بعد أكثر من 72 ساعة من الحوارات والنقاشات المكثفة والحساسة بين قيادة الحركة الأسيرة داخل السجون الإسرائيلية ومصلحة السجون التابعة للاحتلال، قرر مئات الأسرى الفلسطينيين، قلب طاولة الحوار على الجميع ورفع راية التحدي والشروع بالخطوة النضالية التي تخشاها دولة الاحتلال.
“معركة الأمعاء الخاوية 2″، انطلقت صافرتها من داخل السجون الإسرائيلية وقرر 150 أسيرًا فلسطينيًا الدفاع عن كرامتهم وإنسانيتهم من خلال أمعائهم الخاوية، بالإضراب المفتوح عن الطعام والشراب، على أن يدخل في هذا الإضراب المئات من الأسرى خلال الساعات القليلة المقبلة.
“اعتداءات وحشية، تفتيش عارٍ واستفزازي، إذلال متعمد، منع لإقامة الصلاة جماعة، منع زيارات الأهالي، وآخرها تركيب أجهزة تشويش مُسرطنة داخل السجون”، كانت هذه بعض الشرارات التي أطلقت نيران المعركة الثانية التي يخوضها الأسرى داخل زنازينهم السوداء وسراديب تعذيبهم الملطخة بدمائهم.
بدأ 150 أسيرًا يتقدمهم قادة الحركة الوطنية الأسيرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، مساء أمس الاثنين، إضرابًا مفتوحًا عن الطعام والشراب، في حين من المقرر أن ينضم لهم المئات على مراحل خلال الأيام المقبلة.
لا يلجأ الأسرى الفلسطينيون عادة إلى مثل هذه الخطوة إلا بعد نفاد كل الخطوات النضالية الأخرى، وعدم الاستجابة لمطالبهم عبر الحوار المفتوح مع سلطات الاحتلال
والإضراب المفتوح عن الطعام أو ما يعرف بـ”معركة الأمعاء الخاوية”، هي امتناع الأسير عن تناول كل أصناف وأشكال المواد الغذائية الموجودة في متناوله باستثناء الماء وقليل من الملح، وهي خطوة نادرًا ما يلجأ إليها الأسرى، إذ تعتبر الأخطر والأقسى لما يترتب عليها من مخاطر جسيمة، جسدية ونفسية، وصلت في بعض الأحيان إلى استشهاد عدد منهم.
الخطوة النضالية الأكثر خطورة
لا يلجأ الأسرى الفلسطينيون عادة إلى مثل هذه الخطوة إلا بعد نفاد كل الخطوات النضالية الأخرى، وعدم الاستجابة لمطالبهم عبر الحوار المفتوح مع سلطات الاحتلال عن طريق اللجنة النضالية التي تمثل الأسرى.
ويعتبر الأسرى الإضراب المفتوح عن الطعام، وسيلة لتحقيق هدف وليس غاية بحد ذاته، وهو أكثر الأساليب النضالية وأهمها، من حيث الفعالية والتأثير على إدارة السجون والرأي العام لتحقيق مطالب الأسرى الإنسانية العادلة.
حال الأسرى داخل سجون “إسرائيل”
يقول مدير مكتب إعلام الأسرى ناهد الفاخوري، إن الأسرى شرعوا في إضرابهم المفتوح عن الطعام ضمن معركة الكرامة الثانية للمطالبة بانتزاع حقوقهم، متابعًا: “على مدار اليومين الماضيين خاضت الحركة الأسيرة معركة للتفاوض لساعات طويلة مع ضباط مصلحة سجون الاحتلال وجرى خلالها استعراض العديد من القضايا والتفاهمات قبل أن يتراجع الاحتلال عنها”.
واستكمل قائلًا: “الحركة خاضت معركة التفاوض على مدار ساعات متواصلة وتم حل جملة قضايا وكان متوقع أن يتم إبرام اتفاق، حيث بقيت عدة مطالب عالقة تم تأجيل الحديث فيها لليوم، وانتظر الأسرى أن تأتي مصلحة السجون برد على تلك المطالب، إلا أن ما حدث أن هناك تراجعًا عما اتفق عليه سابقًا وهذه النقطة أدت لانفجار الأوضاع”.
ولفت الفاخوري إلى أن الأسرى شعروا أن المقصود هو استنزاف الوقت في ظل أن الاحتلال مقبل اليوم الثلاثاء على انتخاباته الداخلية لانتخاب الكنيست الجديد، مشيرًا إلى أن التفاهمات تشمل التلفاز وعودة الأوضاع لسابقة عهدها واستبدال الهواتف المهربة بهاتف ثابت على غرار السجون في العالم على أن يتم تحديد الأوقات للاتصال ووقت كل أسير وغيرها من التفاصيل.
طالب الأسرى بإعادة الأسرى المقموعين إلى أقسامهم، وتركيب هواتف عمومية داخل المعتقلات، وتخفيف العقوبات والأحكام وزيادة مدة زيارات الأسرى من قطاع غزة
بدوره أكد رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدري أبو بكر، فشل المفاوضات بين الأسرى الفلسطينيين وإدارة سجون الاحتلال، ووصولها إلى طريق مسدود، مضيفًا “المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود بعد مماطلة مصلحة السجون وتنصلها من مطالب الأسرى”.
وأوضح أن نحو 150 أسيرًا دخلوا في إضراب مفتوح عن الماء والشراب، وسيرتفع العدد خلال الأيام المقبلة إلى المئات، محملًا في الوقت ذاته الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عن فشل المفاوضات، برفضها التفاهمات التي سبق أن توصل لها قادة الأسرى مع إدارة السجون، بتركيب هواتف عمومية داخل السجون وإنهاء عزل الأسرى المعاقبين إثر الأحداث الأخيرة في سجن النقب الصحراوي.
ويطالب الأسرى بإعادة الأسرى المقموعين إلى أقسامهم وتركيب هواتف عمومية داخل المعتقلات وتخفيف العقوبات والأحكام وزيادة مدة زيارات الأسرى من قطاع غزة وإزالة أجهزة التشويش المسرطنة في المعتقلات ووقف عمليات القمع والتنكيل والإذلال بحقهم.
اعتداءات القوات الخاصة على الأسرى
الجدير ذكره أن “إسرائيل” تعتقل 5 آلاف و700 معتقل فلسطيني، موزعين على 22 سجنًا، ومنهم 29 معتقلًا منذ ما قبل توقيع اتفاقية “أوسلو” بين الاحتلال ومنظمة التحرير (1993)، وعشرة نواب ونحو 50 فلسطينية من ضمنهن 13 فتاة قاصرًا و230 طفلًا.
“نون بوست” يسرد أبرز الإضرابات التي خاضها الأسرى في سجون
جرت أول تجربة فلسطينية لخوض الإضراب عن الطعام في السجون الإسرائيلية، في سجن نابلس أوائل عام 1968، حيث خاض المعتقلون إضرابًا عن الطعام استمر ثلاثة أيام احتجاجًا على سياسة الضرب والإذلال التي كانوا يتعرضون لها، وللمطالبة بتحسين أوضاعهم الاعتقالية والإنسانية.
ويعد إضراب الأسرى الإداريين في سجون الاحتلال – في 24 من أبريل/نيسان 2014 الذي شارك فيه نحو 120 معتقلًا قبل أن يتوسع ويضم مئات آخرين أطول إضراب جماعي واستمر 63 يومًا.
وقد استشهد جراء الإضراب عن الطعام في سجون الاحتلال خمسة أسرى، وهم: عبد القادر أبو الفحم بتاريخ 11 من يوليو/تموز 1970 خلال إضراب سجن عسقلان، وهو أول شهداء الحركة الأسيرة خلال الإضراب عن الطعام، وراسم حلاوة وعلي الجعفري بتاريخ 24 من يوليو/تموز 1980 خلال إضراب سجن نفحة، ومحمود فريتخ في إضراب سجن جنيد عام 1984، وحسين نمر عبيدات بتاريخ 14 من أكتوبر/تشرين الأول 1994 في إضراب سجن عسقلان.
وفيما يلي أبرز الإضرابات الجماعية
– إضراب سجني الرملة وكفار يونا بتاريخ 18 من فبراير/شباط 1969 واستمر 11 يومًا بسجن الرملة و8 في كفار يونا.
– إضراب الأسيرات الفلسطينيات في سجن “نفي تريسنا” بتاريخ 28 من أبريل/نيسان 1970 واستمر 9 أيام.
– إضراب سجن عسقلان 5 من يوليو/تموز 1970 (7 أيام)، واستشهد خلاله الأسير عبد القادر أبو الفحم.
– إضراب سجن عسقلان بتاريخ 13 من سبتمبر/أيلول 1973، واستمر 24 يومًا.
– إضراب في عدة سجون انطلق من سجن عسقلان بتاريخ 11 من ديسمبر/كانون الأول 1976 واستمر 45 يومًا، وبعدها تم تعليق الإضراب، وبتاريخ 24 من فبراير/شباط 1977 استأنف الأسرى في سجن عسقلان إضرابهم واستمر 20 يومًا، كامتداد للإضراب السابق، بعدما تنصلت إدارة السجون من التزاماتها وتراجعت عن الوعود التي قطعتها للأسرى.
– إضراب سجن نفحة بتاريخ 14 من يوليو/تموز 1980 واستمر 32 يومًا، وشاركت باقي السجون بإضراب إسنادي، واستشهد خلاله الأسيران علي الجعفري وراسم حلاوة، ثم التحق بهما في نوفمبر/تشرين الآخِر 1983 الأسير إسحاق مراغة، واستشهد جراء “التغذية القسرية”، ويعدّ هذا الإضراب “الأشهر والأعنف”.
– إضراب سجن جنيد في سبتمبر/أيلول 1984 واستمر 13 يومًا، وذلك بعد افتتاح السجن المذكور في مدينة نابلس في شهر يوليو/تموز 1984.
– إضراب سجن جنيد بتاريخ 25 من مارس/آذار 1987 وشارك فيه 3000 أسير فلسطيني من معظم السجون، واستمر 20 يومًا، وكان له إسهام فعال في اندلاع انتفاضة الحجارة الكبرى في ديسمبر/كانون الأول عام 1987.
– إضراب سجن نفحة بتاريخ 23 من يونيو/حزيران 1991، واستمر 17 يومًا.
– إضراب شامل في جميع السجون والمعتقلات بتاريخ 27 من سبتمبر/أيلول 1992، واستمر 19 يومًا، واصطلح على تسميته بـ”أم المعارك”، لكونه شكّل مرحلة مهمة في الذود عن كرامة الأسير، وقد شارك فيه نحو 7 آلاف أسير، وحظي بمساندة جماهيرية واسعة في الوطن والشتات، وحقق العديد من الإنجازات والتحسينات، واستشهد خلاله الأسير المقدسي حسين عبيدات.
– إضراب الأسرى بتاريخ 18 من يونيو/حزيران 1995 تحت شعار “إطلاق سراح جميع الأسرى والأسيرات دون استثناء”، وجاء بغرض تحريك قضيتهم السياسية قبل مفاوضات طابا، واستمر 18 يومًا.
– إضراب الأسرى عن الطعام بتاريخ 5 كانون الأول/ ديسمبر 1998 إثر إفراج “إسرائيل” عن 150 سجينًا جنائيًّا، ضمن صفقة الإفراج التي شملت 750 أسيرًا وفق اتفاقية “واي ريفر” وعشية زيارة الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلنتون للمنطقة، والذي استمر 16 يومًا.
– إضراب 2 من مايو/أيار 2000 احتجاجًا على سياسة العزل والقيود والشروط المذلة على زيارات أهالي المعتقلين الفلسطينيين، وقد استمر هذا الإضراب ما يقارب الشهر.
– إضراب سجن “نيفي تريستا” بتاريخ 26 من يونيو/حزيران 2001 حيث خاضته الأسيرات واستمر 8 أيام متواصلة، احتجاجًا على أوضاعهن السيئة.
– إضراب شامل في جميع السجون بتاريخ 15 من أغسطس/آب 2004، واستمر 19 يومًا.
– إضراب أسرى سجن “شطة” بتاريخ 10 من يوليو/تموز 2006 واستمر 6 أيام، احتجاجًا على تفتيش الأهل المذل خلال الزيارات، وكذلك لتحسين ظروف المعيشة بعد مضايقات على ظروف المعيشة وخصوصًا التفتيش الليلي المفاجئ.
– إضراب أسرى الجبهة الشعبية وبعض المعزولين بتاريخ 27 من سبتمبر/أيلول 2011، الذي استمر 22 يومًا.
أمام هذه التحديات القاسية يجد الأسرى الفلسطينيون أنفسهم مجددًا أمام واقع صعب مليء بالمخاطر، وبأجسادهم وآلامهم الطريق الوحيد للانتصار لكرامتهم وانتزاع حقوقهم
– إضراب مفتوح عن الطعام، لقرابة 1600 أسير، بتاريخ 17 من أبريل/نيسان 2012، واستمر 28 يومًا.
– إضراب الأسرى الإداريين في سجون الاحتلال، وبدأ بتاريخ 24 نمن أبريل/نيسان 2014، وشارك فيه نحو 120 معتقلًا قبل أن يتوسع ويضم مئات آخرين، احتجاجًا على استمرار سياسية الاعتقال الإداري دون تهمة أو محاكمة، واستمر 63 يومًا.
– في الـ9 من ديسمبر/كانون أول 2014 أعلن قرابة 70 أسيرًا في سجون: النقب وريمون ونفحة، إضرابهم عن الطعام وانضم إليهم لاحقًا عشرات الأسرى، وانتهى بعد 9 أيام.
– في 17 من أبريل/نيسان 2016 أعلن مئات الأسرى الفلسطينيين في عدة سجون إسرائيلية إضرابًا مفتوحًا عن الطعام، تحت عنوان “الحرية والكرامة” وتم تعليقه بعد 41 يومًا، وطالبوا بتحقيق جملة مطالب، أبرزها: إنهاء سياسة العزل وسياسة الاعتقال الإداري، إضافة إلى المطالبة بتركيب تليفون عمومي للأسرى الفلسطينيين، للتواصل مع ذويهم، ومجموعة من المطالب التي تتعلق بزيارات ذويهم، وعدد من المطالب الخاصة في علاجهم ومطالب أخرى، حيث تم تعليقه فجر اليوم السبت بعد 41 يومًا من الإضراب.
– إضراب الحرية والكرامة في 17 من أبريل/نيسان 2017، حيث شرع 1500 أسير من أبناء حركة فتح في سجون الاحتلال، بالإضراب المفتوح عن الطعام، لاستعادة العديد من حقوقهم التي سلبتها إدارة سجون الاحتلال التي حققوها سابقًا بالعديد من الإضرابات.
وأمام هذه التحديات القاسية يجد الأسرى الفلسطينيون أنفسهم مجددًا أمام واقع صعب مليء بالمخاطر، وبأجسادهم وآلامهم الطريق الوحيد للانتصار لكرامتهم وانتزاع حقوقهم، فهل سيسطر التاريخ نصرًا جديدًا لهم أمام دولة الاحتلال؟