على مدار الحياة البشرية وباختلاف أعمار الأفراد وأماكن عيشهم وتفاصيلهم الحياتية، يمكننا القول إن الخوف شيء غريزي لدى كل الكائنات الحية بما فيها البشر وخصوصًا الأطفال، وهو أمر له مزاياه بجانب مساوئه، فالخوف الذي ينتج عن هرمون الأدرينالين هو المسؤول عن إخطارنا بالخطر وتجنبنا الكثير من المساوئ التي يمكن أن تحدث لنا، فمثلًا الوقوف أمام أسد ليس بالحدث البسيط ولولا الخوف لهلكنا وتمكن الأسد من افتراسنا، ولولا الخوف من النار لتركناها تحتك بنا وتحرق جلودنا، وغيرها من الأمور والأمثلة التي تؤكد حاجتنا كبشر لوجود دافع غريزي للانسحاب وقت الإحساس بالخطر وعدم الأمان.
وهذا العنصر “الخوف” موجود بشكله الخام الأولي لدى الأطفال، فالشعور بالخوف أمر له جزء فطري وله جزء مكتسب، وغالبًا ما يتم استغلاله من الآباء والكبار لتحقيق سيطرتهم على الطفل والتحكم في أفعاله غير المرغوبة، وعلى اختلاف الأزمنة والأشخاص نجد أن هذا المبدأ لم يختف من الأساس، لكنه يتغير بتغير الزمان ووسائل العصر.
طرق تخويف الأطفال قديمًا وحديثًا
رغم أن فكرة تخويف الأطفال فكرة قديمة بالأساس فإنها لم تنته إلى الآن والذي تغير مع الزمن طرق التخويف وليس المبدأ نفسه، فقديمًا كانت وسائل التخويف عن طريق الخرافات والأساطير الشعبية التي تم اختراعها على غرار حكايات الأنبياء والموروثات الشعبية الباقية حتى يومنا هذا، ومن ضمن هذه الخرافات “أبو رجل مسلوخة” وهي خرافة اخترعها الآباء لتخويف الطفل الذي لا يشرب اللبن أو يسمع كلام والديه، يهددونه إن لم يفعل هذا الشيء سيأتي الرجل أبو رجل مسلوخة ويخطفه، وحكاية “أمنا الغولة” هي حكاية مشابهة أخرى على نفس المنوال السابق، كما توجد خرافة “حمار القايلة” وهي سعودية الأصل تقال ليخيف بها الأهل أولادهم حتى لا يخرجوا من المنزل وقت الظهيرة، وفي كل الأحوال كانت تبث هذه الخرافات الذعر في قلوب الأطفال، حتى لو لم يظهر ذلك.
تخويف الأطفال وتهديدهم بمختلف الوسائل أمر لا يتناسب مع المستوى الإدراكي أو النفسي لديهم وغالبًا ما يؤدي إلى آثار سلبية وعقد نفسية يمكن أن تستمر مع الطفل طيلة حياته
كما يختلف أسلوب التهديد باختلاف المكان الذي يتم به التهديد فتهديد طفل القرية يختلف عن تهديد طفل المدينة، بحكم الوسائل الموجودة في بيئته وحكم الطبيعة الحياتية التي يعيشها كليهما، وفي بعض البيئات يتم تهديد الطفل بشخص معين مثل تخويف الطفل بخادمة المنزل أو شخص يعرفه ولا يحبه أو استخدام التخويف والتهديد الأشهر الذي هو بالأب، وهذا شائع جدًا في أغلب البيوت العربية، وعلى عكس المتوقع يؤدي هذا التهديد إلى كره الأب والنفور منه وليس الخوف منه فحسب كما المتوقع، وذلك يؤدي إلى اضطراب العلاقة بين الطفل وأبويه مع الوقت، وفي عصر التكنولوجيا الرقمية تطور الأمر حتى وصل إلى التخويف بوجوه “السناب شات” أو الاتصال بشرطة الأطفال الإلكترونية.
وهي عبارة عن مقطع صوتي مسجل يعطي الفرصة لخلق حوار بين الشرطة والمتصل، وبها الشكوى التي يتصل بسببها أولياء الأمور، وهي موجودة بكثرة وتنوع على اليوتيوب، فهناك الطفل الذي لا ينام بسهولة أو الطفل الذي يمسك الجوال كثيرًا أو الطفل الذي يرغب في الخروج من المنزل أو غيرها من الأمور، وكل هذه الفيديوهات مخصصة لعقاب الطفل على فعل معين، وهذه كلها أساليب تربوية خاطئة ولها أضرار خطيرة جدًا، لأن هذا سيرسخ عدد كبير من القيم الخاطئة لدى الطفل منها عدم ثقة الأهل به لدرجة الاتصال بالشرطة، وستؤدي بالطفل إلى تقليد هذه الأفعال وترسيخها في شخصيته حتى عندما يكبر، فكما يشكوه والديه سيشكوهم هو، سواء قدر خطورة وجدية ذلك أم لا، فإذا كان الأهل من بدأوا بهذا الفعل فلم لا يفعل مثلهم؟
خطورة تخويف الأطفال وتأثيرها النفسي
تخويف الأطفال وتهديدهم بمختلف الوسائل أمر لا يتناسب مع المستوى الإدراكي أو النفسي لديهم وغالبًا ما يؤدي إلى آثار سلبية وعقد نفسية يمكن أن تستمر مع الطفل طيلة حياته، كما أن لها نتائج ملموسة تظهر على سلوك الطفل منها حدوث تبول لا إرادي أو اضطراب في الشخصية وذعر من بعض الأماكن أو الأشخاص، وسيؤثر الأمر على خوفه من الأماكن المظلمة وثقته في النفس واستقلاله العام ولن يستطيع أن يكون سوي الشخصية عندما يكبر، وكل ذلك بسبب بعض الأمور التي نراها تافهة ولا تمثل لنا أمر جلل أو نأخذها بجدية، ولكنها بالنسبة للعقول اللينة التي لم تنضج أمر كبير.
الطرق الصحيحة للتعامل مع الطفل المشاكس أو الطفل الذي لا يسمع الكلام هو العقاب وليس التخويف المبني على خرافات ووسائل ترهيبية تضر أكثر مما تنفع
فعقول الأطفال تأخذ كل الأمور بجدية وتتمحور حول المعطيات التي تُقدم لها، ومن السلبيات الواردة لأساليب التخويف لدى الأطفال، هي أحساس الطفل بعدم الأمان وسط أهله وشعوره بالذنب وعدم حبهم له، فتهديد الطفل بالحقن أو بالعفاريت أو اتصالهم بشرطة الأطفال يصيب الطفل بخيبة الأمل وشعوره بالخذلان من أهله الذين لم يتحملوه واستطاعوا أن يكونوا قساة معه بهذا الشكل، ومع مرور السنوات يمكن أن ينسى الطفل هذه المواقف ولكن لا ينسى آثارها النفسية التي تسببت له بها.
ما البديل لخرافات تخويف الأطفال؟
الطرق الصحيحة للتعامل مع الطفل المشاكس أو الطفل الذي لا يسمع الكلام هو العقاب وليس التخويف المبني على خرافات ووسائل ترهيبية تضر أكثر مما تنفع، والعقاب يكون تدريجيًا وحسب سن الطفل، وشرح أسباب العقاب وتعريف الطفل خطأه هي خطوة مهمة لا بد منها، لأن هناك الكثير من الأطفال الذين لا يعرفون ما الذي فعلوه ليعاقبوا أو يفعلوا أي شيء آخر، وهناك طرق فعالة لتطبيق العقاب على الطفل، فالعتاب مثلًا يعتبر أحد أنواع العقاب اللين الذي يمكن أن يجدي استجابة خاصة مع الفتيات والأطفال صغار السن، ويمكن العقاب بالحرمان أو التجاهل وهذه الوسائل هي الأكثر فاعلية بين طرق التعامل مع الطفل ولا تسبب له أزمة أو عقدة بل تعرفه خطأوه وما يجب عليه فعله على عكس ما يحدث مع الخرافات التي تظل حبيسة لوجدان الطفل وتسبب له الأزمات عندما يكبر.
خرافات الأطفال وهم يجب أن ينتهي بدلًا من إحداث اضطرابات نفسية للطفل تظل معه عمرًا كاملًا لمجرد أن السبب كان رغبة الوالدين في أن يتناول ابنهم كوب الحليب أو ينام مبكرًا!