بعد أقل من 33 يومًا على أدائه اليمين الدستورية لولايته الرئاسية الأولى التي كانت في الـ8 من يونيو 2014 وقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال كلمة له على هامش احتفالية إعلان تدشين محور تنمية قناة السويس ليقول: “الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كان محظوظًا، لأنه كان بيتكلم والإعلام كان معاه” وذلك في الـ5 من أغسطس من نفس العام.
لم يستغرق السيسي وقتًا طويلاً لكشف رؤيته للإعلام ودوره الوطني وفق تصوره الخاص، فالرجل منذ البداية كان واضحًا جدًا في تعريف الإعلام الوطني، هذا الإعلام الذي يجب أن يظل في ظهر الرئيس ويدعم توجهاته وينشر التفاؤل والأمل بين الشعب بصرف النظر عن علاقة ذلك بالواقع المعاش فعليًا.
القلق الرئاسي من الإعلام يأتي استنادًا للدور الذي قام به الأخير في التمهيد لثورة 25 يناير، تلك الثورة التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك، ثم من بعده محمد مرسي، وهو ذاته من سوق السيسي شعبيًا وصدره على أنه مطلب جماهيري، الأمر الذي ساعد فيما بعد في تنصيبه رئيسًا لمصر.
لم ينس وزير الدفاع الذي عينه مرسي ثم انقلب عليه فضل الإعلام ودوره في صناعة تاريخه الشخصي، وهو الفضل الذي تحول فيما بعد إلى كابوس، فالتجربة ربما تتكرر ضده طالما بقيت الأدوات كما هي، إذًا فما الحل؟ وهنا أيقن السيسي أن هذه المعضلة لا يمكن الخروج منها إلا بتقليم أظافر الإعلام عبر إحكام السيطرة عليه وشل أركانه وتطويق أذرعه من كل جانب.
الإعلام اللاعب الأبرز
رغم أهميته المحورية التي لا ينكرها أحد فإن ثورة الـ25 من يناير وما أحدثته من إعادة رسم لخريطة مصر السياسية، كشفت عن دور جديد لتلك العصا السحرية، إذ أثبتت أن الإعلام بشتى أنواعه هو اللاعب الأكثر حضورًا والأبرز تأثيرًا في المشهد، مستندًا في ذلك إلى ارتفاع نسبة الأمية لدى قطاع كبير بين المصريين.
وبعيدًا عن الدور التمهيدي لهذا السلاح القوي في تأجيج الثورة في نفوس الشعب المصري والدفع لخروج الملايين في الشوارع والميادين، إلا أن القارئ الجيد للتايم لاين التالي لما بعد الثورة يقف على الدور الخطير الذي قام به الإعلام وساهم في إحداث زلازل سياسية وأمنية تدفع مصر ثمنها حتى الآن.
لعب هذا الإعلام دورًا كبيرًا في تشويه صورة نظام الرئيس المعزول محمد مرسي، وتصديره للشارع أنه النظام العميل والفاسد الذي جاء بمؤامرة دولية
فبدءًا من أحداث محمد محمود، تليها واقعة ماسبيرو مرورًا بشيطنة تيارات الإسلام السياسي، وصولاً إلى دغدغة مشاعر المواطنين بالعزف على أوتار المستقبل المشرق على شاكلة “مصر تستيقظ” و”قناة السويس الجديدة.. هدية مصر للعالم” و”مناجم الياقوت والمرجان”، كان الإعلام صاحب الفضل فيها بصورة كبيرة.
واستمرارًا لهذا الدور الذي تكشف فيما بعد أنه كان مرسومًا بعناية فائقة، فقد لعب هذا الإعلام دورًا كبيرًا في تشويه صورة نظام الرئيس المعزول محمد مرسي، وتصديره للشارع أنه النظام العميل والفاسد الذي جاء بمؤامرة دولية، فضلاً عن العزف المتواصل على أنغام السخرية من الرئيس وأفعاله والمقربين منه دون رد فعل يذكر منهم وهو ما ساهم في تكوين رأي عام ناقم على الثورة وإفرازاتها.
وفي مقابل ذلك كان ذات الإعلام يمجد في الجيش ورجالاته، وينقل بين الحين والآخر رسائل خفية وضمنية من قادة القوات المسلحة لبث الاطمئنان في نفوس من ينوون التظاهر قبل 30 يونيو/حزيران 2016، بأن الجيش سوف يحميهم ويدعم حراكهم، وهو ما ساعد على خروج الملايين إلى الشوارع في حماية القوات المسلحة حتى وقع ما وقع.
ومع ذلك لم يقف الإعلام عند هذا الحد، بل ساهم في ترسيخ تهم الخيانة على كل من انتقد أحداث الـ3 من يوليو 2013، وما تلاها من قرارات وإجراءات، حتى طالت هذه التهم العديد من المشاركين في الانقلاب فيما بعد، كما حدث مع الدكتور محمد البرادعي والدكتور عصام حجي وكلاهما كان جزءًا من المشهد حينها.
قرصة ودن
في هذا الوقت ورغم تأييد الإعلام الرسمي وغالبية الإعلام الخاص للانقلاب على الثورة ورجالها، فإن الإعلام كله لم يكن على قلب رجل واحد، فكل تيار فيه كان ينتمي بشكل أو بآخر إلى جناح من أجنحة مؤسسات الدولة العميقة التي كانت فيما بينها في صراع داخلي مكتوم غير واضح للعيان.
ركوب السيسي الموجة بشكل كامل في أعقاب 3 من يوليو والترويج له على أنه رجل المرحلة ربما لم يلق القبول من بعض تلك الأجنحة الأمر الذي دفعها إلى تسليط أجهزتها الإعلامية لتلقينه درسًا سريعًا لإعادة النظر في توجهاته، وبالفعل كان الاختبار الأول إبان الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2014 (15-19 من مايو).
فبينما كانت تعزف قنوات فضائية وبعض الصحف على أوتار الإقبال الجماهيري الكبير على لجان الانتخاب كان في المقابل قنوات أخرى – البعض يراها ذات صلة بجهاز أمن الدولة ومجموعة الحزب الوطني المنحل – تسعى لتصدير صورة أخرى مفادها أن اللجان خاوية، وأن الشعب خذل السيسي، وما يحدث بمثابة فضيحة، الأمر الذي دفع الجهات الموالية للسيسي للحشد وتمديد أيام التصويت يومًا إضافيًا.
لم ينس السيسي ما حدث في الانتخابات الرئاسية، الدرس الذي ربما كلفه حياته السياسية والعسكرية في آن واحد، ورغم صمته الذي لم يدم طويلاً فإنه عاد من بعيد بموجات متتالية من الانتقادات التي وجهها للإعلام بين الحين والآخر
مراقبون فسروا هذا الموقف بأنه رسالة مباشرة من جهاز أمن الدولة ورجال الأعمال المتحالفين معه، للسيسي، مفادها أنهم لن يرضوا بتهميشهم لصالح جهات أخرى بشكل عام، وهي الرسالة التي وصلت بالفعل للرئيس الذي تعامل معها فيما بعد بنوع من التجاهل، إذ أصر على تشديد ثقته في مؤسسته العسكرية والاستعانة بتقارير وأجهزة المخابرات الحربية وإسناد المشروعات الضخمة للإدارة الهندسية للقوات المسلحة.
صدام متكرر
لم ينس السيسي ما حدث في الانتخابات الرئاسية، الدرس الذي ربما كلفه حياته السياسية والعسكرية في آن واحد، ورغم صمته الذي لم يدم طويلاً فإنه عاد من بعيد بموجات متتالية من الانتقادات التي وجهها للإعلام بين الحين والآخر، لا سيما في ولايته الأولى، التي شهدت صدامات غير مسبوقة بين رئيس دولة وأجهزة إعلامه، تارة مهاجمًا وأخرى محذرًا وثالثة يطالب بعدم الاستماع إلا لما يقوله هو بنفسه.
“الحكومة منورة” تلك الجملة كانت بداية الصدام الحقيقي بين السيسي والإعلام، ففي 6 من سبتمبر 2014، وخلال كلمته في إحدى الندوات التثقيفية للقوات المسلحة، انتقد طريقة تناول وسائل الإعلام لقضية انقطاع الكهرباء، قائلًا: “لما ألاقي في الجرنال مكتوب الحكومة منورة، هو أنت كده يعني بتعالج الموضوع لما تكتب كده؟ مينفعش، لكن الحل في معالجة الأمور”.
الأمر تكرر مرة أخرى بعد شهر ونصف من الواقعة الأولى، ففي 21 من أكتوبر 2014، وجّه كلمة للإعلاميين، خلال حضوره مناورة ذات الصواري بالإسكندرية، قائلًا: “أنتوا الإعلاميين، على مهلكوا على المصريين، الناس قاعدة في بيوتها بتسمع منكم وبتقرأ لكم، خلوا عندهم أمل عشان إحنا ماشيين كويس، مش زي ما إحنا عايزين، لأن آمالنا كبيرة أوي، خلوا فيه سياق عام تتكلموا فيه، اللي هو الحفاظ على الدولة المصرية”.
وفي 1 من نوفمبر 2015، هاجم الرئيس انتقاد الإعلام اجتماع له مع مجموعة سيمنز الألمانية في أثناء أزمة غرق شوارع الإسكندرية بمياه الأمطار، حيث قال: “أحد الإعلاميين بيقول إزاي الرئيس يقعد مع سيمنز وشايف إسكندرية بتغرق، حاجة صعبة أوي، عيب ميصحش كده، إيه الشغل ده والأمر ده لا يليق، أنتوا بتعذبوني أني جيت وقفت هنا”.
وفي تطور يعكس حجم التوتر الواضح في العلاقة بين السيسي والإعلام والتشكيك في معظم ما تطرحه النوافذ الإعلامية، طالب من الشعب المصري عدم الاستماع إلى أي شخص آخر غيره، وذلك على هامش كلمته باحتفالية تدشين إستراتيجية التنمية المستدامة مصر 2030 في 24 من فبراير 2016.
وخلال لقائه بممثلي فئات المجتمع المصري بقصر الاتحادية، في 13 من أبريل 2016، اتهم السيسي مواقع التواصل الاجتماعي بتضخيم أزمة مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني الذي عُثر على جثته مشوهة في 3 من فبراير 2016، قائلًا: “نحن من صنعنا الأزمة في هذه القضية، بمجرد أن تم إعلان مقتل ريجيني، البعض منا اتهم الأجهزة الأمنية المصرية بالتورط في هذه الجريمة، وشبكات التواصل الاجتماعي تحدثت عن ذلك”.
وفي 26 من يوليو 2017، كان الرجل أكثر وضوحا في طرحه، إذ طالب أجهزة الإعلام بخلق “فوبيا” لدى الشعب المصري من إسقاط الدولة المصرية، وحماية مصر من السقوط، مؤكدًا استعداد الدولة لدعم إنتاج عمل سينمائي في مواجهة ما أسماه محاولات هدم وإضعاف الدولة” وذلك خلال فعاليات المؤتمر الدوري الرابع للشباب بالإسكندرية.
التأميم.. أول الغيث
الجنرال لم يتحمل تلك الوضعية كثيرًا، إذ كان إعادة إعلام الصوت الواحد، إعلام الستينيات، إعلام عبد الناصر، حلمًا يداعب خياله، وبالفعل بدأت أولى مراحل تحقيق هذا الحلم، وكان ذلك في 11 من أبريل 2017 حين أصدر قرارًا، اعتبره البعض تأميمًا للإعلام المصري، بتشكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، برئاسة أحد أبرز مؤيديه، نقيب الصحفيين الأسبق مكرم محمد أحمد، وعضوية 12 آخرين.
جاء المجلس بمثابة السوط الذي يجلد به الرئيس ظهر كل من يخالفه في الرأي، ويحكم قبضته على النوافذ الأمامية والخلفية لمنظومة الإعلام برمتها، الحكومي منه والخاص، وما هي إلا أيام قليلة من تدشين هذا المجلس الذي يعامل فيه رئيسه بدرجة وزير، إلا وظهرت بركاته بصورة كبيرة.
ففي نفس الشهر الذي شُكل فيه المجلس أحال رئيس تحرير جريدة المصري اليوم (خاصة) ومحرر خبر مانشيت الصحيفة الصادر في طبعتها الأولى “الدولة تحشد الناخبين للتصويت في اليوم الأخير” إلى نقابة الصحفيين للتحقيق معهما في صدور المانشيت الذي اتهم الدولة بالحشد، على حد تعبير القرار، وقرر أيضًا إلزام الصحيفة بنشر اعتذار للهيئة الوطنية للصحافة بنفس المكان ونفس المساحة وتوقيع غرامة قدرها 150 ألف جنيه.
الأمر كذلك تكرر مع موقع “مصر العربية” إذ وقع عليه غرامة مالية قدرها 50 ألف جنيه، بعد نقله تقرير مترجم عن صحيفة الـ”نيويورك تايمز” الأمريكية بعنوان “المصريون يزحفون للانتخابات من أجل 3 دولارات”، ثم بعدها بأيام قليلة تم اعتقال رئيس تحرير الموقع الصحفي عادل صبري الذي يقبع داخل السجون حتى كتابة هذه السطور.
وبعد عشرة أيام فقط من تدشين المجلس وبالتحديد في الـ20 من أبريل 2017 تم الكشف عن مدونة أعدها القائمون على المجلس للمعايير الإعلامية والتغطية الصحفية، تلك المعايير التي اعتبرها كثيرون مقيدة للحريات وحق المواطن في المعرفة، إذ كان من بينها: “الالتزام بعدم إذاعة أو نشر أو بث خطوط سير العمليات أو التمركزات الأمنية أو العسكرية أو الخطط، الالتزام بالبيانات الرسمية فيما يتعلق بأعداد الشهداء والمصابين والنتائج الخاصة بالعمليات”، وهو ما يعني استبعاد الروايات غير الرسمية لهذه الأحداث.
كذلك تدخل المجلس في أبجديات العمل الإعلامي للصحف والمواقع والقنوات، إذ فرض سطوته في تحديد ما ينشر وما لاينشر، ففي 30 من سبتمبر 2017، حظر الترويج لشعارات المثليين أو نشرها، حفاظًا على السير والأخلاق العامة واحترامًا لقيم المجتمع وعقائده الصحيحة، على حد تعبيره، كما حظر ظهور المثليين في أي من أجهزة الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية إلا أن يكون اعترافًا بخطأ السلوك وتوبة عنه.
وفي 21 من ديسمبر 2017، أصدر قرارًا بمنع إذاعة إعلان شركة فودافون “أبلة فاهيتا” على جميع الشاشات والإذاعات، نظرًا لما يحتويه من ألفاظ ومشاهد لا تليق بالذوق العام وتجافي كل القيم، على حد قوله، بينما في 18 من يونيو 2018، قرر إحالة أحمد سعيد، مقدم برنامج “كلام في الكورة” على قناة “الحدث اليوم” إلى التحقيق بنقابة الإعلاميين بسبب ما اعتبره تجاوزًا في حق تركي آل الشيخ، وزير الشباب والرياضة السعودي سابقًا ووزير الترفيه حاليًّا.
كما أصدر المجلس حزمة من القرارات الأخرى التي أوقف من خلالها بعض البرامج وعدد من الإعلاميين، منها وقف برنامج “S.N.L” بالعربي الذي يُبث على قناة “ON.E” في 11 من فبراير 2018، وإيقاف برنامج “أبلة فاهيتا” على قناة سي بي سي لأجل غير مسمى، في 8 من مارس من نفس العام.
مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى للإعلام
خريطة جديدة
عقب ثورة الـ25 من يناير، تغيرت معالم الخريطة الإعلامية في مصر بصورة كبيرة، حيث تغيرت بعض الوجوه لحساب وجوه أخرى وإن كان الهدف واحد وهو إحكام السيطرة على الإعلام برمته، إلا أن السمة الأبرز التي جمعت بين الوجوه القديمة المتنحية والجديدة القادمة هي انتماؤها للحزب الوطني المنحل وولاؤها التام لمبارك وعصره.
ويمكن الوقوف على خريطة إعلام مابعد 25 يناير من خلال محاور ثلاثة: المحور القديم المتمثل في بقايا رجال أعمال مبارك كمحمد الأمين والسيد البدوي وطارق نور وعائلة الكحكي، المحور الثاني: رجال الأعمال الجدد المدعومون من المؤسسة الأمنية وأبرزهم أحمد أبو هشيمة رئيس مجلس إدارة شركة إعلام المصريين، ياسر سليم رئيس مجلس إدارة شركة بلاك آند وايت، وطارق إسماعيل صاحب شركة دي ميديا، بالإضافة إلى إيهاب طلعت صاحب الخبرة الواسعة في إدارة القنوات التليفزيونية والتسويق.
أما المحور الثالث فيضم عددًا من العسكريين ممن دخلوا إلى مجال الإعلام حديثًا وفي مقدمتهم: محمد سمير المتحدث العسكري الرسمي السابق باسم القوات المسلحة المصرية، مدير قناة العاصمة، وكاتب المقالات الرومانسية ببعض الصحف، وضابط الجيش السابق أحمد شعبان، وهو مدير مكتب اللواء عباس كامل الذي هو مدير مكتب السيسي.
منعت القنوات التليفزيونية الرسمية استضافة أي شخصية ذات ميول معارضة أو ليس لديها مواقف واضحة حيال الجهود التي يبذلها النظام الحاليّ، حسبما ذكر مصدر مقرب من دوائر صنع القرار بماسبيرو
إعادة هيكلة تليفزيون الدولة
نجح السيسي في فرض حالة من السيطرة الأولية على منظومة الإعلام من خلال المجلس الذي شكله، إلا أن ذلك من وجهة نظره لم يكن كافيًا لتحقيق حلمه في عودة إعلام عبد الناصر، فكان لا بد من وضع إستراتيجية محكمة لفرض الهيمنة الكاملة على كل أدوات الإعلام بشتى أنواعه.. والبداية كانت بتليفزيون الدولة وشبكة إذاعتها الرسمية.
أولى الخطوات كانت استحواذ مجموعة إعلام المصريين (الذراع الإعلامية لجهاز المخابرات كما سيتم ذكره لاحقًا) على التليفزيون الرسمي، عبر توقيع اتفاق مع “الهيئة الوطنية للإعلام” برئاسة حسين زين، بشأن مجموعة بروتوكولات، تحت مسمى تقديم محتوى أفضل ومتطور على شاشات التليفزيون المصري، خلال خمس سنوات.
هذا الاتفاق يتضمن إنشاء قناة فضائيّة جديدة تهتمّ بخدمات الأسرة العربية، ويكون محتواها بالدرجة الأولى موجهًا للمنطقة العربية، وأن تكون تلك القناة باكورة مجموعة قنوات فضائية تبث من خلال القمر الصناعي “نايل سات” لتغطية المنطقة العربية بخدمات إعلامية متنوعة في عدة مجالات تهم المنطقة العربية.
علاوة على ذلك فقد شملت بروتوكولات التعاون تطوير المحتوى الإعلامي المقدم على القنوات المصرية على رأسها الفضائية والأولى والثانية التي تصل إلى قطاع كبير من الجمهور المستهدف في الداخل والخارج، بحيث يرسخ ما يتم عرضه أركان الدولة ويعزز تحركاتها شعبيًا.
مصادر أشارت إلى أن هذه الخطة ستحظى بدعم سخي من السعودية، حيث حصل القائمون على تنفيذ عملية التجديد على وعود من رئيس هيئة الترفيه السعودية، تركي آل الشيخ، بتقديم دعم مادي في صور عدة، منها تبرع مالي ضخم، إضافةً إلى مجموعة عقود مشتركة متعلقة بإنتاج مسلسلات وبرامج وحفلات في الجانبين.
وفي السياق ذاته منعت القنوات التليفزيونية الرسمية استضافة أي شخصية ذات ميول معارضة أو ليس لديها مواقف واضح حيال الجهود التي يبذلها النظام الحاليّ، حسبما ذكر مصدر مقرب من دوائر صنع القرار بماسبيرو أن هناك تعليمات مشددة بعدم الاستعانة بأي من تلك الأصوات وإلا سيعرض المسؤول نفسه للعقوبات التي ربما تصل إلى الإيقاف عن العمل.
المصدر في حديثه لـ”نون بوست” أشار إلى أن الكثير داخل المبنى باتوا يتحسسون أجندات مصادرهم، خشية أن يكون لأحدهم موقف مناوئ نسبيًا أو غير داعم بشكل كامل فيتسبب في قطع أرزاقهم، حتى إنه أضاف: “بتنا نراقب حسابات المصادر على فيس بوك وتويتر قبل الاتفاق معه، تحولنا إلى جهة اسخباراتية أكثر منها إعلامية”.
المرشحون للعمل في هذه المجموعة يخضعون للفحص الأمني، بحيث يتم استبعاد كل من له توجه سياسي معروف، أو سبق له التأييد المطلق لثورة يناير وما تلاها، ومن ثم سنجد أن كل الوجوه التي ستظهر على هذه القنوات من غير المسيسيين
دي إم سي.. صوت المخابرات
التليفزيون الرسمي للدولة ليس النافذة الوحيدة صاحبة التأثير على العقل المجتمعي، فكان لا بد من خلق نافذة أخرى لتجميل صورة النظام لا سيما بعدما فقدت شريحة كبيرة من الشعب الثقة في التليفزيون الحكومي، معتبرة إياه بوق الحاكم وأداته الرئيسية لترسيخ أركانه.
وفي 2016 وبعد عامين على تولي السيسي مقاليد الحكم، بدأ الحديث عن إنشاء شبكة قنوات جديدة تحمل اسم “دي إم سي” تتضمن عدة باقات متنوعة (الأخبار والترفيه والرياضة…)، تلك القناة تستهدف جميع فئات الشعب بلا استثناء، حسبما جاء على لسان الصحفي بمؤسسة الأهرام القومية أحمد حافظ الذي كشف أنها ستكون صوت الدولة الرسمي وحائط الصد ضد أي وسائل إعلام خارجية (عربية أو دولية) تهاجم مصر، مشبهًا إياها بـ”قناة الجزيرة المصرية”، لا سيما أن الإعلام المصري الحاليّ محلي جدًا، وفشل في مخاطبة الخارج طيلة السنوات الماضية.
المالك الحقيقي لهذه الشبكة هو جهاز المخابرات الحربية كما أشارت العديد من المصادر بجانب بعض الأسماء الأخرى كواجهة إعلامية لا أكثر، عُرف عنها أيضًا دعمها الكامل للنظام، على رأسهم رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة، رجل الأعمال المدلل لدى السلطات، وأحد الأذرع الجديدة المستخدمة لتسويق السلطة الحالية لدى الشعب من خلال وسائل الإعلام التي يمتلكها وتنازل عنها فيما بعد في صفقة كبيرة.
هذا بالإضافة إلى طارق إسماعيل الإمبراطور الجديد في سماء الإعلام والخبير في مجال تجارة السيارات، كذلك فهو صاحب شركة الإعلانات “دي ميديا” التي تمتلك حصة كبيرة من موقع “دوت مصر” الذي يديره ضابط المخابرات ياسر سليم.
العمل في هذه القنوات يتم وفق منظومة إدارية أمنية معقدة، حيث إنه ولأول مرة في تاريخ العمل التليفزيوني نجد أن القناة هي من تختار وترشح أسماء من يعملون بها وتخطرهم بصورة رسمية، حيث كان الوضع قديمًا أن يتقدم العاملون بطلبات للعمل ثم يتم فرز هذه الطلبات والاتصال بمن تم الاستقرار عليهم، لكن هنا الوضع مختلف.
المرشحون للعمل في هذه المجموعة يخضعون للفحص الأمني، بحيث يتم استبعاد كل من له توجه سياسي معروف، أو سبق له التأييد المطلق لثورة يناير وما تلاها، ومن ثم سنجد أن كل الوجوه التي ستظهر على هذه القنوات من غير المسيسيين، ضمانًا لولائهم وتقديمهم للجمهور بشكل مختلف لا يعكس توجهات مسبقة قد تؤثر بشكل أو بأخر على جماهيرية ومصداقية ما تقدمه، حيث كان من أوائل من شملتهم قائمة العاملين بهذه المجموعة رامي رضوان وإيمان الحصري وإبراهيم فايق وأشرف عبد الباقي.
شبكة قنوات دي إم سي
مقصلة القنوات الفضائية
رغم القبضة المفروضة على أجهزة الإعلام الرسمية وبناء أخرى مقابل لها لتجميل وجه النظام، ما كان للأمور أن تسير دون إعادة هيكلة للقنوات الموجودة بالفعل، وكان ذلك عبر شركة “فالكون جروب” للخدمات الأمنية، التي يرأس مجلس إدارتها اللواء خالد شريف الوكيل السابق لجهاز المخابرات الحربية.
فرضت شركة “فالكون جروب” نفسها على الساحة الأمنية خلال السنوات الأربعة الأخيرة، ورغم أنها تأسست عام 2006 فإن الأضواء لم تسلط عليها إلا بعد 2013 حتى إنها باتت الشركة الأكثر شهرة وحضورًا في مضمار الحراسات الأمنية وذلك بعدما احتلت 65% من حصة السوق الأمنية في مصر.
في 2017 سيطرت “فالكون” على قناة “الحياة” الخاصة التي كان يملكها السيد البدوي رئيس حزب الوفد آنذاك، فيما أشارت بعض المصادر أن غضب النظام من القناة جاء في أعقاب معارضة بعض نواب الحزب على التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، الأمر الذي اضطر الحزب والقناة لدفع ضريبته بصورة كبيرة.
ليست الحياة وحدها من وقعت في قبضة فالكون التي يدير أفرعها المختلفة نخبة من كبار ضباط الشرطة والجيش وأجهزة المخابرات والأمن الوطني السابقين، إذ كان قبلها بأيام قليلة قناة “العاصمة” التي يديرها المتحدث الأسبق باسم الجيش المصري العميد محمد سمير.
وفي 2018 سقطت قناة ON TV في قبضة أبو هشيمة المقرب من أجهزة مخابرات السيسي قبل أن يتنازل عنها فيما بعد لشركة “إعلام المصريين” بعد عامين من شراء عدد من الصحف والمواقع الخبرية منها: صوت الأمة والعين ودوت مصر واليوم السابع، بجانب محاولة إنشاء مجموعة واحدة مع قناتي سي بي سي والنهار.
أبو هشيمة كان أحد الوجوه التي استعان بها النظام لإحكام قبضته على الإعلام، ففي يوليو 2018 هدد رئيس تحرير “اليوم السابع” الصحفي خالد صلاح، ثلاثين من زملائه الصحفيين بإجازة غير مدفوعة الأجر لمدة عام واحد، وذلك على خلفية معارضتهم للتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير إما من خلال مشاركتهم في تظاهرات أو بنشر آرائهم عبر الشبكات الاجتماعية أو عن طريق الدعوة إلى توقيع عرائض.
وقد قرر ثلاثة من الصحفيين المعنيين كشف هذه القضية علنًا، ففي تدوينة على فيسبوك، أوضح مدحت صفوت محفوظ أن رئيس التحرير أخبرهم بأن الرئيس الرئيس السيسي المالك الجديد للصحيفة، وهذه الأخيرة لا يمكنها أن تُبقي في صفوفها أصواتًا ناقدة.
تعد صفقة الاستحواذ على “إعلام المصريين” أولى التحركات العلنية لداليا خورشيد التي كانت قد اختفت عن الأضواء بشكل شبه كامل منذ خروجها من وزارة الاستثمار في فبراير من العام الحاليّ
الدراما والسينما
رقعة القبضة المفروضة على الإعلام تجاوزت كل ما سبق إلى الدراما والسينما، لا سيما خلال المواسم الترويجية للأعمال الدرامية والسينمائية في شهر رمضان والعيدين، الأضحى والفطر، ففي تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، الخميس الماضي، لمراسلها ديكلان وولش، قال فيه إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوسع قبضته الحديدية الآن لتصل إلى منطقة جديدة في المجتمع المصري وهي المسلسلات التليفزيونية.
التقرير كشف أن مسلسلات رمضان ذات الشهرة الكبيرة في مصر والشرق الأوسط تواجه الآن قيودًا خانقة، إذ قال مخرجون وممثلون إن مسؤولين محسوبين على السيسي يملون عليهم نصوصًا تليفزيونية معينة ويخفضون الأجور، بينما تولت شركة إنتاج مرتبطة بالجيش مسؤولية عدد من أكبر المسلسلات.
وأضاف وولش أن المخرجين تم إبلاغهم بضرورة أن تتبع مسلسلاتهم الأفكار التي جرى إقرارها مثل الإشادة بالجيش والشرطة، أو تشويه سمعة جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، ومن لا يلتزم بالقواعد لن يظهر على الهواء، كاشفًا أن الحملة ضد المسلسلات التليفزيونية هي الجانب الثقافي للنسخة الاستبدادية بعيدة المدى والمتسلطة التي ترسخت في مصر في عهد السيسي، حيث وصلت إلى مستويات جديدة حتى بالنسبة لبلد يحكمه رجال أقوياء يحظون بدعم الجيش منذ عقود.
التقرير تطرق إلى إنشاء شركة ميديا جروب، المرتبطة بالمخابرات العامة، شركة إنتاج تليفزيوني كبرى اشترت عددًا من أكبر الشبكات التليفزيونية، فيما نقل عن أحد كبار المخرجين قوله إن كتاب السيناريو تلقوا أوامر هذا الشتاء باتباع بعض الإرشادات في عملهم، من بينها تمجيد الجيش ومهاجمة الإخوان وتشجيع القيم العائلية المحافظة التي تشجع الشباب المصري على إطاعة الكبار، وبالتالي تجنب الأمور التي أدت إلى الربيع العربي عام 2011.
إعلام المصريين وإيجل كابيتال
ظلت شركة “إعلام المصريين” الواجهة الحاضرة لسيطرة الأجهزة السيادية على منظومة الإعلام طيلة الولاية الأولى لحكم السيسي، غير أن الأمور تبدلت فيما بعد، في محاولة لتجديد الوجوه وإن بقيت على نفس الإستراتيجية والمنهج، إذ طفا على السطح اسم جديد بات اللاعب رقم واحد على الساحة.
استحوذت شركة “إيجل كابيتال”على حصة رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة في مجموعة “إعلام المصريين”، المالكة لشبكة قنوات “أون تي في” وعدد كبير من شركات الإعلام المصرية، هذا بخلاف عشرات المواقع والصحف، الأمر الذي أقبع أغلب النوافذ الإعلامية في قبضة تلك الشركة.
تشير المصادر إلى أن “إيجل كابيتال للاستثمارات المالية ش.م.م” التي ترؤسها داليا خورشيد – وزيرة الاستثمار السابقة – هي صندوق استثمار مباشر private equity fund مملوك لجهاز المخابرات العامة المصرية، جرى تأسيسه مؤخرًا ليتولى إدارة جميع الاستثمارات المدنية للجهاز portfolio management في عدد كبير من الشركات المملوكة للمخابرات جزئيًا أو كليًا، وذلك وفقًا لمصادر تعامل بعضها مباشرة مع الشركة الجديدة والتقى أحدهم مع خورشيد شخصيًا بمقر الشركة في منطقة التجمع الخامس، بحسب موقع “مدى مصر“.
وتعد صفقة الاستحواذ على “إعلام المصريين” أولى التحركات العلنية لداليا خورشيد التي كانت قد اختفت عن الأضواء بشكل شبه كامل منذ خروجها من وزارة الاستثمار في فبراير من العام الحاليّ، ثم إعلان زواجها في الشهر التالي من طارق عامر المحافظ الحاليّ للبنك المركزي.
يذكر أنه في أكتوبر الماضي أعلنت شركة “المتحدة للطباعة والنشر وتكنولوجيا المعلومات”، المملوكة للمخابرات العامة، استحواذها على حصة من تحالف شبكتي “سي بي سي” و”النهار”، وهو الاندماج الذي أعلن فشله في أبريل الماضي لتخرج شبكة النهار وتبقى الشراكة بين كل من شركة المتحدة (المخابرات العامة) ومحمد الأمين عبر شركته “فيوتشر”، فيما نفى المسؤول عن شبكة “سي بي سي” أن تكون هناك نية لدمج شبكتي “أون تي في” و”سي بي سي”، مؤكدًا أن المتفق عليه حتى الآن أن تبقى الشبكتان منفصلتين مع تعاونهما الحتمي نظرًا لتبعيتهما الآن لشركة واحدة هي “إيجل كابيتال”.
أبو هشيمة يترأس مجموعة إعلام المصريين
قانون تنظيم الصحافة
لم تكن الصحافة بمعزل عن مخطط إحكام السيطرة، إذ يبدو أن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لم يكن كافيًا للقيام بالدور كاملاً، فكان لا بد من تخصيص المنظومة الصحفية بتشريعات وقيود جديدة، فكان القانون 180 لسنة 2018 الخاص بتنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، القانون الذي أقره مجلس النواب في 16 من يوليو الماضي بغالبية ثلثي أعضائه، الذي يعد واحدًا من أخطر التشريعات المهددة لحرية التعبير في مصر، حتى إن الجماعة الصحفية أطلقت عليه “قانون إعدام الصحافة”.
القانون أعطى الحق للمجلس إصدار قرار بضبط نسخ الصحيفة الورقية أو حذف أو حجب المادة المخالفة لتعليمات الرقابة في حالة نشرها بصحيفة، أو موقع إلكتروني أو وقف إعادة بثها في الوسيلة الإعلامية، وهو ما اعترض عليه عدد كبير من أعضاء الجماعة الصحفية، ذلك أن الاستثناء الخاص بالحرب وظروف التعبئة العامة غامض للغاية، وسبق استخدامه كغطاء لحجب مواقع وإغلاق أخرى، ورغم حملة الإدانة التي قوبل بها من داخل الأسرة الصحفية ونقابة الصحفيين إلا أن ذلك لم يثن الرئيس عن إقراره.
آخر إستراتيجيات السيسي لإحكام السيطرة على الإعلام كانت عبر تقليم أظافر العاملين في هذا المجال، وتهديدهم عبر لائحة جزاءات تم وضعها خصيصًا لهذا الهدف
المثير للتساؤل أن هذا القانون يشبه في كثير من مضامينه قانون تنظيم الصحافة الذي أصدره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في 24 مايو 1956 الذي سمي حينها بقانون “تأميم الصحافة”، ورغم تبرير الرئيس حينها صدور القانون بانفلات الصحف ونشرها صورًا عارية إلا أن أحدًا لم يقتنع بذلك.
الفضاء الإلكتروني كان له نصيب هو الآخر من تلك المذبحة، فمنذ مايو 2017 شهدت مصر سيلاً من حجب المواقع الإلكترونية تجاوزت الـ500 موقع، ما بين إعلامي وحقوقي، في سابقة هي الأولى من نوعها في العالم، وهو ما أثار حفيظة الكثيرين من أنصار الحريات الإعلامية، داخل مصر وخارجها، خاصة في ظل ضبابية المشهد وعدم وجود معلومات كافية عن أسباب الحجب.
حالة من الجدل أثارتها تلك الموجة آنذاك لا سيما أن الفاعل ظل دومًا مجهولاً في ظل تنصل الجميع من الواقعة، وهو ما زاد الطين بلة، فليس من المعقول أن يكون الحجب بلا فاعل، وهو ما ساهم في تراجع مصر في مؤشر الحريات الصحفية والإعلامية للأعوام الماضية بصورة ملفتة للنظر.
جل الانتقادات التي وجهت لحملة حجب المواقع في هذا الوقت تمحورت حول غياب الإطار القانوني والتشريعي لمثل هذه الإجراءات التي تسيء لسمعة البلاد خارجيًا، وهو ما أدى بعد ذلك إلى وقف عمليات الحجب بعد أن تجاوز عدد المواقع المحجوبة المئات، وتشريد آلاف العاملين بها في الشارع، هذا بخلاف المرونة بعض الشيء في التعامل مع تلك المواقع، فحين يلغى الحجب وحين آخر يعود.
شكلت تلك الإدانات صداعًا في رأس النظام، ومن ثم كان البحث عن مخرج لهذا المأزق خطوة غاية في الأهمية، وهنا بدأ البحث عن إطار قانوني يضفي الشرعية على مثل هذه التحركات، ومن ثم خرجت لائحة الجزاءات التي أقرها “المجلس اﻷعلى لتنظيم اﻹعلام” في الـ19 من مارس الماضي.
اللواء خالد شريف الوكيل رئيس شركة فالكون جروب
لائحة الجزاءات
آخر إستراتيجيات السيسي لإحكام السيطرة على الإعلام كانت عبر تقليم أظافر العاملين في هذا المجال، وتهديدهم عبر لائحة جزاءات تم وضعها خصيصًا لهذا الهدف، ورغم تقدم المئات من الصحفيين بمذكرة رسمية لرفض مسودة تلك اللائحة التي تستهدف فرض حالة من الصمت وتكميم الأفواه على جميع وسائل الإعلام فإن أحدًا لم يسمع، بل وصل الأمر إلى وصف مكرم للأصوات المعترضة على اللائحة بأنها “جعجعة أونطة“.
اللائحة تضمنت نصوصًا غير مسبوقة في تاريخ الصحافة المصرية، جزاءات وعقوبات مغلطة، وهو ما وصفه عضو مجلس نقابة الصحفيين، عمرو بدر بأنها “ستقضي على ما تبقى من مهنة الصحافة”، مضيفًا “اللائحة المتعسفة تحاسب المؤسسات على النفس، وتحمل اتهامات فضفاضة من نوعية: التعصب والكراهية والفسق والفجور وإهانة مؤسسات الدولة وإهانة الأديان”.
وأضاف أنها كتبت “بروح عدائية ضد الصحافة وحريتها، وتفرض غرامات تصل إلى 250 ألف جنيه، فضلاً عن إجازتها غلق المؤسسات الصحافية بشكل مؤقت أو دائم”، مستطردًا “إسقاط اللائحة واجب وفريضة، لأنها تجاهلت كل ملاحظات النقابة، وحالة الرفض الواسع من جانب الصحافيين”.
رئيس تحرير إحدى الصحف المستقلة أشار في تصريحات لـ”نون بوست” أن تعليمات جاءته من مقربين من مجلس الإعلام تطالبه بالالتزام بالخط العام في التعاطي مع الأحداث، وعدم نشر أي مواد تحمل ولو ضمنيًا أي انتقادات للنظام أو قياداته، وإلا فالعقوبات جاهزة على رأسها غلق الصحيفة.
المصدر الذي رفض ذكر اسمه كان قد ألمح من قبل إلى أن ما يدار داخل الغرف المغلقة هذه الأيام يتعلق بتقليل عدد الصحف الموجودة حاليًّا، وذلك عن طريق الدمج أو الغلق، وهو ما بدأت إرهاصاته منذ عامين أو أكثر، حيث تم دمج عدد من الوسائل الإعلامية في مؤسسة واحدة وأغلقت بعض الصحف الأخرى في محاولة للوصول إلى عدد قليل يتحدث باسم الدولة ويدعم جهودها، سواء كانت تلك الصحف مملوكة لأشخاص عاديين أم للحكومة.
وفي المجمل.. يبدو أن الأيام القادمة ستشهد المزيد من التضييق وكبت الحريات وإحكام السيطرة، خاصة بعد إقرار لائحة الجزاءات التي كان ضحيتها الأولى حجب 7 مواقع صحفية حتى الآن وفرض عقوبات مالية عليها، الأمر الذي يهدد مستقبل الصحفيين – خاصة بعدما سيطر ضياء رشوان على كرسي النقيب في الانتخابات الأخيرة، وهو الذي يعمل رئيسًا لجهاز الاستعلامات التابع لرئاسة الجمهورية – ، فإما أن يكونوا أبواقًا للنظام أو فليجلسوا في بيوتهم إذا أرادوا تجنيب أنفسهم ويلات الحبس والغرامة.