يلتقي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليوم الثلاثاء، نظيره الأمريكي دونالد ترامب، ضمن فعاليات زيارته المفاجئة للولايات المتحدة التي تأتي بعد أيام قليلة من اعتراف واشنطن بسيادة دولة الاحتلال على مرتفعات الجولان وهو القرار الذي أثار حفيظة الملايين من العرب والمسلمين.
زيارة السيسي لأمريكا هي السابعة له منذ توليه مقاليد الأمور في 2014 في حين أن لقاءه بترامب هو السابع من نوعه منذ تنصيب الأخير رئيسًا لبلاده في يناير 2017، الأمر الذي يعكس حجم العلاقات القوية التي تجمع الرئيسين والثناء المتبادل بينهما عقب كل لقاء يجمعهما.
العديد من الملفات تفرض نفسها على جدول أعمال اللقاء المرتقب في ظل اشتعال المنطقة بحزمة من القضايا الساخنة التي ألقت بظلالها على المشهد الإقليمي والدولي خاصة فيما يتعلق بما يسمى إعلاميًا “صفقة القرن” وقرب موعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية المقترحة التي تعبد الطريق أمام السيسي للبقاء في الحكم حتى 2034، فضلاً عن السجل الحقوقي المشين لمصر الذي كان مثار جدل كبير داخل الشارع الأمريكي.
تعميق الشراكة الإستراتيجية
في اليوم الأول للزيارة التقى السيسي وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، وكبير مستشاري ترامب وصهره جاريد كوشنر، في مقر إقامته، حيث أكد حرص بلاده على تدعيم وتعميق الشراكة الإستراتيجية الممتدة مع الولايات المتحدة، التي تمثل ركيزةً مهمة للحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، معربًا عن التطلع لتعظيم التنسيق والتشاور مع الجانب الأمريكي خلال الفترة المقبلة، بشأن مختلف الملفات السياسية والأمنية ذات الاهتمام المشترك، بحسب بيان الرئاسة المصرية.
ووفق البيان فقد عبّر بومبيو عن ثقته في أن مباحثات السيسي مع ترامب ستدعم مسيرة العلاقات بين البلدين على نحو بناء وإيجابي، خاصةً في ظلّ التزام الإدارة الأمريكية بتعزيز أطر التعاون المشترك مع مصر في مختلف المجالات، مشيدًا بما وصفه “جهود السيسي لمكافحة الإرهاب وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في مصر والمنطقة”.
كما احتلت القضية الفلسطينية و”صفقة القرن” مكانًا بارزًا في المحادثات، حيث ذكرت الرئاسة المصرية أن كوشنر عبر عن “الأهمية البالغة” التي توليها بلاده للتشاور مع مصر في إطار “الصفقة”، باعتبار القاهرة مركز ثقل لمنطقة الشرق الأوسط، ولما لديها من خبرات طويلة ومتراكمة في التعامل مع كل الأطراف المعنية في هذا الخصوص.
كما نقل البيان كذلك عن الرئيس المصري تأكيده على موقف بلاده الداعم لأي جهد مخلص يضمن التوصل إلى حلٍّ عادل ودائم للقضية الفلسطينية، استنادًا إلى قرارات ومرجعيات الشرعية الدولية وحل الدولتين وما تضمنته المبادرة العربية، على نحو يحفظ الحقوق الأصيلة للشعب الفلسطيني، الأمر الذي من شأنه صياغة واقع جديد بمنطقة الشرق الأوسط يحقق تطلعات شعوبها في الاستقرار والبناء والتنمية والتعايش في أمن وسلام.
الرئاسة اكتفت في بيانها بتلك القضايا سالفة الذكر وهو ما يعني تجاهل العديد من الملفات التي كان يتوقع أن يتم طرحها على أجندة هذا اللقاء، غير أن العديد من المصادر ذهبت إلى أن اللقاء مع ترامب ربما يكون أكثر ثراءً واحتواءً لتلك الملفات، لا سيما في ظل العلاقة القوية التي تجمع الرئيسين.
5 ملفات رئيسية
اللقاء السابع المقرر أن يجمع اليوم بين السيسي وترامب يأتي في وقت تعاني فيه منطقة الشرق الأوسط من حالة من الغليان جراء عنصرية الرئيس الأمريكي وانحيازه الفاضح للجانب الصهيوني على حساب القضايا العربية، ومن ثم تتجه الأنظار لهذا اللقاء وما يمكن أن يسفر عنه من موضوعات تهم المنطقة.
صفقة القرن.. المسألة الأولى على جدول أعمال اللقاء تتعلق بصفقة القرن وتنسيق الملف الأمني في غزة والسيطرة على حركة حماس وتحجيم قوتها العسكرية، وهي المهمة التي كان ترامب قد أوكلها إلى السيسي لتقدم في إطار ما وُصف بـ”الجهود المصرية لإتمام المصالحة الفلسطينية” التي شهدت انتكاسة كبرى في الشهور الأخيرة.
لا شك أن ترامب التاجر لن يترك زيارة السيسي لبلاده دون الحصول على مكاسب مادية، فبجانب السياسة ودعم مواقفه السياسية يخطط لإبرام العديد من الصفقات
السيسي بجانب زعماء السعودية والإمارات والأردن هم حلفاء ترامب في هذا الملف الذي يسعى الأخير لإتمامه في أسرع وقت رغم ما يحاط به من قنابل موقوتة وتحديات تحول دون ترجمته على أرض الواقع، ووفق بعض المصادر فإن الزيارة تأتي في المقام الأول لمناقشة هذا الملف الذي بدأت إرهاصته الأولى بنقل السفارة الأمريكية للقدس والاعتراف بسيادة “إسرائيل” على الجولان.
العديد من الصحف الأمريكية والعبرية على حد سواء كانت قد رصدت خلال السنوات الأخيرة عدة لقاءت جمعت بين قادة الدول الأربعة لمناقشة هذا الملف في غيبة عن إعلام بلدانهم، الأمر الذي أثار موجة من السخط بين شعوب تلك الدول في أعقاب الكشف عن تفاصيلها.
السيسي ورئيس وزراء “إسرائيل” بنيامين نتنياهو
التطبيع.. يعد مستقبل العلاقات العربية الإسرائيلية أحد أبرز المحاور المقترح مناقشتها خلال اللقاء، خاصة بعد الشوط الكبير الذي قطعته بعض العواصم العربية في مسار التطبيع والتقارب مع دولة الاحتلال، على رأسها الرياض وأبو ظبي والمنامة، ثم مسقط التي تجاوزت تلك المرحلة بكثير وفق تصريحات وزير خارجيتها مؤخرًا الذي طالب بضرورة العمل العربي على إزالة المخاوف أمام الإسرائيليين وطمأنتهم.
هذا الملف يرتبط في تفاصيله بقضية “صفقة القرن” التي تتطرق في جزء منها إلى إحداث حالة من الدمج وقبول الآخر بين الشعوب العربية والعبرية، كأحد أبرز شروط إتمامها، ومن جانب آخر يعد السيسي أحد الرؤساء العرب القلائل المقربين من الشارع الإسرائيلي الذي وصفته الصحف الصهيونية بأنه الزعيم الأكثر قربًا لهم، ومن ثم كانت جهود دعمه المتوالية.
مستقبل العمل الأهلي في مصر، واحدة من أكثر المسائل مكانة لدى الإدارة الأمريكية وترامب على المستوى الشخصي
الاقتصاد والتسليح.. ترامب التاجر لا شك أنه لن يترك زيارة السيسي لبلاده دون الحصول على مكاسب مادية، فبجانب السياسة ودعم مواقفه السياسية يخطط لإبرام العديد من الصفقات على رأسها التسليح، في ظل ما يثار بشأن عزم مصر شراء عدد من الصفقات من الجانب الأمريكي خلال المرحلة المقبلة.
وفي السياق ذاته من المرجح مناقشة ما أثير بشأن توقيع مصر صفقة بقيمة ملياري دولار مع روسيا لشراء أكثر من 30 طائرة من طراز سوخوي 35 بالإضافة إلى أسلحة لتلك المقاتلات، ومدى إثارة هذه الخطوة لحفيظة أمريكا واحتمالية فرض عقوبات على الجانب المصري.
السيسي ووزير خارجية أمريكا
مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية رفض ذكر اسمه في تصريحاته لرويترز حذر من أن القانون الأمريكي لا يمنح الرئيس مرونة تذكر بشأن العقوبات التي تفرض على من يتعاملون مع قطاعات الدفاع الروسية، مضيفًا “يتعين على الدول التي تبرم هذه الصفقات أن تعرف أن الخيارات أمامنا محدودة للغاية بشأن ما يمكننا القيام به للتخفيف، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة واجهت بالفعل مواقف مماثلة مع الصين والهند وتركيا.
ويجيز قانون مكافحة خصوم الولايات المتحدة من خلال العقوبات الأمريكية فرض عقوبات على أولئك الذين يشاركون في معاملات مهمة مع قطاعي الدفاع أو المخابرات الروسيين. كما يتناول هذا القانون العقوبات على إيران وكوريا الشمالية.
وكانت صحيفة “كوميرسانت” الروسية، قد نقلت في وقت سابق، عن وجود صفقة أسلحة جديدة بين موسكو و القاهرة، حيث تقوم روسيا بتزويد مصر بعشرات المقاتلات الثقيلة متعددة الأغراض من طراز “سوخوي 35”. وأوضحت الصحيفة، أن العقد يقتضي توريد أكثر من 20 مقاتلة وعتاد عسكري بقيمة نحو “ملياري دولار”، دخل حيز التنفيذ في نهاية عام 2018، على أن تبدأ الإمدادات في عام 2020 أو 2021.
التعديلات الدستورية.. حالة من الجدل أثارتها دعوات إجراء بعض التعديلات على الدستور المصري، تلك التعديلات التي تتعارض مع مبدأ الديمقراطية في الاستئثار بالكرسي وعرقلة عملية تداول السلطة بشكل سلمي ومدني، ومن ثم ستكون حاضرة بشكل أو بآخر على جدول أعمال اللقاء.
تخوفات عدة نقلها بعض أعضاء الكونغرس بشأن مساعي الرئيس المصري للبقاء في الكرسي، في الوقت الذي تشير فيه الرئاسة وفق بيانها إلى أن مسألة التعديلات لا علاقة لها بالرئيس، مبررة ذلك بأنه لا أحد يعلم أي من النصوص سيتم إجراء تعديلها ولا الصيغة النهائية لتلك التعديلات التي تناقش حتى الآن في مجلس النواب.
رغم أهمية الملف الحقوقي في تحديد مستقبل العلاقات بين القاهرة وواشنطن على مدار عقود طويلة مضت، فإن الأمر في ولاية ترامب ربما يكون مختلفًا
العمل الأهلي.. مستقبل العمل الأهلي في مصر، واحدة من أكثر المسائل مكانة لدى الإدارة الأمريكية، وترامب على المستوى الشخصي، وقد طرحها تقرير الخارجية الأمريكية السلبي عن مصر الصادر الشهر الماضي بشكل واسع، لأنها مجال أساسي لإنفاق ملايين الدولارات سنويًا من جهات مانحة حزبية وأكاديمية.
تضييق الخناق على العمل الأهلي كان سببًا في قرار واشنطن السابق في صيف 2017 بتجميد نحو 290 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية والعسكرية لمصر لمدة 13 شهرًا، على خلفية إصدار قانون الجمعيات الأهلية في مايو/أيار من ذلك العام، وظهور دعوة حجب المساعدات التي تقدمها واشنطن إلى القاهرة وربطها بإحراز تقدم في مجال حقوق الإنسان.
حقوق الإنسان
رغم أهمية الملف الحقوقي في تحديد مستقبل العلاقات بين القاهرة وواشنطن على مدار عقود طويلة مضت، فإن في ولاية ترامب الأمر ربما يكون مختلفًا، فالمصالح المشتركة والدور الذي يريده الرئيس الأمريكي من نظيره المصري خدمة لأجندة بلاده في المنطقة يدفعه لغض الطرف عن التردي الواضح بشهادة المنظمات العالمية في هذا الملف.
ومع كل زيارة للسيسي للولايات المتحدة يثار هذا الملف لكن دون استجابة، رغم الانتهاكات الممارسة ليل نهار ضد المعارضة المصرية، حتى إن وزير الخارجية بومبيو خلال زيارته للقاهرة قبل شهر تقريبًا لم يتطرق إلى هذا الملف، وهو ما اعتبره محللون ضوءًا أخضر للنظام المصري لارتكاب ما يحلو له دفاعًا عن أركانه، وبعدها مباشرة كان إعدام المتهمين التسع في القضية التي عرفت إعلاميًا بـ”اغتيال النائب العام”.
وكان أعضاء من مجلس الشيوخ من الحزبين قد بعثوا برسالة موقع عليها من 17 برلمانيًا منهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية جيم ريش، والعضو البارز بوب مينديز، إلى مايك بومبيو، أمس الإثنين، يحثونه فيها على معالجة “انتهاكات الحقوق السياسية والإنسانية” في مصر.
الرسالة طالبت الخارجية الأمريكية والرئيس باتخاذ موقف حازم تجاه الانتهاكات الحقوقية في مصر وجاء فيها: “من المهم التأكيد على أن شراكاتنا أقوى وأكثر استدامة عندما تتجذر في القيم المشتركة، بما في ذلك الحكم الديمقراطي والحرية السياسية والاقتصادية وحقوق الإنسان الأساسية لجميع المواطنين”.