كلنا نحب السفر وإمتاع البصر بالمناظر الخلابة للمدن في بلداننا، وأحيانًا يتسلل إلينا الملل ونغير وجهتنا إلى البلدان الغربية قصد إشباع هوس العين التي تحب رؤية الجمال واكتشاف كل جديد يهم الثقافات المغايرة،
فهل يا ترى تريثنا يومًا وسافرنا بفكرنا بدل أبداننا لمعرفة خبايا تسميات مدن بلداننا الأم؟ كقصة مدينة “تماكا” المغربية التي يحب الجميع زيارتها لكن الأغلب يجهل إحدى تسمياتها القديمة جدًا والمميزة لها.
توارث المُلك بين القناعة والطمع
بعد انهيار حكم البطالمة في مصر بانتحار آخر ملوكها “كليوباترا”، نُقل أبناء الملكة وأفراد أسرتها إلى روما في رعاية “أوغسطس قيصر”، كان لـ”كليوباترا” ابنة عُرفت باسم “كليوباترا سيلانة” التي زفت إلى “جوبا” الثاني ملك “موريطانيا” وهو الاسم الذي كان يطلق على كل الأراضي المغربية بالشمال الإفريقي، فلما توفي “جوبا” عام 18 بعد الميلاد، خلفه على العرش ابنه “بطليموس” حفيد كليوباترا من ابنتها سيلانة، وحافظ بطليموس على علاقته بالرومانيين الذين أقروه على مُلكه.
وفي عام 27 ميلادية جاء على عرش قياصرة الروم الإمبراطور “كاليجولا” السفاح الذي كان قد بلغه أن في حوزة ملك موريطانيا أكداسًا من الذهب والفضة والحلي والجواهر وهو ما تبقى من كنوز البطالمة التي نقلت من الإسكندرية يوم رحلت عنها الأسرة المالكة.
انقلاب السحر على الساحر
روى المؤرخون عن هذه القصة التاريخية، أن كاليجولا رسم خطته للاستيلاء على الكنز، فبعث وصيفته إلى الملكة “أورانيا” زوجة بطليموس، لتكون له جاسوسة على مولاتها، لكن السحر انقلب على الساحر فأصبحت الوصيفة جاسوسة لها عليه.
وحين أرسل الإمبراطور يدعو الملك بطليموس للنزول في ضيافته بروما أرسلت الفتاة إلى الملكة أورانيا تخبرها أن كاليجولا قد بيت له الغدر، لكن بطليموس لم يبال بالتحذير فلبى دعوة كبير قياصرة الروم.
ليست “تماكا” حسب الروايات القديمة، سوى مدينة تطوان الحاليّة، الحمامة البيضاء التي قامت على أنقاض القلعة الموريتانية التي ضمت في أعماقها رفات الملكة أورانيا، وكل ما كانت تخفيه من أكداس الذهب والحلي والجواهر التي دفنت معها
وفي غمرة المأدبة الزاخرة شعر الملك بطليموس بيد تمسك كتفه، فسمع وصيفة زوجته تقول: “أهرب يا مولاي قبل فوات الأوان، فكاليجولا عزم على ألا يدعك تخرج من هذا المكان حيًا”، ولكن بطليموس الذي سكر حتى الثمالة رفع رأسه ووقف مترنحًا وهو يخاطب كاليجولا: “أسامع أنت ما تقوله هذه الفتاة المجنونة؟ إنها تدعي أنك عازم على قتلي وهي تستحق الموت جراء افترائها على مولاها القيصر”.
فوثب كاليجولا من مكانه وأشار إلى الوصيفة فأطبق عليها الحرس وأخمدوا أنفاسها، واتجه مخاطبًا بطليموس: “صدقت يا صاحبي، إنها تستحق الموت حقًا، لكنها صادقة فيما قالته لك أيها الملك”، وأشار كاليجولا إلى الحرس فمزقوا جسد بطليموس بالسيوف والخناجر، وأصدر حكمه بأن تكون موريطانيا ونوميديا ولاية رومانية.
انتصار الأنوثة الملكية
حين سمعت الملكة أورانيا بوفاة زوجها بطليموس، فرت من عاصمتها إلى الجبال القريبة واعتصمت بها، وعبثًا حاول رسل السفاح كاليجولا العثور عليها، لكن دون جدوى، فقد كانت الملكة حذقة وذكية في الاختباء من قبضة العدو الغادر الذي قُتل بدوره على أيدي حراسه عام 41 ميلادية.
وروي أن من لازموا الملكة أورانيا في رحلتها الأخيرة من حياتها في الجبال الشاهقة المطلة على “قلعة تماكا”، لم يتكلموا قط عن سر الكنز خوفًا على حياتهم.
ورد في استطلاع لسنة 1987 الخاص بالباحثين سليمان مظهر وسليمان حيدر، تسمية “تماكا” المنسوبة إلى قلعة كانت توجد آنذاك في موريطانيا الطنجية (شمال المغرب حاليًّا)، والمسماة أيضًا بـ”موريطينة الطنجية”
وليست “تماكا” حسب الروايات القديمة، سوى مدينة تطوان الحاليّة، الحمامة البيضاء التي قامت على أنقاض القلعة الموريتانية التي ضمت في أعماقها رفات الملكة أورانيا، وكل ما كانت تخفيه من أكداس الذهب والحلي والجواهر التي دفنت معها.
أصل تسمية “تامكا”
ورد في استطلاع لسنة 1987 الخاص بالباحثين سليمان مظهر وسليمان حيدر، تسمية “تماكا” المنسوبة إلى قلعة كانت توجد آنذاك في موريطانيا الطنجية (شمال المغرب حاليًّا)، والمسماة أيضًا بـ”موريطينة الطنجية”.
والغريب في الأمر أن جل الروايات التي قُصت عن المكان الذي اختبأت فيه الملكة أورانيا لم يتم التعرف عليه إلى الآن، وما زاد الأمر غموضًا أن الباحثين المذكورين أعلاه قاما باستكشاف لمنطقة الريف المغربي انطلاقًا من مدينة الحسيمة إلى مدينة تطوان، رفقة مسؤولين من المناطق الشمالية بالمغرب، وتطرقا في استطلاعهما إلى أن المكان الذي رحلت إليه أورانيا يدعى “تامكا”.
يختلف نطق الكلمة من منطقة إلى أخرى حسب اللهجة الأمازيغية المعتمدة سواء كانت أمازيغية ريفية أم سوسية أم أطلسية، لهذا نجد الكلمة “تمودة” المعربة، تنطق في المناطق الأمازيغية المغربية إما بتامدا أو تامكا أو أمدا
وقد أخبرتنا خديجة لعروسي السيدة المسنة، أن “تماكا” هو تحريف لـ”تمودا”، مفسرة أن ما يحكى من قصص عن تسمية مدينة تطوان هو موروث رائع وجميل، مضيفة أن جمال السفر يكمن في سياحة الفكر لكل ما هو تاريخي يحفظ ثرات المغرب من الاندثار.
كما صرح الباحث محمد أمين عنقودة نائب محافظة الموقع الأركيولوجي لتمودة بمدينة تطوان، خلال برنامج “كان يا مكان” الذي بث على القناة الثانية المغربية، أن أصل تمودا جاء من الكلمة الأمازيغية “تامدا” التي تعني المستنقع أو الضاية.
ويختلف نطق الكلمة من منطقة إلى أخرى حسب اللهجة الأمازيغية المعتمدة سواء كانت أمازيغية ريفية أم سوسية أم أطلسية، لهذا نجد الكلمة “تمودة” المعربة، تنطق في المناطق الأمازيغية المغربية إما بتامدا أو تامكا أو أمدا.