ترجمة حفصة جودة
في النقاشات التي تدور بشأن مستقبل العمل يتم تصوير التكنولوجيا بشكل شرير، وفي دراسة أجريت مؤخرًا تم تقدير أن 38% من الوظائف في الولايات المتحدة في خطر التعرض لـ”الأتمتة” خلال العقد القادم، وفي صناعة البناء والتشييد تبدو التوقعات أكثر خطرًا، فمن المتوقع أن يصل معدل البطالة بسبب الروبوتات إلى 24% في بريطانيا و41% في ألمانيا.
لا شك بأن الأتمتة ستغير من طريقة عمل البشر، لكن في بعض قطاعات الاقتصاد مثل العمارة والهندسة والبناء كان التغيير متأخرًا.
في تلك الصناعة التي تبلغ عائداتها السنوية 10 تريليونات دولار – أي نحو 6% من إجمالي الناتج المحلي العالمي – فإن هذا الأداء ليس عظيمًا، فعالميًا يستهلك أي مشروع عمراني كبير في المتوسط وقتًا أطول بمعدل 20% عن الوقت المخطط، ويستهلك أكثر من 80% زيادة عن الميزانية المخصصة.
ورغم أن العديد من قطاعات صناعة العمران مثل التجمعات السكنية العائلية الفردية والتجمعات السكنية العائلية المتعددة والطرق السريعة والشوارع والجسور والمصانع، شهدت تطورًا في العقود الأخيرة، إلا أنه ما زال هناك الكثير من الفرص لزيادة الإنتاج بمعدل أسرع وأن تصبح صناعة البناء أكثر كفاءة.
هناك العديد من العوامل التي تساهم في انخفاض كفاءة صناعة العمارة والهندسة والبناء “AEC” من بينها انخفاض رأس المال الاستثماري مقارنة بباقي القطاعات وخطورة مواقع العمل وتعقيد المشروعات والتدهور الاقتصادي وانعدام الشفافية والفساد.
ما زالت بعض الشركات العالمية الكبرى تؤدي أعمالها باستخدام الورق
ومن أكبر العقبات نقص العمالة الماهرة، فوفقًا لدراسة عام 2017 أجرتها شركة “Associated General Contractors of America” فإن 70% من المقاولين في الولايات المتحدة يعانون من أجل استئجار حرفيين مهرة، يأتي ذلك في الوقت الذي يُتوقع فيه نمو احتياجات التوظيف بنسبة 12% بحلول عام 2026، وببساطة أتمتة عناصر عملية البناء أكثر من مجرد هندسة جيدة، فهو يتعلق أيضًا بالعمل التجاري الذكي.
بدأت الأبحاث في مجال استخدام الروبوتات في الصناعة قبل عقود عديدة، وذلك في أثناء طفرة البناء اليابانية في الثمانينيات، فقد أدى نقص العمال إلى اتجاه مجموعات الصناعة للاستثمار في تصميم نظام إلكتروني، لكن تلك الجهود فشلت جزئيًا لأن قوة الحوسبة كانت لا تزال ضعيفة، والآن رغم تطور التكنولوجيا بشكل بارز فإن الصناعة لم تتطور بعد.
فما زالت بعض الشركات العالمية الكبري تؤدي أعمالها باستخدام الورق بداية من إدارة أوامر سلسلة التوريد إلى التخطيط لمتابعة ساعات عمل الموظفين ودفع أجورهم.
لم تعد فوائد أتمتة البناء نظرية، فقد أثبت الباحثون أهمية الروبوتات، وقبل انضمامي إلى جامعة نيويورك في أبو ظبي حيث قدت فريقًا متعدد التخصصات لدراسة الابتكار في قطاع البناء، كنت مشرفًا على مجموعة من الطلاب الخريجين في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ “ETH” وقد بحثنا في كيفية تأثير الأرقام الوهمية على الإنتاج، وكانت النتائج تدعم نظرية أن التكنولوجيا قد تكون هدية للعاملين في البناء والهندسة والعمارة.
عند مقارنة التكلفة والوقت اللازمين لبناء حائط من صنع البشر بحائط من صنع الروبوت سنجد أنه مع زيادة مستوى التعقيد فإن الأتمتة تؤتي ثمارها، بالإضافة إلى ذلك ففي الحوائط التي تبنيها الروبوتات يملك المهندسون والمصممون والمقاولون مرونة أكثر لإجراء تعديلات متأخرة دون زيادة كبيرة في التكلفة أو تأخر في وقت التسليم.
وفي النهاية فقد اكتشفنا أن المباني البسيطة يبنيها البشر بشكل أكثر فعالية، وهذا يعني أن البشر والروبوتات سيجتمعون ويتعايشون معًا لفترة طويلة في مواقع البناء.
لكن يجب توخي الحذر في استنتاج الدروس من مثل تلك الدراسات، فكل مشروع بناء له تحدياته الفريدة وتعقيداته بين الملاك والمصممين والمقاولين والعامة، فمثلاً مشروع البناء الذي تمت الدراسة عليه كان متعاونًا من الناحية التصميمية، لكن ما زالت النتائج تقدم دليلاً على أن فوائد أتمتة البناء لم يعد من الممكن تجاهلها.
يعلم الكثير في صناعة البناء تلك الحقيقة، وهناك معماريون مثل فرانك جيري وزها حديد كانا من أوائل دعاة استخدام الروبوتات في التصميم، وهناك بعض المدن التي تستخدم الكثير من الأتمتة، ففي دبي تقول اللوائح الجديدة إنه بحلول عام 2025 يجب أن يكون 25% من المواد المستخدمة في البناء ذات مصادر مطبوعة ثلاثية الأبعاد.
لكي يتم الاستفادة بشكل كامل من إمكانات الأتمتة لا بد أن تواكب اللوائح وقوانين البناء تلك التقنية
وهناك بعض المقاولين الذي اتجهوا إلى استخدام الروبوتات في المهام الفردية مثل طلاء الجسور وتفجير المباني واللحام وربط حديد التسليح وإصلاح الطرق، لكن رغم كل تلك الفوائد فإن أتمتة البناء ما زالت استثنائية، ولكي ينتقل الحديث عن ذلك من الهامش ويصبح رئيسيًا لا بد من إجراء بعض التغييرات الرئيسية.
في البداية يجب أن تحسن صناعة البناء من عملية التواصل، لأن التكلفة الزائدة عادة ما تكون بسبب فجوة بين مرحلتي التصميم والتنفيذ، من الضروري تحسين مشاركة المعلومات بين أصحاب المشروع لتفعيل التكنولوجيا، والحل هو: بروتوكول موحد وآلي لمعلومات البناء.
ثانية، يجب إعطاء الأولوية لاقتصاد الحجم، وذلك بتشجيع اعتماد تقنيات مشابهة، فالأتمتة تكون فعالة عند استخدام الأدوات والتقنيات على نطاق واسع.
ثالثًا، يجب على الصناعة تعزيز تقييمات أداء المشروعات، فالمخاطر المالية الناتجة عن التكنولوجيا تكون كبيرة عند إدخالها دون تحليل مناسب للتكاليف والفوائد، ومن خلال مراجعات منتظمة سيصبح من الممكن تقييم فوائد أتمتة بعض أجزاء عملية البناء والتشييد.
وأخيرًا يجب على الحكومات أن تسهل الانتقال إلى النظام الآلي، فالقطاع العام هو الذي سيحدد في النهاية موقع التكنولوجيا في صناعة البناء، ومع ذلك ففي الوقت الحاليّ هناك نقص في القيادة ذات الرؤية، فمثلاً في بعض المناطق يجعل المسؤولون والقوانين من الصعب الانتقال إلى استخدام المطبوعات ثلاثية الأبعاد في البناء، ولكي يتم الاستفادة بشكل كامل من إمكانات الأتمتة لا بد أن تواكب اللوائح وقوانين البناء تلك التقنية.
ورغم أن الأمر سيستغرق وقتًا لتقييم تأثير الأتمتة والتكنولوجيا الرقمية على سلاسل التوريد ونماذج العمل والتوظيف والأمن السيبراني وتسليم مشروعات البناء، فهناك إجماع متزايد على أن العمليات والتقنيات الجديدة مهمة في تحسين إنتاجية البناء.
ولضمان أن الانتقال إلى الأتمتة في مواقع البناء سيكون سلسًا قدر الإمكان، فقد حان الوقت ليقوم الباحثون والعاملون في مجال البناء بتوحيد قوتهم واكتشاف بدائل جديدة.
المصدر: وايرد