إنه يوم الجمعة، ويوشك السبت على الدخول، والانتخابات على الأبواب، ولذلك من الطبيعي أن يعج سوق محنا يهودا بالناس.
يأتي الإسرائيليون إلى هذا المكان من كل أرجاء البلاد، يتسوقون لنهاية الأسبوع يملؤون عيونهم ويزكمون أنوفهم بمشاهد وروائح هذه الأزقة المسقوفة.
عند أحد الأكشاك يقف شخص يتفحص الطماطم وقد طوى تحت ذراعه بساطاً من النوع الذي تمارس عليه رياضة اليوغا. إلى جانبه يقف شخص آخر يحمل على كتفه بندقية.
ينتشر المئات من الشباب في أرجاء هذا السوق المسقوف، الذي يعود إلى حقبة العشرينيات من القرن الماضي، والذي يعتبر واحداً من أكثر نقاط التجمع شعبية في غربي القدس. وهنا يحتسون البيرة أو يشربون الكباتشينو وهم يتبادلون أطراف الحديث. وإلى هنا جاء السياسيون الإسرائيليون ليقابلوهم.
في أجواء من الموسيقى الصاخبة يصل وزير الخارجية يزرائيل كاتز ويتجول بين الأكشاك مصافحاً المارة عارضاً عليهم التقاط صور “سيلفي” معه.
ومن ورائه يأتي جلعاد إردان، وزير الأمن والإعلام، والذي مثله في ذلك مثل كاتز، ينتمي إلى حزب ليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. كلاهما يسعيان للحصول على تأييد الناس لحزب ليكود استعداداً للانتخابات القادمة التي ستجرى يوم الثلاثاء.
حين يتعلق الأمر بالشباب الإسرائيليين فإن حزب ليكود يتقدم باقي الأحزاب.
ليس من المفروض أن يواجها في ذلك صعوبة كبيرة، فسوق محنا يهودا الذي يعرف باسم “القشرة” هو ذلك النوع من الأماكن الذي يعلق فيه أصحاب الدكاكين على جدران محلاتهم صوراً كبيرة لرئيس الوزراء اليميني السابق مناحيم بيغن.
وحين يتعلق الأمر بالشباب الإسرائيليين فإن حزب ليكود يتقدم باقي الأحزاب.
يُظهر استطلاع للرأي نُشر هذا الأسبوع أن الشباب الإسرائيليين أكثر ميلاً نحو التصويت لنتنياهو من التصويت لمنافسه الأقرب إلى الوسط بيني غانتس. ضمن الفئة العمرية من 18 إلى 24 سنة، يتقدم رئيس الوزراء على منافسه رئيس الجيش السابق بما يقرب من خمسين نقطة.
وبينما يلتقي كاتز وإردان بالناخبين الشباب ويسلمون عليهم فإن أكبر تحد أمامهما يتمثل في القدرة على إقناعهم بأن الليكود، والذي استمر في الحكم أكثر من أي حكومة يمينية أخرى في تاريخ “إسرائيل”، هو يميني بما فيه الكفاية.
في تصريح لموقع ميدل إيستآي، تقول تامار رات إيتزيون، وهي مستوطنة تبلغ من العمر تسعة وعشرين عاماً وتعمل مهندسة معمارية وخبيرة آثار: “الليكود يميني، ولكنه ليس يمينياً بما فيه الكفاية.”
أحد أتباع كاهانا، واسمه مايكل بن آري، حكمت المحكمة العليا بعدم أهليته للترشح في الانتخابات بسبب تهم وجهت له بالمطالبة باستخدام العنف لحرمان السكان العرب من حقوقهم وبالتحريض على العنصرية.
وتقول تامار رات إيتزيون، التي تعيش في مستوطنة غير شرعية داخل الضفة الغربية المحتلة إنها سوف تمنح صوتها لاتحاد الأحزاب اليمينية، وهو تجمع لفصائل هامشية مثيرة للخلاف لاشتمالها على أتباع مائيركاهانا الذي كان يعتقد بتفوق العنصر اليهودي وسعى إلى تخليص “إسرائيل” من العرب.
أحد أتباع كاهانا، واسمه مايكل بن آري، حكمت المحكمة العليا بعدم أهليته للترشح في الانتخابات بسبب تهم وجهت له بالمطالبة باستخدام العنف لحرمان السكان العرب من حقوقهم وبالتحريض على العنصرية.
وهناك آخر اسمه إيتامار بن غفير، والذي نجى مؤخراً من مراجعة قضائية. يشاهد هو الآخر وهو يتمشى في سوق محنا يهودا محاطاً بالفتيان الملوحين بالأعلام والذين يوزعون على المارة منشورات تدعو إلى وضع حد لنفوذ المحكمة العليا.
وتقول تامار رات إيتزيون: “هؤلاء هم ناسي وهم يدينون بالولاء لناخبيهم. أنا متدينة ولدي إيمان راسخ بمعتقداتي. لن أكذب على نفسي {وأصوت لشخص آخر} فقط لأنني لا أرغب في أن أوصم بأنني متطرفة.”
إبقاء اليسار خارج السلطة
في مكان آخر يتواجد فتيان في السابعة عشرة من العمر يرتديان قميصان تي شيرت يحمل أحدهما صورة بن آري ويحمل الآخر صورة غفير.
هذان الشابان، اللذان ينحدران من مستعمرة آلي القريبة من نابلس في الضفة الغربية، لم يبلغا السن القانونية التي تسمح لهما بالانتخاب، ولكنهما ينويان بمجرد أن يصرح لهما بذلك انتخاب الليكود، وذلك على الرغم من الصور التي يرتديانها وبالرغم من اعتقادهما بأن نتنياهو ليس يمينياً بما فيه الكفاية.
على الرغم من أن انتخابات هذا العام تأتي في موعد مبكر بالنسبة لآموس وأوري، إلا أنهما يستعدان بعد شهور قليلة للانضمام إلى الخدمة العسكرية في “إسرائيل”. كلاهما معجبان بالمرشحين الذين يتعهدون باستخدام العنف لقمع الفلسطينيين في الضفة الغربية وفي قطاع غزة.
الوزير اليميني جلعاد أردان يقوم بحملة في سوق محنا يهودا في غربي القدس المحتلة
يقول آموس: “يجب علينا معاقبة العرب حتى يتأدبوا. بل إن قتل العرب واجب ديني.
يؤمن آموس بأن السلام مع الفلسطينيين بكل بساطة ليس خياراً، ويظن أنه ينبغي الفصل تماماً بين اليهود والعرب.
أما أوري فيقول: “لا خيار أمام الإسرائيليين سوى أن يصوتوا لصالح الليكود. أهم شيء هو إبقاء اليسار خارج السلطة.”
بالطبع ليس الجميع من أتباع اليمين المتطرف. فثمة شابان قريباً منا يعترفان همساً بأنهما سوف يصوتان لصالح حزب الأزرق والأبيض الذي يحسب على يمين الوسط ويرأسه غانتس.
ينحدر هذان الشابان من شريط تل أبيب ذي التوجه الليبرالي المشاكس. يقول أحدهما: “ولهذا السبب نتحدث همساً.”
بعد لحظات يتجلى بوضوح الازدراء الذي يضمره سكان القدس للمدينة المتوسطية، وذلك عندما يندلع خلاف ضمن الجمهور المحتشد حول كاتزوإيردان.
أصبحت كلمة “يساري” وصمة عار في المجتمع الإسرائيلي، كما تقول الدكتورة نوا لافي من الكلية الأكاديمية في تل أبيب – يافا
نسمع أحدهم يصيح: “تباً لك أيها اليساري، عد أدراجك إلى تل أبيب”. ويتضح أنه يصيح على أحد المصورين أثناء محاولته تصوير إردان وهو يصوب إصبعه باتجاه رجل من المتدينين الأرثوذكس.
رد عليه أحدهم: “من هذا الذي تصمه بأنه يساري؟ إنك أنت اليساري.”
مخالفة اتجاه السوق
لقد أصبحت كلمة “يساري” وصمة عار في المجتمع الإسرائيلي، كما تقول الدكتورة نوا لافي من الكلية الأكاديمية في تل أبيب – يافا، وذلك على الرغم من أنها سمة طالما تفاخر بها العديد من زعماء “إسرائيل” الأوائل.
وقالت في تصريح لموقع ميدل إيستآي: “لقد شهدت الأعوام العشرة الماضية كماً كبيراً من الدعاية ضد اليسار. بات البعض الآن يعتبر من ينتسب إلى اليسار خائناً.”
وكانت لافي قد نشرت في عام 2016 دراسة عن الشباب الإسرائيلي، خلصت إلى أن معظمهم ينتسبون إلى اليمين على خلاف أقرانهم في أوروبا الغربية.
بعد أن أجرت استطلاعاً بين الإسرائيليين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 29 عاماً وقارنت النتائج بدراسة مشابهة أجريت في أوروبا، وجدت لافي أن جمهورية التشيك ودولة المجر هما فقط اللتين اقتربت نتائجهما من النتائج الإسرائيلية.
ولاحظت لافي أنه في الولايات المتحدة ما يعرف بالجيل Z ، أي أولئك الذين ولدوا ما بين 1995 و 2008، يمثل الشريحة الأكثر ليبرالية وديمقراطية بين الناس في بلادهم. والعكس تماماً هو الحال في “إسرائيل”.
كون الشباب الإسرائيلي يسود في أوساطه التوجه اليميني لا يعني بالضرورة أنهم جميعاً سيصوتون لصالح حزب الليكود
تقول لافي: “هناك الكثير من الأسباب المعقدة التي أثمرت هذا التوجه. فعلى مدى السنوات العشر الماضية نشأ الجيل الجديد من شباب “إسرائيل” في ظل حكومة يمينية جداً جداً، وهي كل ما خبروه وعرفوه. في نفس الوقت، التوجه السائد للتعليم صهيوني جداً جداً، إلا أنه توجه لا يشجع على التفكير النقدي. كما أن وسائل الإعلام والمؤسسة العسكرية تلعب دوراً كبيراً في ذلك.”
وتقول لافي إن التدين عامل آخر يساهم في ذلك، فقد وجدت من دراستها أن الشباب في “إسرائيل” – سواء اليهود أو الفلسطينيين – هم ثاني أكثر فئة شبابية تديناً في العالم بعد بولندا.
وتضيف: “والالتزام الديني يصاحب الآراء اليمينية، يداً بيد.”
انعدام الثقة
ولكن كون الشباب الإسرائيلي يسود في أوساطه التوجه اليميني لا يعني بالضرورة أنهم جميعاً سيصوتون لصالح حزب الليكود.
يجلس آريال، الذي يبلغ من العمر عشرين عاماً ويعمل جندياً، داخل المقهى بينما يتدلى ساحه من كتفه. يقول آريال إنه سئم من السياسيين الفاسدين في “إسرائيل”.
نتنياهو بالذات محاط بمزاعم الفساد من كل جهة، حتى أن كثيراً من المحللين يرون أنه ما دعا إلى انتخابات مبكرة إلا لهذا السبب.
يقول آريال، الذي ينحدر من القدس ويعتبر أن آراءه السياسية تميل نحو اليمين: “المرة تلو الأخرى، لا يقدمون لنا جديداً.”
بحسب استطلاع للرأي أجراه مركز غوتمان التابع لمعهد الديمقراطية في “إسرائيل” فإن الثقة بالانتخابات متدنية
ويضيف: “كل من فازوا في الانتخابات ثبت أنهم يكذبون، فكل ما يهمهم هو المال والسلطة، ولا يأبهون بتاتاً بالمواطنين.”
وبحسب استطلاع للرأي أجراه مركز غوتمان التابع لمعهد الديمقراطية في “إسرائيل” فإن الثقة بالانتخابات متدنية. لقد قال أكثر من ربع المشاركين في الاستطلاع إنهم لا يثقون في نزاهة الانتخابات.
ومن هؤلاء آريال الذي ينوي عدم المشاركة في التصويت.
يقول آريال: “لا يهم من سيفوز بالانتخابات، فكلهم سواء. أما نتنياهو فهو وسطي ضعيف.”
(تم استبدال بعض الأسماء بناء على طلب أصحابها)
المصدر: ميدل إيست آي
ترجمة وتحرير: عربي21