ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما كنتُ في المدرسة الثانوية، أرسلت رسالة إلكترونية إلى مؤلفي الكتب المدرسية التي استخدمناها حتى أتمكن من طرح أسئلة على أساتذتي بشكل أفضل. وقد قضيت ساعات طويلة في الحديث مع المسؤولين عن أنظمة الكمبيوتر في الجامعة حول الشبكات. وقد بدأت بالبحث عبر الإنترنت عن العديد من الفصول الدراسية التي تبيّن أننا أجرينا خلالها محادثات قوية مقارنة بتلك التي كانت في قاعات الدرس. وعندما كنت مراهقًا، كانت المؤتمرات الأولى التي حضرتها تتمحور حول مجتمعات القائمين على الشبكات الإلكترونية الذين أصبحوا فيما بعد مرشدين وزملاء.
لا أستطيع أن أتخيل كيف كانت ستكون حياتي دون إنترنت، إذ أن لهذه الشبكة الفضل في كل ما تعلمته، وفي الالتقاء بالكثير من الأشخاص الذين أثروا في حياتي. لذلك، أنا ملمّ بشكل كبير بالطرق التي يمكن من خلالها للإنترنت والألعاب الإلكترونية والعديد من التكنولوجيات الناشئة استغلال الأطفال وتجاربهم.
في الواقع، ساهم مسلسل الأطفال التلفزيوني الأمريكي، شارع سمسم، جنبا إلى جنب مع شخصية إلمو، في إنشاء مقاطع فيديو تحتوي على كرات لتعليم الألوان، وقد أدى هذا الأمر إلى انتشار سلسلة من المقاطع التي تشد انتباه الأطفال في ظل وجود محتوى غريب يروّج لقيم اجتماعية أو تعليمية مثيرة للريبة. وقد تتخللها أشياء تبدو وكأنها محتوى ولكنها، في الحقيقة، شكل من أشكال الدعاية “لبلاي-دو”.
يهدف مشروع القانون إلى دفع المواقع، على غرار يوتيوب وفيسبوك، للتحكم في الخوارزميات حتى لا تقدم سيلا متدفقا من المحتوى الذي يروج للمنتجات التجارية
يتجلّى ظهور المحتوى التجاري الموجه للناشئين في توظيف الأطفال المؤثرين على موقع يوتيوب، وهو ما يؤكد منح العلامات التجارية التي تستخدم موقع يوتيوب “ضمانة إضافية لحماية الأطفال”. فضلا عن ذلك، أثار التسويق المكثف غضب العديد من الآباء. وكنتيجة لذلك، يقوم حاليا السيناتور إد ماركي، وهو من المدافعين عن حماية خصوصية الأطفال على المواقع الإلكترونية منذ فترة طويلة، برعاية مشروع قانون جديد لتوسيع نطاق “قانون حماية خصوصية الأطفال على الإنترنت”، والذي سيوفّر بموجبه الحماية للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و15 سنة، ناهيك عن حظر مقاطع الفيديو التسويقية على مواقع الإنترنت التي تستهدف الأطفال.
يهدف مشروع القانون إلى دفع المواقع، على غرار يوتيوب وفيسبوك، للتحكم في الخوارزميات حتى لا تقدم سيلا متدفقا من المحتوى الذي يروج للمنتجات التجارية. في المقابل، يبدو أن الأمر معقد إلى حد ما. ففي الوقت الراهن، يمثل الأطفال علامات تجارية قائمة بحد ذاتها، كما أنهم يملكون خطوط إنتاج خاصة بهم. ومن هذا المنطلق، يُعتبر الخط الفاصل بين التعبير عن الذات والتأييد غير واضح بشكل كامل، كما أنه يساهم في خلق خلط بين اللوائح التنظيمية التقليدية والتعريف.
في سياق متصل، أدى هذا الشرط إلى دفع الأطفال إلى الانخراط في هذه المواقع بشكل سري، حيث يمكنهم بسهولة عدم التصريح بالعمر الحقيقي أو استخدام حساب صديق. وتشير الأبحاث والتجارب اليومية إلى أن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 13 سنة يستخدمون يوتيوب وفيسبوك على نطاق واسع، وأن من يرْعوْنهم، بما في ذلك الآباء، غالبا ما يكونون متورطين في السماح لأطفالهم بالتمادي في هذا الأمر.
يعتبر حظر الأطفال من المنصات المفتوحة اقتراحا مستبعدا ويصعب تنفيذه، ولكن ما يزال من غير الواضح ما إذا كان يمثل أفضل حل بالنسبة لهم
بطبيعة الحال، لا يعني ذلك أن الآباء لا يشعرون بالقلق إزاء الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الشاشات. فقد استجابت شركتيْ غوغل وفيسبوك لمخاوف الآباء، وذلك من خلال تخصيص “مساحات” متاحة للأطفال فحسب على يوتيوب وماسنجر. لكن هذه الحلول السياسية والتقنية تتجاهل حقيقة أن الأطفال يتوقون إلى التواصل مع الشباب الأكبر سنا وخبراتهم الناضجة، وأن التفاعل في سن مختلطة أمر ضروري لتعلمهم ونموّهم.
وعموما، يعتبر حظر الأطفال من المنصات المفتوحة اقتراحا مستبعدا ويصعب تنفيذه، ولكن ما يزال من غير الواضح ما إذا كان يمثل أفضل حل بالنسبة لهم. ومن الممكن أن يؤدي مشروع القانون الجديد هذا إلى الإضرار بالنظام، على غرار الجهود الأخرى التي بُذلت في الماضي، لا سيما “قانون الاحتيال وإساءة استخدام الكمبيوتر” الصارم.
اعتبر هذا القانون، الذي كُتب بعد سنة من إصدار فيلم “مناورات”، أن القائمين عليه قد ارتكبوا جناية لخرقهم شروط خدمة من خدمات الإنترنت، حيث يمنع هذا القانون الصحفي الاستقصائي من مراجعة السيناريو واختباره على موقع فيسبوك للتأكد من أن الخوارزمية كانت تنفّذ ما هو مطلوب. ويتطلب تنظيم هذه التقنيات اتباع نهج متعدد التخصصات يضم خبراء قانونيين وسياسيين واجتماعيين وفنيين يعملون عن كثب مع هذه الصناعة والحكومة والمستهلكين من أجل جعلها تعمل بالطريقة المطلوبة.
غالبا ما يكون الأطفال عرضة للمخاطر في الكنائس والمدارس ومراكز التسوق والحدائق العامة والأماكن التي يختلط فيها الأطفال بالبالغين
بالعودة إلى التعقيد الذي تنطوي عليه هذه القضية، لسائل أن يسأل: هل تتمثّل الطريقة الوحيدة لحماية الأطفال في استبعادهم من عالم الإنترنت المخصص للبالغين؟ وهل يمكن تطويع الخوارزميات لتخدم أهدافا مفيدة، على غرار التعلم، ونشر محتوى ذو جودة عالية، والتواصل الإيجابي بين الأجيال؟ تجدر الإشارة إلى أن البحث عن الطرق التي من شأنها تحسين هذه المنصات وتوفير الفرح والمشاركة الإيجابية والتعلم والمجتمعات الصحية للأطفال والعائلات لا تحظى بنفس القدر من الاهتمام مقارنة بالجدل القائم حول القيود المفروضة.
غالبا ما يكون الأطفال عرضة للمخاطر في الكنائس والمدارس ومراكز التسوق والحدائق العامة والأماكن التي يختلط فيها الأطفال بالبالغين. وحتى في حال حدوث أضرار وإساءة في حق الأطفال، يغيب الحديث عن إغلاق الحدائق والكنائس، ولا يقع منع الأطفال من ارتياد هذه الأماكن المختلطة. فضلا عن ذلك، لا يُطلب من الآباء تقييم المخاطر ولا يقع إجبارهم على منح ترخيص كتابي عند ذهاب الطفل إلى أماكن تجارية مفتوحة، على غرار المراكز التجارية أو متاجر البقالة.
نحن نحمّل قيادة هذه المؤسسات المسؤولية بهدف حثها على وضع معايير إيجابية ومعاقبة المسيئين. وكمجتمع، نحن ندرك جيدا أن الفوائد المتأتية من هذه المؤسسات تفوق بكثير الأضرار التي تحدثها. واستنادًا إلى دراسة مكثفة أجراها الاتحاد الأوروبي حول استعمال الأطفال للإنترنت، جادلت الباحثة في مجال التواصل، سونيا ليفينستون بأن الولوج إلى الإنترنت يعتبر أحد الحقوق الأساسية للأطفال. وأشارت ليفينستون إلى وجود نسبة متساوية من المخاطر والفرص: “فكلما أكثر الأطفال من استخدام الإنترنت، كلما اكتسبوا المزيد من المهارات الرقمية ومهارات القراءة والكتابة، إلى جانب المزيد من الفرص. ولكن يبقى الجزء الأصعب بالنسبة لصانعي السياسات يتمثّل في تنامي المخاطر التي يواجهها الأطفال بسبب الإنترنت.
يهتمّ المسؤولون عن توفير الرعاية للأطفال بتنظيم ومراقبة وقت استخدام الشاشة على حساب التركيز على كيفية التفاعل بإيجابيّة مع اهتمام الشباب بالإنترنت
غالبا ما يضرّ منع الأطفال من استعمال المصادر المفتوحة على الإنترنت، بالشباب المستضعفين، على غرار ذوي الاحتياجات الخاصة أو أولئك الذين يفتقرون إلى الموارد المالية. وفي هذا الإطار، أنشأت “أوتوكرافت”، وهي منصّة إلكترونيّة تمكّن الشباب المصابين بالتوحد من تكوين الصداقات عبر وسيط، وهي طريقة تواصل قد أفضل من التفاعلات المباشرة.
بينما كنت أعمل على كتابة العمود الأخير حول الشباب والوقت الذي يقضونه أمام الشاشة، أجريت بعض المحادثات مع أختي، ميمي إيتو، التي تدير مختبر التعليم المتصل في جامعة كاليفورنيا في إيرفين. وتناقشنا حول كيفيّة تسبب هذه المشكلات والدعاية المغلوطة حول الشاشات في خلق علاقات غير صحيّة بين من يوفّر الرعاية وأطفالهم، بسبب محاولتهم تنظيم أوقات مشاهدة الأطفال للشاشات ومراقبة المحتوى الذي يتصفّحونه.
في الواقع، يهتمّ المسؤولون عن توفير الرعاية للأطفال بتنظيم ومراقبة وقت استخدام الشاشة على حساب التركيز على كيفية التفاعل بإيجابيّة مع اهتمام الشباب بالإنترنت. وفي هذا السياق، يحتوي كتاب ميمي الأخير الذي يحمل عنوان “التقارب عبر الإنترنت: كيف يحفّز التواصل والمصالح المشتركة التعلّم”، على أنواع مجتمعات الإنترنت من مختلف الأعمار، والتي توضح كيف يمكن للشباب التعلّم من أقرانهم ومن خبراء الإنترنت البالغين.
غالبًا ما يكون الشباب مسؤولين عن إنشاء المجتمعات الرقميّة، وفرض المعايير، والحرص على أن يكون المحتوى ذو جودة عالية. وكانت “هوجورتس أت رافيلري” إحدى الحالات التي درستها راشيل كودي فيستر، في أطروحة الدكتوراه الخاصة بها في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، حول منصة إلكترونيّة للفنون الجميلة، أسسّتها فتاة تبلغ من العمر 10 سنوات وتضّم مجموعة من محبي هاري بوتر.
تمثّل بعض مجموعات الإنترنت التابعة لمنصّة “ريديت” على غرار موقع “أر/أووو” الذي يقدّم محتوى خاصا بالحيوانات اللطيفة، مساحات حيوية للتواصل بين الأجيال
ومن هذا المنطلق، تعدّ “هوجورتس أت رافيلري” واحدة من بين العديد من مجتمعات التعلّم المجانيّة من مختلف الأشكال والأحجام عبر الإنترنت، والمتاحة أمام عدّة الأجيال. ويمثّل مركز الأبحاث الصحافية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، الذي أعمل فيه، ومقرّه “سكراتش”، مشروعا أنشأته مجموعة “لايف لونغ كيندر غاردن”، يُعنى بتوفير مساحة آمنة وخلاّقة وصحية أمام ملايين الشباب، للعمل على البرمجيات الإبداعية.
تمثّل بعض مجموعات الإنترنت التابعة لمنصّة “ريديت” على غرار موقع “أر/أووو” الذي يقدّم محتوى خاصا بالحيوانات اللطيفة، مساحات حيوية للتواصل بين الأجيال. ومثلما هو الحال مع “سكراتش”، تزدهر هذه المجتمعات الضخمة بفضل المبادئ التوجيهية الصارمة الخاصة بالمحتوى، والخوارزميات المطوّرة لدعم هذه المعايير.
فضلا عن ذلك، يعدّ اليوتيوب مصدرًا ممتازًا للمحتوى الخاص بالتعلم واكتشاف اهتمامات جديدة، ولكن يكمن التحدي في تمكين الجميع من الاستفادة من المنصات التجارية المجانية، على غرار يوتيوب، سواء كانوا من الشباب أو المجتمعات الفرعية من مختلف الأجيال ذات القواعد والمعايير المحددة. ونحن في حاجة إلى أن نكون على وعي بأن الشباب سيطّلعون على المحتوى التجاري وسيتواصلون مع الأفراد البالغين على الإنترنت، وبالتالي يجدر بنا إيجاد طرق أفضل لتنظيم وتحسين المنصات لخدمة المشاركين من مختلف الأعمار.
يكمن الحلّ في التركيز على اهتمامات الشباب واحتياجاتهم وسماع آرائهم، وعدم إبعادهم عن المنصات الإلكترونيّة والخوارزميات، وهو ما دفعني إلى العمل على إجراء أبحاث حول حقوق الخوارزميات وحماية الأطفال، بمساعدة كل من شقيقتي وزميلنا وعالم النفس التنموي، كانديس أودجرز.
أعتقد أن المسؤوليّة تقع على عاتق مطوري هذه التقنيات لتصميمها وفق أدلة علمية ومشاركة عامة الناس. ولا يمكننا تكليف الكيانات التجارية بمهمة تطوير وتوجيه منصات التعلم والمجتمعات الإلكترونية اليوم
نحن نأمل، من خلال هذا العمل، في إثارة نقاشات حول العديد من القضايا في ظل وجود مجموعة واسعة من أصحاب المصالح للظفر بإجابات لبعض الأسئلة من قبيل: كيف يمكننا إنشاء رابط بين المنصات الجديدة التي تنظّمها الخوارزميات ومصمميها والمجتمع المدني؟ كيف يمكننا حثّ يوتيوب وغيره من المنصات على أن يُشبه أكثر منصّة “سكراتش”، وأن تكون مصمّمة لتخدم مصلحة الشباب وأن يكون الهدف من تطويرها، هو التعلم والاستكشاف وتقديم محتوى ذو جودة عالية؟ هل يمكن للإنترنت أن تدعم نظامًا من المنصات المصممة خصيصًا للشباب والمجتمعات المتكوّنة من مختلف الأعمار، التي تمكّن الأطفال من التعلم من بعضهم البعض في بيئة آمنة، ومن خلال التواصل مع البالغين والتعلّم منهم؟
إنني أدرك مدى أهمية أن يكون للأطفال علاقات تتجاوز عالمهم الصغير وتكون أكثر تنوّعا. وأعتقد أن المسؤوليّة تقع على عاتق مطوري هذه التقنيات لتصميمها وفق أدلة علمية ومشاركة عامة الناس. ولا يمكننا تكليف الكيانات التجارية بمهمة تطوير وتوجيه منصات التعلم والمجتمعات الإلكترونية اليوم. كما لا يمكننا أيضا إغلاق هذه المنصات أو منع الأطفال من إنشاء علاقات ومعارف على الإنترنت من شأنها أن تكون مفيدة بالنسبة إليهم.
المصدر: وايرد