بعد عامين وثلاثة أشهر تقريبا من شغور منصب السفير الأمريكي في السعودية، هاهو مجلس الشيوخ يوافق وبالأغلبية على تعيين الجنرال متقاعد جون أبي زيد سفيرا للولايات المتحدة لدى المملكة، بعدد أصوات بلغ 92 في مقابل 7 أخرى رافضة لهذا الترشح.
يأتي تعيين أبي زيد القائد الأطول خدمة للقيادة المركزية الأميركية، حيث شغل هذا المنصب من عام 2003 حتى تقاعده عام 2007 في وقت تتصاعد فيه الضغوط التشريعية والحقوقية والأمنية على الرياض بسبب تزايد الانتهاكات الحقوقية في اليمن فضلا عن قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
اختيار الرئيس دونالد ترامب لشخصية بحجم الجنرال أبي زيد الذي يمتلك خبرة طويلة في منطقة الشرق الأوسط وعلى دراية كبيرة بخارطة السياسة العربية، يحمل بين طياته العديد من رسائل المغازلة والتحذير، سواء للداخل السعودي أو لطهران على حد سواء، وهو ما يزيد من التكهنات بشأن دوافع هذا الاختيار على وجه التحديد.
أصول لبنانية
ولد الجنرال الأمريكي في أكتوبر عام 1951 في ولاية كاليفورنيا، ينحدر من أصول لبنانية، لمهاجرين مسيحيين، يتكلم اللغة العربية بطلاقة، تخرج في الجامعة الأردنية بعمان بعدما أنهى دراسته بالأكاديمية العسكرية في أمريكا
أمضى ما يقرب من 43 عاما في صفوف الجيش الأمريكي بدءًا بالعام 1970 مع فرقة المشاة المظلّية رقم 504 في “فورت باراج”، واختير في العام نفسه من بين وحدات النخبة لتدريب القوات الخاصة الأردنية، وبعدها بثلاث سنوات عُيّن ضابطاً مساعداً في قوات المشاة لدى تخرجه في الأكاديمية العسكرية، حيث كان يطلَق عليه لقب “العربي المجنون”، كما تشير بعض التقارير الصحفية
ولد الجنرال أبي زيد بأبريل عام 1951، في كاليفورنيا، لكنه ينحدر من أصول لبنانية، وهو حفيد مهاجر مسيحي، ويتكلّم العربية بطلاقة، وقد أمضى 34 عاماً في صفوف الجيش الأمريكي، وكان قائداً للقيادة الأمريكية الوسطى، واضطلع بدور بارز في الحرب الأمريكية على العراق، إلى جانب حرب واحتلال غرينادا في البحر الكاريبي، وحرب الخليج والبوسنة وكوسوفا وأفغانستان.
في جلسة الاستماع الأولى له أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، تعهّد السفير الجديد بالضغط على السعودية من أجل تحمّل مسؤوليتها في جريمة قتل خاشقجي.
وفي عام 1983، قاد مجموعة من وحدات خاصة خلال الغزو الأمريكي لجزيرة غرينادا، كما قاد، عام 1991، اللواء الثالث في الفرقة المجوقلة 325 التي أدّت دوراً رئيسياً في عمليات ما تعرف بـ”بروفايد كومفورت” في حرب الخليج، وفي 1999 قاد فرقة المشاة الأولى التي تُدعى “بيغ رد وان”، والتي أدّت دوراً مركزياً بالحرب في كوسوفا، وحصل على ميدالية الخدمة المتميزة وخدمات التفوق الدفاعي والنجمة البرونزية، وغيرها من الميداليات والجوائز العسكرية.
وفي يوليو 2003، تسلّم أبي زيد مهامه في القيادة المركزية للقوات الأمريكية المسؤولة عن قوات بلاده في العراق و24 دولة تشمل الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأفريقيا، ليتقاعد بعدها من الخدمة العسكرية عام 2007، بعدما قضى 34 عاماً في السلك العسكري.
34 عاما قضايا السفير الأمريكي الجديد في صفوف الجيش
خبرته بالمنطقة العربية
يتمتع الجنرال المتقاعد بخبرة كبيرة بشأن المنطقة العربية، فجل الأربع والثلاثين عاما التي قضايا في الخدمة العسكرية تنقل خلالها في الشرق الأوسط، وبعد تخرجه ففي أكاديمية ويست بوينت العسكرية، التحق بالدراسة في الأردن، ثم بدأ مشواره في الدراسات العليا في أمريكا، وأعدّ خلال دراسته بجامعة هارفارد أطروحة حول الشرق الأوسط، وآليات اتخاذ القرار في السعودية، لا سيما في المجال الدفاعي.
توليه مهام رئاسة القيادة الأمريكية الوسطى ساعده في دراسة المجتمع العربي بكافة أطيافه، ولعل تجربته في العراق كانت الأهم في هذا الشأن، إذ عرف عنه احتواءه كافة شرائح المجتمع العراقي، ولقاءاته بهم؛ من سياسيين وعسكريين وشيوخ قبائل وفصائل شعبية قاتلت عناصر القاعدة إلى جانب القوات الأمريكية.
هذه الخبرة منحته القدرة على الجمع بين العسكرية والدبلوماسية في آن واحد، وهو ما ساعده في كثير من الأحيان على الخروج من تعقيدات وتناقضات الشارع العراقي، معتمدا في سياسته على استراتيجية تقضي تدريجياً على الفصائل المسلّحة في محافظات العراق الشمالية والشرقية والغربية ذات الغالبية السنية، حيث تشكّلت أثناء قيادته ما عُرف حينها بقوات “الصحوة”، وهي فصائل مسلّحة سنية دُرّبت بحرفيّة للانخراط في مواجهة تنظيم القاعدة.
وفي 14 نوفمبر 2018، رشحه ترامب سفيراً للولايات المتحدة في السعودية، ليملأ بذلك منصباً ظل شاغراً منذ مطلع العام 2017، في وقت تتصاعد فيه ضغوط المؤسسات التشريعية والأمنية والسياسية الأمريكية على الرياض من جانب وعلى علاقة الرئيس الأمريكي بها من جانب أخر.
رسائل المغازلة والتحذير
ترامب الذي اعتاد ترك العديد من المناصب الشاغرة في إدارته وجد أن القضايا الأخيرة التي تتداخل فيه علاقات بلاده بالسعودية وهي الحليف الأكثر درا للأموال لواشنطن في الشرق الأوسط تتطلب ترشيح سفير أمريكي لمتابعة مايدور خلف الكواليس لاسيما بعد حادثة مقتل الصحفي جمال خاشقجي في أكتوبر الماضي.
اختيار الجنرال المخضرم لهذا المنصب لا شك وأنه لم يكن خيارا عشوائيا فهناك رسائل ودلالات يحملها الرجل من قبل الإدارة الأمريكية للسعوديين، ففي جلسة الاستماع الأولى له أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، تعهّد السفير الجديد بالضغط على السعودية من أجل تحمّل مسؤوليتها في جريمة قتل خاشقجي.
وقال أبي زيد، الأربعاء (6 مارس 2019)، إنه سيضغط في هذا الملف مؤكداً أنه سيعمل على تحقيق الشفافية والمساءلة في قضية مقتل خاشقجي بالتنسيق مع الخارجية السعودية، لافتا إلى وجود تحديات عدة تشوب العلاقة بين البلدين؛ مثل حرب اليمن، والانتهاكات بحق النشطاء، التي بدأت منذ أكتوبر 2017.
بعد تقاعده بعد خدمة استمرت 34 عاماً، قال إنّه “من الممكن التعايش مع إيران نووية”، في موقف يتعارض مع سياسة الرياض وترامب الذي انسحب من الاتفاق النووي المبرم بين إيران والدول الكبرى، وفرض عقوبات اقتصادية شديدة على طهران.
أبي زيد شدد على وجوب محاسبة المتورطين في قتل خاشقجي، وبسؤاله عن كيفية التعامل مع ولي العهد محمد بن سلمان الذي أدت سياساته المتهورة إلى توتر العلاقات مع واشنطن، أكد على أن العلاقات مع السعودية أكبر من “ولي العهد”، وتشمل العلاقة مع الملك والحكومة ووزارة النفط وغيرها، مضيفا : “لا نقبل المشاكل الكبيرة في السعودية، ومن ضمنها قتل خاشقجي وتعذيب الناشطين واحتجازهم”.
وفي المقابل قاوم دعوة النواب في كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لتخفيض مبيعات الأسلحة إلى المملكة، واستندت استراتيجيته في الشرق الأوسط بخصوص مواجهة إيران، وإجبار الفلسطينيين على السلام مع إسرائيل، إلى حد كبير، إلى السعودية، وإلى علاقة تولّى تنميتها جاريد كوشنر، صهره ومستشاره الأول، مع ولي العهد.
بروس أو ريدل الباحث في معهد “بروكينغز”، قال في هذا الإطار في حديثه لصحيفة “نيويورك تايمز”، عن ترشيح أبي زيد للمنصب، “خيار ممتاز فهو من ذوي الخبرة عن المملكة، لكنّه يواجه تحدياً غير مسبوق في التعامل مع ولي العهد الذي تتعرّض سمعته للتفكّك، وبشكل ربما لا يمكن إصلاحه”.
وفي السياق، يقول جيرالد فييرستين، وهو سفير سابق في اليمن، إنّ اختيار أبي زيد أظهر أنّ ترامب يواصل تفضيل الضباط العسكريين، لشغل مناصب دبلوماسية عليا، مستدركاً بالقول “لكن أبي زيد ليس اختياراً سيئاً وقد يكون له بعض النفوذ مع السعوديين”، معتبرًا أن “توقيت اختيار أبي زيد مثير للاهتمام أيضاً، بعد تأجيل استمر عامين. قد يشير ذلك إلى أنّ الإدارة قد أدركت أخيراً أنّ قناة “كوشنر-MBS (محمد بن سلمان) ليست فاعلة لتنظيم العلاقة بين واشنطن والرياض”.
مقتل الصحفي جمال خاشقجي محور رئيسي في تحديد العلاقة بين الرياض وواشنطن
التعاطي مع إيران
وفي الجهة الأخرى فإن اختيار قائد القيادة المركزية الأمريكية خلال غزو العراق عام 2003 ربما يحمل العديد من الرسائل الأخرى لطهران، فبعد تقاعده بعد خدمة استمرت 34 عاماً، قال إنّه “من الممكن التعايش مع إيران نووية”، في موقف يتعارض مع سياسة الرياض وترامب الذي انسحب من الاتفاق النووي المبرم بين إيران والدول الكبرى، وفرض عقوبات اقتصادية شديدة على طهران.
وأضاف في تصريحات له بمؤتمر لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، في 17 سبتمبر 2007، أضاف: “نحتاج إلى الضغط على المجتمع الدولي بأقصى ما نستطيع، وعلى الإيرانيين، للتوقف والكف عن تطوير سلاح نووي. ويجب ألا نستبعد أي خيار قد نضطر للتعامل معه”.
وقال أيضاً، “أعتقد أنّ لدينا القدرة على ردع إيران، إذا أصبحت نووية. هناك طرق للتعايش مع إيران نووية. دعونا نواجه الأمر، وتعايشنا مع اتحاد سوفييتي نووي، وتعايشنا مع الصين نووية، ونحن نعيش مع قوى نووية (أخرى)”.
وعلى الأرجح فإن مؤهلات أبي زيد ستكون العامل الحاسم في مدى نجاحه في تحقيق الأهداف التي تخدم أجندة بلاده في الدولة النفطية الكبيرة، فخلفيته العسكرية وقدراته الدبلوماسية واطلاعه على تفاصيل الكثير من الأمور في الخارطة السياسية والأمنية العربية لاشك وأنها ستلعب دورا محوريا في تحديد مسار الرجل خلال الفترة القادمة.