فيما ينشغل كثيرون بنتائج الانتخابات البلدية في تركيا خاصة فقدان حزب العدالة والتنمية لبلديتي إسطنبول وأنقرة لما تشكلانه من أهمية كبيرة في تركيا وخاصة اعتبار الفوز بهما مقدمة للفوز بالحكم في تركيا كما هو معروف في تاريخ الانتخابات البلدية في تركيا منذ الستينيات، فإن تركيا تقف الآن أمام قرار خطير على صعيد سياستها الخارجية وتحتاج للحسم بشأنه وهو قرار من شأنه أن يحدد وجهتها ووجهة العلاقات في المنطقة خلال الفترة القادمة.
يتعلق القرار بمصير صفقة إس 400 التي وقعتها تركيا مع روسيا ويتوقع أن يتم تسليمها في يوليو/تموز هذا العام.
لقد شهدت العلاقات التركية الأمريكية أزمات كثيرة خلال السنوات الماضية ومع حل عدد منها ثم إعلان قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا بدا أن تركيا ستكون أحد المستفيدين منه، تم تفريغ القرار من مضمونه لتعود الأمور إلى التعقيد من جديد ولكن الأمور هذه المرة تنبئ باشتعال جديد في ظل تهديد واشنطن لأنقرة حال استمرت في سعيها للحصول على منظومة إس 400 الدفاعية.
تحتج تركيا بأن حصولها على منظومة إس 400 لا يتعارض مع أنظمة الناتو واستخدامها لهذا النظام سيكون منفصلاً وليس له علاقة بأنظمة الناتو وهو الأمر الذي ترفضه واشنطن
لقد وضح أردوغان في آخر اتصال له مع ترامب أن المسؤولية تقع على عاتق إدارة أوباما التي رفضت طلب تركيا للحصول على منظومة باتريوت وهو أمر أقره ترامب، لكن الأخير قدم لتركيا عرضًا ضعيفًا لا يحتوي التكنولوجيا التي تريدها وهو ما أدى بالاستمرار التركي في صفقة إس 400.
تحتج تركيا بأن حصولها على منظومة إس 400 لا يتعارض مع أنظمة الناتو واستخدامها لهذا النظام سيكون منفصلاً وليس له علاقة بأنظمة الناتو، وهو الأمر الذي ترفضه واشنطن وترى أنه يتعارض مع إستراتيجيتها الأمنية ولذلك هددت تركيا بتعليق تسليمها طائرات إف 35 وهو مشروع تعمل عليه تركيا مع الولايات المتحدة، وقد ذكرت بعض المصادر الصحفية أن تركيا استثمرت في هذا المشروع أكثر من مليار دولار للحصول على 100 طائرة.
وشهدت الأسابيع الماضية تهديدات من قيادات عسكرية أمريكية تطالب بعدم تسليم تركيا طائرات إف 35 حال أصرت على صفقة إس 400، حيث قال القائد الأعلى لقوات الحلف الأطلسي في أوروبا الجنرال الأمريكي كورتيس سكاباروتي: “في حال اشترت تركيا بالفعل صواريخ إس 400 الروسية، عندها لا يمكننا أن نسمح لطائرات إف 35 بالتحليق بوجود منظومة روسية مضادة للصواريخ”، كما أن الأمر لم يقتصر على وزارة الدفاع بل قامت وزارة الخارجية بتهديد تركيا، وضم تصريح وزارة الخارجية 3 تهديدات لتركيا تشمل:
– إعادة تقييم مشاركة تركيا في برنامج إنتاج الطائرة F35.
– التهديد باحتمال عدم تسليم أسلحة أخرى في المستقبل لتركيا، ويشمل ذلك مروحيات وطائرات إف 16.
– احتمال مواجهة عقوبات في إطار قانون مكافحة أعداء أمريكا بالعقوبات (CAATSA) بسبب التعاون مع وزارة الدفاع الروسية.
ترى تركيا أنها يمكن أن تحصل على استثناء من قانون مكافحة أعداء أمريكا كون الصفقة تمت قبل إصدار القانون واستنادًا إلى إمكانية إقناع الرئيس الأمريكي بأن الصفقة لا علاقة لها بتهديد أمني للناتو أو لواشنطن
وإضافة لذلك اتصل مايك بنس بأردوغان طالبًا منه التوقف عن المضي في الصفقة منعًا للتعرض لعقوبات أمريكية، لكن أردوغان أخبره أن الأمر قد حسم.
ترى تركيا أنها يمكن أن تحصل على استثناء من قانون مكافحة أعداء أمريكا كون الصفقة تمت قبل إصدار القانون واستنادًا إلى إمكانية إقناع الرئيس الأمريكي بأن الصفقة لا علاقة لها بتهديد أمني للناتو أو لواشنطن، كما أن تركيا تقدم اليونان التي تمتلك منظومة إس 300 رغم كونها عضو في الناتو على أن ذلك لا يتعارض مع أمن الناتو.
وفيما يتجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى روسيا للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنقاش مسألة تسليم صفقة إس 400 فإنه من المرجح أن أنقرة حسمت أمرها في المضي في الصفقة وهي مستعدة لتحمل عواقب الاستمرار مع أنها تفضل التفاهم مع الولايات المتحدة للحيلولة دون أي خلافات تتعلق بتعارضات قد تنشأ.
أما خيار تأجيل الصفقة أو إلغائها فهو غير مرجح حاليًّا مع بقاء احتماله نظريًا وذلك لما يترتب على العلاقة مع روسيا التي تؤكد حضورها في أكثر من ملف مع تركيا أهمها الملف السوري وملف خطوط الطاقة من آسيا إلى أوروبا.
كما أن تصريحات الرئيس التركي التي انتقد فيها التصريحات الأمريكية الداعية للتراجع عن صفقة إس 400 توضح مضي تركيا في الصفقة، حيث قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن التصريحات الأمريكية الحاليّة عن أنظمة الدفاع الصاروخي إس 400 خاطئة جدًا، كما قطع أردوغان الطريق على أي تقدم في صفقة باتريوت بقوله إن بلاده غير متحمسة لشراء منظومة باتريوت بالشروط الأمريكية الحاليّة لأنها لا تلبي تطلعاتها، فتركيا تريد من أي صفقة تبرمها أن تكون مناسبة لثلاثة معايير هي ثمن الصفقة والإنتاج المشترك والتكنولوجيا الكافية.
ستحاول تركيا السير على الطريق الصعب للجمع بين منظومة إس 400 وطائرات إف 35 وإن استطاع أردوغان إقناع كل من بوتين وترامب يكون قد جنب تركيا أزمة مع أحدهما وفي نفس الوقت رفع قوة بلاده الدفاعية
من الأفضل لتركيا حل الأمر بهدوء مع واشنطن، لكن الكرة في ملعب واشنطن حاليّا وستكون صاحبة الكلمة في تمرير الأمر أو تصعيده وخاصة مع وجود ملفات خلافية بشأن شرق الفرات وصفقة القرن والاعتراف بسيادة “إسرائيل” على الجولان، ولهذا فإن المتوقع أن تتصاعد الأمور بين أنقرة وواشنطن ولعل من الجيد الانتظار قبل الحسم بما سيكون لما سينجم عن لقاء أردوغان ببوتين ومن بعده لقاء أردوغان بترامب، فربما يتم التوصل لآلية ما وهو ما لا يبدو ظاهرًا حتى الآن إلا في مؤشرات قليلة من ضمنها تأكيد البنتاغون استمرار عمليات تدريب الطيارين والفنيين الأتراك على طائرات إف 35.
ستحاول تركيا السير على الطريق الصعب للجمع بين منظومة إس 400 وطائرات إف 35 وإن استطاع أردوغان إقناع كل من بوتين وترامب يكون قد جنب تركيا أزمة مع أحدهما وفي نفس الوقت رفع قوة بلاده الدفاعية.