ترجمة وتحرير: نون بوست
هل أصبح الإسلاميون أول قوة احتجاج سياسي في مالي؟ هل من المحتمل أن يتولوا السلطة في العاصمة باماكو ؟ يعد طرح هذه الأسئلة بعد مرور ست سنوات على بدء التدخل العسكري الفرنسي، في حد ذاته، دليلا على فشل الزعماء الماليين والفرنسيين.
في كانون الثاني/ يناير 2013، أطلق فرانسوا هولاند جنود القوة الاستعمارية السابقة في شمال مالي. وفُسر ذلك على أنه تدخل طارئ لمنع توجه الجماعات الجهادية نحو العاصمة. وقد رحب السكان المعنيون بسرعة ونجاعة رد الفعل، لكن في الوقت الحالي وبعد انتشار العنف في جميع أنحاء الإقليم، اختفت الأعلام الملونة بالأزرق والأبيض والأحمر من شوارع باماكو وتمبكتو وموبتي.
في مواجهة دراما بحجم لم تشهده مالي مسبقا، لا يتأتى الصوت المسموع من طرف المعارضة السياسية وإنما من شخصية دينية، وهي رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في مالي. إن محمود ديكو
يوم الجمعة الموافق للخامس من نيسان/ أبريل، تظاهر عشرات الآلاف من الماليين في وسط العاصمة متجهين نحو ميدان الاستقلال. وتطالب اللافتات برحيل الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا ورئيس وزرائه سوميلو بوبايي ماغا، مؤكدة أن “مشكلة مالي الوحيدة هي فرنسا” وآمرة بإيقاف “الإبادة الجماعية التي تقوم بها فرنسا في مالي”. لقد حان الوقت للتعبير عن غضب تجاوز كونه تأملا ذاتيا في هذه المظاهرة الأولى إثر مذبحة الفولاني.
أبعد بكثير من محيط المساجد
يوم 23 آذار/ مارس، قُتل 157 شخصًا على الأقل في قرية وسط مالي لسبب وحيد وهو أنهم من المنتمين إلى قبائل الفولاني. بدا الجيش المالي والقوات الدولية، أي الجنود الفرنسيون المشاركون في عملية “برخان” والقبعات الزرقاء التابعة لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، عاجزين عن منع عملية تقتيل جديدة وسط البلاد، وهي منطقة تمكنت فيها اللعبة الماهرة من تحويل المنافسات المجتمعية القديمة إلى عمليات ثأر دموي.
في مواجهة دراما بحجم لم تشهده مالي مسبقا، لا يتأتى الصوت المسموع من طرف المعارضة السياسية وإنما من شخصية دينية، وهي رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في مالي. إن محمود ديكو، الإمام الوهابي لمسجد حي بادالابوغو والمنظم الرئيسي لتجمع يوم الجمعة رفقة شريف نيورو في الساحل، محمد ولد بويا حيدرة، وهو رجل دين مؤثر للغاية في هذا البلد المسلم بنسبة 95 بالمئة، يتجاوز مجرد كونه شخصية دينية. فعلى مدى السنوات العشر الماضية، تدخل في مجال يتجاوز محيط المساجد ليخوض معارك على الصعيد السياسي والاجتماعي من خلال عرقلة إصلاح قانون الأسرة، واتخاذ مواقف بشأن التربية الجنسية للمراهقين، والحاجة إلى مفاوضات مع الجهاديين.
باعتباره أبرز عناصر التعبئة، تلقى هذا الزعيم الديني مساندة من تحالفات المعارضة المالية التي شارك نشطاؤها وبعض قادتها من أجل تعزيز صفوف المظاهرة
أكد ديكو، الذي يوكل الكثير من المراقبين له غايات أخرى، أنه “أنا مهتم بحياة بلدي. لا أستطيع منع الناس من اعتباري فاعلا سياسيا، لكنني ما زلت أعتبر نفسي زعيما دينيا. ليس لدي أي طموح سياسي”. وفقًا لمحمود ديكو، كان هدف احتجاج يوم الجمعة “دق ناقوس الخطر”، وأضاف بصوت منخفض: “يتعلق الأمر بالتنديد بالجرائم المرتكبة في حق الفولاني، ودعوة هذا الشعب إلى عدم الاستسلام للانتقام من أجل تجنب حرب أهلية ودعوة القادة إلى مزيد اليقظة حتى نتوصل إلى آلية تمكن المجتمعات من التحدث مع بعضها البعض”.
“عجز الدولة عن حماية مواطنيها”
باعتباره أبرز عناصر التعبئة، تلقى هذا الزعيم الديني مساندة من تحالفات المعارضة المالية التي شارك نشطاؤها وبعض قادتها من أجل تعزيز صفوف المظاهرة. وأوضح الناطق الرسمي باسم “الجبهة من أجل الحفاظ على الديمقراطية”، التي تشكلت حول سومايلا سيسي الذي احتل المركز الثاني خلال الانتخابات الرئاسية لسنة 2018، أن “سوء الإدارة هو محور الأزمة المالية. ونحن مقتنعون بأنه لا يمكن تحقيق أي انتصار ضد الإرهاب دون إدارة صالحة”.
في سياق متصل، أضاف هذا الناطق الرسمي أنه “منذ الحملة الانتخابية الأخيرة، يدعم الزعماء الدينيون معسكر التناوب وقد شارك ممثلوهم في جميع مظاهرتنا. نحن نسير معًا وكان هدف يوم الجمعة هو التنديد بالمجازر وعجز الدولة عن حماية مواطنيها. وقد اعترف وزير الأمن بنفسه أنه منذ بداية السنة قُتل أكثر من 400 مدني وسط البلاد. ووفقًا لإحصائنا، قُتل 1026 شخصًا في سنة 2018، من بينهم 697 مدنيا في هذه المنطقة. وفي جميع أنحاء البلاد، بلغت حصيلة القتلى 1800 ضحية”.
بعد مرور أكثر من سنة، مازال إياد أغ غالي يحتفظ بدوره كشخصية مركزية في الجهاد في مالي. وبعد أن دار حديث حول مقتل “ملازمه” أمادو كوفا الذي يترأس كتيبة ماسينا الناشطة في وسط البلاد في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2018
إن الرفقة بين الدينيين والسياسيين ليست جديدة في مالي. وبدافع رغبته في تقليص مجال استظهار منتقديه لقوتهم، استقبل الرئيس المالي يوم الأحد في قصر كولوبا قادة من رابطة الأئمة والعلماء للتضامن الإسلامي في مالي، والتي لا ينتمي إليها منظمو المظاهرة. وطلب رئيس الدولة “عدم ارتكاب خطأ في تحديد الأعداء “، مشيرا إلى أن “حصان طروادة” لم تتم تسميته، واقتصر حديثه عن “إرهاب له حلفاء لا مجال للشك فيهم”. كما طرح الرئيس السؤال التالي دون تقديم إجابة له: “من المستفيد من الجريمة؟ من يشعر بالانزعاج من وجود بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي والقوات الفرنسية؟”.
مساء يوم الاثنين، وسّع الرئيس نطاق الاجتماع ليشمل جميع القادة الدينيين، بمن فيهم محمود ديكو. وتحدث مصدر من الرئاسة أنه “قدم لهم رسائل تهدئة وكرر أن بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي وفرنسا موجودتان في البلاد لمساعدتنا. وقد تبادل كل من ديكو ورئيس الوزراء التحية، حتى أنهما مزحا معا”. واختتم هذا المصدر قوله “إنها مالي” كما لو أنه أراد التذكير بأنه في التقليد السياسي المحلي، كل الترتيبات ممكنة.
بعد مرور أكثر من سنة، مازال إياد أغ غالي يحتفظ بدوره كشخصية مركزية في الجهاد في مالي. وبعد أن دار حديث حول مقتل “ملازمه” أمادو كوفا الذي يترأس كتيبة ماسينا الناشطة في وسط البلاد في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، عاد هذا الشخص إلى الظهور ثانية في شريط فيديو دعائي في أواخر شهر شباط/ فبراير. وعلى الرغم من أن إعادة تنظيم الدولة للمجال الاقتصادي في شمال البلاد مازالت محدودة للغاية، وانعدام الأمن في وسط البلاد أدى إلى تسليح المجتمعات، إلا أنه يبدو أن الإسلام بمثابة القاسم المشترك الأخير للماليين الباحثين عن وحدة ضائعة. ويعي الإمام محمود ديكو ذلك تماما.
المصدر: لوموند