الخميس الماضي، بدأ اللواء المتقاعد خليفة حفتر عملية عسكرية، بهدف ما أسماه تحرير طرابلس من الجماعات الإرهابية، بعد فترة قصيرة من زيارته المملكة العربية السعودية ولقائه العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، ما جعل الشكوك تحوم حول علاقة السعودية بهذا الهجوم الذي يستهدف العاصمة الليبية، شكوك ما فتئت تتزايد إلى أن أكدت جهات ليبية رسمية ضلوع السعودية، حقًا، في هذه العملية، فما الذي تهدف إليه المملكة من دعم حفتر في هذه المعركة التي يعارضها المجتمع الدولي؟
حفتر في السعودية
نهاية شهر مارس/آذار الماضي، استقبل ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان في الرياض اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، وقالت وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) إن الملك سلمان بحث مع حفتر في قصر اليمامة بالرياض الأربعاء مستجدات الأوضاع على الساحة الليبية، وأكد حرص السعودية على أمن ليبيا واستقرارها.
وذكرت الوكالة أيضًا أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ناقش في لقاء منفصل مع حفتر “تطورات الأحداث في الساحة الليبية، والجهود المبذولة تجاهها بما يحقق الأمن والاستقرار فيها”، وأشارت إلى أن عددًا من المسؤولين السعوديين حضروا لقاء ولي العهد مع حفتر، من بينهم رئيس الاستخبارات العامة خالد بن علي الحميدان، دون أن تذكر تفاصيلاً عن مضمون الاجتماع.
جاء الدعم المالي السخي الذي قدمته الرياض لحفتر، بالتوازي مع تقديم كل من مصر والإمارات أسلحة لقوات حفتر لدعمها في حربها ضد العاصمة طرابلس التي يقطن فيها أكثر من 3 ملايين مدني
في هذا اللقاء الذي تم بطلب سعودي، وفق مصادر نون بوست، تناول فيه الطرفان كيفية تعديل الاتفاق الذي حصل بين حفتر والسراج في لقائهما الأخير في أبو ظبي بواسطة إماراتية، حيث اتفقا حينها على ضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية من خلال انتخابات عامة، وفق البعثة الأممية في ليبيا.
ويقود حفتر – المدعوم سياسيًا وعسكريًا من مصر والإمارات والسعودية وفرنسا وروسيا – ميلشيات تسيطر على مناطق واسعة من الشرق الليبي، وتساندها حكومة الشرق التي تتنازع مع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس والمعترف بها دوليًا.
التحرك نحو طرابلس
أسبوع فقط على هذا اللقاء، حتى أعلن حفتر الذي يقود “ميلشيات الكرامة”، بداية حملة عسكرية تستهدف العاصمة طرابلس التي توجد فيها حكومة الوفاق الوطني المدعومة دوليًا، فضلاً عن سفارات وبعثات الدول الأجنبية وهيئة الأمم المتحدة، في دليل واضح على عدم إيلائه أي أهمية لأحد.
تحركت قوات حفتر نحو طرابلس قائلة: “نريد طرابلس من أجل الكرامة”، وقال مكتب إعلام قوات شرق ليبيا بقيادة خليفة حفتر، إن أوامر صدرت للقوات بالتحرك إلى غرب البلاد لمحاربة ما تبقى من الجماعات الإرهابية في غرب ليبيا.
حكومة الوفاق تستنفر قواتها لمواجهة حفتر
تحرك عسكري لحفتر، جاء رغم قرب انعقاد “الملتقى الليبي الجامع” الذي سيركز على عدد من النقاط أهمها مشروع الدستور والترتيبات الأمنية ومشروع قانون الانتخابات، ما يؤكد نية حفتر وحلفائه ضرب أي خطة جديدة لحل الأزمة الليبية الخانقة.
عملية عسكرية قال رئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج إنه فوجئ بها، ووصفها بأنها “طعنة في الظهر”، وأضاف أن حفتر يقوض جهود حل الأزمة ويدفع إلى مزيد من سفك الدماء في الوقت الذي يستعد فيه الجميع لعقد المؤتمر الوطني الجامع.
ضوء أخضر سعودي
ساعات قليلة على بدء حفتر عمليته العسكرية في اتجاه العاصمة طرابلس، حتى خرج وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا فتحي باشاغا، قائلاً إن قوات حفتر تحركت نحو طرابلس بعد تلقيها “ضوءًا أخضر لتدمير العاصمة” من دولة عربية لم يسمها.
وأضاف باشاغا في تصريح تليفزيوني أن اجتماع أبو ظبي الأخير الذي جمع حفتر والسراج ذهب إليه الأخير بهدف إبداء حسن النية، كاشفًا أن السراج وافق على مطالب حفتر بأن يكون القائد العام للجيش وأن يتنازل عن القائد الأعلى وتشكيل مجلس أمن وطني، لكن تكشفت نية الطرف الآخر الذي أراد أن يغدر بقوة السلاح.
من شأن الهجوم على العاصمة طرابلس إطالة أمد الأزمة في ليبيا وإفشال كل جهود التسوية السياسية، وهو الغاية الأبرز من هذه العملية
الدولة العربية التي لم يسمها وزير الداخلية الليبي، تبين فيما بعد أنها المملكة العربية السعودية، فقد أعلن مصدر في المجلس الرئاسي الليبي لقناة الجزيرة القطرية، أن حملة اللواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس كانت بتعليمات وتنسيق سعودي، وأن الرياض قدمت له دعمًا ماليًا كبيرًا للقيام بهذه العملية العسكرية.
وربط العديد من الليبيين الزيارة الأخيرة التي قام بها حفتر إلى السعودية، بهذه العملية العسكرية، ويقول هؤلاء إن حفتر تلقى موافقة السلطات السعودية الحاكمة على تحركاته العسكرية، بعد أن كان يحظى بمباركة دولتي مصر والإمارات ودول غربية أخرى مثل فرنسا وروسيا.
وجاء الدعم المالي السخي الذي قدمته الرياض لحفتر، بالتوازي مع تقديم كل من مصر والإمارات أسلحة لقوات حفتر لدعمها في حربها ضد العاصمة طرابلس التي يقطن فيها أكثر من 3 ملايين مدني، بغية السيطرة عليها وفرض نظام عسكري هناك.
نسف جهود التسوية السياسية
دعم هذه العملية العسكرية، تبتغي من خلالها المملكة العربية السعودية وحلفاؤها تدمير الجهود المستمرة للتوصل لتسوية سلمية في هذا البلد العربي الذي أنهكته الصراعات والأزمات المتواصلة منذ عودة حفتر من منفاه في الولايات المتحدة الأمريكية وإعلانه الانقلاب.
ويساهم التدخل السعودي المتنامي في ليبيا في مزيد من تعقيد العملية السياسية في هذا البلد العربي الذي يشكو من فوضى السلاح والإرهاب وتجارة البشر، ويؤكد العديد من الليبيين أن التدخل السعودي في بلادهم غير مبرر، فهي لا تملك حق التدخل في ليبيا سواء أكان تدخلاً مباشرًا أم غير مباشر.
ويعتبر زحف قوات حفتر إلى طرابلس في الوقت الذي يوجد فيه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بالمدينة للتحضير لعقد الملتقى الليبي الجامع منتصف الشهر الحاليّ، بمثابة استهانة كبرى بالجهود الأممية للسلام.
يسعى حفتر إلى إطالة أمد الأزمة في ليبيا
من شأن الهجوم على العاصمة طرابلس إطالة أمد الأزمة في ليبيا وإفشال كل جهود التسوية السياسية، وهو الغاية الأبرز من هذه العملية، وما فتئ حفتر منذ عودته إلى ليبيا يستعمل الخيار العسكري لتقويض جهود السلام الرامية لإخراج البلاد من الأزمة التي تعيش على وقعها منذ سنوات.
يقينه التام، وحلفائه، بخسارته في أي انتخابات رئاسية قادمة، جعل حفتر يسعى بما أتى من جهد لعرقلة جهود السلام، حتى إن كلفه ذلك الإقدام على القيام بأي عمل متهور وإزهاق المزيد من الأرواح البشرية البريئة وارتكاب جرائم حرب، ففي كل مراحل المفاوضات السياسية كان حفتر المعرقل الأول.
ويستخدم حفتر مليشياته لزعزعة أمن واستقرار ليبيا، ومن شأن هذه العملية العسكرية أن تؤدي إلى مزيد من التعقيد في المشهد السياسي والأمني في ليبيا، كما أنها ربما تبدد الآمال التي صاحبت التحركات والمبادرات التي طرحتها الأمم المتحدة ودول الجوار الإقليمي بهدف التوصل لاتفاق بين الأطراف المتصارعة في ليبيا وآخرها خريطة الطريق التي يتبناها المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة.
غرس نظام حكم عسكري في المنطقة
فضلاً عن التعقيد في المشهد السياسي والأمني في ليبيا وإفشال جهود السلام، يسعى حفتر وحفاؤه العرب والغربيين إلى غرس نظام عسكري في منطقة المغرب العربي، يكون كالشوكة في حلق الشعوب التواقة إلى الحرية والعيش الكريم.
ويعتقد هؤلاء أن غرس نظام عسكري في ليبيا من شأنه أن يقوض جهود شعوب المغرب العربي الساعية إلى الانتقال الديمقراطي والتخلص من أنظمة ديكتاتورية حكمت المنطقة لعقود عدة دون أن ترتقي بدولها، بل زادت في درجة تخلفها.
إلى جانب ذلك يرى حلفاء حفتر، وفقًا لعدد من المحللين، أن التعامل مع ديكتاتوريين وأشخاص أقوياء كجنرالات الجيش والأمن الذين يستطيعون فعل أي شيء دون مراعاة القانون، أفضل من التعامل مع حكومات هشة منتخبة بصورة ديمقراطية.