“باسم الحكومة البلجيكية الاتحادية أقدم اعتذاري للخُلاسيين (مختلطي الأعراق) المنحدرين من الاستعمار البلجيكي وعائلاتهم، عن الظلم والمعاناة التي تعرضوا لها”، بهذه الكلمات اعتذر رئيس الوزراء البلجيكي شارك ميشيل، في كلمة ألقاها أمام البرلمان، عن جزء من ماضي بلاده الدموي في أثناء الفترة الاستعمارية بإفريقيا، وكانت تلك المرة الأولى التي تعترف فيها بلجيكا بأي مسؤولية عما يصفه المؤرخون بالأضرار الجسيمة التي سببتها لدول إفريقيا الوسطى التي احتلتها طوال 8 عقود.
الخُلاسيين.. الوجه المشين لإمبرطورية بلجيكا
بعد أكثر من قرن من استيلاء الاستعمار البلجيكي على بلاد الكونغو وبوروندي وروندا وموافقة المستعمرين الأوروبيين والبريطانيين له بجعلها مُلكًا خاصًا، وله مطلق التصرف في سكانها وثرواتها، أجرى محققون تحقيقًا واسعًا في ماضي بلجيكا الاستعماري وجرائم الإبادة الجماعية التي كانت بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا على علم بها وتسترت عليها.
الأطفال الذين وُلدوا من هذا الزواج اُعتبروا تهديدًا للدولة، وخاف البلجيكيون من تمردهم وإفساد مكانة الجنس الأبيض، فعُزلوا عن أمهاتهم، وكثير منهم لا يعرفون آباءهم
اتهامات مأساوية موثقة ومؤكدة خلصت إليها اللجنة، لكنها ظلت تُنكر دائمًا، ومفادها أن ما بين 10 إلى 15 مليون إفريقي إمِّا قُتلوا عمدًا أو أُجبروا على العمل حتى الموت تحت إمرة وسلطة المستعرين، وأن الناس كن يُغتصبن بشكل منتظم وأيادي المزارعين وأطفالهم كانت تُبتر وتُنهب وتُدمر ممتلكاتهم وتُحرق قُرَاهم.
كل هذا لم يُسمح بمناقشته أو الاطلاع عليه، ولم تقدم بلجيكا أي اعتذار إلا بعد 60 عامًا من استقلال تلك البلاد، حين ألقى رئيس الوزراء البلجيكي كلمة أمام البرلمان، حضرها عشرات الأشخاص من العرق المختلط في معرض للزوار، واعترف فيها بأن بلاده انتهكت حقوق الانسان باختطاف وعزل وترحيل آلاف الأطفال المولودين لأزواج من العرق المختلط، واعتبرت مختلطي الأعراق بمثابة تهديد لنظامها الاستعماري، كما أقر بأن بلاده جردتهم من هويتهم وشوهت سمعتهم وفرقتهم عن أشقائهم.
هذا هو الاعتذار الوحيد عن أفعال بلجيكا في القارة السمراء دون ذكر الإبادات الجماعية وما تبعها، فحين تقتل أكثر من 10 ملايين إفريقي لا يقول أحد إنك تشبه الزعيم النازي هتلر أو قائد الشيوعية البريطاني ستالين أو حتى السفاح الإيطالي موسيليني، لن يصبح اسمك مرادفًا للشر، ولن تثير صورتك الخوف أو الكراهية أو حتى الأسى، ولن يتكلم أحد عن ضحاياك، واسمك سينساه التاريخ.
تأتي الاعتذارات في وقت يتعرض فيه السياسيون بجميع أنحاء أوروبا لضغوط متنامية من المغتربين الأفارقة وجيل الشباب الذين يرغبون في تسليط ضوء جديد على التاريخ الاستعماري لمعالجة العنصرية والتمييز الكامنين بالمجتمع الأوروبي، لكن بعض الخبراء في التاريخ الاستعماري أشاروا إلى أن اعتذار بلجيكا جاء متأخرًا بنحو 60 عامًا بعد حصول الدول الإفريقية الثلاثة على استقلالها.
كانت بلجيكا الاستعمارية تحظر الزواج المختلط، لكن كثيرًا من البلجيكيين البيض أنجبوا من نساء إفريقيات في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، لكن الأطفال الذين وُلدوا من هذا الزواج اُعتبروا تهديدًا للدولة، وخاف البلجيكيون من تمردهم وإفساد مكانة الجنس الأبيض، فعُزلوا عن أمهاتهم، وكثير منهم لا يعرفون آباءهم، وعدد كبير منهم أُسكنوا منازل داخلية وجُردوا من هويتهم، وفُرِّق بينهم وبين أخوتهم.
نحو 20 ألف طفل من مختلطي الأعراق أو الخُلاسيين – الذين وُلدوا لمستوطنين بلجيكيين ونساء محليات ورفض معظم الآباء الاعتراف بأبوة أطفالهم – في بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وروندا خطفتهم بلجيكا خلال فترة الاستعمار من عام 1959 حتى استقلال كل المستعمرات الثلاثة، ونُقل الأطفال إلى بلجيكا بالقوة، وأوكلت رعايتهم إلى معاهد ومؤسسات كاثوليكية.
لم يحصل بعض هؤلاء الأطفال على الجنسية البلجيكية، وعاشوا في بلجيكا دون جنسية، وتقول منظمات محلية تعنى بحقوق هؤلاء الأطفال إن العديد منهم “يعانون بشدة” نتيجة هذه التجربة المريرة، وبحسب المنظمات لا يزال الكثيرون منهم غير قادرين على الوصول إلى سجلات المواليد ولا العثور على أمهاتهم أو آبائهم البلجيكيين، الذين يعتقد في كثير من الأحيان، أنهم شخصيات معروفة.
ملك أبيض ومطاط أحمر وموت أسود
لا نتعلم عن ليوبولد الثاني شيئًا في المدرسة ولا نسمع عنه في وسائل الإعلام، كما أنه لا يمثل جزءًا من الروايات المتداولة عن القمع كالهولوكوست في الحرب العالمية الثانية على سبيل المثال، لكنه في الواقع جزء من تاريخ الاستعمار والعبودية والمذابح الجماعية في إفريقيا، التي تتعارض مع رؤية الرجل الأبيض للعالم وتفوقه التاريخي على الأعراق الأخرى.
كان حكم ليوبولد للكونغو بمثابة قصة رعب، تتساوى مع ما فعله هتلر في أوروبا، بعدما نصَّب نفسه كملك العبيد الأوحد بلا منازع على مدار 30 عامًا
كان هذا الرجل يملك الكونغو خلال حكمه للمملكة البلجيكية بين عامي 1885و1909، فبعد عدة محاولات استعمارية فاشلة في آسيا وإفريقيا اختار ليوبولد الثاني الكونغو لتكون هدفًا له، كانت أول خطوة هي شراء هذه الدولة الإفريقية واستعباد أهلها، كانت مساحة الكونغو تبلغ مساحة بلجيكا بـ72 مرة، ولم يكن سكان القبائل فيها يستطيعون القراءة والكتابة، فخدعهم ليوبولد ليوقعوا عقدًا تنازلوا فيه عن البلد.
كان حكم ليوبولد للكونغو بمثابة قصة رعب، تتساوى مع فعله هتلر في أوروبا، بعدما نصَّب نفسه كملك العبيد الأوحد بلا منازع على مدار 30 عامًا، وبدلًا من أن تكون الكونغو مستعمرة نظامية لحكومة أوروبية على غرار جنوب إفريقيا، وجد ليوبولد بعد استعماره للكونغو مصدر ثراء نادر.
كان العالم في هذه الفترة مأخذوًا باختراع العجلات القابلة للنفخ وعجلات السيارات، لذا زاد الطلب بشكل كبير على المطاط، ويحتاج شجر المطاط إلى 15 عامًا على الأقل بعد زراعته ليكون صالحًا للاستخدام، لذلك كانت أرض الكونغو خيارًا مثاليًا، ففيها الكثير من الغابات المطيرة وأشجار المطاط.
ليوبولد الثاني ملك بلجيكا
كانت طريقة ليوبولد الثاني لكسب الثروة وحشية، وكان جنوده يقتحمون قرى القبائل الإفريقية في الأرض التي أسماها عام 1885 “دولة الكونغو الحرة” ويأخدون النساء رهائن، حتى يجبروا الرجال على الانتقال إلى الغابات ليجمعوا عصارة المطاط، وحين يُستهلك الشجر تمامًا في مكان ما، كانوا يجبرون على الابتعاد أكثر وسط الغابات.
كانت عقوبة التهاون في العمل قاسية، حيث استخدم ليوبولد الثاني مرتزقة أسماهم “القوة العامة”، ليراقبوا العبيد خلال العمل، وإذا لم يحصلوا على الحصة المحددة كانوا يُضربون بالسياط أحيانًا حتى الموت أو يقطعون أيديهم تمامًا، وبسبب انتشار ظاهرة قطع الأيادي، لقبت الصحف العالمية الكونغو بـ”أرض الأيادي المقطوعة”.
من لم يمت بالتعذيب مات تحت وطأة قسوة العمل لساعات طويلة، وأحيانًا دون طعام أو ماء، وكل هذا كان يتم تحت ستار من الحجج التي ساقها ليوبولد الثاني ليروج لاستعمار الكونغو، بداية من الأعمال الخيرية ونشر الديانة المسيحية وحتى وقف تجارة الرقيق، فوعد “الملك الخيّر” بإغراق الأفارقة في بركات الديانة المسيحية ومظاهر الحضارة الغربية، واستخدم التبشير والتجارة ووعد الأفارقة بالجنة كخدعة، حتى يسهل عليه الاستيلاء على ثروات إفريقيا.
كانت “حدائق الحيوان البشرية” عبارة عن عروض حية لنساء ورجال وأطفال من الكونغو كانوا يُحشرون داخل أكواخ من القش، ويُعاملون “كحيوانات الأقفاص”، يزورهم البيض للفرجة ويلقون عليهم أصابع الموز
لكن حملات ليوبولد الثاني لم تكن السبب المباشر الوحيد للموت، فبعد أخذ الرجال الأصحاء للعمل بالسخرة لم يعد إنتاج الطعام كافيًا للنساء والأطفال والعجائز والرجال الأطفال في القرى، كانوا يتضورون جوعًا ويموتون، واجتاحت المجاعات أرض الكونغو، وتفشت أوبئة أودت بحياة الملايين مثل السل والجدري وأمراض الرئة، مما أسفر عن مقتل آلاف منهم.
تقدِّر المصادر التاريخية عدد القتلى من السكان الكونغوليين خلال فترة حكم ليوبولد الثاني بأنه وصل للنصف، حيث كان عدد السكان يساوي تقريبًا 20 مليون نسمة قبل الاستعمار، وفي وقت تعداد عام 1924 وصل عدد السكان إلى 10 ملايين نسمة، أي أن نصف السكان تقريبًا ماتوا بسبب التجويع والمرض والإرهاق وعمليات الإعدام.
أطفال قُطعت أوصالهم لأن آباءهم لم يجمعوا ما يكفي من المطاط لصالح المستعمرين
في بداية تسعينيات القرن الـ19، نقل العديد من الصحفيين البريطانيين والأمريكيين معاناة شعب الكونغو للعالم عن طريق المقالات التي كانت تنشر في كبرى الصحف العالمية، وفي حدود عام 1904، عاش الملك البلجيكي على وقع حملة انتقادات واسعة، عقب صدور تقرير كيسمنت، الذي قدمه الدبلوماسي البريطاني روجر كيسمنت، وأكد من خلاله على الوضع المأساوي لشعب الكونغو وفظائع المرتزقة البلجيكية.
عام 1905، كتب مارك توين، الكاتب الأمريكي الساخر الشهير، نصًا طويلاً بعنوان “ليوبولد يناجي نفسه – الدفاع عن حكمه للكونغو”، هاجم فيه ممارسات ملك بلجيكا الدموي، وسخر من استغلاله لأرض إفريقيا، قال فيه على لسان ليوبولد: “حين يفشلون في أداء مهامهم بسبب الجوع والمرض واليأس والعمل المُضني الذي لا ينقطع، دون راحة، ويهجرون بيوتهم إلى الغابات ليتجنبوا عقابي، يطاردهم جنودي السود، ويذبحونهم، ويحرقون قراهم بعد أن يأخذوا بعض الفتيات رهائن، إنهم يقولون كل شيء: كيف أضرب أمة كاملة بالسياط، أمة من الكائنات عديمة الأصدقاء، فأنهي وجودهم في الحياة، متلذذًا بكل وسائل القتل لإشباع رغباتي”.
كان ليوبولد الثاني قد نصَّب نفسه ملكًا لدولة الكونغو الحرة عام 1885، وقبل وفاته بعام واحد في (عام 1908)، وأمام تزايد حدة الانتقادات، قام ببيع مستعمرته هذه للدولة البلجيكية باسم الكونغو البلجيكي، ورغم أن الحكومة البلجيكية قامت بعمل بعض التغيرات الشكلية لتحسين صورتها مثل فرض قانون يمنع قتل المدنيين الكونغوليين بشكل عشوائي إلا أنها ظلت تحكم بشكل لا يقل فظاعة عمَّا كان يحدث في عهد ليوبولد حتى استقلالها عام 1960.
حدائق الحيوان البشرية.. يوم عُرض الناس في أقفاص
لم تتوقف العُنصرية عند مشهد العبد العامل في مزارع سيده الذي يتلقى ضربات السياط على ظهره لإنجاز عمله، أو مشهد قطع أيدي الأطفال لأن أبيهم لم يجمع ما يكفي من المطاط لصالح المستعمرين، فقد تجاوز الأمر ذلك إلى وجه آخر من أوجه “بشاعة” العنصرية، وجهٌ يحمل من ازدراء البشري للبشري ما يُنهك – بما فيه الكفاية – كاهل الإنسانية، إنّه الوجه المُتمثّل فيما عُرفت بـ”حدائق الحيوان البشرية”.
خلال صيف سنة 1897 أمر ملك بلجيكا ليوبولد الثاني بإنشاء “حديقة حيوان بشرية” شرق العاصمة بروكسل، وتزامنًا مع ذلك تم نقل نحو 260 كونغوليًا نحو هذه الحديقة
خلال النصف الثاني من القرن الـ19 لم تتردد القوى الاستعمارية في جعل هذه الفكرة أمرًا واقعًا، حيث تم جلب العديد من سكان المستعمرات، وخاصة الإفريقية منها، بهدف عرضهم داخل أقفاص ومناطق مخصصة في كبرى المدن الأوروبية والأمريكية، خلال تلك الفترة عرفت هذه الظاهرة بالعروض البشرية.
تزامنًا مع ظهور حدائق الحيوان البشرية بالمدن الأوروبية والأمريكية، هبّ عدد هائل من الزوار للتعرف على الوافدين الجدد الذين تم جلبهم من إفريقيا وآسيا وأستراليا وأمريكا الجنوبية، فضلاً عن ذلك وعلى حسب عدد من التقديرات استقبلت بعض حدائق الحيوان البشرية في كل من فرنسا وبلجيكا أكثر من 40 ألف زائر يوميًا، حيث سمحت مثل هذه العروض للمشاهدين بمتابعة طقوس وعادات ورقصات الشعوب الأخرى التي اعتبروها أقل درجة منهم.
وقد أعاد الاعتذار المحدود لرئيس الوزراء البلجيكي إلى الأذهان “حدائق الحيوان البشرية” في بلجيكا، حيث عروض حية لنساء ورجال وأطفال من الكونغو كانوا يُحشرون داخل أكواخ من القش، ويُعاملون “كحيوانات الأقفاص”، يزورهم البيض للفرجة ويلقون عليهم أصابع الموز.
عروض حية لمواطني الكونغو في حدائق الحيوان البشرية
سجلت “حدائق الحيوان البشرية” ظهورها في كبرى المدن البلجيكية مبكرًا، فخلال العقد الأخير من القرن الـ19 نقلت السلطات الاستعمارية البلجيكية بالكونغو المئات من الكونغوليين من أوطانهم بهدف عرضهم على الشعب البلجيكي، وكان الملك البلجيكي يستورد كونغوليين للتسلية ويعرضهم حول قصره الاستعماري.
وخلال صيف سنة 1897 أمر ملك بلجيكا ليوبولد الثاني بإنشاء “حديقة حيوان بشرية” شرق العاصمة بروكسل، وتزامنًا مع ذلك تم نقل نحو 260 كونغوليًا نحو هذه الحديقة، وعلى حسب العديد من المصادر زار ما لا يقل عن 1.3 مليون بلجيكي “حديقة الحيوان البشرية” شرق بروكسل من أجل مشاهدة الكونغوليين.
لم تكن الحدائق من المستجدات في الغرب، بل وُجدت بانتظام في وقت مبكر من القرن الماضي في لندن وباريس وهامبورج ونيويورك، ففي فرنسا، عرفت “حدائق الحيوان البشرية” انتشارها بشكل سريع خلال سبعينيات القرن الـ19، ففي أثناء حصار مدينة باريس ما بين سنتي 1870 و1871 من جيوش مملكة بروسيا، أقدم أهالي العاصمة الفرنسية على افتراس الحيوانات التي كانت معروضة في حدائق الحيوان، وبدل تعويضها لاحقًا بحيوانات أخرى، فضّل مسؤولو بلدية باريس ملء العاصمة بحدائق الحيوان البشرية التي انتشرت بكثافة خاصة قرب برج إيفل.
خلافًا لحدائق الحيوان البشرية الأوروبية التي امتلأت أساسًا بالأفارقة، شهدت حدائق الحيوان البشرية الأمريكية وجودًا مكثفًا للعنصر الفلبيني، فعلى إثر الحرب الأمريكية – الإسبانية سنة 1898 وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على الفلبين، لم يتردد الأمريكيون في نقل أعداد مهمة من الفلبينيين لعرضهم في كبرى المدن الأمريكية.
كواحدة من هذه الدول المتهمة بانتهاك حقوق الإنسان خلال الحقبة الاستعمارية، واجهت بلجيكا دعوات أممية لمراجعة ماضيها والاعتذار عن الفظائع التي ارتكبت خلال حقبة الاستعمار، لكن حتى إن اعتذرت مؤخرًا فإن التمييز العنصري يبقى راسخًا في المؤسسات البلجيكية، بحسب تقرير خبراء بمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أضاف أن “الأسباب الجذرية لانتهاكات حقوق الإنسان في الوقت الحاضر تكمن في عدم الاعتراف الحقيقي بعنف وظلم الاستعمار”.
ولم يعلق رئيس الوزراء البلجيكي على تقرير الأمم المتحدة، حسب ما ذكرت وسائل الإعلام البلجيكية، إلا أنه قال في البرلمان إن اعتذاره للأطفال المختطفين من أعراق مختلطة يجب أن يعزز أيضًا الجهود المبذولة لمكافحة جميع أشكال التمييز والعنصرية في البلاد، فهل يكفي هذا الاعتذار لمحو الماضي الدموي لاستعمار بلجيكا؟
خلال العام الماضي اتخذت بلجيكا عددًا من الخطوات لإعادة تقييم ماضيها الاستعماري، لكن ما زال الكثير من البلجيك يجهلون الحكم القاسي لبلادهم فيما يعرف الآن بجمهورية الكونغو الديمقراطية في أواخر القرن الـ19، وبسبب ماضيها الاستعماري، أصبحت بلجيكا، هذا البلد الأوروبي الصغير، أحد الاقتصادات التجارية الأكثر نجاحًا في العالم.
وفي خطوة إيجابية، فتح متحف إفريقيا، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أبوابه من جديد أمام الجمهور في بلجيكا بعد أعمال تجديد دامت 5 سنوات لتحويله من معرض للدعاية المؤيدة للاستعمار إلى متحف ينتقد الماضي الإمبريالي للبلاد، لكن ناشطين يقولون إن المتحف يمثل استمرارًا للاستعمار لأنه يضم قطعًا أثرية مسروقة.
وكثيرًا ما كان المتحف المليء بالأعمال الفنية والحيوانات البرية المحنطة يتعرض لانتقادات لتجاهله جرائم سلطة الملك ليوبولد الثاني الذي تأسس المتحف بتكليف منه لعرض تاريخ “دولة الكونغو الحرة” التي أسسها في ظل حكمه الشخصي في القرن التاسع عشر واستغلها بشكل وحشي.