بالمشاركة مع محمد بهلول
دخل الحراك الشعبي في الجزائر أسبوعه السابع، محافظًا على خصائصه التي رافقته منذ 22 من فبراير/شباط المنصرم، وأهمها الدقة والتنظيم والسلمية والإصرار على التغيير الجذري، فتمكن من افتكاك مطلب آخر من مطالبه وهو تنحية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من على سُدة الحكم، وبالفعل قدّم الرئيس استقالته بتاريخ 2 من أبريل/نيسان الحاليّ.
والملاحَظ في المشهد الجزائري أن الحراك بات يحظى بدعم وتفاعل إيجابي من طرف مؤسسة الجيش، على عكس الخطاب السائد في السابق الذي طغت عليه نبرة الترهيب من عودة سيناريو أزمة التسعينيات في الجزائر، وهو ما يؤكد أن الجزائر استفادت من أخطاء الشعوب والحكومات العربية خلال السنوات الأخيرة، فبدأت مطالب الملايين تتحقق تدريجيًا وبأسلوب سلمي.
فترة التسعينيات العصيبة شكّلت تراكمًا تاريخيًا، وأفرزت أثرًا طويل المدى تمثل في درجة الوعي التي يتحلى بها الجزائريون اليوم
لقد كسر الحراك الجزائري التقليد الذي عرفته موجات الحراك في المنطقة العربية خلال العقد الأخير، من حيث حضور العنف بنسبة كبيرة سواء ذلك الذي مورسَ من طرف الشعوب أو القمع الممارَس من طرف الحكومات العربية، فالحراك الجزائري تجاوز “أسطورة” الخوف من “النظام”، وأفرز ثقافة جديدة تتمثل في التغيير السلمي لأنظمة الحكم، وهو ما سيُسهم في تغيير الخريطة السياسية لشمال إفريقيا والمتوسط والمنطقة العربية، خاصة مع احتمال انتشار عدوى الحراك وثقافته السلمية “على الطريقة الجزائرية”، كما أنه فنّد كل الاعتقادات بخصوص التغيير في الجزائر، وكشف فشل التنظيرات الغربية في فهم الواقع الجزائري.
إن فترة التسعينيات العصيبة شكّلت تراكمًا تاريخيًا، وأفرزت أثرًا طويل المدى تمثل في درجة الوعي التي يتحلى بها الجزائريون اليوم، حتى أصبح نهجُهم في الحراك والتغيير الجذري قدوة بالنسبة لدول تعيش نفس الأوضاع تقريبَا، مثل السودان الذي عرف إشادة بطبيعة الحراك الجزائري ودعوة الجيش السوداني لأخذ العبرة من الجيش الجزائري بالوقوف إلى جانب الشعب وحمايته.
وتعرف دول الجوار اضطرابات سياسية وأمنية متفاوتة في حدّتها، كما هو الحال في ليبيا التي تعيش صراعًا ونزاعًا بشأن السلطة منذ سقوط نظام القذافي، وهو الوضع الذي أثر طيلة السنوات الماضية على الأمن الوطني الجزائري كما لا يزال، خاصة مع تقدُّم قوات خليفة حفتر لدخول العاصمة طرابلس وتخوُّف الجزائر من تأثيرات الحرب في ليبيا على الحراك الداخلي، وفي تونس، لا تزال حالة الطوارئ مفعَّلة، كما خرج الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، البالغ من العمر 93 سنة، ليعلن مسبقًا عدم رغبته في الترشح لعهدة جديدة.
أما المغرب فيشهد حراكًا في مدينة الحُسَيمة (الريف) منذ نهاية 2016، بالتالي فإن الحراك الجزائري يأتي في توقيت جد حساس من تاريخ المنطقة المعاصر، وهو ما يطرح الكثير من التساؤلات عن مستقبله وأيضًا امتداده إلى دول عربية أخرى، ويطرح الحراك الجزائري، انطلاقًا من طبيعته وتوقيته وخصوصياته ونتائجه المحققة حاليًّا، مجموعة من التأثيرات، يمكن تلخيص أهمها كما يلي:
– استمرار الحراك بنفس الوتيرة سيؤدي إلى تغيير جذري وحقيقي في البلاد، وإصلاح للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بشكل تدريجي.
استفادة دول عربية مثل السودان من الحراك الجزائري، سواء من حيث سلميته والتنظيم الذي يميزه، أم من حيث ما يحظى به من دعم الجيش
– استفادة شعوب دول المنطقة العربية من الحراك السلمي والتجربة الجزائرية الراهنة، في إيصال المطالب إلى حكوماتهم وتحقيق التغيير بطريقة حضارية.
– مساهمة الجيش الجزائري في التغيير الجذري والإيجابي من خلال استمرار دعمه لمطالب الحراك، وإن كان عدم تدخل الجيش في السياسة من ركائز العملية الديمقراطية إلا أن الدعم المعنوي المقدَّم من طرف الجيش الجزائري له أهميته في إعطاء الشرعية ودَفعة قوية للحراك باعتباره مؤسسة رسمية وذات نفوذ.
– استفادة دول عربية مثل السودان من الحراك الجزائري، سواء من حيث سلميته والتنظيم الذي يميزه، أم من حيث ما يحظى به من دعم الجيش، وهو ما يكسر قاعدة التغيير في المنطقة العربية على ظهور الدبابات والدماء.
– احتمال أن يُسهم الحراك في الجزائر بشكل كبير وفعال في عملية الترسيخ الديمقراطي، وهي مرحلة ضرورية في الانتقال الديمقراطي وتفعيل العملية الديمقراطية.
– التأسيس لعدالة انتقالية حقيقية، قائمة على أساس المحاسبة وكشف الحقيقة وعدالة القضاء من جهة وتحقيق المصالحة وبناء دولة القانون من جهة ثانية، وهو ما بدأت بوادره تظهر من خلال توقيف عدد من رجال الأعمال ووضع قائمة بالممنوعين من السفر.
– بداية هيكلة الأحزاب السياسية من جديد، بما يجعلها أكثر تموقُعًا واحتكاكًا بواقع البلاد، ويجعل برامجها أكثر جدية في التعاطي مع الحاجات والطموحات الشعبية.
الحراك الذي تعيشه الجزائر هو مقدمة لربيع عربي على الطريقة الجزائرية، في انتظار ما ستُسفر عنه المرحلة الانتقالية الحاليّة التي تعرف شغور منصب رئاسة الجمهورية منذ بداية الشهر
– إعطاء الأولوية للكفاءات الوطنية، وإعادة الاعتبار لدور الشباب في بناء مستقبل وطنه، مما سيُسهم في امتصاص البطالة وتقليص ظواهر سلبية وآفات مثل الجرائم والهجرة غير الشرعية.
– تفنيد المواقف والنظريات الغربية القائلة بأن التغيير في المنطقة العربية لا يتم إلا بثورة عنيفة على النظم الشمولية والتسلطية، في حين أنه قد يتحقق بالأساليب السلمية ما لا يتحقق بالعنف والإرهاب.
بالتالي فإن الحراك الذي تعيشه الجزائر هو مقدمة لربيع عربي على الطريقة الجزائرية، في انتظار ما ستُسفر عنه المرحلة الانتقالية الحاليّة التي تعرف شغور منصب رئاسة الجمهورية منذ بداية الشهر، وأيضًا في انتظار تلبية ما تبقى من المطالب الشعبية، مع التأكيد على ضرورة احتواء ما قد يظهر من سلبيات أو اختلاف في وجهات النظر عن مستقبل المرحلة، والتركيز على ما هو مشترك.