بعد تشكيلها فارقًا كبيرًا في معركة “ردع العدوان” التي أطلقتها فصائل المعارضة السورية فجر 27 نوفمبر/تشرين الثاني، خطفت “كتائب شاهين” و”سرايا عقاب” المسؤولتان عن استخدام سلاح المسيّرات الانتحارية الأضواء، بعد استهدافهما تجمعات عناصر النظام وعرباتهم العسكرية وتحصيناتهم المتقدمة.
منذ اليوم الأول لانطلاق المعركة نشرت إدارة العمليات العسكرية، مقطعًا مصورًا لـ”كتائب الشاهين”، بعنوان: “نصلكم أينما كنتم”، أعلنت من خلاله استخدام المسيرات في الأعمال الهجومية، حيث أظهر المقطع طائرات مسيرة أطلقت بدفع أولي من قبل شخص، ومسيرات أخرى ذات الأربع مراوح أطلقت من منصة مخصصة.
رغم عدم وجود معلومات دقيقة عن مدى تطور هذه المسيرات، إلا أنه حسب الفيديوهات المنشورة في معركة ردع العدوان، تم استخدامها لجميع المهمات القتالية سواء المذخرة أو الاستطلاعية المختصة بعمليات الرصد والمراقبة وجمع المعطيات، أو تلك الانتحارية، وغالبًا ما تكون الذخائر المزودة لهذه المسيرات قنابل (محلية الصنع) تستهدف الأفراد والتجمعات، أو قذائف من أنواع مختلفة خفيفة الوزن، شديدة الانفجار تستهدف أهدافًا عسكرية كدبابات وآليات وتحصينات وتضرب مصادر النيران.
مسيرات شاهين وعقاب سلاح جو متقدم
في معركة “ردع العدوان” تم استهداف العديد من الأهداف العسكرية التابعة للنظام، من دبابات وعناصر وتحصينات عسكرية ومستودعات ذخيرة وأرتال عسكرية، إضافة إلى تدمير مروحيتين في مطار النيرب قبل إقلاعهما، ولم يقتصر استخدام المسيرات على الأعمال العسكرية، بل مارست مهام أخرى بإلقاء مناشير على أماكن تمركز عناصر النظام بها أرقام هواتف لسهولة التواصل لمن يرغب في الانشقاق من عناصر النظام.
وإلى جانب مسيرات شاهين انتشر مقطع فيديو يظهر مسيرات تحمل اسم “سرايا العقاب” مشابهة لمسيرات شاهين خلال إطلاق عملية “فجر الحرية” ضد قوات النظام و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في ريف حلب الشرقي.
وباتت هذه المسيرات تعتبر منظومة استطلاع جوي مسلح، وأحد الأسلحة الاستراتيجية لدى سلاح الجو، إضافة إلى اعتمادها كاختصاص مستقل عبر استخدام الأسلحة الذكية الموجهة ضمن التشكيلات العسكرية المعارضة، إذ دخلت الخدمة لأول مرة في أغسطس/آب الفائت، حين نشرت وزارة الدفاع التابعة للحكومة المؤقتة آنذاك، صورًا أظهرت استخدام “الجيش الوطني”، ذراع المعارضة العسكرية، للمسيرات الانتحارية (FPV).
وتساعد المسيرات المعارضة السورية على إدارة مسرح عملية “ردع العدوان” ومطاردة قوات النظام والمليشيات الموالية، وتحديد أماكنها من خلال التصوير والبث المباشر لتجمعاتهم، بالإضافة إلى تحديد مواقع مدفعية النظام وتوجيه النيران للتعامل معها، فضلًا عن إمكانية الاستفادة منها في عمليات المراقبة وتهيئة خرائط المسح الجغرافي لمناطق التمركز.
في حديثه لـ”نون بوست”، قال الباحث في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، نوار شعبان، إن “استخدام المسيرات في معركة ردع العدوان يشير إلى إحداثها فارقًا كبيرًا كسلاح وأداة من أدوات الردع والتثبيت، كما أن استخدامها على مواقع النظام سبّب شللًا في تحركات الأفراد والأرتال العسكرية، لذا فهي سلاح إسنادي فعال وفّر الكثير من الجهد والوقت والخبرة لقوات المعارضة”.
ويضيف شعبان، أن “الفيديو الذي عرضته غرفة العمليات العسكرية لمعركة “ردع العدوان” ليس فيديو اعتباطيًا، وإنما فيديو لعمليات مُدرَّب عليها سابقًا ومدروسة، وقد تعمدت الفصائل نوعًا ما إخفاء سلاح المسيرات قبل المعركة بما يميّزها من صواريخ مجنحة مع كاميرات HD يتجاوز سعرها 5 آلاف دولار.
التكتم والتأقلم سر نجاح المسيرات
وبعد وجود مسيرات شاهين، التي تعتبر أساسية من متطلبات العمليات القتالية، أصبح من السهل كسر الدفاعات الجوية للقواعد العسكرية التابعة للنظام، فكل نظام دفاع جوي له قدرات محدودة ومكلفة جدًا، لكنه هشّ جدًا وضعيف بوجود المسيرات لأنها تشتت الدفاعات الجوية.
ورغم بساطة تصنيع المسيرات وعمل بعضها بمحرك نفاث محلي الصنع، فإنها تعد تطورًا مؤثرًا وإضافةً نوعيةً للفصائل العسكرية، لا سيما أن النظام وحليفه الروسي يعرفان تأثيرها من خلال حرب الأخير في أوكرانيا، حيث سبّبت له تلك المسيرات استنزافًا كبيرًا في الأفراد والمعدات.
حسب الباحث شعبان، فإن سلاح المسيرات “شاهين وعقاب” قد تمّ العمل عليه من سنة لسنتين، لذا فقد صنع فارقًا كبيرًا عبر الاستهدافات الدقيقة والرصد وتصوير المحاور، إضافة إلى تصوير مواد إعلامية تؤكد كذب النظام وروايته في مناطق السيطرة خلال هذه المعركة.
ويبدو أن النقلة النوعية في ظهور هذا السلاح ليست في التدريب والأداء، وإنما التكتم في عملية التدريب والتأقلم مع استخداماته، ويشير شعبان إلى أنه على الرغم من وجود هجمات متتالية من جانب النظام طالت أهدافًا مدنية قبل المعركة وإمكانية الرد على تلك الهجمات من خلال هذا السلاح، فقد تم الاحتفاظ بسرية عملية التدريب عليه لاستخدامه في الوقت المناسب والمكان المناسب لإحداث هذا الفارق.
صيادو الليل
وحدة عسكرية أخرى تحت مسمى “صيادو الليل” كانت مفاجأة معركة “ردع العدوان”، وهي وحدة متخصصة في العمل ليلًا، تستهدف عناصر النظام بواسطة القناصات الحرارية، ضمن عمليات دقيقة.
ونشرت إدارة العمليات مقطع فيديو يظهر عناصر بعتادهم الكامل ليلًا وهم خلف دشم وموجهين قناصات حرارية متطورة ويطلقون منها رصاصة واحدة.
لا يتوقف دور القناصين الذين يعتبرون الأكثر فعالية في الحروب على مجرد إطلاق النار من مسافات بعيدة، بل يسبق تلك العملية ساعات طويلة من التمويه والاستطلاع وحماية الوحدات المهاجمة وتحديد مصادر النيران، إضافة إلى قراءة الرياح وعوامل الجو ودرجة الحرارة.
يشير العميد عبد الله الأسعد في حديثه لـ”نون بوست”، إلى أن هذه القناصات الحرارية تعمل تحت الأشعة الحمراء (الأشعة السينية)، إذ يستطيع العنصر المتمترس خلف ساتر أن يقوم استنادًا إلى المنظار بعملية قنص دقيقة تمكّن من تقييد تكتيكات قوات النظام.
ويضيف الأسعد، أن “صائدي الليل” يتمتعون بحس أمني عالٍ، ولياقة بدنية عالية تمكّن المقاتل من التخفي والاستمرار في المناورة أطول فترة ممكنة، فضلًا عن اعتناء المعارضة السورية بهؤلاء العناصر من حيث نوعية الأسلحة المقدمة إليها، وتأهيلهم نفسيًا وعقائديًا.
ختامًا.. يبدو أن المعارضة السورية باتت تستخدم أسلحة جديدة اعتمدتها في معاركها الجارية لا للحسم العسكري فقط، بل لما ستحمله مستقبلًا من رسائل سياسية وعسكرية تعطي انطباعًا بتطور أساليب المعارضة قتاليًا من حيث استخدام التقنيات وتطوير مستويات التنظيم والتدريب.