مع تصاعد المواجهات في سوريا وتقدم فصائل المعارضة ضد النظام السوري وسيطرتهم على مساحات واسعة في الشمال وخاصة مدينة حلب الاستراتيجية، أصبح العراق في دائرة الضوء كطرف مؤثر في دعم بشار الأسد.
لكن التحركات العراقية ليست بعيدة عن النفوذ الإيراني، الذي يسعى لضمان استمرار نظام الأسد في السلطة كجزء من مشروعه الإقليمي. فهل يدرك العراق تبعات هذا الانخراط على استقراره الداخلي ومكانته الخارجية؟
بعد عودته من موسكو في زيارة عمل غير معلنة ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حسب ما ذكرت صحيفة الوطن المقربة من النظام، كان أول اتصال أجراه الأسد مع رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني.
وأكد السوداني خلال الاتصال، الذي جاء في وقت حساس، على وحدة المصير بين العراق وسوريا، في خطوة وُصفت بأنها محاولة لتعزيز التعاون الأمني بين البلدين. مع ذلك، فإن هذا الاتصال يحمل أبعادًا سياسية أعمق، فهو ليس مجرد إعلان عن شراكة أمنية، بل رسالة واضحة عن اصطفاف العراق إلى جانب النظام السوري، في ظل توجه إيراني لتعزيز “محور المقاومة”.
رغم أن الحكومة العراقية تُبرر هذه الخطوة بضرورة التنسيق لمواجهة الإرهاب، فإنها تُرسل إشارات دولية وإقليمية عن انحيازها الواضح لمحور الأسد-إيران، ما يُهدد بإثارة حفيظة الولايات المتحدة وشركاء إقليميين مثل تركيا ودول الخليج.
الفصائل المسلحة.. أداة إيران في الميدان السوري
تحركات الحكومة العراقية لم تكن منعزلة عن أدوار ميدانية للفصائل المسلحة الموالية لإيران: “حركة النجباء”، و”كتائب سيد الشهداء”، و”منظمة بدر”، حيث أعلنت استعدادها لتعزيز وجودها العسكري داخل سوريا بزعم حماية الحدود أو الدفاع عن “المقاومة”، فيما تحدثت مصادر مطلعة عن اجتماعات سرية في طهران ودمشق بين قيادات لفصائل شيعية عراقية والحرس الثوري الإيراني، حيث نوقشت خطط لتوسيع الدعم الميداني للنظام السوري، بما في ذلك إرسال مزيد من المقاتلين والأسلحة.
في هذا السياق، برزت تصريحات أبو آلاء الولائي، قائد كتائب “سيد الشهداء”، الذي هدد بقطع التبادل التجاري مع تركيا وتصعيد المواقف ضدها، في تصعيد يتجاوز الدور العسكري إلى خطوات اقتصادية عدائية. وتظهر هذه التحركات انصياع الفصائل المسلحة للأجندة الإيرانية، التي تسعى إلى تعزيز نفوذها الإقليمي بغض النظر عن تداعيات ذلك على العراق.
وأصبحت المعابر الحدودية بين العراق وسوريا عنصرًا استراتيجيًا في هذا الصراع، إذ تُسيطر الفصائل الشيعية المسلحة المنضوية في الحشد الشعبي على معابر رئيسية تُستخدم لنقل الأسلحة والمقاتلين إلى داخل سوريا، ما يُبرز دور العراق كقاعدة لوجستية تخدم المحور الإيراني. هذا التدفق لا يُظهر فقط دعمًا مباشرًا للنظام السوري، بل يُعرض العراق أيضًا لانتقادات دولية وربما لضربات إسرائيلية تستهدف ممرات الدعم الإيراني.
استخدام الحدود العراقية بهذه الطريقة يضع بغداد في مواجهة مباشرة مع المعارضة السورية وداعميها الإقليميين والدوليين، ما يُهدد باستدراج العراق إلى مواجهات قد تمتد إلى داخل أراضيه، فالمعارضة السورية المدعومة من أطراف إقليمية قد تُصعد ردود فعلها تجاه الدعم العراقي للنظام السوري، ما يزيد من التوترات الأمنية على الحدود ويُضاعف من تعقيد المشهد العراقي.
إضافة إلى ذلك، فإن التوترات العراقية-التركية تُلقي بظلالها على المشهد، فتهديد أبو آلاء الولائي، قائد كتائب سيد الشهداء، والقيادي في تحالف الإطار التنسيقي الحاكم، بقطع التبادل التجاري مع تركيا يُظهر تصعيدًا غير مسبوق قد يُعرض العراق لخسائر اقتصادية كبيرة.
وتعد تركيا واحدة من أكبر الشركاء التجاريين للعراق، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في الأعوام الأخيرة مليارات الدولارات سنويًا، ويعتمد العراق بشكل كبير على الواردات التركية في مجالات حيوية. وإذا تحول التصعيد ضد تركيا إلى خطوات عملية، فإنه لن يُضعف فقط العلاقات الثنائية، بل سيؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد العراقي الذي يعاني أصلًا من أزمات داخلية متعددة.
وسط هذه التطورات، شهد العراق حملة إعلامية مكثفة لتبرير التدخل العسكري في سوريا. تصريحات من وزراء ونواب وقادة فصائل ركزت على التحذير من تهديدات إرهابية محتملة على غرار “سيناريو 2014”. هذه الحملة، التي شملت خطابًا تعبويًا، ساهمت في إثارة القلق الشعبي وخلق حالة من الذعر، ما أثار شكوكًا حول وجود خطة لتعبئة الرأي العام لقبول تدخل عسكري أوسع في سوريا.
في المقابل، أظهرت تحركات القوى السياسية العراقية دعمًا موحدًا لهذه التوجهات، فاجتماع عمار الحكيم ونوري المالكي ناقش تعزيز المواقف المؤيدة لدعم النظام السوري داخل الإطار التنسيقي، وهو ما يُشير إلى تماسك القوى الشيعية حول هذا التوجه.
لكن هذا الدعم لم يأتِ بلا تحفظات داخلية، إذ يتزايد الاستياء الشعبي من استنزاف موارد الدولة في صراعات لا تعود بالنفع على المواطن العراقي، بل تخدم أجندات إقليمية تُدار من خارج العراق.
الثمن الذي يدفعه العراق
دعم العراق للنظام السوري يُرتب كلفة سياسية وأمنية واقتصادية باهظة. داخليًا، استنزاف موارد الدولة في صراعات خارجية يزيد من معاناة المواطنين الذين يواجهون أزمات متفاقمة في الخدمات الأساسية والاقتصاد، فالموارد التي تُوجه لدعم النظام السوري تأتي على حساب احتياجات الشعب العراقي.
علاوة على ذلك، فإن تنامي دور الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران يُظهر ضعف الدولة ويُهدد سيادتها، وهذه الفصائل، التي تُسيطر فعليًا على المعابر الحدودية وتعمل بمعزل عن الحكومة، تُكرس حالة اللااستقرار السياسي والأمني داخل العراق.
خارجيًا، الدعم العراقي للنظام السوري يجعل بغداد عرضة لضغوط دولية وإقليمية، فالولايات المتحدة، التي تُعد شريكًا أساسيًا للعراق، قد ترى في هذه السياسات انحيازًا إلى إيران على حساب التعاون الثنائي، ما قد يُعرض العراق لعقوبات أو لتقليص الدعم الاقتصادي والعسكري.
أما الدول الإقليمية، مثل تركيا ودول الخليج، فقد تعتبر التحركات العراقية تهديدًا مباشرًا لمصالحها، ما سينعكس سلبًا على العلاقات الإقليمية، فهل سيُقامر العراق باستقراره الداخلي وعلاقاته الخارجية لدعم نظام معزول دوليًا ويواجه انهيارًا داخليًا؟