تستخدم العديد من الشركات أشكالًا مختلفة من المراقبة في مكان العمل في محاولة لتحسين الإنتاجية والخدمة ومنع السرقة وزيادة سلامة الموظفين، ومع هذه المزايا تأتي مجموعة من الآثار السلبية التي قد تكون ضارة بحقوق ومعنويات الموظفين، ولا سيما لو شملت هذه السياسة مراقبة البريد الإلكتروني وتطبيقات المراسلة والمكالمات الهاتفية، بالجانب إلى المراقبة المرئية والصوتية.
مع العلم أن إجراءات المراقبة لا تعد قانونية في جميع دول العالم، إذ تختلف القوانين المتعلقة بالمراقبة من مكان إلى آخر، ولكنها تحسم غالبًا بناءً على حاجة أرباب العمل لها ومعايير خصوصية الموظفين، وبشكل عام ترى معظم الدول أن جمع بيانات الشخص أو مراقبتها دون علمه أمرًا غير قانوني، وهذا ما يسمى بالمراقبة السرية التي لا يُسمح بها إلا في حالات خاصة ودقيقة جدًا، مثل الكشف عن الجرائم أو التحقيق مع الجناة.
متى بدأ استخدام الكاميرات داخل مكاتب العمل ولماذا؟
كانت البداية في الحرب العالمية الثانية حين استخدام الألمان هذه التكنولوجيا لتتبع عمليات إطلاق الصواريخ، حتى شاع استخدامها في عام 1980 من قبل الجيوش بغرض الحماية والاستطلاع إلى أن انتقلت إلى الأوساط العامة وانتشرت في الشوارع والشركات والمنازل منعًا لسرقات وضمان السلامة والأمان، وتحديدًا بعد أحداث 11 سبتمبر التى شهدت على نمو هذه التقنيات بشكل كبير.
وبالرغم من ضرورتها في هذه الحالات إلا أنها في نفس الوقت خلقت شعورًا بعدم الثقة والاستياء بين أصحاب العمل والموظفين، ما أدى إلى زيادة الضغوط على الموظفين الذين رأوا أنهم يتحملون عبء نفسي أكبر من أجل تحقيق أداء جيد والحفاظ على إنتاجيتهم. إذ يرى البعض أن المراقبة الإلكترونية والصوتية والمرئية لا لزوم لها، فهي تؤدي إلى فقدان الرضا الوظيفي والهوية المهنية، وفي أحيان كثيرة قد ينتج عنها مشاكل نفسية، على الرغم من أن هذه الأنظمة قد يتم تثبيتها بنوايا حسنة للمحافظة على السلامة أو لأسباب تتعلق بانضباط الموظفين وسيرورة العمل.
ومع ذلك، شئنا أم أبينا، لطالما كان أصحاب العمل قادرين دائمًا على مراقبة العمال، فغالبًا ما تأتي المكالمات الهاتفية بصوت مألوف يقول: “قد تتم مراقبة هذه المكالمة أو تسجيلها لضمان الجودة.” ولكن اليوم، فإن ظهور تقنيات جديدة تتيح للشركات تتبع الموظفين والاستماع إليهم ومراقبة سلوكياتهم على صفحاتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا ما يثير نوع جديد من القلق بشأن التكنولوجيا ودورها في وضع الحياة تحت المجهر الإداري.
ولا سيما أن اهتمام الشركات بالمراقبة ازداد بشكل طردي في السنوات الأخيرة، فبحسب مسح أجرته شركة الأبحاث “جارتنر” في عام 2018، فمن بين 239 شركة، أشارت 57% منها أنها تهدف إلى استخدام تقنيات جديدة لتتبع موظفيها ومراقبة مراسلاتهم الداخلية وحركاتهم وحتى محادثاتهم، لمعرفة ما إذا كانوا يتواصلون مع زملائهم أم لا. إضافة إلى دراسة أخرى في الولايات المتحدة، بينت أن معدل المراقبة الإلكترونية ازداد بشكل كبير، ففي عام 1999 بلغت نسبة أصحاب العمل الذين يراقبون موظفيهم إلكترونيًا نحو 67%، وفي عام 2011 ارتفعت النسبة إلى 78% وبحلول عام 2003 وصلت إلى 92%.
في هذا الخصوص، يقول جريج موران، مدير العمليات في Wiretap: “إن وجود هذه التقنية تسمح لك بالتدخل بشكل منتج، حتى لو لم يكن هناك جريمة خطيرة، فيمكنك رؤية المؤشرات المبكرة لمسار الموظف ومراقبة إنتاجيته”، فعلى سبيل المثال يمكن قياس إتقانه في العمل بحسب عدد رسائل البريد الإلكتروني التي تم إرسالها أو المواقع التي تمت زيارتها والمستندات والتطبيقات التي تم فتحها، وهي جميعها أمور تساعدك على بناء صورة خاصة بالسلوك المعتاد للموظف وبالتالي يمكنك رصد الأخطاء والانحرافات.
يستخدم نحو 82% من المديرين نوعًا من أنواع المراقبة في مكان العمل، ويخضع حوالي ثلث جميع الموظفين للمراقبة
ففي بيئة الأعمال التجارية القائمة على الحاسوب والمنصات الرقمية، يواجه أرباب العمل مشكلات عدة، أهمها الإنتاجية المفقودة والتي غالبًا ما يكون سببها عدم قضاء الموظف الوقت اللازم على الأنشطة التي لها صلة بالعمل، ولذلك يتجه أرباب العمل إلى المراقبة الإلكترونية التي تحدد لهم، كم من الوقت تصفح الموظف الإنترنت؟ وماذا فعل خلال هذا الوقت؟ وكم عدد رسائل البريد الإلكتروني التي أرسلها واستقبلها؟، والأهم من ذلك، ما إذا شارك الموظف المعلومات والبيانات السرية لأغراض غير قانونية ومع جهات غير مرغوبة.
ولكن ذلك لا يعني حظر المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، فلقد أفادت دراسة أن 78% من الناس يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي الشخصية في أنشطة متعلقة بالعمل مثل حل المشكلات أو تعزيز العلاقات مع زملاء العمل، بينما يستخدم 34٪ آخرون وسائل التواصل الاجتماعي لأخذ استراحة عقلية من العمل، ما يعني أن منعها يعد خسارة كبيرة للجانب الإنساني للعمل، خاصةً أن دراسة أخرى ذكرت أن 77% من الناس يستخدمون هذه المنصات خلال ساعات العمل بغض النظر عن سياسة الشركة، وبهذه الحال، يكون من الأفضل الاستفادة من وظائف المنصات الرقمية بدلًا من محاربتها.
نحو 70% من أرباب العمل يرون أن المنصات الرقمية هي أداة جديدة للتعرف على الشخصية التي لم تذكرها في السيرة الذاتية.
يستخدم نحو 82% من المديرين نوعًا من أنواع المراقبة في مكان العمل، ويخضع حوالي ثلث جميع الموظفين للمراقبة ويراقب 63% من أرباب العمل اتصالات الإنترنت الخاصة بالموظفين، بينما يخزن ويراجع 47% منهم رسائل البريد الإلكتروني للموظف، وهي نسب مرتفعة جدًا ولها آثار واضحة على أداء الموظف، إذ يعتقد البعض أنه إذا كان الموظف قلقًا دومًا بشأن تحركاته وتصرفاته داخل المكتب، فلن يستطيع التفكير خارج الصندوق بحلول جديدة ومبتكرة، ما يعني أن إنتاجيته ستكون منخفضة.
في النهاية، حتى إذا لم تكن موظفًا بعد، فقد تظل خاضعًا للمراقبة وذلك بفضل منصات السوشيال ميديا التي تمنح لأصحاب العمل فرصة تفحص حساباتك الشخصية لو كنت مرشحًا محتملًا لمنصب وظيفي معين، فعلى الرغم من أن المحتوى الرقمى قد يتعلق بأحداث حياتك الشخصية فقط، إلا أن نحو 70% من أرباب العمل يرون أن هذه المنصات هي أداة جديدة للتعرف على الشخصية التي لم تذكرها في السيرة الذاتية.