ترجمة وتحرير: نون بوست
في أواخر شهر آذار/ مارس الماضي، تجمّع حوالي 18 ألف شخص في قاعة احتفالات شاسعة وسط واشنطن العاصمة بهدف حضور المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك)، التي تعد أكبر جماعة ضغط مؤيدة لـ”إسرائيل” في الولايات المتحدة. ويضمّ المسرح حوالي 12 شاشة عملاقة تبث بين الخطابات أفلاما دعائية قصيرة حول الحياة اليومية في “إسرائيل”. وفي البعض من هذه الأفلام، يسرد إسرائيليون مقيمون بالقرب من قطاع غزة تجارب عيشهم تحت وطأة الصواريخ التي تطلقها حركة حماس.
أظهرت أفلام أخرى مشاهد للحقول الزراعية الإسرائيلية التي تلتهمها النيران نتيجة حرائق ضخمة ناجمة عن الطائرات الورقية التي أطلقتها حماس، التي تحمل خِرقا مشتعلة مبللة بالبنزين. كما عُرضت مشاهد عن الأنفاق التابعة لحركة حماس التي اكتشفتها قوات الأمن الإسرائيلية. وكلما سنحت الفرصة، يقع تشغيل الأغاني الإسرائيلية عبر نظام الصوت ليندمج الجميع في الصوت والصورة والخطابات المؤيدة لـ”إسرائيل”. في الأثناء، يسعى كل من القادة الجمهوريين والديمقراطيين إلى نيل الثناء على التحالف الأمريكي الإسرائيلي، حيث يلاقي الإعلان عن التقارب الاستراتيجي والثقافي بين البلدين الإعجاب الشديد.
في المقابل، استغنى أعضاء الحزب الجمهوري عن الخطاب الذي تطغى عليه المجاملات فور اعتلائهم المسرح، حيث تطرّقوا الواحد تلو الآخر إلى مسألة تفشّي معاداة السامية داخل الحزب الديمقراطي برمته. وحيال هذا الشأن، قال نائب الرئيس مايك بنس: “من المثير للدهشة أن حزب هاري ترومان، الذي بذل جهودا مكثفة من أجل المساعدة في إنشاء “إسرائيل”، قد وقع اختياره من قبل أشخاص يروّجون لخطابات معادية للسامية ويعملون على تقويض الإجماع الأمريكي الواسع على دعم “إسرائيل” “.
بالنسبة للزعماء الجمهوريين، فقد هاجمت إلهان عمر البالغة من العمر 37 سنة والتي أصبحت في غضون بضعة أشهر فقط العضوة الأكثر إثارة للجدل داخل المؤتمر التقدمي للكونغرس بصفتها واحدة من بين أول امرأتين مسلمتين تم انتخابهما لعضوية الكونغرس
في وقت لاحق، وجّه وزير الخارجية مايك بومبيو اتهامات إلى بعض الديمقراطيين في الكونغرس مدعيا أنهم “يعتقدون أن معاداة السامية ستساعدهم على الفوز بالأصوات”. وقد أخبر زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، الجماهير بأن “أجندة اليسار تقوم بالأساس على الكراهية تجاه اليهود و”إسرائيل” “.
أما بالنسبة للزعماء الجمهوريين، فقد هاجمت إلهان عمر البالغة من العمر 37 سنة والتي أصبحت في غضون بضعة أشهر فقط العضوة الأكثر إثارة للجدل داخل المؤتمر التقدمي للكونغرس بصفتها واحدة من بين أول امرأتين مسلمتين تم انتخابهما لعضوية الكونغرس، كل من السياسات الإسرائيلية الوحشية تجاه الفلسطينيين ونفوذ أيباك في واشنطن مستخدمة عبارات من الجلي أنها تنمّ عن معاداة السامية.
نشرت إلهان عمر تغريدة قبل ستة أسابيع من انعقاد المؤتمر مفادها أن “الأمر كله يتعلق بالمال”، مشيرة إلى إنفاق أعضاء أيباك حوالي 100 مليار دولار من أجل تمويل المشرّعين المناصرين لإسرائيل. واعتذرت عمر عن هذا التصريح إثر مواجهتها لوابل من الاتهامات حتى من قبل الزعماء الديمقراطيين الذين زعموا أن تعليقاتها تعود إلى افتراءات عرقية قديمة بشأن اليهود والمال. وبعد مرور أسبوعين فقط على تشكيك إلهان عمر في ولاء اليهود الأمريكيين لإسرائيل، انتهز منتقدوها اقتراحها المتعلّق بالولاء المزدوج واعتبروه إهانة أخرى معادية لليهود، إلا أن إلهان رفضت الاعتذار هذه المرة.
تندّد إلهان عمر، وهي لاجئة حرب صومالية، صحبة زميلتها المسلمة والممثلة عن الحزب الديمقراطي في مجلس نواب ميشيغان، رشيدة طليب، بالاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية الذي دام 52 سنة، فضلا عن الدعم المادي والسياسي الذي تقدّمه الولايات المتحدة لـ”إسرائيل”، والتمييز ضد المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية.
تجدر الإشارة إلى أن موقف العضوتين قد تسبّب في ظهور انشقاقات داخل الحزب الديمقراطي، حيث أدان قدماء الحزب بمن في ذلك رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى جانب جميع المشرعين اليهود في الحزب هذه التصريحات، بينما دافعت مجموعة من الشخصيات التقدمية المرموقة بمن فيهم السيناتور بيرني ساندرز من ولاية فيرمونت وألكساندريا أوكاسيو كورتيز من نيويورك عن آراء إلهان عمر ورشيدة طليب. كما دعت طليب وهي أول فلسطينية أمريكية في الكونغرس إلى وقف المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل واقتراح حلّ للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو ما تعتبره إسرائيل ومناصروها بمثابة التهديد الذي ينذر بنهايتها.
تشارك العضوة رشيدة طليب في مراسم احتفالية لأداء القَسم مع رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي في كانون الثاني/ يناير الماضي
من المؤكّد أن إلهان عمر ورشيدة طليب لا تكنّان مشاعر المودّة لـ”إسرائيل”، وبينما يعترف المدافعون بأن انتقاداتهما قد تكون لاذعة بعض الشيء، إلا أنهم ينفون الاتهامات التي تفيد بمعاداة العضوتين المسلمتين للسامية. ونتيجة لذلك، تحوّلت “إسرائيل” فجأة إلى قضية حزبية تضاهي قضايا الهجرة والرعاية الصحية في أهميتها. كما انتهز الجمهوريون الفرصة للاستفادة من الجدل القائم حول مسألة إلهان عمر ورشيدة طليب في حملتهم لانتخابات2020، ما يظهر من خلال مساعيهم إلى تقديم الحزب الديمقراطي برمته إلى العلن على أنه معاد للسامية ولـ”إسرائيل”.
في الحقيقة، يأمل الجمهوريون في حشد ما يكفي من الأصوات والتبرعات في الحملات الانتخابية بهدف تحويل الدوائر التابعة للكونغرس والولايات إلى أرض معركة. ويطمح الحزب الجمهوري في أن تساعد مثل هذه الانتصارات في ضمان إعادة انتخاب الرئيس دونالد ترامب واستمرار سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ أو تحقيق مكاسب تخوّل للجمهوريين استعادة السيطرة على مجلس النواب.
النائبة إلهان عمر
قد يكون لنتائج الانتخابات تأثير عميق على السياسة الخارجية، ففي حال فاز ترامب من المرجح أن يضاعف دعمه لـ”إسرائيل”. أما إذا فاز أحد الديمقراطيين، فإن تأثير التقدميين من أمثال إلهان عمر من شأنه أن يُحدث تغييرات غير متوقعة على العلاقة بين الولايات المتحدة و”إسرائيل”.
السياسيون الأمريكيون فهموا الرسالة
في حال بقيت المحادثات عن “إسرائيل” أحادية الجانب، فإنه من المحتمل أن يمنح هذا الوضع ثقة أكبر لأيباك ليجد أولئك الذين تحدوا السياسات الإسرائيلية أنفسهم على الجانب الخطأ من العملية السياسية الهائلة للمنظمة.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يلقي خطابًا من مكتبه في القدس في الثالث من نيسان/ أبريل
لقد سبق أن أعلن نتانياهو عن تحالفه مع ترامب والجمهوريين. نتيجة لذلك، اعترف الرئيس الأمريكي خلال السنة الماضية بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” وفتح سفارة هناك متحدياً بذلك عقودًا من السياسة الأمريكية. وفي شهر آذار/ مارس، أقرّ ترامب بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان التي استولت عليها “إسرائيل” في حرب 1967، كما قطع المساعدات عن الفلسطينيين وأغلق المكاتب الفلسطينية في واشنطن، ووقف في صف “إسرائيل” خلال مواجهاتها المستمرة مع المقاتلين في غزة.
دافعت النائبة عن مدينة نيويورك، ألكسندريا أوكاسيو كورتيز رفقة السيناتور بيرني ساندرز من فيرمونت عن إلهان عمر ورشيدة طليب
من جهتها، تندّد إلهان عمر رفقة رشيدة طليب ومؤيديهما في الكونغرس بشراسة ضد هذه السياسات. وفي أيار/ مايو الماضي، على خلفية إطلاق القوات الإسرائيلية للنار والتسبّب في مقتل العشرات من الفلسطينيين الذين تظاهروا عند السياج الحدودي لغزة، نشرت أوكاسيو كورتيز تغريدة مفادها: “آمل أن يكون لدى نظرائي الشجاعة الأخلاقية الكافية ليصفوا هذه الممارسات بالمذبحة. يستحق الشعب الفلسطيني التمتع بالكرامة الإنسانية مثل أي شخص آخر. لم يعد بإمكان الديمقراطيين التزام الصمت إزاء هذا الوضع”.
جيل جديد
برزت إلهان عمر بصفتها إحدى أكثر نقاد “إسرائيل” فصاحة ووضوحا. ويبدو أنها تلعب دور المحرض السياسي لاسيما عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية. وتعبّر إلهان عمر عن وجهة نظر نادرا ما تصدر عن عضو في الكونغرس، وهو رأي ينبثق عن تجربتها الخاصة في الحرب والمنفى.
عقب اختيارها في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، أثبتت إلهان عمر نفسها كصوت مستقل ينتقد السياسة الخارجية الأمريكية، حيث تكلّمت باسم ضحايا الحرب والسياسات الأمريكية في الخارج
يشير جيمس زغبي رئيس المعهد العربي الأمريكي، وهي منظمة قومية تشجع مشاركة المجتمع في السياسة، إلى أن إلهان عمر ورشيدة طليب تمثلان رمزا لجيل جديد من الشباب الأمريكيين العرب المتمسكين بهويتهم العرقية والذين لا يخشون التنديد علنًا بسياسات الهجرة المنتهجة من قبل إدارة ترامب ودعمه للحرب التي تقودها السعودية في اليمن، أو بمجابهة مجتمع يهودي أكثر ثراءً وأفضل تنظيما. كما أضاف زغبي أن النشطاء الأمريكيين العرب قد شكّلوا تحالفات مع مجموعات أخرى تنتمي إلى أقليات عرقية ودينية علاوة على بعض الجماعات اليهودية اليسارية التي تعارض الاحتلال الإسرائيلي.
صوت يدافع عن الضحايا
عقب اختيارها في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، أثبتت إلهان عمر نفسها كصوت مستقل ينتقد السياسة الخارجية الأمريكية، حيث تكلّمت باسم ضحايا الحرب والسياسات الأمريكية في الخارج. وفي جلسة استماع عقدتها اللجنة خلال شهر شباط/ فبراير، هاجمت عمر إليوت أبرامز، وهي شخصية سياسية مثيرة للجدل، الذي أُدين في قضية إيران-كونترا في ثمانينيات القرن الماضي بتهمة حجب معلومات عن الكونغرس في قضية بيع أسلحة لإيران، لكن منحه الرئيس الأسبق جورج بوش الابن عفوا رئاسيا. واليوم، أصبح إليوت أبرامز مبعوث ترامب الخاص لفنزويلا.
من الواضح أن عمر شعرت بإهانة شديدة لأن هذا المتهم الذي ثبُت كذبه سنحت له الفرصة مرّة أخرى للإدلاء بشهادة رسمية تحت القسم. وقد حاولت الطعن في مصداقية كلامه، وحاولت تذكيره بتباهيه “بالإنجاز المذهل” الذي حققته السياسة الأمريكية في السلفادور ومشاركة الجيش الأمريكي في تدريب القوات السلفادورية التي تسببت في سقوط 800 مدني في مذبحة الموزوت.
أثارت عمر غضبا واسعا حين نشرت تغريدة أشارت فيها إلى الدور الكبير الذي تلعبه جماعات الضغط الموالية لـ”إسرائيل” في السياسة الأمريكية
بعد مرور أسابيع على أدائها اليمين في شهر كانون الثاني/ يناير، طفت على السطح تغريدة كانت قد نشرتها عمر سنة 2012 على حسابها على موقع تويتر انتقدت فيها عمليات القصف الانتقامية التي شنتها “إسرائيل” على قطاع غزة، حيث كتبت: “إسرائيل نوّمت العالم مغناطيسيا.. أدعو الله أن ينبه الناس إلى الأفعال الخبيثة التي ترتكبها إسرائيل”. وقد أثارت هذه التغريدة انتقادات لاذعة، وأُتّهمت بسببها عمر بمعاداة للسامية. في المقابل، حذفت عمر هذه التغريدة المثيرة للجدل واعتذرت قائلة إنها لم تكن تدرك أن تغريدتها مشحونة بعبارات معادية للسامية.
بعد مرور شهر، أثارت عمر غضبا واسعا حين نشرت تغريدة أشارت فيها إلى الدور الكبير الذي تلعبه جماعات الضغط الموالية لـ”إسرائيل” في السياسة الأمريكية. في ذلك الوقت، أُجبرت عمر من جديد على الاعتذار، لكنها رفضت رفضا قاطعا التراجع عن انتقادها للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية “أيباك”، التي تستخدم المال لحشد الدعم للسياسات الموالية لـ”إسرائيل”.
قام رجال الدفاع المدني بإخماد حريق بعد غارات جوية إسرائيلية على مبنى مُكوّن من ست طوابق في غزة السنة الماضية
في الواقع، لا تؤيد “أيباك” المترشحين ولا تجمع الأموال لفائدتهم. لكن وفقا لما ذكره إم جي روزنبرغ، الذي كان موظفا سابقا في هذه اللجنة وأصبح بعد ذلك من أشدّ المنتقدين لنشاطها، فإن ما لاحظته عمر حول تأثير هذه اللجنة كان صحيحا وفي محلّه.
في مقال نُشر في مجلة “ذا نيشن” الأمريكية، أوضح روزنبرغ أنه في حين أن أيباك لا تجمع الأموال لفائدة المترشحين بشكل مباشر، فإنها تجمع المعلومات حولهم على غرار سجل التصويت الخاص بهم حول التشريعات المتعلقة بـ”إسرائيل” وخطاباتهم وسجل سفراتهم واجتماعاتهم في الشرق الأوسط، وتقدمها للنشطاء الموالين لـ”إسرائيل”. وعلى هذا النحو، توجّه اللجنة حملات التبرع التي تنظمها لدعم المترشحين الموالين لـ”إسرائيل”.
من جهتها، دعت عمر إدارة ترامب إلى تطبيق معيار ثابت يستند على مبادئ حقوق الإنسان، مشددّة على أنه إذا كان للولايات المتحدة أي مصداقية في الخارج، فينبغي عليها ألا تدين الانتهاكات التي ترتكبها الحكومات الاستبدادية المعادية فحسب على غرار إيران وفنزويلا، وإنّما تلك الجرائم التي ترتكبها الدول الحليفة لها أيضا على غرار المملكة العربية السعودية.
الحاجز الإسرائيلي الذي يفصل قرية العيزرية الفلسطينية التي تقع في الضفة الغربية ومدينة القدس
في تعليق على منشورها كتبت عمر قائلة: “تنطبق هذه الرؤية أيضا على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”، داعية إلى ضرورة حل الدولتين، حيث “يعترف هذا الحل بالرغبة المشتركة في الأمن والحرية لكلا الشعبين”. لكنها لا تخفي تعاطفها الشديد مع الفلسطينيين المضطهدين، حيث كتبت: “من دون دولة، يعيش الشعب الفلسطيني في حالة لجوء دائمة وتهجير مستمر. وتُعتبر هذه أيضا أزمة لاجئين، بالإضافة إلى كونهم يستحقون العيش بكرامة والتمتع بالحرية”.
ردة فعل الحزبين
بالنسبة لفئة قليلة من منتقدي “إسرائيل” في الكونغرس، فإن عمر وزملاءها التقدميين يعتبرون مصدر إلهام. وفي تصريح لها لموقع “فايس نيوز”، قالت عضوة الكونغرس الديمقراطية من ولاية مينسوتا بيتي ماكولوم إن عددا متزايدا من الديمقراطيين وغيرهم من الأميركيين باتوا يعادون “سياسات إسرائيل الشبيهة بالفصل العنصري”. وأضافت ماكولوم: “في الحقيقة لم يعد أعضاء الكونغرس مستعدين لتجاهل الأعمال المدمرة التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية بسبب خوفهم من خسارة الانتخابات”.
لم يشعر أنصار “إسرائيل” بالضعف إزاء المشهد السياسي المتغير. وخوفا من أن يؤدي تأثير عمر وغيرها من التقدميين إلى تقويض الدعم لـ”إسرائيل” داخل الحزب الديمقراطي
والجدير بالذكر أن الأعضاء المرشحين في الانتخابات الرئاسية عن الحزب الديمقراطي، على غرار ساندرز والسيناتور كامالا هاريس من كاليفورنيا والسيناتور إليزابيث آن وارن من ماساتشوستس، قد أعربوا عن دعمهم لإلهان عمر. في المقابل، انتقدت السيناتور الديمقراطية المؤيدة لـ”إسرائيل”، كيرستن غيليبراند، كلا من عمر ومنتقديها على حد السواء. وفي بيان لها، صرّحت غيليبراند: “بالنسبة لأولئك الذين لديهم آراء منتقدة لـ”إسرائيل”، على غرار عضوة الكونغرس إلهان عمر، ينبغي عليهم التعبير عن آرائهم دون استخدام عبارات معادية للسامية تنطوي على انتقاد مال ونفوذ جماعات الضغط، تماما كما هو الحال بالنسبة لمنتقدي عمر الذين لا يجب عليهم أيضا استخدام عبارات مشحونة بالإسلاموفوبيا”.
لم يشعر أنصار “إسرائيل” بالضعف إزاء المشهد السياسي المتغير. وخوفا من أن يؤدي تأثير عمر وغيرها من التقدميين إلى تقويض الدعم لـ”إسرائيل” داخل الحزب الديمقراطي، قام كل من مارك ميلمان وآن لويس، التي شغلت منصب مديرة الاتصالات في البيت الأبيض في إدارة كلينتون، مؤخرا، بتشكيل مجموعة جديدة تسمى “الغالبية الديمقراطية المساندة لإسرائيل”، التي تعتبر نفسها مجموعة من “الديمقراطيين التقدميين الملتزمين بالحفاظ على علاقة قوية بين الولايات المتحدة وإسرائيل”. وردّا على تصريحات ماكولوم حول “الفصل العنصري”، أصدر ميلمان بيانا اتهمها فيه بمعاداة السامية. وقد أثارت ردود الفعل هذه سخرية التقدميين على موقع تويتر. في الأثناء، يبدو أن عمر مصممة على تخطي الحدود.
منذ أسابيع، طالب مجموعة من أعضاء الحزب الجمهوري باستبعاد عمر من لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب. وقد أعرب ستيف سكاليز عن قلقه من أن وجود عمر في اللجنة سمح لها بالحصول على إحاطات إعلامية سرية، مما يشير إلى إعلانها ولائها المزدوج، وهو الأمر الذي يشكّل تهديدا للأمن القومي.
أكّد المشرعون أنه في حال كان مجلس النواب سيعمل على إدانة معاداة السامية، فإنه يتعين عليه أيضا إدانة الإسلاموفوبيا
إثر ممارسة العديد من الضغوط، استدعت القيادة الديمقراطية في مجلس النواب تجمّعا للحزب في أواخر شهر آذار/ مارس للنظر في قرار يدين عمر بشكل خاص نظرا لما اعتبروه تصريحات معادية للسامية. لكن احتج الأعضاء التقدميون داخل الحزب على الهجوم الشديد الذي تعرضت إليه هذه العضوة مؤكدين أن انتقاداتها لـ”إسرائيل” كانت السبب في ذلك. علاوة على ذلك، أوضحوا أنها تعرّضت للتمييز نظرا لكونها مسلمة وصاحبة بشرة سوداء.
أكّد المشرعون أنه في حال كان مجلس النواب سيعمل على إدانة معاداة السامية، فإنه يتعين عليه أيضا إدانة الإسلاموفوبيا، في إشارة إلى ملصق إعلاني خلال حدث نظمه الحزب الجمهوري مؤخرا في الهيئة التشريعية في فرجينيا الغربية عرض صورة لمركز التجارة العالمي المحترق جنبا إلى جنب مع صورة إلهان عمر. وتجدر الإشارة إلى كلا من إلهان عمر ورشيدة طليب قد تلقّيتا تهديدات بالقتل. وخلال شهر شباط/ فبراير، أُلقي القبض على كريستوفر بول حسون، الملازم في خفر السواحل الأمريكي، الذي تبيّن أنه يملك مخزنا كبيرا للأسلحة، بالإضافة إلى قائمة بأسماء المشرعين الديمقراطيين الذي يعتزم قتلهم، بما في ذلك إلهان عمر وأوكاسيو كورتيز.
في نهاية الأمر، صدر قرار يندّد بمعاداة السامية والتعصب ضد المسلمين وغيرهم من الجماعات الدينية، إلى جانب الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية والآسيوية والأمريكيين الأصليين والمهاجرين وسكان جزر المحيط الهادئ ومجتمع “إل جي بي تي”. لقد حصل هذا القرار على غالبية الأصوات داخل مجلس الشيوخ بواقع 407 أصوات مقابل 23 صوتًا، وقد أعلن النواب الديمقراطيون دعمهم الكامل لهذا القرار. في المقابل، زاد هذا القرار من حدة الانقسام داخل الحزب حول “إسرائيل”، وما زالت التهديدات ضد عمر قادمة.
في نيسان/ أبريل، ألقت الشرطة القبض على رجل آخر اتصل بمكتب عمر وهددها بالقتل، ووصفها بأنها “إرهابية”. وفي اليوم التالي، سخر ترامب من عمر في خطاب ألقاه أمام الجمهوريين اليهود في مدينة لاس فيغاس. ومع الجهود الحثيثة للتحضير للانتخابات الرئاسية 2020، ينتهز قادة الحزب الجمهوري الإجراءات المتعلقة بمكافحة التعصب على أوسع نطاق، بالإضافة إلى تعليقات عمر لتنفيذ استراتيجيتهم الانتخابية المتمثلة في التحريض ضد الديمقراطيين واتهامهم بمعاداة “إسرائيل” والسامية على حد السواء.
دونالد ترامب يلقي خطابا خلال المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) في آذار/ مارس في العاصمة واشنطن
يعتمد الجمهوريون في استراتيجيتهم جزئيا على استطلاعات الرأي التي تكشف التعاطف الكبير لـ”إسرائيل” في صفوف الناخبين الجمهوريين مقارنة بالديمقراطيين. وقد أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز “بيو للأبحاث” سنة 2018 أن 79 بالمئة من الجمهوريين كشفوا عن تعاطفهم مع “إسرائيل” على حساب الفلسطينيين، في حين أن 27 بالمئة فحسب من الديمقراطيين كانوا متعاطفين مع “إسرائيل”.
سار المتفوقون البيض الذين يحملون المشاعل في موكب في حرم جامعة فرجينيا في آب/ أغسطس 2017 ، مرددين “اليهود لن يحلّوا محلنا!”.
أوضح هذا المركز أن الانقسام الحزبي حول هذه القضية أعمق بكثير من أي وقت مضى خلال الأربعين سنة الماضية. وينتمي جزء كبير من مؤيدي “إسرائيل” إلى الطائفة المسيحية الإنجيلية، التي تشكل ثلث قاعدة الناخبين الجمهوريين. وعلى الرغم من تملّق الجمهوريين لـ”إسرائيل” في مؤتمر أيباك السنوي، إلا أنهم يملكون سجلا سيئا حول التعليقات المسيئة لليهود. وخلال حملته الانتخابية، حافظ ترامب على الصورة النمطية لليهود، واتهمهم باستخدام المال للحصول على النفوذ.
التحديات القادمة
كتب روزنبرغ في مجلّة “ذا نيشن” أن عمر كانت مخطئة حين أشارت إلى أن الدعم الأمريكي لـ”إسرائيل” يتعلق بالمال فحسب، إذ أن هناك الكثير من الأسباب الأخرى التي دعمت التحالف مع “إسرائيل” على مدار السبعين سنة الماضية، بدءا من الاعتبارات الاستراتيجية خلال الحرب الباردة وصولا إلى تبادل المعلومات الاستخباراتية في العصر الحديث ضد الإرهابيين وإيران. وحسب روزنبرغ، من بين أحد الأسباب الرئيسية هو الهولوكوست التي أكدت الحاجة إلى دولة يهودية آمنة، لا سيما في ظل الهجمات المسلحة على غرار حادثة إطلاق نار كنيس “تري أوف لايف” في بيتسبرغ خلال مراسم السبت اليهودي، الذي جدّ في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وأسفر عن مقتل 11 شخصا.
من المحتمل أن تكون التحديات المستقبلية أكثر صعوبة، حيث أنها ستشكل عائقا كبيرا أمام الوحدة الديمقراطية
في المقابل، أوضح روزنبرغ أنّ حاجة اليهود إلى دولة آمنة لا تعني أنه على “إسرائيل” أن تستمر في احتلال الضفة الغربية وحرمان الفلسطينيين من دولتهم القائمة على تلك الأراضي، مؤكدا أن هذا لا ينطوي بالضرورة على الدعم الأمريكي اللامشروط لحكومة نتنياهو في “إسرائيل”.
من المحتمل أن تكون التحديات المستقبلية أكثر صعوبة، حيث أنها ستشكل عائقا كبيرا أمام الوحدة الديمقراطية. علاوة على ذلك، هناك معركة تلوح في الأفق في مجلس النواب حول “حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات”، وهي حملة مؤيدة للفلسطينيين تدعو إلى عزل “إسرائيل” اقتصاديا كوسيلة للضغط عليها لإنهاء احتلالها للضفة الغربية. ومن جهتها، اعتبرت “إسرائيل” وأنصارها هذه الحركة معادية للسامية، ورعت “أيباك” مشروع قانون يسمح لحكومات الولايات والبلديات بمعاقبة أي شركة تشارك في الحملة التي تقودها هذه الحركة. وهذا القرار التشريعي، الذي صاغه السيناتور الجمهوري عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو والسيناتور الديمقراطي عن ولاية فرجينيا الغربية جو مانشين، قد حصل على موافقة مجلس الشيوخ، لكنه قوبل برفض ما يقارب نصف أصوات الديمقراطيين.
المصدر: نيوزويك