قبل أيام قليلة، أعلنت السلطات الألمانية تمديد تجميد مبيعات الأسلحة للسعودية ستة أشهر أخرى وذلك إلى 30 من سبتمبر/أيلول المقبل، نتيجة خشيتها من استعمال هذه الأسلحة في الحروب، إلا أن الواقع يقول عكس ذلك، فالسلاح الألماني ما زال يصل إلى السعودية، لكن عبر طرف ثالث في تحايل واضح على قانون الحظر.
تمديد الحظر لكن…
إعلان تمديد التجميد تم نهاية شهر مارس/آذار الماضي، وذلك بعد جدل واسع استمر أسابيع في أوساط الحكومة الألمانية، وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفن زايبرت في الـ28 من شهر مارس/آذار بعد جلسة للمستشارة أنجيلا ميركل مع الوزراء المعنيين بالأمر في برلين إن هذه الفترة لن تشهد موافقة على صفقات أسلحة جديدة للسعودية.
وفي الوقت نفسه اتفقت الحكومة الألمانية على شروط لتمديد التصاريح الخاصة بمشروعات إنتاج أسلحة مشتركة مع باريس أو لندن على سبيل المثال حتى نهاية هذا العام، التي لها صلة بالسعودية والإمارات، وسبق أن أعربت فرنسا وبريطانيا من قبل عن استيائهما من قرار وقف تصدير الأسلحة الألمانية للسعودية، وذلك على خلفية وجود صفقات أسلحة مشتركة الإنتاج.
جاء تمديد حظر تصدير السلاح إلى السعودية لستة أشهر أخرى استجابة لمطلب الحزب الاشتراكي، شريك المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في الائتلاف الحاكم، بعد أن بات تصدير السلاح للسعودية مسألة خلافية بين شريكي الائتلاف منذ مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول.
هذا الحظر لم يمنع السلاح الألماني من الوصول إلى المملكة العربية السعودية، وذلك عبر طرف ثالث
لفترة طويلة، بقي موضوع حظر تصدير السلاح للسعودية مادة خلافية داخل الائتلاف الحاكم في ألمانيا، ففي حين كان المحافظون يطالبون بدعم من بريطانيا وفرنسا برفع تجميد بيع السلاح إلى الرياض، تمسك الاشتراكيون الديمقراطيون بإبقائه لمدة ستة أشهر أخرى.
وكانت الحكومة الألمانية قد وافقت على حظر بيع الأسلحة إلى الدول المشاركة في حرب اليمن التي تسببت في أزمة إنسانية في البلد الفقير، وذلك بعد توليها مهامها في مارس/آذار من العام الماضي، لكنها سمحت بتنفيذ طلبيات الأسلحة القائمة بالفعل.
قرار تجميد بيع السلاح إلى الرياض، تم تمديده مرتين (دون احتساب التمديد الجديد) كان آخرها حتى الـ31 من مارس/آذار الماضي. وقبل أيام من انتهاء المهلة الحاليّة دعا المحافظون الألمان إلى وقف العمل بالتجميد وخصوصًا احترامًا للاتفاقات الموقعة مع الشريكين الفرنسي والبريطاني، لكن لم يستجب لدعوتهم بسبب إصرار الاشتراكيين على تمديد الحظر.
فرنسا شريك في التلاعب
هذا الحظر، لم يمنع السلاح الألماني من الوصول إلى المملكة العربية السعودية، وذلك عبر طرف ثالث، وقالت وسائل إعلام ألمانية أن مجلس الأمن الاتحادي في ألمانيا، المعني بقرارات صادرات الأسلحة، وافق على صفقة معدات عسكرية للسعودية.
تتعلق الصفقة الجديدة بـ”تكنولوجيا تصنيع العربات نصف المقطورة” لشركة “كاماج” الألمانية، وفق ما ذكر وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير أول أمس الخميس في خطاب للجنة الشؤون الاقتصادية في البرلمان الألماني (بوندستاغ).
تصدر ألمانيا الأسلحة للسعودية عن طريق فرنسا
وفق الوزير، فقد وافق مجلس الأمن الاتحادي الذي يعقد جلساته سرًا، ويضم المستشارة أنجيلا ميركل وعددًا من الوزراء، في اجتماعه الأخير على تسع صفقات تصدير أسلحة لست دول، وأوضح بيتر ألتماير في الخطاب أن أجزاء المقطورات التي سيُجرى إنتاجها في مصنع “كاماج” في ألمانيا ستُنقل بعد ذلك إلى فرنسا لإتمام تصنيعها لتكون وجهتها الأخيرة إلى السعودية.
بهذه الطريقة لا تستلم المملكة العربية السعودية سلاحًا مباشرًا من ألمانيا وذلك للالتفاف على قرار حظر تصدير السلاح إلى السعودية بسبب مشاركتها في حرب اليمن الذي تم تشديده عقب مقتل الصحافي جمال خاشقجي.
التواطؤ في قتل المدنيين
تستخدم كل من السعودية والإمارات العديد من التقنيات والأسلحة الألمانية الصنع في حربهما في اليمن، من بينها شاحنات من نوع MAN، ودبابات ليكليرك مغطاة بطبقة إضافية من الدروع القابلة للتعديل، فضلاً عن رؤوس حربية لسفن عسكرية، وأيضًا طائرات “بانافيا تورنادو” التي قام ببناءها اتحاد شركات ألمانية وبريطانية وإيطالية.
ورغم ذلك فإن السلطات الألمانية، دائمًا ما تنكر أي معرفة بالأسلحة والتكنولوجيا الألمانية المستخدمة في اليمن من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وسبق أن صرح وزير الاقتصاد الألماني بيتر آلتماير، على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن لهذا العام، أنه ليس على علم بالأسلحة المصدرة من ألمانيا في النزاع اليمني، وأوضح قائلاً: “لم أسمع بأي أخبار عن هذا الأمر حتى الآن”.
وتقول السلطات الألمانية إنها تفرض على مشتري الأسلحة الألمانية التوقيع على اتفاقية المستخدم النهائي التي يتعهدون فيها بعدم بيع الأسلحة أو نقلها إلى أي مجموعة أخرى أو بلد آخر، إلا أن ذلك لم يحصل فالسلاح الألماني موجود في اليمن.
استئناف السلطات الألمانية تصدير الأسلحة للمملكة العربية السعودية رغم وجود قانون يحظر ذلك، يؤكد ازدواجية المعايير عند هذا البلد الأوروبي
في الأشهر التسع الأولى من السنة الماضية، وقع مجلس الأمن الاتحادي، على صادرات تبلغ قيمتها نحو 416 مليون يورو إلى المملكة العربية السعودية، كما وافقت ألمانيا أيضًا في الفترة بين أكتوبر/تشرين الأول إلى ديسمبر/كانون الثاني 2018 على صادرات تتجاوز قيمتها 40 مليون يورو إلى الإمارات.
وتقود السعودية منذ 26 من مارس/آذار عام 2015، تحالفًا عسكريًا ضد جماعة الحوثي، بطلب من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، بهدف إعادة سلطته الشرعية إلى المناطق التي سيطر عليها الحوثيون شمالي البلاد بما فيها العاصمة صنعاء.
لم تنتج الحرب التي بدأتها السعودية ضمن تحالف عربي (لم يبق منه إلا القليل)، لقتال الحوثيين، سوى الدمار لليمن، فبسبب عمليات الرياض وأبو ظبي العسكرية، أصبح اليمن يعاني وضعًا اقتصاديًا واجتماعيًا وصحيًا سيئًا، فضلاً عن تسجيل مجاعة غير مسبوقة في تاريخ البلاد، وساعدت السفن الحربية، في تعزيز الحصار البحري لليمن، في حين لعبت الطائرات والقنابل دورًا رئيسيًا في الحملة الجوية، ما ساهم في المعاناة الحاليّة للشعب اليمني.
تحرص ألمانيا على تواصل علاقاتها مع السعودية
تتهم السعودية بالقيام بجرائم حرب في اليمن، ومنذ بدء عملياته في هذا البلد العربي، اتهمت منظمات حقوقية التحالف الذي تقوده السعودية بالتسبب بمقتل مئات المدنيين بغارات أصابت أهدافًا مدنية، وتشير تقديرات دولية إلى أن تلك الحرب – التي تدور منذ أكثر من ثلاث سنوات – أودت بحياة أكثر من عشرة آلاف إنسان، بينهم أكثر من ألفي طفل.
وجعلت الحرب ثلاثة أرباع السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، ودفعت بالبلاد إلى حافة المجاعة، فيما اعتبرت الأمم المتحدة أزمة اليمن “الأسوأ في العالم”، وكان البرلمان الأوروبي قد أقر، في 14 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، توصية توجب تطبيق آلية عقابية على دول الاتحاد الأوروبي التي لا تطبق قواعد الاتحاد بشأن ضوابط تصدير الأسلحة.
استئناف السلطات الألمانية تصدير الأسلحة للمملكة العربية السعودية رغم وجود قانون يحظر ذلك، يؤكد ازدواجية المعايير عند هذا البلد الأوروبي، فمن جهة تدعي احترام حقوق الإنسان والعمل على وقف الانتهاكات ضده، ومن جهة ثانية فهي تصدر السلاح لدولة تتهم بالقيام بتجاوزات كبرى داخليًا، فضلاً عن ارتكاب جرائم حرب في دولة ثانية.