في العصر الذي من المفترض أنْ تكون فيه المرأة قد حقّقت الكثير من الإنجازات والإمكانيات في تحقيق العدالة لها في شتى مجالات الحياة، إلا أنه لا تزال وسائل منع الحمل وتنظيم الولادة تثير الكثير من الأسئلة والنقاشات حول قضايا العدل والمساواة. فحتى الآن وحين تفكيرنا بموضوع الصحة الجنسية وتحديد النسل، لا يزال الحِمل الأكبر -إنْ لم يكن كلّه- يقع على عاتق المرأة وحدها دون الرجل.
ربّما تتبادر إلى ذهنك الصورة التالية الآن: المرأة هي التي تتذكّر أخذ حبوب منع الحمل، وهي التي يجب أنْ تكون يقظة حتّى لا تفوّتها، وهي التي تبادر دومًا في إجراء الفحوصات الروتينية وأخذ المواعيد عند الأطّباء. وفي الجهة المقابلة، يكفي للرجل أنْ يعرب عن عدم رغبته بالإنجاب أو بتأجيل موضوع الحمْل ثمّ يترك الباقي على المرأة لتقوم بما يجب أنْ تقوم به، وفي معظم الحالات لا يكون الرجل ملمًّا بالموضوع أو مهتمًّا به حتى.
لا يمكننا أبدًا أنْ ننكرَ الدور البارز والكبير الذي لعبته حبوب ووسائل منع الحمل في تحسين حياة المرأة منذ ستّينات القرن الماضي، إذ منحتها قدرةً أكبر على التحكّم بحياتها وتنظيمها دون أنْ تخسر أسرتها أو ووظيفتها. لكن، وبعد ما يقارب الستين عامًا على هذا التغيّر المهمّ، لا يزال دور الرجل في هذه النقطة محاطًا بالكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام، لا سيّما مع محاولات النساء المستقلّة لإيجاد بدائل للحبوب والهرمونات والتي لم تثبت نجاعتها كثيرًا مقارنةً بالوسائل الحديثة.
كثير من النساء يبلغن عن آثار جانبية لحبوب منع الحمل، ولكن قوبلت أصواتهنّ بالتجاهل على مرّ سنوات طويلة
وحين نسأل أنفسنا لماذا تقع هذه المسؤولية الكبيرة على عاتق المرأة وحدها، قد يكون الجواب الأكثر وضوحًا وبساطةً هو أنّ النساء معرّضات لخطر الحمل العرَضي غير المرغوب به، ما يحتّم عليهنّ أنْ يكنّ أكثر وعيًا وانتباهًا لنشاطهنّ الجنسيّ واستخدامهنّ لوسائل الحماية المتوفرة. لكنّنا نعلم يقينًا أنّ هذه ليست القصة الكاملة أو الزاوية الوحيدة للموضوع.
مجتمعات أبويّة وعلوم قائمة على الازدواجية والانحياز
لنفهم هذه النقطة جيّدًا، قد يكون علينا البدء بهذه القصة. عام 2008، قدّم عدد من الباحثين والأطبّاء أدلةً تشير إلى وصولهم إلى وسيلة جديدة يمكن لها أنْ تمنع الرجال من إنتاج حيواناتٍ منويّة ليصبحوا قادرين على الانخراط في منع الحمل وتنظيمه. تقوم الآلية بالأساس على حقن جسم الرجل بهرمونيْ التستوستيرون والبروجستيرون بطريقةٍ معيّنة. لكنّ المشكلة بدأت حينما أبلغ المشاركون بالدراسة عن حبّ الشباب وآلام العضلات واضطرابات المزاج والاكتئاب وزيادة الدافع الجنسيّ لديهم جرّاء التجربة.
تجاهل دور الرجل في منع الحمل ما هو إلّا دليلٌ آخر على ازدواجية العلم والأبحاث الطبّية التي ترى في جسد المرأة فرصةً للتجارب والتطبيقات دونًا عن غيره
مع حلول عام 2011، دفعت الشكاوى المتزايدة عن تلك الأعراض الأربعة لجنةَ مراجعة السلامة إلى إيقاف التجربة وإنهاء جمع البيانات وتحليل النتائج. لكنّ الغريب في الموضوع أنّ أكثر من 75 في المائة من الرجال المشاركين في التجربة أكّدوا على أنّهم راضون عن الحقن وسيستمرون في استخدامها إذا كانت متوفرة.
أدّى قرار وقف الدراسة إلى رد فعلٍ عنيف عند مجموعة من الباحثين والأصوات النسوية التي رأت أنّ إيقاف التجربة وتجاهل دور الرجل في منع الحمل ما هو إلّا دليلٌ آخر على ازدواجية العلم والأبحاث الطبّية التي ترى في جسد المرأة فرصةً للتجارب والتطبيقات دونًا عن غيره، مستشهدين بالأدّلة على أنّ وسائل منع الحمل التي تستخدمها النساء قد ترتبط أيضًا بالاكتئاب واضطرابات المزاج وآلامٍ في الجسم وغيرها من الآثار الجانبية ومجادلين بأنّ الرجال يتمتّعون بالحماية من العواقب السلبية التي تُجبر النساء على قبولها.
وفي الواقع، تشعر العديد من النساء بأنّ الآثار الجانبية التي ذكرتها التجربة السابقة تبدو بسيطةً جدًّا عند مقارنتها بآثار حبوب منع الحمل التي يأخذنها. تشمل تلك الآثار القلق وزيادة الوزن والغثيان والصداع وأوجاع في الثدي والعضلات وانخفاض الرغبة الجنسية وزيادة ضغط الدم. كما تمّ ربط تلك الحبوب أيضًا بزيادة خطر حدوث بعض الحالات الصحية الخطيرة مثل تجلّط الدم وسرطان الثدي.
سنضطر إلى الانتظار قرابة عقدٍ من الزمان حتى تصبح حبوب منع الحمل الذكورية متوفّرة في الأسواق
ومع ذلك، لا تزال العديد من المحاولات لإشراك الرجال في العملية قائمة، أظهرت إحداها انخفاضًا ملحوظًا في العديد من الآثار الجانبية التي سجّلتها المحاولات القديمة، مثل الاكتئاب وحبّ الشباب وزيادة الرغبة الجنسية. لكنّ الخبر غير السارّ ربّما هو أنّنا سنضطر إلى الانتظار قرابة عقدٍ من الزمان حتى تصبح تلك الوسائل متوفّرة في الأسواق العالمية.
يُبدي القائمون على البحث وتطوير الحبوب تفاؤلهم بمدّة العشر سنين تلك، مشدّدين على أنّهم ملزمين بإجراء دراسات مطوّلة ومركّزة للتأكد من أنّ وسائل منع الحمل الذكورية آمنة وفعالة وقابلة للتطبيق قبل طرحها في الأسواق. وعلى الرغم من أنّنا لا يمكن تقبّل ازدواجية العلم والطب بالتعامل مع جسديْ الرجل والمرأة، إلّا أنّنا في الوقت نفسه لا يمكننا أنْ ننكر أنّنا ننتظر اللحظة التي يصبح فيها كلا الشريكين مسؤولًا عن الصحة الجنسية ومنع الحمل حتى إذا احتاج أحدهما إلى أخذ استراحة من موانع الحمل الخاصة به، أمكنَ للآخر أخذ المسؤولية على عاتقه.
هل تستطيع المرأة إيجاد بديلٍ؟
لا تقتصر وسائل منع الحمل عند النساء على الحبوب فقط. هناك 13 وسيلة مختلفة، منها غطاء عنق الرحم والعوازل الأنثوية وحقن الهرمونات واللولب الرحمي. في الآونة الأخيرة، ظهرت حركة نسوية تدعو إلى العودة لبعض الطرق القديمة التي كانت متبعة لمنع الحمل، وذلك لرغبتهن في الابتعاد عن الحبوب المانعة أو أية وسائل حديثة أخرى لأعراضها الجانبية.
تعرّف الحركة نفسها باسم “الوعي بالخصوبة” وتقوم فكرتها الأساسية على وعي المرأة بجسمها لتستطيع تتبّع علامات الخصوبة التي يمكن لها ملاحظتها مثل، درجة حرارة الجسم الأساسية ومخاط عنق الرحم وموقع عنق الرحم بشكلٍ أساسيّ، وآلام الثدي والتبويض. جميع تلك العلامات تحتاج متابعة مركّزة ووقتًا طويلًا حتى تتمكن المرأة من فهم جسدها وكيفية عمله وتفاعلاته وتغيّراته، وهذا يفسّر لنا عدم شيوع هذه الأساليب وشهرتها.
تدعو حركة الوعي بالخصوبة إلى وعي المرأة بجسمها لتستطيع تتبّع علامات الخصوبة التي يمكن لها ملاحظتها مثل، درجة حرارة الجسم الأساسية ومخاط عنق الرحم وموقع عنق الرحم
فعلى سبيل المثال، تتطلّب طريقة مخاط عنق الرحم من المرأة ملاحظة التغييرات في المادة المخاطية الذي يفرزه عنق الرحم بشكلٍ طبيعيّ إلى المهبل. تتغيّر كمّية تلك المادة وكثافتها وقت الإباضة، ويحدث ذلك في فترة الأيام القريبة من موعد الإباضة في ما يقارب 98% من الحالات. وبكلماتٍ أخرى، تمرّ المرأة في 6 أيّام من الشهر تكون فيها إفراز المادة المخاطية في عنق رحمها بأعلى مستوىً له. كما يمكنها ملاحظة أنّ قبل موعد الإباضة يكون المخاط زلقًا وكثيفًا يمكن أنْ تشعر به المرأة. أمّا بعد ذلك يجفّ عنق الرحم وينغلق وتشعر المرأة بجفافه.
وبنفس الطريقة، تستطيع المرأة تتبّع درجة حرارة جسدها للتحكّم بخصوبتها. كيف يتمّ ذلك؟ ابدئي بقياس درجة حرارتك وتسجيلها صباحًا بشكلٍ يوميّ ولمدة شهرين إلى ثلاثة شهور على الأقل. هناك الكثير من التطبيقات الهاتفية التي تدعم ذلك. ثمّ لاحظي التغيرات. بشكلٍ عام، تحدث الإباضة عندما تظل درجة الحرارة الأعلى ثابتة لمدة ثلاثة أيام أو أكثر.
قد لا يكون الأمر بسيطًا البتة، لا سيّما وأنه يحتاج وقتًا تستطيعين فيه مراقبة التغيرات الحاصلة في المخاط ودرجة حرارة جسدك في أيّام الشهر جميعها لتتمكّني من تحديد أيّام الخصوبة. وممّا لا شكّ فيه أنّ هذه الأساليب هي الأقلّ نجاحًا، إلّا أنّ البعض يرى أنّ الالتزام والدقّة في مراقبة الجسم وقياس التغيّرات التي تحدث فيه يمكن أنْ يحمي المرأة من الحمل.