تعهد الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح ساعات بعد تعيينه في منصبه الجديد طبقًا للمادة 102 من الدستور، بالعمل على إيجاد الحلول التي من شأنها أن تخرج البلاد من الأزمة الحاليّة بتنظيم انتخابات رئاسية شفافة تحت مراقبة هيئة مستقلة، غير أن هذه الوعود قد لا يكون للوافد الجديد إلى قصر المرادية الحظ في تجسيدها في ظل الرفض المطلق للحراك الشعبي ولأحزاب المعارضة لشخص بن صالح باعتباره أحد رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وصل بن صالح عقب تسلمه رئاسة البلاد صباح الثلاثاء عقب اجتماع للبرلمان إلى قصر الرئاسة في المرادية بأعالي العاصمة الجزائر، أين وجد الأمين العام للرئاسة حبة العقبي أبرز رجالات بوتفليقة المقربين في استقباله، ليباشر بذلك مهامه رئيسًا للدولة لـ90 يومًا بشكل رسمي.
وعود
بعد 7 سنوات من مخاطبة رئيس البلاد شعبه بالرسائل المكتوبة، أطل بن صالح – على عكس بوتفليقة – على الجزائريين عبر التليفزيون العمومي في أول خطاب له موجه للأمة، وقال بن صالح: “أؤكد للجميع أن الأمر يتعلق بمهمة دستورية لا تعدو أن تكون ظرفية يتعين عليّ الاضطلاع بها، وفقًا لما يمليه عليّ واجبي الدستوري وأنا عازم على القيام بها بتفان ووفاء وحزم خدمة لمصلحة شعبنا الأبي وإسهامًا مني في تجسيد تطلعاته المشروعة والمسموعة”.
يفهم من هذا أن بن صالح يريد أن يبعث رسائل اطمئنان للجميع بشأن عدم وجود طموح لديه للوصول إلى السلطة بعد انتهاء فترته المؤقتة
وأضاف “الجزائر مقبلة على خوض منعرج يتمثل مبتداه في مرحلة حاسمة مآلها الدستوري تسليم السلطات إلى رئيس الجمهورية المنتخب ديمقراطيًا، وذلك في ظرف زمني لا يمكن أن يتعدى الـ90 يومًا اعتبارًا من تنصيبي بصفة رئيس الدولة، من الواضح وكما تعلمون، فإن رئيس الدولة المعين لا يمكنه الترشح لرئاسة الجمهورية، ولذلك فإنني أؤكد جازمًا، في هذا المقام، أن طموحي الوحيد هو القيام بالمهمة الملقاة على عاتقي بأمانة”، ويفهم من هذا أن بن صالح يريد أن يبعث رسائل اطمئنان للجميع بشأن عدم وجود طموح لديه للوصول إلى السلطة بعد انتهاء فترته المؤقتة.
وحرص بن صالح على أن يبدو أنه في صف الشعب، رغم أن اسمه يأتي في مقدمة المطالبين بالاستقالة والرحيل وعدم قيادة المرحلة الانتقالية التي قد تمر بها البلاد، وأوضح بن صالح في هذا الإطار قائلاً: “لا بد لهذه المهمة، أن تتكفل، في السياق السياسي الراهن، بتفعيل المادتين 7 و8 من الدستور، وهو ما يتعين علينا الالتزام به والتوجه نحوه، مواطنين وطبقة سياسية ومؤسسات الدولة، حتى نستجمع الشروط، كل الشروط، لإجراء انتخاب رئاسي شفاف ونزيه نكون جميعًا أمناءً عليه، ويتيح لشعبنا تجسيد إرادته السيدة وتكريس خياره بكل حرية”.
وأعلن الرئيس الجديد في أول أيامه عزمه “بالتشاور مع الطبقة السياسية والمدنية المواطنية، على القيام، من باب الأولوية والاستعجال، بإحداث هيئة وطنية جماعية، سيدة في قرارتها، تعهد لها مهمة توفير الشروط الضرورية لإجراء انتخابات وطنية شفافة ونزيهة والاضطلاع بالتحضير لها وإجرائها، وستسخر الحكومة والمصالح الإدارية المعنية لدعمها في أداء مهامها بكل حرية ومرافقتها”.
ودعا بن صالح الجميع للتعاون “للوصول إلى الهدف الأساسي وهو وضع حجر الزاوية لجزائر المرحلة المقبلة، وسأحرص، بطبيعة الحال، على أن يتم إعداد العدة القانونية ذات الصلة بهذه الهيئة الوطنية وصياغتها في أقرب الآجال، ولكنني سأطلب من طبقتنا السياسية والمواطنية أن تتحلى بالإبداع والإسهام والثقة من أجل أن نبني معًا هذا الصرح القانوني الذي سيمهد لبناء نظام سياسي جديد كليًا يكون في مستوى تطلعات شعبنا”.
يلاحظ في خطاب بن صالح أنه لم يخرج عن الوعود التي أطلقها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بعد انطلاق الحراك الشعبي وفي رسالته التي أعلن فيها مشروع تمديد عهدته الرابعة بعد سقوط حلم الولاية الخامسة
وبيّن الرئيس السابق لمجلس الأمة أن “إقبال الشعب على إرساء اختيار، بحرية وسيادة، على ما يريده، سيمكننا من تنصيب رئيس جديد للجمهورية في الأجل الدستوري، والاختيار هذا سيكون اختيارًا حرًا بقدر ما تكون ممارسته ظروفًا يسودها الهدوء والرصانة والثقة فيما بيننا، المهم، بالنسبة لشعبنا هو أن يختار الشخص والبرنامج الذين يتجاوبان مع تطلعاته إلى نظام سياسي جديد كفيل بمغالبة التحديات الجسام التي تواجه الجزائر التي ترتضي لنفسها اعتناق الحداثة والديمقراطية والعدالة والتنمية، أملي أن ننصب قريبًا رئيسًا جديدًا للجمهورية يتولى، ببرنامجه، فتح المرحلة الأولى من بناء الجزائر الجديدة”.
لكن ما يلاحظ في خطاب بن صالح أنه لم يخرج عن الوعود التي أطلقها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بعد انطلاق الحراك الشعبي وفي رسالته التي أعلن فيها مشروع تمديد عهدته الرابعة بعد سقوط حلم الولاية الخامسة.
مغازلة
رغم علمه بدرجة الرفض والغضب الذي يكتنف الجزائريين بتسلمه مقاليد تسيير البلاد، فإن بن صالح حاول في أول خطاب له مغازلة الحراك الشعبي الذي يطالبه بالاستقالة الفورية، فقال: “لا يساورني الشك، بالنظر لدرجة الوعي التي برهنت عليها مختلف أطياف مجتمعنا، ذلك أن كل الوطنيين الغيورين على رفعة بلدهم والحريصين على مستقبله، لن يتوانوا من أجل مشاركتنا قطع هذه المرحلة وتجاوزها دون تأخير وبكل مسؤولية”.
قال بن صالح: “خلال الأسابيع الماضية انبرى شعبنا وعبر على نحو يبعث الإعجاب عن تطلعاته إلى التغيير والإصلاح والمشاركة الفعلية في اتخاذ القرارات ذات الصلة في مستقبله”.
وتابع الرجل الأول في الدولة “إنني أتوسم في الجميع تجندًا أكبر من ذلك الذي شهدناه لحد الآن، من أجل مجابهة الرهانات العاجلة والجمة التي لا مفر لبلادنا لمواجهتها، لا سيما تلك المرتبطة بأمننا القومي والجهوي، ورهان إصلاحاتنا الاقتصادية والمالية والمؤسساتية العميقة، ورهان تنميتنا الاجتماعية والبشرية المستدامة”.
ورغم أنه ينتمي إلى حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يتولى أمانته العامة الوزير الأول السابق أحمد أويحيى الذي يجيد هواية تخوين كل من كان يدعو إلى مصارعة النظام، فإن بن صالح تحول بين لحظة وضحاها وأراد أن يظهر بجبهة الداعمين للحراك الشعبي.
وقال بن صالح: “خلال الأسابيع الماضية انبرى شعبنا وعبر على نحو يبعث الإعجاب عن تطلعاته إلى التغيير والإصلاح والمشاركة الفعلية في اتخاذ القرارات ذات الصلة في مستقبله”، وتابع “في زخم هذه الوثبة التاريخية يأبى عليّ الواجب الوطني إلا أن أرفع تحيتي إلى سائر الفئات الاجتماعية التي شاركت مشاركة سلمية رصينة ومسؤولة في المسيرات المتتالية التي شهدتها الساحة السياسية منذ يوم 22 من فبراير الفارط ومثل هذه التحية أسديها إلى سائر الشعب وبوجه خاص إلى شبابنا من ذكور وإناث الذين أظهروا وأبهروا العالم بالوجه المشرق الحقيقي والواعد للجزائر، وجه طافح بثقة في النفس باعث فيها الأمل ومتوكب نحو الأفضل”.
يتضح مما جاء في هذه الرسالة أن بن صالح أيقن جيدًا أن نجاح مهمته تكمن في كسب ود الحراك الشعبي وقيادة الجيش الداعية إلى ضرورة تفعيل المادتين 7 و8 من الدستور أيضًا
ولم يفوت بن صالح الفرصة ليحيي لاعبين مهمين في الحراك الذي تعرفه البلاد وهما مؤسستي الأمن والجيش، وذلك بالقول “أرفع تحية الإكبار إلى قوات جيشنا الوطني الشعبي التي لم تتوان قط عن ممارساتها الأساسية لمهمتها الدستورية ولقيادته الحكيمة التي أصرت على الاحتكام للدستور كمرجعية وحيدة من أجل السماح لشعبنا من تحقيق تطلعاته وتجاوز الأزمة الراهنة”.
ويتضح مما جاء في هذه الرسالة أن بن صالح أيقن جيدًا أن نجاح مهمته تكمن في كسب ود الحراك الشعبي وقيادة الجيش الداعية إلى ضرورة تفعيل المادتين 7 و8 من الدستور أيضًا، لكن يبدو أنه فشل في أن يجعل الطرف الأول إلى جانبه، وهو ما تفسره المظاهرات التي عرفتها عدة مدن أبرزها العاصمة الجزائر والرافضة لتوليه مقاليد السلطة، أما موقف الطرف الثاني المتمثل في الجيش فيبقى لحد الآن غير واضح خاصة بعد أن تجنب رئيس أركان الجيش خلال اليومين الأخيرين الخوض على العادة فيما يحدث على الساحة الوطنية.
رفض
لكن يبدو أن محاولات بن صالح لتقديم نفسه على أنه رجل المرحلة لحل أزمة البلاد لم تجد نفعًا، بالنظر إلى حجم المشاركين في مسيرة الطلبة التي نظمت الثلاثاء للتنديد بمنح رئاسة البلاد لشخص مرفوض شعبيًا، ومطالب بالرحيل فورًا مثلما فعل من سابقه، وبدورها شددت عدة أحزاب على ضرورة مواصلة مسيرة النضال، فقد طالبت حركة البناء الوطني باستمرار الحراك من أجل حماية خیار الشعب الذي لا تحققه السلطة الحالیّة، وتأمين مستقبل البلاد أمام الأخطار المحدقة به.
أما رئیس جبهة العدالة والتنمية الجزائرية عبد الله جاب الله فقد بيّن أن الجزائريين “طالبوا بالتغییر وليس بالتدوير، والنظام فاقد للشرعیة، وما يصدر عنه باطل”.
يتطلع الجزائريون إلى موقف حاسم من مؤسسة الجيش قد يدفع ببن صالح ومن بقي من نظام بوتفليقة إلى رمي المنشفة والالتحاق ولو كان متأخرًا
واعتبر رئیس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (علماني) محسن بلعباس أن “ما حدث في قصر الأمم انقلاب ضد الإرادة والسيادة الشعبیة للمرة الثالثة”، كاشفًا في الوقت ذاته “تزوير العدد الحقیقي لأعضاء البرلمان بغرفتیه من أجل إضفاء شرعیة على جلسة تنصیب بن صالح رئیسًا للدولة”.
وفي غياب خصم قوي من المعارضة قد يكسر شوكة النظام الذي عاد في ثوب جديد عنوانه عبد القادر بن صالح، يتطلع الجزائريون إلى موقف حاسم من مؤسسة الجيش قد يدفع ببن صالح ومن بقي من نظام بوتفليقة إلى رمي المنشفة والالتحاق ولو كان متأخرًا بالتغيير الذي يحدث في البلاد لتجنب أي عواقب قد تحدث مستقبلاً.