يرتقب أن يشارك الجزائريون اليوم في ميسرة الجمعة الثامنة على التوالي من حراكهم السلمي بأعداد كبيرة قد تفوق الحجم الذي سجل في الأسابيع الماضية، خاصة بعد ظهور إرهاصات ثورة مضادة تحاك ضد انتفاضة التغيير السلمي، والتي تمثلت في تقلد عبد القادر بن صالح منصب رئيس الدولة وبقاء الحكومة التي عينها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في مكانها، يضاف إليها محاولات قمع المظاهرات وغموض موقف الجيش من التطورات الجديدة.
ويبدو أن وصول حراك الجزائريين إلى هدفه المنشود المتمثل في رحيل النظام لا يزال طويلا حتى ولو استطاع أن يجعل عبد العزيز بوتفليقة ينضم إلى الملتحقين بقائمة الرؤساء السابقين.
إصرار
عشية الجمعة الثامنة، عنوان واحد يتكلم عنه الجزائريون وهو مواصلة النضال حتى ترحل من يسمونها ووصفها قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح في وقت سابق بـ” العصابة” التي يمثل رموزها اليوم “الباءات الثلاث” المطالبين بالرحيل الفوري وهم رئيس الدولة عبد القادر بن صالح والوزير الأول نور الدين بدوي ورئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز.
لم تبال المسيرات التي عرفتها العاصمة بالتشديد الأمني الذي عرفته الطرق المؤدية لها، وبعض شوارعها الرئيسية على غير ما كان عليه الأمر في الأسابيع الماضية
ومثل ما جرى قبل كل جمعة، تتصدر وسوم “#حراك_12_أفريل” و “#تتنحاو_قع” و”ترحلوا_يعني_ترحلوا” قائمة الترند الأكثر تداولا بين الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي التي تظل عاملا رئيسا في توجيه وتبادل طرق الاحتجاج حتى الآن، حتى وإن بقي الحراك الشعبي إلى اليوم دون قادة يحركونه ويمثلونة، في ميزة صارت تقلق البعض لأنه من غير المعقول أن لا تستطيع انتفاضة سلمية كهذه لفتت أعين الداخل والخارج إنتاج قادة في مقدورهم مفاوضة السلطة وعدم السمح لأحد بأن يركب الموج على حسابهم.
ويوم الخميس، تواصلت المظاهرات في العاصمة الجزائر وبعدة ولايات تطالب باستقالة عبد القادر بن صالح من رئاسة الدولة، وتدعو الجيش للوقوف إلى جانب الشعب بالسهر على تفعيل المادة 7 من الدستور.
ولم تبال المسيرات التي عرفتها العاصمة بالتشديد الأمني الذي عرفته الطرق المؤدية لها، وبعض شوارعها الرئيسية على غير ما كان عليه الأمر في الأسابيع الماضية، خاصة مع انتشار أنباء عن تعليمة من وزارة الداخلية تأمر بالسماح بتنظيم المسيرات إلا يوم الجمعة فقط ومنعها في باقي أيام الأسبوع، رغم تفنيد ذلك من قبل وزير الاتصال الناطق باسم الحكومة حسان رابحي.
وبالرغم من الحواجز الأمنية التي قد تطبع يوم الجمعة لثني البعض من المشاركة في مسيرة العاصمة التي ينتظر أن تكون مليونية كالعادة، يصر الجزائريون على حضورهم القوي والتشبث بسلمية حراكهم رغم كل محاولات جعله يحيد عن هذا المنهج الذي يتمسك به.
سلطة الواقع
تلعب السلطة القائمة حاليا على وتر فرض الأمر الواقع لثني الحراك الشعبي على مواصلة طريقه وإسقاط “الباءات الثلاث”، بدءا بجعل تولي عبد القادر بن صالح رئيسا للدولة تطبيقا للمادة 102 من الدستور التي تشير إلى تولي رئيس مجلس الأمة مهمة تسيير البلاد عقب استقالة رئيس الجمهورية.
لعل ما يترجم بحق لجوء السلطة لسياسة شرعية الأمر الواقع بمنظورها، هو ذهابها في تطبيق المادة 102 دون النظر إلى المواد الأخرى من الدستور خاصة المادتين 7 و8، ويتمثل هذا التطبيق في دعوة الرئيس المؤقت بن صالح إلى إجراء انتخابات رئاسية في 4 يوليو المقبل
ورغم رفضها منذ تعيينها من قبل الرئيس بوتفليقة المستقيل تحت ضغط الشارع، إلا أن حكومة الوزير الأول نور الدين بدوي لا تزال إلى اليوم موجودة، وتسير البلاد، محتمية هي الأخرى بما تضمنته بنود المادة 102 التي تجعل الرئيس المؤقت يحتفظ بالحكومة السابقة لأنه لا يملك سلطة إنهاء وتعيين الحكومة.
وفي تناقض يزيد من غضب الشارع، أمر الوزير الأول بدوي رغم إدراجه ضمن قائمة “الباءات الثلاث” المطالبين بالرحيل وزراءه بالنزول إلى الميدان ومواصلة عملهم بشكل طبيعي تحت حجة عدم تعطيل مشاغل المواطنين وسير مؤسسات الدولة.
ولعل ما يترجم بحق لجوء السلطة لسياسة شرعية الأمر الواقع بمنظورها، هو ذهابها في تطبيق المادة 102 دون النظر إلى المواد الأخرى من الدستور خاصة المادتين 7 و8، ويتمثل هذا التطبيق في دعوة الرئيس المؤقت بن صالح إلى إجراء انتخابات رئاسية في 4 يوليو المقبل، والتي بموجبها أعلنت وزارة الداخلية الخميس فتح باب الترشيحات.
ويتفق الجميع في الجزائر على أن إجراء انتخابات في ظل الظروف والمعطيات الحالية ستكون نتيجتها محسومة مسبقا لأحزاب السلطة، بالنظر إلى أنها مهيكلة ومنظمة أحسن من باقي التشكيلات السياسية الأخرى، كما أنها ستجري بإشراف سلطة خرجت من صلب هذه الأحزاب، ويضاف إلى ذلك العزوف الذي سيكون من قبل الجزائريين بالنظر إلى أن الملايين الموجودة في الشارع ترفض المشاركة في هذه المهزلة الانتخابية، وأغلبها لا تملك حتى بطاقة انتخاب، ما يعني أن من سيصوتون هم أولئك الذين سمحوا بأن يكون بوتفليقة في 2014 رئيسا لولاية رابعة رغم وضعه الصحي الحرج.
لأول مرة سيكون قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح ضمن الذين سيخضعون لاختبار الثقة لدى الجزائريين بعد أن تضاربت الآراء حول تصريحاته الأخيرة بشأن الحراك
وبالنسبة للحراك الشعبي، فإن سياسة الأمر الواقع التي تنتهجها السلطة لإفشال سلمية نضال الجزائريين ما هي إلا محاولة يائسة وأخيرة ترمي للالتفاف على أهداف الحراك الذي سيواصل سيره لتحقيق ما يسعى له، لأن هذه الإجراءات لن تقدم أو تأخر كونها تبحث في الأساس عن إطالة الأزمة لا حلها.
اختبار
لأول مرة سيكون قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح ضمن الذين سيخضعون لاختبار الثقة لدى الجزائريين بعد أن تضاربت الآراء حول تصريحاته الأخيرة بشأن الحراك، حيث انقسم الشارع بين متفهم لها وبين من اعتبرها تراجعا عن دعم الحراك الشعبي والخضوع للأمر الواقع بدعم رئيس الدولة عبد القادر بن صالح.
وقال قايد صالح الأربعاء الماضي ” ومع انطلاق هذه المرحلة الجديدة واستمرار المسيرات، سجلنا للأسف، ظهور محاولات لبعض الأطراف الأجنبية، انطلاقا من خلفياتها التاريخية مع بلادنا، لدفع بعض الأشخاص إلى واجهة المشهد الحالي وفرضهم كممثلين عن الشعب تحسبا لقيادة المرحلة الانتقالية، وتنفيذ مخططاتهم الرامية إلى ضرب استقرار البلاد وزرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، من خلال رفع شعارات تعجيزية ترمي إلى الدفع بالبلاد إلى الفراغ الدستوري وهدم مؤسسات الدولة، بل كان هدفهم الوصول إلى إعلان الحالة الاستثنائية، وهو ما رفضناه بشدة منذ بداية الأحداث، فمن غير المعقول تسيير المرحلة الانتقالية دون وجود مؤسسات تنظم وتشرف على هذه العملية، لما يترتب عن هذا الوضع من عواقب وخيمة من شأنها هدم ما تحقق، منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، من إنجازات ومكاسب تبقى مفخرة للأجيال.“
يتخوف من يشككون في كلام قايد صالح من أن تكون له طموحات سياسية خلال الفترة المقبلة
وأضاف “ولإحباط محاولات تسلل هذه الأطراف المشبوهة، بذلنا في الجيش الوطني الشعبي كل ما بوسعنا، من أجل حماية هذه الهبة الشعبية الكبرى من استغلالها من قبل المتربصين بها في الداخل والخارج، مثل بعض العناصر التابعة لبعض المنظمات غير الحكومية التي تم ضبطها متلبسة، وهي مكلفة بمهام اختراق المسيرات السلمية وتوجيهها، بالتواطؤ والتنسيق مع عملائها في الداخل، هذه الأطراف التي تعمل بشتى الوسائل لانحراف هذه المسيرات عن أهدافها الأساسية وركوب موجتها لتحقيق مخططاتها الخبيثة، التي ترمي إلى المساس بمناخ الأمن والسكينة الذي تنعم به بلادنا“.
وإن كان البعض قد تفهم ما جاء على لسان قايد صالح وصدقه بالنظر إلى الأوضاع التي تعيشها البلاد والأحداث التي تدور على حدودها، خاصة بعد الهجوم المريب الذي يقوده اللواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا والمناورات العسكرية المغربية غير بعيد عن الحدود الجزائرية، فإن آخرين رأوا فيها أنها قبول منه بتولي بن صالح السلطة والوقوف في صف الأخيرة، كما اعتبروا أن التحجج بأسطوانة التآمر الخارجي صار أمرا غير مقبولا.
ويتخوف من يشككون في كلام قايد صالح من أن تكون له طموحات سياسية خلال الفترة المقبلة، حيث يطالبون بأن تعمل مؤسسة الجيش على دعم الحراك الشعبي وتقف إلى صفه دون السماح بأن يكون في الجزائر “سيسي جديد”.
من منطلق التطورات الجديدة التي عرفتها البلاد هذا الأسبوع ستكون جمعة 12 إبريل اختبارا حقيقيا لمدى محافظة قايد صالح على المكانة التي اكتسبها في الأيام الأخيرة بين الجزائريين
غير أن قايد صالح يرد على هؤلاء قائلا “وأود بهذه المناسبة أن أجدد التذكير بأنني قد التزمت شخصيا بدعم الشعب في هذه المرحلة الهامة، والوقوف إلى جانبه، رغم ظهور بعض الأصوات الناعقة في الداخل والخارج، ممن يزعجهم التلاحم القوي بين الشعب وجيشه، وسيثبت التاريخ صدق أقوالنا ومساعينا وأنه لا طموح لنا سوى خدمة بلادنا والسهر على أمنها واستقرارها، وستخيب كل آمالهم ومناوراتهم الرامية إلى المساس بسمعة ومصداقية الجيش الوطني الشعبي، الذي سيظل، رغم كيد الكائدين وحقد الحاقدين، سندا قويا لشعبه في المحن والأزمات، في إطار أحكام الدستور وقوانين الجمهورية، وأن ثقتنا كبيرة في تفهم شعبنا وإدراكه لحساسية الوضع وتغليبه المصلحة الوطنية وسيتمكن وطننا بإذن الله من الخروج من هذه الأزمة منتصرا كما عهدناه”.
ومن منطلق التطورات الجديدة التي عرفتها البلاد هذا الأسبوع ستكون جمعة 12 إبريل اختبارا حقيقيا لمدى محافظة قايد صالح على المكانة التي اكتسبها في الأيام الأخيرة بين الجزائريين، وقدرته على أن يبقى شعار “الشعب والجيش خاوة خاوة” هتافا يدوي في كل المسيرات، ويؤكد العلاقة الوطيدة التي تربط الشعب بمؤسسة الجيش التي تظل لاعبا أساسيا في الساحة السياسية الجزائرية