سقط الرئيس السوداني عمر البشير، وقبل أيّام سقط الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، ليلتحق الاثنين برؤساء عرب سبقوهم، وغادروا السلطة تحت ضغط الشارع الحالم بغد أفضل ودول ديمقراطية تضع حدّا لنظام الشخص والحزب الواحد، فهل نحن أمام موجة ثانية من الربيع العربي الذي انطلق من تونس قبل 8 سنوات؟
بوتفليقة والبشير يلتحقون بالركب
ظهر أمس الخميس، أعلن وزير الدفاع السوداني، الفريق ركن عوض بن عوف، اقتلاع النظام الحاكم، عزل عمر البشير من منصبه والتحفظ عليه في مكان آمن، فضلا عن حل مؤسسة الرئاسة وحل مجلس الوزراء ووقف العمل بدستور 2005، انتصارا للشعب وفق قوله.
وأعلن نائب البشير، في البيان أيضا، حل المجلس الوطني ومجلس الولايات وحكومات الولايات، وتشكيل مجلس انتقالي عسكري يتولى الحكم في السودان لمدّة عامين، على أن يتم الإعلان لاحقا عن تشكيلة هذا المجلس.
جاء رحيل البشير بعد أربعة أشهر من حراك شعبي، كانت بدايته في شهر ديسمبر/كانون الأوّل الماضي في مدينة عطبرة، احتجاجا على ارتفاع سعر رغيف الخبز وغلاء المعيشة وندرة السلع الأساسية، ثم ارتفع سقف المطالب فيما بعد إلى المطالبة بإسقاط نظام عمر البشير الذي يحكم البلاد منذ عقود عدة.
لم تتوقف رياح التغيير عن الحدود المصرية، بل وصلت ليبيا أيضا، فبعد عقود من حكم الشخص الواحد، انتفض الشعب الليبي ضدّ نظام معمر القذافي
رحيل عمر البشير، جاء بعد أيام قليلة من استقالة عبد العزيز بوتفليقة، الذي تولى حكم الجزائر سنة 1999، سقط بوتفليقة كما سقط غيره، تحت وطأة الأصوات الثائرة وشعارات الرحيل الصارخة من أفواه ملايين الغاضبين من الشعوب العربية، الغاضبين من سياسات أنظمة ديكتاتورية ظلت جاثمة على صدورهم لعقود عدة تجني فيها الأرباح لصالحهم الشخصي دون إيلاء أي اهتمام للصالح العام.
ومن تونس كان أول الراحلين، فقد فرّ الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في 14 يناير/كانون الأول 2011 إلى المملكة العربية السعودية بعد مظاهرات عارمة أجبرته على ذلك، لتبدأ بذلك موجة الربيع العربي، وتكون التجربة التونسية نموذجا لباقي الشعوب العربية.
وصلت الموجة، إلى مصر، فأعلن الرئيس المصري حسني مبارك تنحيه عن السلطة في 11 فبراير/شباط 2011 ونقل صلاحياته إلى الجيش، وانتقل ليقيم بمنطقة شرم الشيخ على البحر الأحمر، بعد أن امتلأت الميادين والشوارع بالمعتصمين والمتظاهرين المطالبين برحيل النظام.
سقوط 6 رؤساء عرب
لم تتوقف رياح التغيير عن الحدود المصرية، بل وصلت ليبيا أيضا، فبعد عقود من حكم الشخص الواحد، انتفض الشعب الليبي في ثورة 17 فبراير/شباط 2011 مطالبا برحيل العقيد معمر القذافي، وسرعان ما تحولت الثورة إلى المواجهات المسلحة بين الثوار وكتائب القذافي التي قتلت الآلاف من المدنيين، إلا أن قتل القذافي في مسقط رأسه مدينة سرت يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول 2011، بعد أن رفض كل المبادرات التي دعت إلى تخليه عن الحكم للشعب.
أما في اليمن، فقد عمّت المظاهرات والاعتصامات مختلف المدن البلاد للمطالبة بإسقاط النظام، وفي 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، وقّع علي عبد الله صالح على اتفاق ينص على نقل السلطة إلى نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي، إلا أنه تراجع عن ذلك وتحالف مع الحوثيين في العام 2014، وأسسوا مجلس حكم مشترك، ثم انفرط عقد هذا التحالف وتحول إلى صراع انتهى بمقتل صالح في 4 ديسمبر/كانون الأول 2017.
الموجة الثانية من الربيع العربي
ربط الكثير من العرب، ما حدث في الجزائر والسودان، بموجة الربيع العربي التي عرفتها المنطقة سنة 2011، ابتداء من تونس، معتبرين أن ما يحدث الآن هو الموجة الثانية لتلك الثورات التي اقتلعت 4 رؤساء من مناصبهم.
وتقول الكاتبة الصحفية التونسية، سوسن برينيس في هذا الشأن، “نحن أمام الموجة الثانية من الربيع العربي، بما أن كل العوامل التي فجرت الموجة الأولى في 2011 مازالت قائمة في الجمهوريات العربية المحكومة في مجملها من حكومات عسكرية حيث يستشري الفساد والفقر وسوء الإدارة وقمع الحريات.”
أكّدت الصحفية التونسية قرب حدوث موجة ثالثة ستشمل دول عربية أخرى، حتى تقطع مع الأنظمة الدكتاتورية الحاكم، وترجع السلطة للشعب دون سواه
تضيف برينيس في تصريح لنون بوست، ” شعبا الجزائر والسودان يتابعان ويتأثران بما يدور حولهم من تطورات وأحداث، فالإعلام الجديد جعل المواطن العربي قريب وفاعل في أي تحرك أو احتجاج يحدث في أي دولة عربية، فمثلا نجاح احتجاجات الجزائر في إجبار الجيش على خلع بوتفليقة أجج الحراك السوداني.”
وتقول الصحفية التونسية أيضا، ” كما أن الشعوب تتبادل فيما بينها دروس وعبر الموجة السابقة من الربيع كي لا تقع الثورات في نفس الأخطاء التي أدت إلى إجهاض البعض منها. بل إن ثورات الموجة الأولى نفسها مازالت لم تخمد نيرانها برغم كل ما أنفقه محور الثورة المضادة من أموال لتضليل الشعوب وتخويفها من الثورة ومن مآلات سوريا وليبيا مثلا، فالثورة التونسية مثلا مازالت تصحح نفسها وتتعلم من أخطائها برغم الكبوات والعثرات الكثيرة.”
انتظار موجة ثالثة
لم تتوقف سوسن برينيس على اعتبار ما حدث بمثابة الموجة الثانية للربيع العربي، بل أكّدت أيضا قرب حدوث موجة ثالثة ستشمل دول عربية أخرى، حتى تقطع مع الأنظمة الدكتاتورية الحاكم، وترجع السلطة للشعب دون سواه.
وقال برينيس، “أبشّر من لم يدرك حركة التاريخ أن الموجة الثالثة قادمة أيضا لا محالة، وربما تزور الممالك العربية، فالتغيير قادم لا ريب في ذلك، عجلة التاريخ تسير دائما إلى الأمام، وإذا كان الرخاء الاقتصادي أجل حدوث ذلك فإن المواطن العربي أين ما كان أصبح يطالب بحقوقه السياسية ويرغب في المشاركة في إدارة ومحاسبة حكامه والخروج من دور الرعايا الساكنين.”
الخوف من العسكر
في مقابل ذلك، اعتبرت الصحفية التونسية ماجدة العرامي، أنه من المبكرة وصف ما حدث في الجزائر والسودان بـ” الربيع العربي الثاني”، وتقول في هذا الشأن، “هبة الشعوب كانت مبشرة في البداية، وكانت شبيهة بما حصل في أحداث الربيع العربي، لكن دخول الجيش على الخط في كلا البلدين كان مريبا، خاصة في السودان.”
تخشى الشعوب العربية من امساك الجيش بزمام الأمور في بلدان الثورات
تضيف ماجدة في تصريح لنون بوست، “من الصعب أن نعتبر ما حصل في الجزائر والسودان عودة للربيع العربي، فالجيش قطع الطريق نحو التحرّر والتغيير، وتصدر المشهد في البلدين، رغم معارضة الشعبين لهذا الأمر. وتابعت، “الوقت مازال مبكرا حتى نعتبر ذلك ربيع عربي، ونتمنى أن لا تكون النتائج عكسية وسلبية للشعوب.”
وقالت الصحفية التونسية، “الشعبين الجزائري والسوداني كانا على بعد خطوات قليلة لإرجاع الربيع العربي، لكن الجيش قطع الطريق عليهما، فقد التفّ الجيش على مطالبهم وحراكهم وأقصى الفعاليات الثورية والسياسية.”
وأكّد ماجدة العرامي، خشيتها من تكّرر السيناريو المصري خاصة في السودان، وقالت، “أمل ألا يتكرّر سيناريو السيسي في السودان، وأن تكون السلطة المدنية لدى الشعب، وأن يرجع العسكر إلى مكانه الطبيعي في الثكنات لحماية البلاد.”