أدى إعلان الاتفاق بين لبنان ودولة الاحتلال إلى إطلاق موجة من التفاعلات بشأن مستقبل الحرب في قطاع غزة وأفق التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وهو ما تطرق إليه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في مؤتمره الصحفي الخاص بإعلان نجاح جهود الوساطة لوقف القتال على حدود لبنان مع فلسطين المحتلة.
في الوقت الذي تعالت فيه الأصوات حتى داخل دولة الاحتلال للمطالبة بإعادة الأولوية لصفقة تبادل للأسرى في قطاع غزة، بدأت الحرارة تسري من جديد في خطوط الاتصال، وفي تحرك الوسطاء، عبر مقترحات جديدة يجري بحثها، وسط تقديرات بأن الضغوط ستكون أكبر من أي وقت مضى لتمريرها وتحويلها إلى واقع.
عرض جديد عنوانه: المرحلية
وفقًا لمصادر عربية، فإن وفدًا مصريًا وصل إلى “تل أبيب”، في زيارة تهدف إلى إجراء نقاشات مع المسؤولين الإسرائيليين، ومن ضمنهم رئيس الشاباك رونين بار، ومسؤولين آخرين معنيين بالمفاوضات، بخصوص عرض جديد جهزته القاهرة يستند في جوهره إلى المراكمة على شكل وطبيعة الاتفاق الذي تم في لبنان.
ووفقًا للمصادر ذاتها، فإن الزيارة هي الثانية من نوعها في غضون أيام، إذ زار وفد أمني مصري دولة الاحتلال الإسرائيلي الأسبوع الماضي، وعرض خطوطًا عريضةً لما توصلت إليه جهود القاهرة، عقب اتصالات مع كل من قيادتي حماس وفتح لتحريك مياه المفاوضات الراكدة.
يتضمن العرض المصري الجديد اختلافات طفيفة عن تفاصيل الصفقة التي أُبرمت في لبنان، ويحمل في جوهره فكرة المرحلية أو التوصل إلى “وقف إطلاق نار مؤقت”، بغرض إتمام بقية التفاصيل العالقة اللازمة لتطويره لوقف دائم، ويُعَدُ عنوان ترتيبات “اليوم التالي” العنوان الأكثر إلحاحًا للإنجاز خلال هذه الفترة التي ستتضمن صفقات تبادل جزئية للأسرى.
في المقترح الجديد عدة بنود، أبرزها الحديث عن تهدئة لمدة مؤقتة بين شهر وشهرين، تتضمن عمليات لتبادل الأسرى تسير بالتدرج وفق مفاتيح الفئات والأعداد، مع إعطاء أولوية لكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة.
ووفقًا للمقترح، فإن الفترة المؤقتة من الهدوء ستُشكل فرصةً لإجراء مفاوضات جدية وتفصيلية تغادر منطق التفاوض تحت النار وضغوط الميدان والرهانات العملياتية، بهدف إنضاج الصيغ اللازمة للتوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار.
في التفاصيل العملية، ستكون الأيام الأولى من الاتفاق بمثابة مهلة لعدة أيام للمقاومة، من أجل تقديم كشف تفصيلي بما لديها من أسرى أحياء، والاتفاق على آلية التبادل من خلال مفاوضات مكثَفة تنعقد بمشاركة أمريكية.
يشمل المقترح تصورًا لإعادة معبر رفح للعمل، وفقًا لآلية تضمن إشراف سلطة رام الله عليه، ومتابعة أوروبية لتشغيله، مع منح “إسرائيل” حق الرقابة عن بُعد والاعتراض على الأسماء مسبقًا قبل عبورهم إلى الجانب المصري، مع تعهد حماس بألَا تسيطر على المعبر، أو تفرض إجراءات أمنية على مسارات حركة المعابر سواءٌ معبر رفح أو المعابر الحدودية الأخرى التي يسيطر عليها الاحتلال وستُشكل ممرًا لدخول المساعدات.
كما يضمن المقترح، خلال فترة التهدئة، دخولًا موسَعًا للمساعدات بشتى أنواعها الطبية والأجهزة الضرورية وستشمل إدخال أدوية للأسرى الإسرائيليين المرضى، وتقديم تسهيلات لعمل المنظمات الإغاثية.
ولن تنسحب قوات الاحتلال من المحاور التي سيطرت عليها في قطاع غزة خلال فترة التهدئة المؤقتة، سواء في شمالي القطاع أو جنوبه، حسب المقترح، مع إعادة انتشار لأي قوات موجودة في مناطق مأهولة بحيث يبقى التمركز في نقاط محددة، إضافةً إلى ضمان الامتناع عن تنفيذ أي عمليات عسكرية وتجنب الاشتباك.
ستكون الخطوة الأولى للبدء في المقترح بنموذج مصغر يتمثل بـ”هدنة قصيرة” لمدة 5 أيام، يكون الغرض منها منح فرصة للمقاومة الفلسطينية لإنجاز عملية حصر الأسرى الإسرائيليين والتحقق من مصيرهم وتجهيز قائمة بالأحياء والقتلى، ويجري في خلال هذه المدة إدخال مساعدات يومية تصل إلى أكثر من 200 شاحنة متنوعة تزداد فور التوصل إلى اتفاق بشأن جدول تحرير الأسرى من داخل القطاع.
حراك واسع.. وفعالية إقليمية
في منشور على موقع إكس، أكد بايدن أن الولايات المتحدة ستبذل جهدًا في الأيام المقبلة، بالتعاون مع تركيا ومصر وقطر و”إسرائيل” وآخرين، للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن وإنهاء الحرب “دون وجود حماس في السلطة”.
وشهدت الأيام الأخيرة تحركًا فاعلًا من الأطراف المذكورة بمستويات عليا لتأكيد جدية المسار الحالي في الضغط للوصول إلى اختراقات نوعية في جدار الاستعصاء التفاوضي الذي تجمد منذ أشهر ولم تنجح كل محاولات تحريك المياه الراكدة فيه بالوصول إلى نتائج حقيقية.
كان التصور الجديد حاضرًا على طاولة النقاش في لقاء جمع رئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن بن جاسم، خلال زيارته للقاهرة، مع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بمشاركة مدير المخابرات المصرية، حسن رشاد، وجرى خلال اللقاء نقاش تفصيلي للمقترح الذي أعدته مصر.
عملت مصر على تسويق المقترح الجديد جيدًا مع العديد من الأطراف، بهدف تجنيد حاضنة أكبر وأقوى تدعم إمكانية تحقيقه اختراقًا فعليًا، إذ جرى إنضاج المقترح ضمن جولات نقاشية اشترك فيها الأردن، وقطر والولايات المتحدة، إضافةً إلى دول عربية وإقليمية أخرى، بهدف إدراك كل التفاصيل اللازمة لتجهيز صيغة يمكن أن تُقنع المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي بأهمية “الهدوء المؤقت” بوصفه مدخلًا لحلحلة القضايا العالقة، ومحاكاة حاجة المقاومة لتحسين الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة والوصول إلى أفق لإنهاء الحرب، وحاجة حكومة الاحتلال للوصول إلى نتائج ملموسة في ملف صفقة التبادل.
أما الحديث عن الدور التركي، فلا يمكن فصله عن الحضور القيادي البارز لحركة حماس في تركيا، والاستعداد التركي في أكثر من محطة لمشاركة أكثر فاعلية في جهود التفاوض، مع الحديث عن زيارة سرية كان قد أجراها رئيس الشاباك، رونين بار، إلى تركيا في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني التقى خلالها مع رئيس جهاز المخابرات التركي، إبراهيم قالن، وبحثا ملف الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، وناقشا إمكانية حصول “إسرائيل” على “مساعدة” تركية في ملف المفاوضات.
وخلال اتصالات بين مسؤولين مصريين وقيادة حركة حماس على مدار الأسبوع الماضي، ترجح أطراف عدة استعداد الحركة لتقديم تسهيلات ومرونة من أجل إدخال المساعدات، وتخفيف وطأة الوضع الإنساني الصعب على أهل القطاع، من خلال تعهدها بالابتعاد عن المعبر خلال الفترة الانتقالية التي من المقرر أن تتبعها مفاوضات مكثفة للتوصل إلى اتفاق كامل يقضي بوقف إطلاق النار وانسحاب “إسرائيل” من القطاع وفق مراحل زمنية يجري الاتفاق عليها.
وتعمل أطراف إقليمية لإقناع الحركة بالقبول باتفاقات مرحلية، بدعوى صعوبة معاودة الاحتلال القتال مجددًا بعد فترة توقف طويلة نسبيًا في ظل رغبة الجيش الإسرائيلي بإنهاء الحرب، وحجم الخسائر الاقتصادية التي يتكبدها الاقتصاد الإسرائيلي إزاء كل يوم تستمر فيه الحرب، وكذلك توافق إدارتي الرئيسين الأمريكيين الحالي، جو بايدن، والمنتخب للولاية القادمة، دونالد ترامب، على حتمية توقف الحرب.
ومن المتوقع أن يصل وفد من حركة حماس إلى القاهرة مطلع الأسبوع المقبل للاطلاع على تفاصيل المقترح، بالتزامن مع توجُه وفد أمني مصري إلى “تل أبيب” لمناقشة مقترح التهدئة في غزة وصيغة الاتفاق الجديد.
وتشير المصادر إلى أن الوفد المصري يركز على ترتيبات إدارة قطاع غزة في “اليوم التالي” لوقف إطلاق النار، تمهيدًا للتوصل إلى صفقة تبادل أسرى بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.
وكان البيت الأبيض أعلن عن زيارة المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، بريت ماكغورك، إلى السعودية لبحث الاستفادة من وقف إطلاق النار في لبنان، في التوصل إلى اتفاق مماثل ينهي الأعمال القتالية في غزة.
وعن الدور الأمريكي، كشف موقع “أكسيوس” أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، طلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن يهتم بالعمل على وقف إطلاق النار في قطاع غزة بعد تنفيذ المقترح الأمريكي في إقرار هدنة بلبنان.
وكان مسؤولون في الإدارة الأمريكية شددوا على أن “بايدن يريد الاستمرار في ممارسة ضغوط على الجانب الإسرائيلي للتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن حتى آخر يوم له في منصبه”، وأنه ماضٍ في خطته “حتى لو نُسب إنجاز التوصل إلى اتفاق في النهاية إلى الرئيس المنتخب دونالد ترمب”.
ووفقًا لمستشار الأمن القومي الأمريكي الحالي، جيك سوليفان، فإنه يجري إطلاع الإدارة القادمة على كل خطوة بشأن التطورات في الشرق الأوسط، ما يتقاطع مع عدة مصادر ذكرت أن التحرك الأمريكي الحالي يحظى بضوء أخضر أمريكي من الإدارة القادمة للبيت الأبيض، ضمن حراك وصفه مستشار الأمن القومي الجديد، مايك والتز، بتغريدة على موقع “إكس” بأن “الجميع يأتون إلى الطاولة بسبب الرئيس ترامب”، لنسب ما يجري من تطورات إلى الرئيس الجديد.
كما كشفت صحيفة وول ستريت جورنال أن مسؤولين مصريين أجروا اتصالات مع ترامب لمعرفة مدى إمكانية تدخل الأخير لإقناع “إسرائيل” بالتنازل عن بعض مطالبها، مثل إنشاء منطقة عازلة بين “إسرائيل” وغزة، على أمل أن يساهم في الضغط على نتنياهو لتقديم مواقف أكثر مرونة.
“اليوم التالي” كلمة السر
تبقى معضلة “اليوم التالي” في قطاع غزة وترتيبات الحكم وإدارة القطاع أحد أهم العثرات الكبرى التي تُصعب عملية تجاوز عنق الزجاجات في أي نقاش بشأن مستقبل الحرب بقطاع غزة.
وفي الوقت الذي وضع فيه نتنياهو محدداتٍ تضمن استبعاد كل ألوان الطيف الفلسطيني الرسمية من قيادة قادمة للقطاع، يتأكد الجميع بأن هذه الصيغة استنفدت أشكال تأكيد استحالتها بعد عام وشهرين من الحرب ومراكمة الفشل الإسرائيلي في خلق نماذج لنظام/أنظمة محلية متعاونة.
تلامس تغريدة بايدن المذكورة سلفًا الرغبة الإسرائيلية بإقصاء حركة حماس خارج مشهد الحكم الرسمي في قطاع غزة، بحديثه عن إنهاء الحرب “دون حماس في السلطة”، فيما تتلاءم الصيغ المطروحة على طاولة التفاوض الفلسطيني الداخلي بمشاركة مصرية ودفع إقليمي مع هذا الطرح من حيث الشكل، بحيث تؤمن الصيغة القادمة نزولًا إسرائيليًا عن الشجرة، وتوافقًا فلسطينيًا على الصيغة.
تدرك حماس وتقبل بعدم عودتها إلى السلطة المباشرة على قطاع غزة، وهي عودة لا تمثل مغنمًا – في الوقت الحالي على أقل تقدير – كون القطاع مدمرًا تدميرًا كاملًا ويحتاج إلى جهود ضخمة وموازنات فلكية لإعادة إعماره، ما يعني أن هذه العملية لن تجري دون قبول دولي واسع بشكل وصيغة الحكم القائمة في القطاع.
فيما ترفض حماس – كما ترفض فتح وكل قوى العمل السياسي الفلسطيني – أي شكل من أشكال الحكم في قطاع غزة لا يكون خاضعًا للتوافق الفلسطيني الداخلي، ومدعومًا بإرادة وطنية جامعة، دون تصلب حول كون هذا التشكيل من شخصيات فصائلية، بل على العكس، فالوجهة الغالبة تتمثل بالدفع في اتجاه تشكيل “تكنوقراط وطني” يكون مقبولًا من المجتمع الدولي، ومنسجمًا وطنيًا مع المحددات الفلسطينية.
تتضمن الصيغة التي قدمتها القاهرة للفصائل، وقُطع شوط كبير في إطار إقرارها، تشكيل لجنة تحت مسمى “لجنة الإسناد المجتمعي” في قطاع غزة، تتولى مسؤولية إدارة شؤون القطاع، وتخضع لمرجعية رسمية فلسطينية (ما زال شكل هذه المرجعية موضع نقاش فلسطيني داخلي)، ويكون تشكيلها من شخصيات مستقلة وكفاءات مهنية من سكان قطاع غزة، ووفقًا لمصادر متعددة هذا فإن الطرح يحظى بقبول أمريكي، ودعم إقليمي واسع من الدول العربية.
وتتولى هذه اللجنة أوليًا مسؤولية ترتيب إدارة الجانب الفلسطيني من معبر رفح، وفقًا للترتيبات الجديدة التي تشمل رقابة أوروبية بخط ساخن مع الاحتلال الإسرائيلي، وإشراف مصري يضمن استقلالية اللجنة وألا تتدخل حماس في شكل وطبيعة وأمن معبر رفح.
حمل الوفد المصري في زيارته إلى “تل أبيب” شكل المقترح النهائي، الذي سبق وأن نوقش بالتفصيل مسبقًا مع موفدَي الإدارة الأمريكية وبمتابعة مباشرة من مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وليام بيرنز.
يلبي المقترح الجديد لصيغة “اليوم التالي” مطالب العديد من الجهات ذات العلاقة، إذ ينسجم مع الموقفَين الأردني والسعودي المتمسكَين بكون السلطة الفلسطينية البوابة الرئيسية لحكم وإدارة الأراضي الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، كما أنه لا يتعارض مع التوجه الأمريكي المتمسك أيضًا بالسلطة الفلسطينية وإن كان يشترط “تجددها”، ويلبي الرغبة الإسرائيلية الرسمية بكون الصيغة القادمة من شخصيات مستقلة وفي الوقت ذاته ليست الحكومة الفلسطينية مباشرة، فيما يحظى بتوافق وطني فلسطيني سيجعل من مهمة هذه اللجنة على الأرض سهلة ويسيرة.
ومن غير الممكن فصل مسارات النقاش حول شكل “اليوم التالي” والصيغ المطروحة عن الخطوات العملية التي تجري على الأرض، خاصة إجراءات رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الذي يجهز لحملة تغييرات شاملة في الوجوه الرئيسية لسلطته وأجهزتها الأمنية، بعد أشهر من تكليف حكومةٍ غلب عليها عنصر “التكنوقراط” خلفًا للحكومة التي كان يرأسها عضو اللجنة المركزية في حركة فتح، محمد اشتيه، وذلك بغرض تأكيد أن إجراءات تجهيز “النسخة المجددة” من السلطة تجري على قدم وساق، والتي يأتي ضمن سياقاتها المرسوم الرئاسي بخصوص تكليف رئيس المجلس الوطني الفلسطيني بتسيير أعمال موقع رئيس السلطة في حال شغوره.
إشارات تفاؤل.. ومطبات كثيرة على الطريق
بات المشهد العام يتسم بدرجات كبيرة من التفاؤل، خصوصًا بعد نجاح جهود وقف إطلاق النار في لبنان، ومظهر الجدية الأمريكية لإدارة بايدن في التوصل إلى صفقة أسرى قبل إنهاء دورته الرئاسية.
حملت تصريحات نتنياهو في مقابلته على القناة “14” العبرية، التي تضمنت تأكيدًا بأن “الظروف تحسنت لإعادة الأسرى” أتبعه بالقول إنه قد يوافق على “وقف لإطلاق النار” ما دون الوقف الشامل للحرب، إشارات واضحةً عن استعداده للتعاطي مع المقترحات الحالية، كونها مقترحات تبحث صيغ مؤقتة هدفها في المحصلة إنجاز جزئي أو كلي لملف التبادل وإنهاء أزمة الأسرى.
في المقابل، فإن حركة حماس، التي أعلنت ترحيبها بأي جهود لإنهاء العدوان على قطاع غزة، أكدت تمسكها بمحدداتها السابقة لأي اتفاق لإنهاء العدوان، دون الحسم بشأن شكل وطبيعة تعاطيها مع المقترحات ذات الطبيعة المرحلية، علمًا بأنها سبق وأن رفضت صيغًا مماثلةً في محطات سابقة، كان آخرها الصيغة التي قُدّمت قبيل الانتخابات الأمريكية.
إلا أن مصادر متعددة أكدت، وعلى الرغم من الموقف المُعلن، أن حركة حماس تتعامل بإيجابية ومرونة كبيرة مع العروض الحالية، خصوصًا في ضوء المتغيرات الجديدة، واتفاق وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية، ونتائج الانتخابات الأمريكية، إضافةً إلى ضمانات متعددة المستويات تشمل الدعم المقدّم من ترامب للجهود لإحلال الهدوء في المنطقة.
تضفي هذه المؤشرات درجاتٍ من التفاؤل على الجهد الحالي، إلا أن النظرة الواقعية لطبيعة العرض المُقدم تؤكد بوضوح أن العديد من تفاصيلها قد تتحول إلى عوامل انفجار في أي لحظة تنسف الجهود الحالية وتبدد إمكانية نجاحها في تحقيق الهدوء وإنهاء العدوان في قطاع غزة.
أهم الثغرات الرئيسية التي قد تصطدم بموقف سلبي من المقاومة الفلسطينية تتمثل بكون العرض الجديد يؤمن للاحتلال الإسرائيلي سيطرةً عسكريةً وأمنيةً مطلقةً على قطاع غزة، تتوزع أشكال هذه السيطرة ما بين التواجد العسكري المباشر في المحاور التي تمركز بها جيش الاحتلال خصوصًا محوري نيتساريم وفيلادلفيا، إضافةً إلى محاور التوغل في شمالي قطاع غزة من جهة، ومن جهة أخرى السيطرة الأمنية التي يُمثلها شكل الرقابة الإسرائيلية على أسماء المسافرين وحق الاعتراض، ما يعني حق المنع لأي اسم يُرفَض ويُمنَع من المرور عبر معبر رفح.
من جانب آخر، تعي المقاومة أن الورقة الأهم التي ما زالت تمسك بها تتمثل بورقة الأسرى، وستنطوي على المخاطرة بخسارة هذه الورقة أو جزء أساسي من زخمها ضمن مسار مؤقت مخاطرةٌ أكبر تخفف من عبء ضغط هذه القضية على كاهل نتنياهو، وتمنحه أريحية في العودة إلى الحرب والخوض في مسار فرض الوقائع على الأرض فور انتهاء المدة المؤقتة لوقف إطلاق النار، خصوصًا مع احتفاظ جيش الاحتلال بنقاط تمركزه داخل القطاع، فيما لا يمكن التعويل على ضمانات أمريكية تقدمها إدارة سترحل عن البيت الأبيض في خلال مدة تراوح الشهرين.
صحيح أن الصيغ المعروضة تضع لجميع الأطراف سلمًا للنزول عن الشجرة، إلا أن مؤشرات المخاطرة أكبر بكثير من العوامل الداعمة لتحقيق إمكانية وصول الجهود الحالية إلى نتيجة فعلية، ما لم تكن ثمة ضمانات أكثر جدية تحصل عليها المقاومة على نحو الخصوص، أو خطوات ملموسة تجعل من فرضية عودة العدوان ضعيفة أو شبه معدومة.