يبدو اقتران كلمتي “إبادة” و”سياحة” أمرًا غير محتمل، ومع ذلك، جعلت “إسرائيل” من هذا النشاط واقعًا ملموسًا على مدار عقود من حروبها التي شنتها على قطاع غزة، وتجلى ذلك النوع من السياحة بشكل أكثر وضوحًا في عدوانها المستمر منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي جعلت من مشاهده المروعة مصدرًا مدرًا للأموال الملطخة بدماء الفلسطينيين ووسيلة للتربح القائم على معاناتهم المستمرة.
السياحة في زمن الحرب
قد يُفاجأ الشخص العادي بوجود نشاط سياحي يتغذى على الموت والدمار والكوارث، ومع ذلك، هناك اتجاه مقلق يتمثل في سفر الناس إلى الأماكن الأكثر حزنًا في العالم مثل مواقع الهجمات العسكرية ومناطق الحرب والكوارث ومقابر الموتى، فيما يُعرف بـ”السياحة المظلمة” أو “السياحة السوداء”.
صاغ هذا في عام 1996 اثنان من أكاديميي إسكتلندا، جون لينون ومالكولم فولي، في كتاب “السياحة المظلمة: الانجذاب إلى الموت والكوارث”، واليوم، أصبحت هذه النوعية من السياحة ظاهرة، ولها موقعها الإلكتروني الخاص ومرشدين سياحيين مخصصين، ويزور الناس هذه الأماكن للحزن أو لتذكر وتكريم الموتى، لكنهم في بعض الأحيان يريدون فقط النظر، وفي أحيان أخرى يريدون الاستمتاع بآلام الآخرين.
ولإعطاء فكرة عن نطاق هذه النوعية من السياحة المقرونة في كثير من الأحيان بالمجازر والإبادة الجماعية، تجتذب رواندا اليوم 30 ألف سائح دولي فقط سنويًا، ولكن هذا ليس فقط زيادة كبيرة بعد ما يقرب من عقد من الزمان من وصول أعداد ضئيلة من السياح، بل إن العديد من هؤلاء السياح يزورون النصب التذكارية للإبادة الجماعية التي وقعت عام 1994، وخاصة النصب التذكاري للإبادة الجماعية في كيغالي والنصب التذكاري لكنيسة نتاراما.
وبحلول أوائل تسعينيات القرن العشرين، كان نحو نصف مليون سائح يزورون موقع معسكر اعتقال أوشفيتز (أكبر وأسوأ معسكرات الاعتقال في العصر النازي) سنويًا، ويتجاوز مستوى الزيارات اليوم المليون زائر سنويًا، كما يزور الناس منذ فترة طويلة أماكن مثل موقع برجي التجارة العالمية اللذين دمرهما هجوم الحادي عشر من سبتمبر، وسجن جزيرة روبن حيث قضى نيلسون مانديلا وآخرون سنوات عديدة، ومؤخرًا محطة تشرنوبل النووية بأوكرانيا.
ووفقًا لموقع “دارك توريزم” أو “السياحة السوداء” فإن السياح الذين يزورون أو يفكرون في زيارة المتاحف والنصب التذكارية للحرب، بما في ذلك جدار برلين عند زيارة عاصمة ألمانيا والنصب التذكاري لهجمات 11 سبتمبر، هم سائحون مظلمون، حتى لو لم يعرفوا ذلك بعد، ووفقًا لمسح أجري عام 2022، زار 82% من الأمريكيين وجهة واحدة على الأقل من وجهات السياحة المظلمة في حياتهم.
وهناك وجهات أكثر حداثة، مرتبطة بالحروب النشطة والعدوان، لكن لا يوجد موقع آخر يتجلى فيه هدف الاستمتاع بآلام الآخرين من هذا الشكل الأكثر تطرفًا من أشكال السياحة المظلمة في “إسرائيل”، فعلى مدى أشهر، كانت المعابد والاتحادات اليهودية من جميع أنحاء العالم ترعى رحلات تأخذ مؤيديها في جولات إلى جنوب “إسرائيل” على بعد كيلومترين فقط من الانفجارات المدوية التي تهز غزة.
تحمل هذه الجولات التي تستمر لأيام متتالية أسماءً مختلفة، لكن بعض الشركات الإسرائيلية تطلق عليها “جولات التضامن”، مثل منظمة “StandWithUs” التي تقول إنها “تدعم إسرائيل في جميع أنحاء العالم”، وتتقاضى 8600 دولار لكل مشارك لزيارة مواقع السابع من أكتوبر، وهي مخصصة في المقام الأول لأولئك القادمين من خارج “إسرائيل”، ومعظمهم من الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، مع وجود قائمة انتظار من اليهود الحريصين على الانضمام للجولات التي تنظمها.
في فبراير/شباط الماضي، راقبت المراسلة مايا روزن العديد من هذه الجولات للوقوف على هذه الظاهرة الغريبة، ورصدت حافلات السياح التي تصل إلى مستوطنة كفر عزة يوميًا تقريبًا، وتصطف على أطراف مواقع هجمات حماس، التي كان من بينها موقع مهرجان سوبر نوفا للموسيقى الذي أقيم في منطقة زراعية جنوبي “إسرائيل”، والذي امتلأ الآن بالنصب التذكارية لمئات الإسرائيليين الذين قتلوا واختطفوا هناك، في محاولة للعب دور الضحية، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الأماكن ستصبح وجهات جديدة “للسياحة المظلمة”.
وهناك تجارب أخرى مماثلة معروضة، بما في ذلك زيارة المستوطنات، ومستشفيات لجنود الاحتلال المتعافين، و”ساحة الرهائن” في تل أبيب، حيث تمكن السياح من دخول أحد أنفاق المقاومة الذي يبلغ طوله 30 مترًا، وتم تجهيزه بصوت انفجارات محيطة من القتال في الأعلى لمحاكاة تجربة الأسرى الإسرائيليين، وبالتالي شيطنة مسلحي حماس الذين تسللوا عبر الحاجز الذي يفصل قطاع غزة عن “إسرائيل”، وأثبتوا كم يبدو الهجوم على “إسرائيل” سهلًا.
في أثناء وجودهم بالأراضي المحتلة، لا يقوم هؤلاء السياح – الذين تنتمي الغالبية العظمى منهم إلى يهود الشتات في الولايات المتحدة، على الرغم من أن آخرين جاءوا من أوروبا وأمريكا الجنوبية وأستراليا وجنوب إفريقيا وكندا – بجولة في مواقع السابع من أكتوبر فحسب، بل يلتقطون كل لحظة تقريبًا، ويصورون المباني أو يبثون مقاطع فيديو يتحدثون فيها مباشرة، ويعبرون أيضًا عن دعمهم من خلال زيارة جنود الاحتلال المصابين والمجتمعات التي تم إخلاؤها، وتعبئة أو طهو الطعام في القواعد العسكرية، وقطف المنتجات من المزارع في الأراضي المحتلة.
ما تخفيه سياحة المجازر
حتى الآن، شارك عشرات آلاف اليهود في رحلات إلى “إسرائيل” بدأت العديد من المجموعات اليهودية في التخطيط لها بعد أسابيع فقط من السابع من أكتوبر، واستقدمت رحلات مماثلة أيضًا صهاينة مسيحيين من الولايات المتحدة وأماكن أخرى، حتى بدا أن “السياحة في زمن الحرب لم تكن بهذا الحجم من قبل”، كما قال موظف في وزارة السياحة الإسرائيلية لـ”يديعوت أحرنوت“.
ويأتي بعض المشاركين اليهود من الخارج من خلال معابدهم أو اتحاداتهم المحلية، بينما تتلقى بعض هذه الرحلات تمويلًا من “إسرائيل”، وتركز بعضها على جلب المؤثرين والصحفيين والسياسيين أو المانحين، وينضم آخرون إلى البعثات التي تنظمها شركات السياحة الإسرائيلية القائمة أو المنظمات الصهيونية الكبرى مثل الصندوق القومي اليهودي الذي أسهمت أنشطته في تهجير الفلسطينيين وإرساء دعائم مشروع الاستيطان الإسرائيلي على أرض فلسطين.
وبالنسبة لأولئك الذين لا يستطيعون القيام بالرحلة إلى “إسرائيل”، هناك تجارب الواقع الافتراضي المتاحة، بما في ذلك جولة “غلاف غزة 360” الواقعية، وهو مقطع فيديو مدته 35 دقيقة، يُعرض باللغتين الإنجليزية والعبرية، ويوجه المشاهدين حول المجتمعات الإسرائيلية التي تعرضت للهجوم في 7 أكتوبر، كما تدعو إحدى منصات سرد القصص الزوار إلى مجموعة مختارة من الجولات ثلاثية الأبعاد للمنازل التي استهدفتها حماس، وكأن ما فعله الاحتلال بعد السابع من أكتوبر من قتل وتجويع وتدمير لم يحدث.
وعلى الرغم من النزيف الاقتصادي المستمر الذي أصاب مختلف القطاعات الإسرائيلية منذ ذلك الحين، وافقت حكومة الاحتلال في سبتمبر/أيلول الماضي على اقتراح من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بإنفاق 86 مليون دولار على مشروعات تتعلق بإحياء ذكرى السابع من أكتوبر والحرب متعددة الجبهات التي اندلعت منذ ذلك الحين.
وفي لحظة من الاستهجان الدولي المتزايد لـ”إسرائيل”، تسعى المجموعات المختلفة التي تقف وراء هذه الجولات إلى أن تشجع هذه الرحلات اليهود في الشتات على التجمع حول “إسرائيل” التي فرض عليها سلوكها في الحرب على غزة عزلة إجبارية وتراجع شرعيتها دوليًا، ويبدو أنهم يرون أن إظهار ندوب السابع من أكتوبر لليهود في الشتات أمر ضروري لتعزيز دعمهم للهجوم الإسرائيلي الوحشي على غزة.
ومن ناحية أخرى، تقدم البعثات للجاليات اليهودية وسيلة لجمع مبالغ كبيرة من المال لـ”إسرائيل”، حيث يطلب بعض مقدمي الرحلات من المشاركين التبرع للحملة السنوية لاتحادهم المحلي بالإضافة إلى دفع رسوم الرحلة، وقد أوضح متحدث باسم الاتحادات اليهودية في أمريكا الشمالية في مارس/آذار الماضي أن هذا كان أحد الأسباب التي جعلت المنظمة قادرة على جمع أكثر من 783 مليون دولار لـ”إسرائيل” منذ السابع من أكتوبر 2023.
كان “أوشفيتز” أحد أكبر معسكرات الاعتقال الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية
وبعيدًا عن الاهتمام بجمع الأموال، ومن خلال التوقف عن التفكير في السابع من أكتوبر واستبعاد عواقبه، تعمل الجولات على ترسيخ التركيز على اليهود كضحايا، ورفض النظر إلى “إسرائيل” باعتبارها الجاني وراء معاناة الفلسطينيين، وفي هذه العملية، تعطي هذه الجولات انطباعًا زائفًا بتعزيز شعور يهود الشتات بالتماهي مع “إسرائيل”.
واستكشف الباحثون الطرق التي يمكن بها لزيارة مثل هذه المواقع أن تكون أيضًا “وسيلة لتأكيد وإعادة إنتاج هويات معينة”، فزيارة النصب التذكاري لهجمات 11 سبتمبر – الذي اجتذب 37 مليون شخص بين افتتاحه في عام 2011 و2018 – يمكن أن تعزز شعور الأمريكيين بالوطنية، حتى في مواجهة الحروب الطويلة والقاتلة التي أعقبت ذلك، ويمكن لزيارة شواطئ نورماندي أن تلهم الفخر ليس فقط بانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، لكن أيضًا بالنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الذي أنتجته.
وبالنسبة للرحلات التي تلت السابع من أكتوبر، فإنها تدمج أهداف هذه الظاهرة مع نوع آخر من السياحة المعتمدة على مشاهدة المعالم السياحية والتنقل على مدى أيام بين المناطق والمدن الفلسطينية المحتلة من حيفا والقدس وجبل مسعدة والبحر الميت وغيرها بينما يُمنع الفلسطينيون من التحرك في أرضهم، ويعتمد برنامجها على البعد السياحي لرواية كذبة حق الإسرائيليين في الأرض وطمس وإخفاء حقيقة أن للأرض أصحابًا هُجروا منها بالقتل والإرهاب الإسرائيلي.
في مثال بارز على ذلك، جلبت منظمة “بيرث رايت إسرائيل” أو “الحق بالولادة في إسرائيل” ما يقرب من مليون شاب يهودي إلى “إسرائيل” منذ عام 1999، عبر رحلات سياحية مجانية بعنوان تعليمي هدفها تكريس واقع الاحتلال وسرقة الأرض، وربط اليهود الشباب في العالم بـ”إسرائيل”، ليصبحوا في المستقبل مدافعين عن الاحتلال أو مسوقين للرواية الإسرائيلية في العالم، بينما يُضيق على الفلسطينيين لقبول صفقة القرن والتخلي عن هويته والمطالبة بحقه في أرضه.
وفي حالة الموجة الحالية مما تسمى “جولات التضامن”، ربما يكون أقرب ما يشبه ذلك هي الجولات التي يقوم بها الشباب اليهود الأمريكيين ليس إلى “إسرائيل” بل إلى معسكرات الموت في العهد النازي في بولندا، وتنتهي دائمًا تقريبًا برحلة إلى “إسرائيل”، وهو ما يربط رمزيًا بين رواية الهولوكوست والحاجة المزعومة للأمان الذي توفره “إسرائيل”، التي فشل جيشها في مهمته الأساسية، وهي حماية الإسرائيليين، وما زالت تلاحقها اتهامات بالفشل الذي بدا للإسرائيليين والعالم أكثر من هجوم حماس نفسه.
وعلى غرار أشكال سابقة من “السياحة المظلمة” اليهودية، يبدو أن بعثات التضامن الحالية تهدف إلى طمأنة المشاركين بأنهم قادرون على دعم “إسرائيل”، حتى في حين تواجه “إسرائيل” اتهامات بموجب القانون الدولي بأن هجومها على غزة يشكل إبادة جماعية، تستمر الجولات في تقديم الرواية بأن الإسرائيليين، واليهود الذين يزورونهم، هم ضحايا الإبادة الجماعية.
والواقع أن هذه الجولات تترافق مع أصوات انفجارات مدوية قادمة من قطاع غزة، حيث يتوالى سقوط القنابل الإسرائيلية على بعد أقل من ميل واحد، ويتصاعد الدخان في أرجاء غزة، ويتردد صدى نيران المدفعية عند السياج الذي يفصل مستوطنة كفر عزة عن قطاع غزة، بينما يتجاهل السياح التدمير الإسرائيلي المستمر للقطاع، والذي أسفر حتى الآن عن مقتل أكثر من 44 ألف فلسطيني وإصابة 105 آلاف آخرين.
وبينما تتعرض غزة للتدمير الوحشي بلا هوادة، أطلقت منظمة إسرائيلية مبادرة مثيرة للجدل تحت عنوان “سياحة الإبادة الجماعية”، وتقوم على تنظيم رحلات بحرية أُطلق عليها اسم “سياحة الإبادة الجماعية”، وتسمح للمشاركين بمشاهدة الدمار والقصف المستمر على غزة من مسافة بعيدة، استعدادًا لاحتلال أرض الفلسطينيين الذين يُقتلون ويتضورون جوعًا حتى الموت.
كانت مشاهد جولات القوارب الإسرائيلية المزعجة جزءًا من فيلم وثائقي بثته قناة “تي آر تي” التركية، وكشف أن أفراد المجموعة السياحية، التي ضمت أطفالًا صغارًا بالإضافة إلى عضو في البرلمان الإسرائيلي، الكنيست، كانوا يناقشون تقسيم غزة إلى مستعمرات مستقبلية، ويروجون لمفهوم “إسرائيل الكبرى”، وقد شوهدوا وهم يسخرون من الدمار المروع في غزة بسبب القصف الإسرائيلي، بينما يشيرون إلى المناطق التي يهدفون إلى احتلالها.
تقرير مروع جداً .
مستوطنون إسرائيليون يقدمون جولات بالقوارب قبالة سواحل غزة، لمشاهدة قصفها والتعرف على الموقع الذي يخططون لبناء مستوطنات جديدة فيه.
مجتمع تجاوز جميع حدود الوحشية، وعلى تلك الجرائم والإرهاب يربون أطفالهم pic.twitter.com/9PNr560S4z
— Tamer | تامر (@tamerqdh) September 22, 2024
وكشفت مناقشات المنظمات الاستيطانية الرئيسية عن الأهداف المتطرفة لجماعات المستوطنين، التي تعرب علانية عن ضرورة طرد أو قتل الفلسطينيين، فقد تم تصوير دانييلا فايس، رئيسة حركة المستوطنين اليمينية المتطرفة “ناحالا”، وهي تقدم ادعاءات إبادة جماعية حول مستقبل المنطقة، وصرحت: “من الآن فصاعدًا، ستكون غزة يهودية تمامًا”.
وقبل أيام قليلة، أصبحت هذه القيادية المتطرفة التي تقود الجهود لإعادة الاستيطان في شمال غزة، موضع تحقيق لقيامها بقيادة جولة على الجانب الإسرائيلي من السياج الحدودي لغزة مع زملاء لها، انتهت بعبورها الحدود، ودخولها إلى عمق القطاع بشكل غير قانوني بمساعدة جنود إسرائيليين، لمسح المواقع المحتملة للمستوطنات اليهودية والاستفادة من الوجود العسكري في غزة لتوطين اليهود هناك تدريجيًا، بعد سنوات من عملها على تأسيس مستوطنات يهودية في الضفة الغربية، وتورطها في أعمال عنف ضد الفلسطينيين، ما دفع كندا إلى فرض عقوبات عليها وعلى ناشطين آخرين من اليمين المتطرف.
عندما يلقى قصف غزة تصفيقًا
هذا الشكل المرعب من السياحة المتخفية ليس جديدًا، فكثيرًا ما ترافق مع الحروب التي تشنها “إسرائيل” على قطاع غزة، فعندما أطلق الاحتلال عملية أسماها “الجرف الصامد” في يوليو/تموز 2014، كان أغلب سكان مستوطنة سديروت التي تقع على بعد أقل من ميل من حدود غزة، يعيشون في رعب مع حلول الظلام، ويحاولون البقاء في منازلهم بمأمن من وابل صواريخ حماس التي ردت بمعركة “العصف المأكول”، لكن كان هناك صورة مختلفة على تلة صغيرة على مشارف المستوطنة المقامة في 1951 على أراضي قرية نجد الفلسطينية المهجرة، هذا المكان غَّير الجو المخيف إلى ما يشبه الحفلة.
Never forget the hilltops cinemas, Israelis enjoy watching bombs drop on Gaza from front-row seats. #GazaUnderAttack pic.twitter.com/E55H8UKdck
— Ramy Abdu| رامي عبده (@RamAbdu) May 20, 2021
وخلال 51 يومًا من المواجهة، انتشرت صور لمجموعات من الإسرائيليين يجلسون أعلى قمم التلال المطلة على الأراضي الفلسطينية، ويسجلون بهواتفهم الذكية الانفجارات أو يلتقطون صور سيلفي مبتسمين على خلفية من الدخان الأسود، ويشاهدون بمرح القنابل التي تنهمر على القطاع على بعد أميال قليلة في مشهد مروع وصفه مراسل صحيفة “كريستليجت داجبلاد” الدنماركية في الشرق الأوسط آلان سورينسن الذي نشر صورة على “تويتر” بـ”سينما سديروت”.
Sderot cinema. Israelis bringing chairs 2 hilltop in sderot 2 watch latest from Gaza. Clapping when blasts are heard. pic.twitter.com/WYZquV62O7
— Allan Sørensen (@allansorensen72) July 9, 2014
التقطت هذه الصور في نفس الوقت تقريبًا الذي قتلت فيه ضربة جوية إسرائيلية ما لا يقل عن 8 فلسطينيين، وهم جالسون على كراسي بلاستيكية مماثلة في مقهى على شاطئ البحر في غزة، في انتظار مشاهدة نصف نهائي كأس العالم بين الأرجنتين وهولندا، وبحلول انتهاء الحرب، شن جيش الاحتلال أكثر من 60 ألف غارة على القطاع، أسفرت عن استشهاد 2322 فلسطيني و11 ألف مصاب.
This is the Fun Times Cafe, where Palestinians were killed watching the world cup on the beach. pic.twitter.com/66mhQ2UIhH
— Yousef Munayyer (@YousefMunayyer) July 10, 2014
وبينما أثار الصحفي الدنماركي غضبًا عارمًا على “تويتر”، واتهمه بعض أنصار “إسرائيل” بـ”التلفيق”، فإن نفس المشاهد التقطها العديد من الصحفيين الآخرين، من بينهم نيكولاي كراك، الذي كتب: “لقد تحوَّل التل المظلم إلى شيء يشبه الصف الأمامي من مسرح حرب الواقع، حيث يوفر رؤية مباشرة لقطاع غزة المكتظ بالسكان”، ووصف المشهد بقوله: “سحب الزوَّار كراسي التخييم والأرائك إلى أعلى التل، وجلس العديد منهم يتناولون الفيشار، بينما كان آخرون يدخنون الشيشة ويتحدثون بمرح، وعندما تضيء سماء الليل بوميض قوي وتهتز الأرض بعد بضع ثوان في أعقاب الغارات الجوية، تنطلق الهتافات على التل، يليها تصفيق حار”.
🌟WATCH & CLAP & CHEER for
🌟BOMBING of GAZA at a place called
🌟SDEROT CINEMA where
🌟Israeli Zionists bring chairs to hilltop
🌟to watch, cheer and laugh while
🌟innocent children are inevitably
🌟bombed.
As Reported in the NEW YORK TIMES, as if it’s completely normal:… https://t.co/wwaoRaVrec pic.twitter.com/qc0vladzoR
— MarsMcCarthy (@Kittengamer33) October 20, 2023
في الواقع، لم تكن هذه المشاهد حينها جديدة على هذا المكان، فقد تم توثيق مشاهد مماثلة لزوار إسرائيليين تجمعوا على أرض مرتفعة فوق غزة، أطلق المعارضون عليها اسم “تل العار”، لمشاهدة الدمار أدناها، في أثناء الحرب على غزة (2008-2009) التي استخدم خلالها الاحتلال أسلحة محرمة دوليًا مثل الفسفور الأبيض واليورانيوم المنضب، وأطلق أكثر من ألف طن من المتفجرات، وأسفرت عن استشهاد 1400 فلسطيني وإصابة 5450 آخرين، منهم أكثر من 400 طفل و240 امرأة.
وعلى مدار 23 يومًا من العدوان الإٍسرائيلي على غزة، تحول تل باراش من بقعة جميلة يقصدها الزوار للتنزه والاستمتاع بالمناظر الرائعة إلى مصدر جذب لنوع مختلف تمامًا من الزوار الفضوليين الذين لا يأتون للاستمتاع بالزهور أو أصوات الطيور، ولكن من أجل رؤية بانورامية مذهلة للقصف الإسرائيلي المستمر على غزة، بينما يستمتعون بالمشروبات الغازية والكحولية والوجبات الخفيفة.
هؤلاء الزوار الذين يأتون من أجل الإثارة، كانوا يراقبون، بمناظير وعدسات تكبير، طائرات “إف 16″ وهي تحلق عبر السماء، مخلفة إشارات ضوئية، قبل إطلاق صواريخها على مباني القطاع، وفي بعض الأحيان يتردد صدى صوت نيران المدفعية، وبعد بضع ثوان يرتفع عمود آخر من الدخان وسط المباني السكنية المزدحمة، وتهاجم طائرات الهليكوبتر من طراز أباتشي أهدافًا غير مرئية.
مع مرور الوقت، تحول هذا المشهد الوحشي إلى شيء من الترفيه، ففي أبريل/نيسان 2018، وتزامنًا مع انطلاق مسيرات العودة الكبرى، كان الإسرائيليون يجلسون فوق برج مراقبة في مستوطنة ناحال عوز على حدود غزة، ويلوحون ويهتفون بينما أطلقت قوات الاحتلال النار على المتظاهرين الفلسطينيين، في مشهد شبهه المنتقدون على وسائل التواصل الاجتماعي بـ”سينما خارجية”.
ההצגה הכי טובה בעיר. תושבי נחל עוז ביציע pic.twitter.com/OJ3PEcoyHq
— nir dvori (@ndvori) April 6, 2018
بالنسبة لهؤلاء الذين لا يقلقون بشأن المدنيين الفلسطينيين الذين وقعوا في القصف، فإن مشهد الحرب لا يتعلق بالنضال من أجل السلام، فالكثير منهم يعيشون على بعد عشرات الأميال من سديروت الواقعة ضمن مدى الصواريخ التي تطلقها في غزة، وبعضهم يقومون بهذه الرحلة جنوبًا لأيام متتالية أو على فترات متباعدة للبحث عن الإثارة في قصف غزة من مسافة قريبة.
ووفقًا لأستاذة العلوم السياسية بجامعة تل أبيب، تامار هيرمان، فإن “المشهد على التل في سديروت يصور أيضًا سمة من سمات المجتمع الإسرائيلي، الذي يتميز عمومًا بعقلية الضحية، التي تميل إلى رؤية الطرف الآخر في الصراع باعتباره الشر المطلق، إنهم أشخاص أكثر حيلة ولكن أيضًا أشخاص لا يعرفون ماذا يعني العيش تحت القصف المستمر في الجنوب”.