنطقة) المدنيين ضمن كل القرى والبلدات القريبة من خطوط التماس، بتخفيف الحركة والتجمعات بعد تحليق طائرات حربية “سيخوي 24” واستهدافها عدة مناطق بصواريخ فراغية.
ردع العدوان.. أهمية محاور الاشتباك
بلغت مساحة المناطق المحررة حديثًا 110 كيلومترات مربعة، بخط اشتباك كخط دفاعي أولي يمتد على طول 22 كيلومترًا تقريبًا ابتداء بقرية الشيخ عقيل وصولًا إلى الفوج 46، وبعمق وصل في أقصاه إلى 8 كيلومترات تقريبًا عند قرية كفرناها، والتي يعني السيطرة عليها إلى جانب قريتي أورم الكبرى وخان العسل، السيطرة على كامل ريف حلب الغربي وقطع الأتوستراد الدولي حلب-دمشق.
يشير السياق المتسارع للعملية والهجوم من أكثر من محور إلى رغبة القوات المهاجمة في الضغط أكثر على القوات المدافعة، لإجبارها على الانسحاب بدل التصدي، وبالتالي الوصول إلى مدينة حلب حيث العمق الاستراتيجي الدفاعي لها.
وبحسب المعطيات العسكرية، يتجه الثقل العسكري نحو الفوج 46 ومحور حور شرق عنجارة (أكبر مدن الريف الغربي) والذي لا يفصل ذلك المحور عن تخوم مدينة حلب، إلا بلدة المنصورة وأحياء حلب الجديدة وجمعية الزهراء، إضافة إلى اتجاه الثقل أيضًا نحو محور الهوتة شرق عنجارة، والتي تعني السيطرة عليه الاقتراب من خان العسل بوابة مدينة حلب غربًا باتجاه حيّي حلب الجديدة والحمدانية، ما يعني الاقتراب أكثر من مدينة حلب، أحد أهم أهداف الفصائل العسكرية المعارضة.
ويبدو أن الرؤية الأولية للمعركة قد اتضحت في هدفها بتأمين وإنشاء حزام أمني شاسع لمناطق شمال غرب سوريا من الجهة الشرقية فقط، لكن هل سيمتد هذا الحزام لمناطق أخرى كريف حلب الشمالي أو أطراف المدينة حلب؟ لا سيما بعد إطلاق عمليات توسع جديدة خلال الساعات الماضية من الجيب الجنوبي محور سراقب-تفتناز، المحور المهم لعقدة الطريقين الدوليين إم 4 وإم 5.
الريف الغربي تحت هجمات النظام
تشهد مناطق الشمال السوري قصفًا همجيًا شبه يومي من النظام وروسيا بالطيران الحربي والمدفعية والمسيّرات، ورغم اتفاقية “خفض التصعيد” بالمنطقة، التي وقعتها روسيا مع تركيا في 2020، فإن وتيرة القصف واستهداف المدنيين والبنية التحتية زادت منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول الفائت، إذ تسبّبت بنزوح أكثر من 8735 عائلة حتى الآن باتجاه مناطق يُعتقد أنها أكثر أمانًا، ما يعد النزوح الأكبر منذ 5 سنوات.
الهجمات التي كان لها الوقع الأبرز والتهديد الأخطر على حياة المدنيين كانت عبر الطائرات المسيرة الانتحارية، إذ أشار الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) إلى أن هذه المسيرات تُهدد حياة المدنيين وتمنع أنشطتهم التعليمية والزراعية، وتحد من سبل العيش في مناطق ومزارع واسعة شمال غربي سوريا.
وحسب فريق “منسقو استجابة سوريا”، فإن أرياف حلب وإدلب تعرضت منذ بداية العام الجاري وحتى 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لأكثر من 256 هجومًا بـ874 طائرة مسيرة انتحارية من قوات النظام السوري، أدت لمقتل 34 مدنيًا وإصابة 88، من بينهم نساء وأطفال من جراء تلك الهجمات.
فيما أشار الإعلام الرديف لـ”هيئة تحرير الشام”، إلى تنفيذ قوات النظام والميليشيات الإيرانية 418 هجومًا عبر مسيرات انتحارية وأكثر من 77 غارة جوية و4600 قذيفة وصاروخ ما أدى إلى أضرار في البنى التحتية والتسبب بعشرات الإصابات والقتلى، إلى جانب موجات من النزوح حيث نزحت 1500 عائلة خلال الأسابيع الماضية.
أهداف عملية “ردع العدوان”
القيادي العسكري في إدارة العمليات العسكرية التابعة لغرفة عمليات الفتح المبين، حسن عبد الغني، كان قد أشار عبر مقطع مصور، إلى أن الهدف في هذه العملية هو توسيع المناطق الآمنة تمهيدًا لعودة الأهالي إليها، لافتًا إلى أن هذه العملية ليست خيارًا، بل واجب للدفاع عن دماء الأهالي وأعراضهم وأرضهم.
واعتبر عبد الغني أن “الحشود العسكرية لقوات النظام تهدد أمن المناطق المحررة، ومن الواجب الدفاع عن المدنيين في وجه هذا الخطر الوشيك الذي يستهدف وجودهم وأمانهم”.
ووجّه المقدم عبد الغني رسالة لقوات النظام والميليشيات الموالية له، قائلًا: رسالتنا للعدو أن كل جبهة ستكون عليكم نارًا تحرق خططكم وأوهامكم بعون الله، وكل طلقة حقد سترد بعاصفة من غضب، ولن نسمح لكم بتحقيق أهدافكم، ولن تجدوا أمامكم إلا الموت أو التراجع”، داعيًا كل الفصائل والتشكيلات العسكرية الثورية للمشاركة في هذه العملية واستعادة الأرض وحماية الأهالي.
من جهته، قال قائد حركة أحرار الشام عامر الشيخ: “لا تزال عملية ردع العدوان مستمرة حتى تحقيق أهدافها بإذن الله، لإيقاف اعتداءات النظام المجرم وإبعاد خطر الميليشيات الإيرانية عن المناطق المحررة وتهيئة الظروف المناسبة لعودة الناس إلى أرضهم بأمان بمشيئة الله”.
بالنظر إلى هذين التصريحين فإنه يمكن رسم الأهداف العسكرية في المعركة المتمثلة برغبة المعارضة العسكرية بتوسيع المناطق الآمنة، التي تفسح المجال لعودة المدنيين إلى مناطقهم المحررة حديثًا خلال هذه العملية وتخفيف الضغط السكاني الهائل على باقي المناطق، إلى جانب تحييد سلاح المدفعية والطائرات المسيرة التي تستهدف المدنيين في مناطق المعارضة بشكل متكرر ودوري.
إدارة العمليات العسكرية تعلن عن أحد أسلحتها النوعية في عملية #ردع_العدوان
“كتائب شاهين” المختصة بالطائرات المسيّرة المجنّحة..
الإعلامي أحمد رحال pic.twitter.com/oJVH3XvPE0
— أحمد رحال Ahmed Rahhal (@pressrahhal) November 27, 2024
مؤخرًا كان موقع “نون بوست” قد نشر تقريرًا أكد فيه توجه عائلات وعناصر من “حزب الله” اللبناني إلى مناطق متعددة في سوريا، ومن ضمنها مناطق بريف حلب الشمالي، أهمها نبل والزهراء الشيعيتان اللتان تعتبران الآن من أهم قواعده.
وتعتبر حلب في مقدمة المحافظات التي تتمركز فيها ميليشيات “حزب الله” بـ38 نقطة، 16 نقطة في الريف الغربي الذي تجري فيه عملية “ردع العدوان” ذات الطابع الردعي على حملات النظام والهادفة لتحقيق خط دفاع متقدم يمنع قوات الأسد من تهديد المناطق المحررة بعملية اجتياح بري.
إضافة إلى نقاط “حزب الله” تنتشر الفرقة “30 حرس جمهوري” بتشكيلاتها المتمثلة بـ”الفوج 106 – الفوج 102 إنزال جوي – الفوج 47 – الكتيبة 69 م.د”، ومجموعات من ميليشيا الدفاع الوطني الموالية لإيران ومجموعات من لواء القدس الفلسطيني، إلى جانب التعزيزات العسكرية التي أرسلتها الفرقة 25 (مهام خاصة) قبل عدة أسابيع إلى ريف حلب الغربي من البادية الشامية، وهذا الانتشار هو الأول من نوعه منذ عام 2020.
يرى الناشط السياسي عبد الكريم العمر، أنه منذ بداية الحرب الإسرائيلية ضد ميليشيا “حزب الله” في لبنان وسوريا توجهت كثير من عوائل هذه الميليشيا إلى سوريا واحتلت وسكنت بلدات ومدن هجّرها “حزب الله” وإيران والنظام السوري سابقًا.
معتبرًا في حديثه لـ”نون بوست”، أن قيام فصائل المعارضة السورية بهذه العملية العسكرية اليوم لا شك بأنه سيقطع الطريق على “حزب الله” وإيران، لا سيما في هذه المناطق التي احتلوها سابقًا وظنوها آمنة لهم.
ويضيف العمر أن هذه المعركة وأي توسع في المحاور على امتداد خط النار بين النظام والمعارضة سينهي المشروع الإيراني بالتوسع والبقاء والاستمرار، رغم أن العملية تأتي في ظرف دقيق وحساس على مستوى الإقليم وسوريا، إضافة إلى كبح جماح النظام الذي لا يكف عن التصعيد العسكري في المنطقة واستهداف المدنيين.
داعيًا المعارضة السورية لاستغلال هذا الظرف سياسيًا وعسكريًا، ليس للرد على قصف النظام فقط، بل أيضًا لتذكير العالم بعدالة القضية السورية وأن سوريا محتلة من محور الشر إيران وميلشياتها و”حزب الله”.
نتائج ميدانية سريعة
تدير غرفة عمليات الفتح المبين العسكرية، هيئة تحرير الشام أكبر فصائلها، وتشارك في الغرفة فصائل أخرى من أبرزها: الجبهة الوطنية للتحرير – جيش العزة – أنصار التوحيد – الجبهة الشامية – القوة المشتركة – أحرار الشام، وغيرها.
ويعد الهجوم الواسع الذي شنته فصائل الغرفة كسرًا لجمود الجغرافيا المستقرة منذ “اتفاق سوتشي” بين تركيا وروسيا مارس/آذار 2020، وردًا على التصعيد العنيف على الريف الغربي من الطيران الروسي وقوات النظام والميليشيات الموالية، والذي فسرته المعارضة العسكرية بأنه تمهيد لاقتحام قريب كما جرى قبل سنوات في محاور معرة النعمان وسراقب بريف إدلب.
ومنذ شهرين لوحظت تحركات مكثفة لفصائل الغرفة بريف حلب الغربي، الذي يتعرض لقصف مكثف بالمدفعية الثقيلة والصواريخ والمسيّرات الانتحارية من قوات النظام، كما لوحظ إرسال قوات المعارضة تعزيزات عسكرية ونشر دبابات ومقاتلين ومدافع على مقربة من خطوط التماس مع قوات النظام بدءًا من جبهات مدينة سراقب بريف إدلب الشرقي حتى جبهات مدينة دارة عزة بريف حلب الغربي.
خلال ساعات قليلة فقط من بدء الهجوم استطاعت قوات الغرفة المهاجمة أن تكون على بعد 10 كيلومترات من مدينة حلب من خلال السيطرة على مساحة كبيرة، والهجوم المركز على القوات المدافعة والتقدم للتماس، إلى جانب استخدام عنصر المفاجأة للاشتباك مع نقاط الخط الأول للنظام الذي يعد أقوى الخطوط، ما أدى لانهيارها وهروب عناصرها دون أي مقاومة.
يرى رشيد حوراني، الباحث في مركز “جسور” للدراسات، أن الساعات الأولى للمعركة تدل على تخطيط عسكري وإعلامي في نفس الوقت، فالعسكري يدلل عليه النتائج الميدانية السريعة التي حققتها من خلال السيطرة على العديد من القرى، وأسر العديد من قوات النظام، وتحديد محاور الهجوم واستطلاع قوات الخصم فيها، والتجهيز لها بما يتناسب مع قوات الخصم وتوسيع المحاور في محاور لاحقة، وإدخال القوات على مراحل بالتعاون مع فصائل ريف حلب الشمالي، وهو ما يمكن كشفه في الساعات القادمة، وكذلك تجهيز خطوط الإمداد والإخلاء.
أما من الناحية الإعلامية، حسب حديث الحوراني لـ”نون بوست”، فهناك نشر لخطاب متوازن موجه للداخل ولحاضنة الخصم كدعوة جنود النظام للانشقاق، واعتماد المركزية في النشر بما يخدم الأعمال القتالية الناشبة وللحفاظ على سلامة القوات المهاجمة.
ويضيف الحوراني أن أهمية المعركة تتأتى في قدرة الفصائل على رفع جاهزيتها وقدراتها القتالية خلال الفترة الماضية، وإظهار نفسها أنها رقم لا يمكن تجاوزه فيا يدور في الساحة السورية خاصة، وما يدور على الساحة الإقليمية بشكل عام.
بدوره ينوه الناشط العمر، إلى أنه يجب أن تكون هناك عدة محاور وليس محور واحد فقط ضد إيران و”حزب الله” المنتشرين على خطوط النار حول إدلب وحلب، وبالتالي فإن استمرارية هذه المعركة تكمن في انضمام الفصائل جميعًا إليها، وأن تكون البيانات الصادرة عن غرفة العمليات باسم سوريا والشعب السوري وليس باسم منطقة أو فصيل، فهذا سيعطي نوعًا من الاهتمام الدولي للثورة والمعارضة السورية.
يبدو أن فصائل المعارضة تريد استغلال الأوضاع الراهنة في المنطقة وانشغال النظام السوري والميليشيات الموالية لإيران، لخلق واقع جديد توقف من خلاله الهجمات العنيفة التي تنتهجها قوات النظام والميليشيات الموالية على مناطق المعارضة، إضافة إلى توجيه رسالة بأن المناطق التي باتت مأوى جديدًا لعائلات وعناصر “حزب الله” الهاربة من لبنان ليست بمنأى عن هجمات المعارضة السورية الراغبة في إعادتها لسكانها السوريين الأصليين.