حمص القديمة، عائدون على الرماد والذكريات

aa_picture_20140510_2284716_web

وكأن شيئاً لم يكن، بدأ العديد من أهالي حمص القديمة بالعودة إلى منازلهم التي كانت ضمن منطقة الاشتباكات بين الجيش السوري وكتائب الثوار المتحصنة داخل مناطق حمص المحاصرة، وذلك بعد خروج الثوار منها.

وكانت الصفقة المبرمة بين كتائب الثوار وقوات النظام السوري والمعروفة باسم “هدنة حمص” تقضي بخروج الثوار من حمص المحاصرة وعددهم حوالي 1500 مقاتل، مقابل إفراج الجيش الحر عن جنود إيرانيين و روس يحتجزهم، إضافة إلى تخفيف الحصار عن منطقتي نبل والزهراء الشيعيتين في ريف إدلب.

وكان الثوار يتحصنون في 13 حياً من أحياء حمص القديمة، تحاصرها القوات السورية منذ قرابة الـ 700 يوماً خرجوا منها إلى الريف الشمالي لحمص، وبدأ سكان هذه المناطق بالعودة إليها.

وخلال فترة الحصار التي فرضتها قوات النظام على الأحياء، كان التيار الكهربائي والمياه والاتصالات مقطوعة بشكل كامل عن تلك الأحياء، كما أن قوات النظام كانت تمنع دخول أو خروج أي من المحاصرين وتمنع دخول أي مادة غذائية أو طبية إليهم طوال تلك المدة.

كثيرون من أبناء حمص عادوا لـ “التجول” فقط في شوارع الأحياء المهدمة تماماً، وغير القابلة للسكن، آخرون وجدوا بقايا بيتهم وآخرون كانت بعض غرف المنزل وأخرى مهدمة، أبناء حي “الحميدية” بدؤوا بالعودة في ظل وجود العديد من البيوت التي لم يصبها كثير من أذى لكن طبعاً في ظل انقطاع كامل للماء والكهرباء.

العائدون إلى حمص القديمة كتبوا بعضاً مما شاهدوه وعاينوه، كتبوا عن بيوتهم التي ما عرفوها وسط الدمار، ولا غرف نومهم التي فقدت كل تفاصيل حياتهم وذكريات عائلاتهم ذات الأعوام الممتدة.

أحد سكان حمص سأل بائع خضروات كبيراً بالسن : “شو يا عم، رحت شفت الدار ؟”، سكت طويلاً ثم نظر إليه وقال بغضب :” عمي لا عاد تقلي دار، مافي دار راح، عمي لا بتقدر تحكي و لا بتقدر تعبر عن الشي اللي شفتو .. عم نمشي فوق انقاض الله وكيلك حسيت عم امشي فوق قلبي .. الله يخليك بدك تشتري اهلا و سهلا ما بدك تركني بحالي”.

آخر من سكان حمص الذين زار المنطقة كتب :” هيك واحد بكون قاعد ببيت عايش فيه طفولته ومراهقته وشبابه .. بينجبر يطلع منو بليلة ما فيا ضو قمر بياخد معو اغلى ذكرياته على أمل انو يرجع بعد فترة .. بيرجعلو.. بس بدل ما يضم ذكرياته بلاقي حالو عم يمشي عليون .. عم يمشي فوق اغراضو فوق ركام ورماد الله اعلم شو كان قبل ما ينحرق.. يمكن عم يمشي ع صورو ع كتبو ع عفشو يمكن ع تيابو .. شعور العالم ما بينوصف .. وكلو عم يسأل ليش صار هيك؟.
فقدان “الامل” يلي كان معيش العالم هالسنتين اصعب بكتير من فقدان البيت نفسو .. الله يعوضكن يا اهل حمص القديمة”.

وفي ظل القصف المتواصل بكل أنواع القذائف والصواريخ على حمص القديمة، ضاعت كل المقتنيات وفقد كل من غادر حمص أكثر ما كان يكنزه طوال حياته، أحدهم قال : ” العين الزرقاء وقاية من حسد الناس لأهل حمص … فلله الحمد لقد قرروا السماح للناس بتفقد أملاكها المرهونة منذ أكثر من عامين ! ، كغيري ذهبت والأمل يحدوني بلقاء أشيائي ومقتنياتي التي كنت أحفظها فيه وكتبي التي يتجاوز عددها الآلاف الأربعة وخصوصاً مجموعة من الكتب والمخطوطات النادرة أخذتها من مقتنيات والدي رحمه الله مع وثائق تاريخيه لنادي خالد بن الوليد حين رخصه كنادٍ في العام 1936 مع مجموعة من أصحابه .. وكماً من صور المباريات التي خاضها مع النادي كلاعب ومدرب … المهم أني لم أجد إلا الرماد فقد احترق مكتبي ولم يبق فيه قصاصة من ورق … لم أحزن على كم الأدوات الكهربائية التي سُلبت ولا على الفرش الذي نُهب ولا على مخططاتي ومراجعي الهندسية حيث يمكن تعويضها … بل حزنت على تاريخٍ أُحرق بفعل فاعل فلماذا تحرق الكتب ولا تسرق ؟؟ سؤال أجابني عليه هولاكو حين صبغ دجلة بلون الحبر ، وحين أحرق الجاهلون كتب إبن رشد الأندلسي … أناس يحاربون الكتاب ويخافون منه … أشعلوا النار في صومعتي فاحترق كل شيئ … كل شيئ … سبحت في الرماد وأنا أفتش عن ذكرى غارقة ولكن هيهات … فحسبي الله ونعم الوكيل”.

أما أحد احد ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻤﺤﻼ‌ﺕ ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻊ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻭﺳﻂ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، وﺍﻟﺬﻱ ﺫﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﻣﺤﻠﻪ ﻟﻴﺘﻔﻘﺪ ﺍﻟﺒﻀﺎﻋﺔ ﻓﻮﺟﺪﻫﺎ ﻟﻢ ﺗﻨﻘﺺ ﻗﻄﻌﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﺑﻀﻌﺔ ﻣﺌﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻷ‌ﻣﺘﺎﺭ ﻳﻮﺟﺪ ﻣﺴﺘﻮﺩﻋﻪ ﺍﻟﻤﻠﻲﺀ ﺑﺎﻟﺒﻀﺎﻋﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺗﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﻮﺍﺕ ﺍﻷ‌ﺳﺪ، ﻭﺟﺪﻩ ﺧﺎﻝ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻣﻦ ﺃﻱ ﻗﻄﻌﺔ .. ﺍﻟﺘﻘﻰ ﺑﺠﺎﺭﻩ ﻓﻲ ﺫﺍﻙ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻗﺮﺏ ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ، ﺗﺬﻛﺮ ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﻭﺿﻊ ﻧﺼﻒ ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻟﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺩﺭﺝ ﻣﻜﺘﺒﻪ، ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺃﺧﺬﻫﺎ ﻓﻲ ﻏﻤﺮﺓ ﺍﻟﻬﺠﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺣﻤﺺ ﻗﺒﻴﻞ ﺍﻟﺤﺼﺎﺭ، ﺫﻫﺐ ﻟﺘﻔﻘﺪﻫﺎ ﻓﻮﺟﺪﻫﺎ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺤﻞ ﺑﻼ‌ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺃﻭ ﻧﻮﺍﻓﺬ.

آخر من العابرين إلى ركام حمص، أو ما تسمى افتراضاً حمص القديمة، شاهد شيئاً مختلفاً فكتب : “مبارح بحمص أنا ما شفت عالم فرحانة .. ما شفت عالم عم تتصور مع العساكر يمكن الله عمالي عيوني او يمكن انا مابدي شوف .. اللي شفتو بحمص كان ناس رجليها اخدتها محل ما تركو قلوبن وعمرهم .. شفت رجال طالع من محلو ماسك لمبة لقاها لسا صامدة، وحدة طالعة من بيتها حاملة صورة و بخاخ بلور، والتانية طنجرة ولعبة ابنها ، شفت رجال لابس “روب دي شامبر” وحامل كتابين وطالع من اللي كان بيتو. وشب فرح لما تحت ركام محلو دفترو العسكرية.

“الكل عم ياخد ايا شي بلاقيه لسا موجود عرغم سخافتو لانو هادا اللي ضل من “عمرو و ذكرياتو “.. شفت أم خسرت ولادها التنين وركضت اول ما سمعت انها بتقدر تفوت عبيتها .. ما راحت تطمن عرزقها راحت تدور على ولادها بركي بكونو هنيك وما ماتو .. كانت عم تفتل بالبيت تنادي بأسمائهم تتفتل حواليها وكلها امل يطلع حدا من ولادها.. ضمت فردة بوط لصدرها وطلعت .. طلعت وعرفت انو اللي راح ماعاد يتعوض .. هيك كانت حمص مبارح .. وهيك شفتها”.