تتسارع الأحداث في الشمال السوري، في اليوم الخامس من انطلاق عملية “رد العدوان” التي بدأت صباح يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، ومع تهاوي الخطوط الدفاعية الأولى لقوات النظام السوري وصلت قوات المعارضة السورية إلى حلب، وعادت للمرة الأولى لتصل شرق المدينة بغربها بعد انسحاب المعارضة منها أواخر العام 2016.
تقاطرت الأرتال العسكرية لقوات المعارضة ليكون أول أمس الجمعة 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، يوم “تحرير حلب” ودخول الجامع الأموي وساحة سعد الله الجابري وإسقاط تمثال باسل الأسد.
وترافق الإعلان عن دخول حلب المدينة مع سيطرة الفصائل على سجن حلب المركزي، وسط أنباء تفيد بنقل المساجين إلى مكان آمن، إضافةً إلى السيطرة على مطار كويرس، حيث وُجدت فيه منظومة دفاع جوي ورادار كان النظام يعدّه كسلاح جو يهدد الطيران التركي، إلى جانب السيطرة على كلية المدفعية والأكاديمية العسكرية في منطقة الراموسة، إحدى قلاع النظام العسكرية.
العمليات الجارية دفعت الأسد إلى سحب قواته نحو مدينة حماة ومناطق جنوب حلب، والتنسيق مع قوات “قسد”، حيث قام بتسليمها بعض أحياء حلب مثل الأشرفية، الشيخ حديد، وبستان الباشا، إضافة إلى “مطار حلب الدولي”، قبل أن تتمكن قوات المعارضة من طرد القوات الكردية منه والسيطرة عليه.
بالتزامن مع العمليات العسكرية لدخول حلب كانت المعارضة تخوض معارك عنيفة أيضًا بريف حلب الغربي، إلا أن 36 ساعة من المعارك كانت كفيلة بالسيطرة على كامل الريف، واعتباره منطقة عسكرية مغلقة إلى حين إكمال وحدات المعارضة المختصة عمليات نزع الألغام وتأمينها من مخلفات الحرب، لتؤمّن عودة عشرات آلاف العائلات إلى منازلهم التي نزحوا عنها منذ أربع سنوات.
محور إدلب
على محور ريف إدلب الشرقي استطاعت فصائل المعارضة السورية أمس السبت 30 نوفمبر/تشرين الثاني السيطرة على مدينة سراقب الواقعة على تقاطع الطريق الدولي (حلب-دمشق) و(حلب- اللاذقية)، بعد تطويقها من عدة قرى محيطة، لتكون في عهدة مقاتلي المعارضة بعد أربع سنوات من دخول قوات النظام والميليشيات الإيرانية وتدمير أغلب أحيائها التي تميزت بألوان فن الغرافيتي وعبارات التآخي، لا سيما أنها استقبلت آلاف المهجرين قسرًا القادمين من حمص ودرعا والغوطة.
استكمالًا لعلميات تأمين الريف الجنوبي والشرقي لإدلب، دخلت قوات المعارضة عدة قرى كان أهمها: جرجناز وتلمنس وأبو الضهور ومطارها العسكري ومدينتي معرة النعمان وخان شيخون.
ويعد مطار أبو الضهور ثاني أكبر مطار عسكري لإقلاع الطيران الحربي في شمال سوريا، بعد مطار تفتناز وفيه أكثر من عشرين بلوكوس كمرابط للطيران الحربي وعدة مدرجات خاصة بإقلاعها، عملت قوات النظام على إمداده بكتائب مدفعية ومدافع ميدانية كانت تستخدمها قوات النظام في قصف المناطق المحررة،
كما يعد أول قاعدة عسكرية احتلتها قوات النظام في محافظة إدلب شتاء 2018 رغم الخسائر الكبيرة التي منيت بها، وبعد سيطرة قوات المعارضة عليه في 2015، لأهمية موقعه كونه يمتد على مساحة 16 كيلومترًا مربعًا، وتوسطه ثلاث محافظات هي: حماة وحلب واللاذقية، إلى جانب اعتباره مدخلًا للبادية السورية من جهة الشرق.
أما معرة النعمان، فهي أكبر مناطق إدلب والتي يمر من منتصفها طريق (إم 5) الدولي الذي يربط حلب وإدلب بمحافظات حماة وحمص ودمشق، وليس موقع المعرة الجغرافي هو ما يميزها فقط، بل عمر المدينة الممتد لآلاف السنين كونها مسقط الشاعر الفيلسوف أبي العلاء المعري وقربها من آثار إيبلا التاريخية، إضافة إلى معالم المدينة الأثرية البارزة كـ”خان مراد باشا”، قبل أن يشرد النظام أهلها المشهورين بصناعة الفسيفساء والموازييك الحديثة، ويحولها بعد دخوله إليها عام 2020 إلى مدينة أشباح متناثرة الأسواق والمباني لم يعد فيها إلا جدران متهالكة مصبوغة ببعض الشعارات اليتيمة الثورية.
أما مدينة خان شيخون فقد شهدت ثاني أكبر مجزرة بالأسلحة الكيماوية حين قصفتها قوات النظام بغاز السارين عام 2017، قبل السيطرة عليها بعامين في انتهاك لتفاهمات أستانا واتفاق سوتشي بين الأطراف الضامنة. ولموقع خان شيخون ميزة جغرافية وتاريخية كونها نقطة وصل بين ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، كما أنها مأهولة منذ العهد البيزنطي دون انقطاع وتضم معالم أثرية.
تسارع تحرير الكثير من المدن والقرى وسّع خريطة معركة “ردع العدوان” فتم السيطرة على كامل محافظة إدلب وريف حلب الغربي وأجزاء واسعة من مدينة حلب، كما وصلت قوات المعارضة إلى مشارف مدينة حماة مساء أمس السبت، وهي المدينة الكبرى الثانية التي تدخلها فصائل المعارضة خلال أقل من 48 ساعة، بعد حلب.
وبعد بسط السيطرة على قرى وبلدات ريف حماة أهمها منطقة مورك الاستراتيجية الواقعة على الطريق الدولي “M5” الواصل بين حلب والعاصمة دمشق، وعلى جبل زين العابدين، أصبح المجال مفتوحًا أمام تقدم المعارضة نحو حي الأربعين قلب مدينة حماة بعد 11 عامًا.
لكن وصول قوات المعارضة إلى مشارف مدينة حماة أجبر النظام على حشد قواته من مختلف التشكيلات العسكرية التي تجمعت في المدينة وأعلنت استعدادها للقتال، مما دفع قوات المعارضة إلى الانسحاب الجزئي. مع ذلك، واصلت المعارضة توسيع سيطرتها في الريف الشمالي، حيث أعلنت سيطرتها على جبل شحشبو الذي يضم أكثر من 20 قرية. يمتد الجبل على مساحة جغرافية جبلية تربط بين ريفي حماة الشمالي الغربي (الجزء الأكبر) وإدلب الجنوبي الغربي، مما يمهد الطريق، خلال الساعات القادمة، للوصول إلى مدينة قلعة المضيق.
محور الشرق
في شرق حلب، حيث تتقاسم السيطرة قوات النظام وقوات “قسد”، أعلنت المعارضة السورية عن إطلاق عملية “فجر الحرية”. وأفاد الجيش الوطني بأن قواته تمكنت من الالتقاء مع فصائل معركة “ردع العدوان” بعد إحكام السيطرة على مدخل حلب الشرقي. بالتزامن، شنت الفصائل المعارضة هجمات عنيفة على محوري “تل رفعت” و”منغ” الخاضعين لسيطرة “قسد”، وسط تقهقر واضح لقوات الأخيرة بعد تحرير المعارضة لعدة قرى وبلدات محيطة بتل رفعت.
وعلى محور تادف تمكنت قوات “فجر الحرية” من تحرير 20 قرية وبلدة في ريف حلب، أهمها: بلدة تادف بوابة معبر أبو الزندين الذي أدى لانقسامات عسكرية واعتصام مدني خريف العام الجاري، إبان محاولة تركيا آنذاك التقدم بمسار التطبيع مع النظام، كما تم تحرير الفوج 111 والكلية الجوية، ومطار كويرس العسكري، والذي تعني السيطرة عليه قطع طريق حلب- الرقة الدولي.
محور الجنوب السوري
ومن الشمال إلى الجنوب السوري وتحديدًا في درعا، فقد نشر “تجمع أحرار حوران”، بيانًا يدعو فيه إلى شن عمليات عسكرية ضد الحواجز والنقاط الأمنية في حال عدم انسحابها من درعا، قبل أن تشن مجموعات محلية هجمات على قوى النظام، ما أدى إلى سقوط قتلى وانشقاق عدد من العناصر، لترد قوات النظام بقصف بلدة سلمين ومحيطها بعشرين قذيفة هاون، ما أدى إلى سقوط جرحى بين المدنيين ونزوح آخرين إلى خارج البلدة.
وفي في محافظة السويداء التي تعيش حراكًا شعبيًا سلميًا منذ أكثر من عام، شهدت مدينتها استهداف مسلحين فرع المخابرات الجوية بقذيفة صاروخية بعد سماع أصوات إطلاق نار وسط المدينة، وسط حالة استنفار أمني مكثف.
كما دعم حكمت الهجري الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز ما يجري في الشمال السوري قائلًا: “اليوم في خضم هذه الأحداث المتسارعة وخاصة السيطرة على مناطق حلب وإدلب وأجزاء من حماة، نحن كموحدين نؤكد دعمنا المطلق لحق أصحاب الأرض في العودة إلى أراضيهم واستعادة حقوقهم المشروعة. نؤمن بأن سوريا يجب أن تكون لجميع أبنائها دون تمييز أو إقصاء، مع احترام مبادئ الحرية والكرامة”.
وأضاف الهجري: “نوجه دعوة صادقة لجميع الأطراف لتجنب أي عمليات انتقامية، سواء ضد المدنيين أو العسكريين. مثل هذه الأفعال لن تؤدي إلا إلى تعميق الجراح وتعطيل جهود السلام والمصالحة الوطنية”.
وفي المقابل وجه رئيس النظام السوري، بشار الأسد، رسالة مبطنة إلى تركيا خلال اتصال مع بادرا غومبا القائم بصلاحيات الرئيس في جمهورية أبخازيا، واعتبر أن “الإرهاب لا يفهم إلا لغة القوة وهي اللغة التي سنكسره ونقضي عليه بها أياً كان داعموه ورعاتُه”.
كما اعتبر الأسد أن “الإرهابيين لا يمثلون لا شعباً ولا مؤسسات يمثلون فقط الأجهزة التي تشغلهم وتدعمهم”.
وكان الأسد أجرى اتصالًا هاتفيًا مع رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، الذي أبدى استعداد بغداد لتقديم كل الدعم لسوريا في “مواجهة الإرهاب”، كما شدد في اتصال مع رئيس الإمارات، محمد بن زايد، على أن سوريا مستمرة في الدفاع عن استقرارها ووحدة أراضيها في وجه من قال إنهم “كل الإرهابيين وداعميهم”.