ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: يلينا بيبرمان وجاريد شوارتز
زادت الخطوة المفاجئة التي اتخذتها الصين من حدة التوتّر بين كل من الهند وباكستان. وفي 14 آذار/ مارس، عرقلت الصين مساعي الأمم المتحدة لإدراج مسعود أزهر، أحد قادة الجماعات المسلحة الذي أثار أزمة بين الجارتين النوويتين، على قائمة الإرهابيين. والجدير بالذكر أن أزهر هو مؤسس وقائد حركة “جيش محمد” المسؤولة عن الهجوم الانتحاري الذي وقع في 14 شباط / فبراير في الجزء الهندي من كشمير، والذي أثار الأزمة الهندية الباكستانية الأخيرة.
إن عدم إبداء الصين لأيّ موقف صارم تجاه هذه الجماعة المسلحة، التي تهدد استثماراتها البالغة 60 مليار دولار في باكستان، قد يبدو أمرًا غريبًا. ولكن من المرجّح أن تكون حركة طالبان الأفغانية وليست حركة “جيش محمد”، الدافع الرئيسي لهذا الهجوم. فمن خلال توفير غطاء دبلوماسي لحركة “جيش محمد”، سعت الصين للمحافظة على مصالحها الاقتصادية في المنطقة ودعم حليفتها الإقليمية (باكستان)، التي تمارس ضغوطا على حركة طالبان للتفاوض مع كابول.
تلعب باكستان دورًا محوريًا في محادثات السلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان. وقد يعني نجاح هذه المحادثات انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، حيث أعربت الصين عن امتلاكها للعديد من المشاريع المستقبلية الهامة في هذا البلد. وخلال السنة الماضية، قررت بكين توسيع مشروعها الرئيسي المتعلق بمبادرة الحزام والطريق، وهي خطة لبناء الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، لتشمل الأراضي الأفغانية، وقد حظي مقترحها بدعم كابول.
تقوم الصين بكل ما يتطلّبه الأمر حتى لا تصبح هدفا للغضب الإسلامي، لا سيما في ظلّ التغطية الصحفية الواسعة لمعسكرات اعتقال الأويغور والأقليات المسلمة الأخرى التي تعيش في إقليم سنجان
يبدو أن استراتيجية الصين في جنوب آسيا تتسم بالصبر المشوب بالحذر، إذ تدعم بكين الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار في أفغانستان في حين تتعامل مع رد الفعل العنيف والعراقيل التي تلتها على أنها أمر لا مفر منه ولا يمكن اعتباره سببا لفشل هذه الصفقة. وتجدر الإشارة إلى باكستان دفعت مؤخرا الحكومة الأفغانية للمشاركة في محادثات السلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان.
من جهة أخرى، تقوم الصين بكل ما يتطلّبه الأمر حتى لا تصبح هدفا للغضب الإسلامي، لا سيما في ظلّ التغطية الصحفية الواسعة لمعسكرات اعتقال الأويغور والأقليات المسلمة الأخرى التي تعيش في إقليم سنجان. وقد وصف البعض أزهر بأنه “صديق بكين الذي سيعمل على ضمان أمن” الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني. لكنه، في حقيقة الأمر، يمثّل تهديدا إقليميا محتملا لا ترغب الصين في إثارة غضبه. لذلك، ينبغي عليها أن تتعامل معه بحذر. وستكون إدانته من قبل مجلس الأمن الدولي أمرا “محرجا للغاية” بالنسبة له، كما أن إدراج اسمه في قائمة الإرهاب سيساهم في عرقلة حركته، خاصة من خلال تجميد أمواله ومنعه من السفر.
لقد أثبت مسعود أزهر قدرته على ارتكاب مجزرة في كشمير وغيرها من المناطق، وهو ما تعتبره الصين تهديدا خطيرا لمشروعها واستثماراتها في باكستان (وأفغانستان). ومن المرجح أن تكون الصين قد أخذت كل هذه العوامل بعين الاعتبار. وعندما يتعلق الأمر بالسياسة في دول جنوب آسيا، فإن السمعة تعتبر أمرا بالغ الأهمية. وقد أوضحت حادثة مسعود أزهر أن دولة قوية على غرار الصين يمكن أن تشعر بالقلق إزاء سمعتها ليس على الصعيد الدولي أو الرأي العام المحلي فحسب، وإنّما أيضًا فيما يتعلّق بالقادة العسكريين الذين يتمتعون بنفوذ كبير. لذلك، ينبغي عليها أن تظل في حمى هذا القائد العسكري لأنه يملك القدرة على تهديد مصالحها الاقتصادية والأمنية.
يتطلّب نجاح مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني إرساء وضع أمني مستقرّ ليس في باكستان فحسب، وإنّما في أفغانستان أيضا
إلى جانب ذلك، يواجه الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني بالفعل تحديات أمنية كبيرة. وتعاني منطقة كشمير، حيث يشكل إقليم غلغت بلتستان “جزءا مهما” من هذا المشروع، من توتر أمني مستمر. فضلا عن ذلك، إن إقليم بلوشستان خاضع لسيطرة المتمردين. وعلى الرغم من التقارير التي أكّدت استسلام مئات الانفصاليين، إلاّ أن عددا من المسلحين البلوشيين شنّوا هجوما على قنصلية صينية في مدينة كراتشي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018. ويبدو أن أفغانستان، التي عانت على مدى أكثر من أربعة عقود من تداعيات النزاعات المسلّحة، على مشارف حرب أهلية أخرى.
في الواقع، يتطلّب نجاح مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني إرساء وضع أمني مستقرّ ليس في باكستان فحسب، وإنّما في أفغانستان أيضا. فضلا عن ذلك، ينبغي على باكستان كبح جماح وكلائها الإرهابيين، بالإضافة إلى ضرورة توصل كل من حركة طالبان والحكومة الأفغانية إلى تسوية سلمية.
تعطي إمكانية عودة الاستقرار في أفغانستان حافزا قويا حتى يكون لكابول دور في محادثات السلام بين كل من واشنطن وطالبان. ويبدو أن الصين تشجع باكستان على القيام بذلك. وخلال الاجتماع الثلاثي الأول مع وزيري خارجية كل من باكستان وأفغانستان الذي عُقد سنة 2017، دعت الصين في بيان مشترك إلى “عملية سلام ومصالحة واسعة النطاق وشاملة”، مما يشير إلى أن إشراك جميع الأطراف الأفغانية أمر يكتسي أهمية بالغة لخدمة المصالح الصينية في المنطقة.
يمكن أن تؤدي المفاوضات الناجحة إلى تعجيل عملية إجلاء القوات الأمريكية في غضون فترة زمنية تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات. ومع خروج الولايات المتحدة من المنطقة، ومساهمة هذا المشروع في التقريب بين اقتصادي هذين البلدين، يمكن لباكستان حينها التحرك لسحب أفغانستان بعيدا عن المدار الاقتصادي للهند.
قاومت طالبان كل الجهود الرامية لإجبارها على مشاركة الحكومة المركزية في المفاوضات، بما في ذلك المطالبة بتغيير مكان المحادثات من الرياض إلى الدوحة
من المحتمل أن تتقرب الصين من المتشددين لحماية مصالحها الخاصة، لكن قد يكون ذلك خطوة لتشجيع الهجوم على الأطراف المتشددة الأخرى. ولطالما استخدمت باكستان وكلاء لشنّ هجمات على الهند لفترة طويلة. ومع ذلك، يبدو أن توقيت هجوم الذي جدّ في الرابع عشر من شباط/ فبراير كان خاطئا، إذ لم يكن لإسلام أباد ما تراهن على كسبه في هذه الأزمة، ولكنها في المقابل لديها الكثير لتخسره.
من المؤكد أن حركة طالبان من بين الأطراف المستفيدة من الهجوم على الهند. وتعارض هذه الحركة بشكل كبير التفاوض مع كابول، حيث لا تؤمن بشرعية الحكومة الأفغانية، كما أنها غير مهتمة بإنهاء الاحتلال الأمريكي بشكل حقيقي، وبالتالي، هي غير قادرة على التفاوض على الانسحاب.
حتى الآن، قاومت طالبان كل الجهود الرامية لإجبارها على مشاركة الحكومة المركزية في المفاوضات، بما في ذلك المطالبة بتغيير مكان المحادثات من الرياض إلى الدوحة. وفي هذا الخصوص، أوضح أحد أعضاء حركة طالبان أن “المشكلة تكمن في أن القادة السعوديين والإماراتيين أرادوا منا أن نلتقي بوفد من الحكومة الأفغانية، وهو أمر لا يمكننا القيام به في الوقت الراهن، وقد ألغينا الاجتماع في المملكة العربية السعودية”.
في المقابل، مارست باكستان “ضغوطًا غير مسبوقة” على حركة طالبان لفتح محادثات مع الحكومة الأفغانية خلال الأشهر القليلة الماضية. وفي هذا الإطار، صرّح زعيم بارز في طالبان لوكالة رويترز: “لم أر باكستان بهذه الجدّية من قبل”، مضيفا “لقد أوضحوا لنا [المسؤولون الباكستانيون] أنه يتعين علينا [طالبان] التحدث إلى الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية”. وفي شهر كانون الثاني/ يناير، اعتقلت السلطات الباكستانية أحد قادة طالبان البارزين، كما “شنّت غارات على العديد من منازل المنتمين لحركة طالبان وأسرهم وأصدقائهم وقادتهم في أماكن مختلفة في باكستان”، وذلك حسبما أفاد به أحد قادة طالبان البارزين.
تتمتع كل من طالبان وحركة جيش محمد بعلاقات مالية وروابط قيادية واسعة النطاق
بعد تلك الأحداث، جدّ هجوم بولواما الواقعة في الجزء الهندي من كشمير. وقد حذرت المندوبة الدائمة لباكستان في الأمم المتحدة، مليحة لودهي، من أن الأزمة التي تلت الهجوم على الهند “تعني أنه سيتعين على باكستان التركيز بشكل كامل على حدودها الشرقية… بدلا من الجبهة الغربية، ما قد يؤثر على عملية السلام [في أفغانستان]. وأضافت لودهي قائلة: “ليس هناك طرفٌ إقليمي مستفيد من هذه الأزمة أكثر من حركة طالبان، التي لها علاقات طويلة الأمد مع حركة جيش محمد”.
وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة، تشكّلت حركة “جيش محمد” بدعم من حركة طالبان بقيادة الأزهر إثر إطلاق سراحه من السجن في الهند سنة 1999 مقابل 155 رهينة وقع احتجازهم على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الهندية، والتي اختطفت وتم تحويل وجهتها إلى مدينة قندهار في أفغانستان. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الصفقة قد تمّت بتسهيل من طالبان.
علاوة على ذلك، تتمتع كل من طالبان وحركة جيش محمد بعلاقات مالية وروابط قيادية واسعة النطاق. وتتلقّى الحركة التمويل من قبل مؤسستي ائتمان الرحمة والأختر، الخاضعتين لسيطرة الأزهر. وعلى خلفية اعتقال الأزهر وفي محاولة للتغطية على هجوم البرلمان الهندي سنة 2001، قامت حركة جيش محمد بتسجيل ائتمان الأختر بصفتها وكالة لتقديم المساعدات الإنسانية في باكستان.
لقد اتُّهم الأزهر باختطاف وقتل مراسل صحيفة “وول ستريت جورنال”، دانيال بيرل. كما شرعت مؤسسة ائتمان الرحمة في العمل كواجهة للعمليات سنة 2002 من خلال مجموعة من الوسائل من بينها توفير الدعم المالي واللوجستي للمقاتلين الأجانب العاملين في كل من أفغانستان وباكستان. ووفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية، قدّمت مؤسسة ائتمان الرحمة الدعم المالي إلى جانب خدمات أخرى لطالبان، وهو ما يظهر من خلال تمكين مقاتلي طالبان أصيلي أفغانستان والذين تعرضوا لإصابات من مساعدات مالية.
يعد شنّ هجوم على منطقة ما بغاية تشتيت انتباه الجميع عن منطقة أخرى بمثابة تكتيك ثابت بالنسبة لحركة جيش محمد
تمتلك مؤسسة ائتمان الأختر، وهي أحد فروع حركة جيش محمد، روابط مالية مع حركة طالبان عبر مسؤولها التنفيذي، محمد مظهر، الذي قاد الجهود المالية للمؤسسة بهدف دعم حركة طالبان، حيث كان في السابق جزءًا من إحدى وحداتها المقاتلة. وقد عُرف الرئيس التنفيذي السابق لمؤسسة ائتمان الأختر، حكيم محمد أختر، بتحالفه مع زعيم طالبان السابق، الملا عمر فضلا عن قربه الشديد منه. كما يحافظ أحد أبرز جامعي التبرعات التابعين لطالبان، عبد الرحمن، على علاقاته مع جيش محمد وائتمان الأختر على حد السواء. ويرتبط جيش محمد أيضًا بمؤسسة ائتمان الرشيد التي شاركت في تمويل كل من طالبان والقاعدة.
في الواقع، يعد شنّ هجوم على منطقة ما بغاية تشتيت انتباه الجميع عن منطقة أخرى بمثابة تكتيك ثابت بالنسبة لحركة جيش محمد. وقد أفاد بروس ريدل، وهو شخصية مرموقة ومدير مشروع الاستخبارات في معهد بروكينجز، بأن تنظيم القاعدة التابع لأسامة بن لادن يعتبر المستفيد الرئيسي من هجوم 2001 على البرلمان الهندي: “ففي كانون الأول/ ديسمبر 2001، كانت القاعدة في حالة فرار وفي موقف لا تحسد عليه. وبمجرّد تغيير مسار الجيش الباكستاني إلى الشرق، أي إلى الحدود مع الهند، ساهم الهجوم على البرلمان في إنقاذ القاعدة”.
تواجه كل من الصين وباكستان موازنة دقيقة إذ يرغب كلاهما في دفع طالبان إلى التعامل مع كابول. في المقابل، تعتبر طالبان التي تربطها علاقات وثيقة بجماعات مثل حركة جيش محمد قادرة على زعزعة الاستقرار في المنطقة من خلال عمليات من قبيل تلك التي نُفّذت في الرابع عشر من شهر شباط/ فبراير ردًا على الضغوطات التي تعرّضت لها الحركة.
بناء على ذلك، يتعين على كلا البلدين استمالة الجماعات المسلّحة بما في ذلك حركة طالبان من أجل حماية الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني. ومن المتوقع أن تكون عواقب الفشل، على غرار ظهور حالة من الفوضى الإقليمية والاستثمارات المهدورة، وخيمة جدا، إلا أن المزايا المحتملة للنجاح المتمثلة في انتزاع أفغانستان من الهند إلى جانب بناء ممر اقتصادي ضخم ذو مكاسب أمنية، تظلّ مغرية للغاية.
المصدر: فورين بوليسي