التحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجه الحكومة الفلسطينية الجديدة

انتهت مراسم تأدية اليمين القانونية للحكومة الفلسطينية الـ18 الجديدة برئاسة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد أشتية أمام الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله.
حاول أشتية إضفاء طابع التنوع الفصائلي داخل الحكومة بمشاركة “فدا” وجبهة النضال الشعبي وحزب الشعب الفلسطيني وجبهة التحرير العربية وجبهة التحرير الفلسطينية مع حركة فتح، لكن الحقيقة أن وجود الفصائل السابقة باستثناء حركة فتح داخل المجتمع الفلسطيني وفق نتائج انتخابات عام 2006 – آخر انتخابات ديمقراطية – لا يتعدى 3% تقريبًا، أي أن غالبية التشكيل الحكومي لم يخرج عن إطار حركة فتح بعد رفض الفصائل الكبرى مثل حماس والجبهتين الشعبية والديمقراطية إضافة للمبادرة الوطنية المشاركة في الحكومة الجديدة.
وفي الوقت الذي اعتبر فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن أمام الحكومة الجديدة تحديات صعبة أهمها صفقة القرن، وصفت حماس في بيان لها الحكومة الجديدة بالانفصالية وأنها خطوة عملية لتنفيذ صفقة القرن.
قدمت الحكومة الجديدة خطابًا إيجابيًا فيما يتعلق بفك الارتباط الاقتصادي بالاحتلال الإسرائيلي وتعزيز الإنتاج المحلي
أما منسق الأمم المتحدة الخاص بعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، فقد رحب بتشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة برئاسة أشتية قائلًا: “نتطلع للعمل مع أي تكوين فلسطيني لأجل وقف الكارثة الإنسانية والاقتصادية والسياسية”.
ستقدم هذه المادة معالجة للتحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجه الحكومة القادمة، بعيدًا عن السياق السياسي التي وضعت فيه.
هل ينجح الانفكاك الاقتصادي؟
قدمت الحكومة الجديدة خطابًا إيجابيًا فيما يتعلق بفك الارتباط الاقتصادي بالاحتلال الإسرائيلي وتعزيز الإنتاج المحلي، وفق خطاب أشتية الذي قال فيه: “سنعمل على التحرر من تبعية عملة الشيكل الإسرائيلي إلى عملة مشفرة أو رقمية مثلًا، سننقل المواطن من الاحتياج إلى الإنتاج، أوقفنا التحويلات الطبية إلى “إسرائيل”، وفتحنا الباب إلى الدول العربية”.
ووفق رأفت صالح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، فإن مهام الحكومة الجديدة تنفيذ قرارات المجلس الوطني والمركزي المتعلقة في مسألة العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية خصوصًا بعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وتحديد العلاقة مع “إسرائيل” في مسألة وقف التنسيق الأمني والانفكاك الاقتصادي.
نقل الاحتلال الإسرائيلي والمجتمع الدولي أعباء السلطة على السلطة دون سيطرة على المعابر ولا حركة التصدير والإيراد، لذلك سيبقى مفهوم الإنتاج معوقًا
الانفكاك الاقتصادي لا يمكن له أن ينجح بأي حال طالما يسيطر الاحتلال الإسرائيلي على المعابر الداخلية والخارجية، وحركة التصدير الخاصة بعملية الإنتاج القادمة، ومن الجدير بالذكر أن جغرافيا العمل في الضفة الغربية تنقسم لثلاث مناطق، الشمال وهو مرتبط بالاحتلال الإسرائيلي من ناحية العمالة في الداخل المحتل، والجنوب في محافظة الخليل وضواحيها وهو مرتبط بحالة الإنتاج وإعادة الإنتاج لمشاريع صغيرة كصناعة الأحذية والجلود وإعادة صناعة منتجات للاحتلال، أما الوسط فهو مركزية المؤسسات للسلطة وغالبية العمالة فيها تعتمد على مؤسسات السلطة والمنظمات غير الحكومية، ما يعني أن أجرة العامل قبل انفكاك الارتباط الاقتصادي ستكون أفضل بأضعاف المرات من بعد الانفكاك لو نجح.
الحكومة الفلسطينية
بالنسبة لقطاع الإنتاج الداخلي تجدر معرفة أن فلسطين منطقة فقيرة بالموارد الطبيعية من المياه والثروات، لذلك سيكون التركيز على قطاع الخدمات أو الصناعات الخفيفة، ما يعني أن الحاجة كبيرة للاستيراد والتصدير، وقد نقل الاحتلال الإسرائيلي والمجتمع الدولي أعباء السلطة على السلطة دون سيطرة على المعابر ولا حركة التصدير والاستيراد، لذلك سيبقى مفهوم الإنتاج معوقًا ونجاحه محدود، فمن الممكن أن يحقق نجاحات ضيقة في قطاع التكنولوجيا فقط، أما من الناحية الزراعية كتصدير الورود والفراولة والطماطم والأفوكادو أو المنتجات التي عليها طلب في الساحة الأوروبية والعربية، فإن تكلفة استهلاكها للمياه أكبر من تكلفة إنتاجها في ظل أزمة مياه تعاني منها الأراضي الفلسطينية، وسرقة الاحتلال لمصادر المياه الفلسطينية، لذلك سيظل مفهوم الإنتاج معوقًا لأنه بني على خطأ منذ نشأة أوسلو ولم تنجح السلطة في إنشاء مناطق صناعية مستقلة لها.
في المسألة الأمنية.. ارتباط وثيق بكيان السلطة
يشن الاحتلال الإسرائيلي حربًا على آخر الموارد المالية للسلطة الفلسطينية وهي إيرادات المقاصة الخاصة، فدون أي اتفاق مسبق اقتطع الاحتلال الإسرائيلي 182 مليون شيكل من أموال المقاصة التي ترفض السلطة استلامها بدعوى أنها تذهب إلى عوائل الشهداء والأسرى الفلسطينيين وأنها أموال إرهابية، لكن صرح الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد إنهاء تأدية الحكومة يمينها الدستورية بشأن مسألة وقف التطبيع حيث قال: “لا تطبيع مع “إسرائيل” إلا بعد إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، “إسرائيل” الدولة المحتلة تنهب أرضنا ومواردنا الطبيعية، هدف “إسرائيل” من احتجاز أموالنا ووقف أمريكا لمساعداتها الضغط علينا”.
المقاربة الأمنية التي يتبعها الاحتلال الإسرائيلي لإيرادات المقاصة تكشف صعوبة الانفكاك الاقتصادي بعيدًا عن السيادة والانفكاك الأمني
تشكل إيرادات المقاصة68.6% من إيرادات السلطة، وهي الضرائب التي يجبيها الاحتلال الإسرائيلي نيابة عن وزارة المالية الفلسطينية من السلع الواردة للسلطة من الخارج، وتبلغ بمتوسط شهري 188مليون دولار، يقتطع الاحتلال منها 3% بدل جباية، وقرر الاحتلال الإسرائيلي خصم 11.3 مليون دولار من إيرادات المقاصة كإجراء على تخصيص السلطة الفلسطينية مستحقات للمعتقلين وعوائل الشهداء، ما انعكس سلبًا على رواتب الموظفين العموميين حيث تقلص راتبهم إلى النصف، وقد رفضت السلطة الفلسطينية استلام أموال المقاصة من الاحتلال الإسرائيلي مخصومًا منها أي مبالغ غير متفق عليها مسبقًا، مما أدى لخطوات اقتصادية صعبة اتخذتها السلطة أهمها اعتزامها على اقتراض مبلغ60 مليون دولار وعلى مدار 6 شهور من البنوك المحلية، مما سيزيد الدين الخاص على الحكومة القادمة.
المقاربة الأمنية التي يتبعها الاحتلال الإسرائيلي لإيرادات المقاصة تكشف صعوبة الانفكاك الاقتصادي بعيدًا عن السيادة والانفكاك الأمني، وهنا يمكن القول إن السلطة لا تستطيع الانفكاك عن التنسيق الأمني الذي انحصر بشكل مرتب مع الأجهزة الأمنية والاستخبارات الإسرائيلية، لكن الحديث في الآونة الأخيرة كثر عن ضرورة وقف التنسيق الأمني الذي ما زال مستمرًا ما يعني تولد حالة من المقاومة تعتبرها السلطة فوضى في الوقت الحاليّ، وهو ما سيجعل الاحتلال الإسرائيلي يزيد من ضغوطاته على السلطة التي لا تملك أي أوراق ضغط حتى الآن.
التحدي الأمني بشأن طبيعة وقف التنسيق الأمني هو خطوة مرتبطة ببقاء السلطة وتهدد وجودها
التحدي الاقتصادي المتمثل في السيادة على المعابر وحركة الصادرات والواردات والموارد المالية المحدودة للسلطة الفلسطينية في ظل عدم تشكيل شبكة أمان مالي عربي للسلطة للحفاظ على سيادتها بعيدًا عن ضغوطات الاحتلال سيكون العائق الأهم للحكومة القادمة التي ستظل مشلولة ومعوقة مثل سابقاتها من الناحية المالية في ظل غياب السيادة الاقتصادية.
أما التحدي الأمني بشأن طبيعة وقف التنسيق الأمني هو خطوة مرتبطة ببقاء السلطة وتهدد وجودها، ففي حالة وقف التنسيق الأمني ستتشكل حالة من المقاومة بعيدًا عن قدرة السلطة على ضبطها مما سينتهي دور وجودي بالنسبة للاحتلال بنظرته للسلطة، قد تتوافق مع قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخير بأن “الضفة الغربية تخضع للسيادة الإسرائيلية” الذي رحب به رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي الحاليّ بنيامين نتنياهو يعني أن الدور المؤقت للسلطة مرهون بالحالة الأمنية في الضفة.