بدأ عشرات الملايين من الناخبين في إندونيسيا الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، في أكبر انتخابات تجرى في يوم واحد بالعالم، حيث يتنافس الرئيس الحاليّ جوكو ويدودو – الشهير باسم جوكوي – مع الجنرال السابق برابوو سوبيانتو على الرئاسة، وكان صعبًا ظهور مرشحين آخرين فانحصرت المنافسة بين برابوو والرئيس جوكو.
انتخابات اليوم الواحد
تعد الانتخابات التي تجري اليوم الأربعاء 17 من أبريل/نيسان، أكبر اقتراع تشريعي ورئاسي يتنافس فيه نحو ربع مليون مرشح على مقاعد مجالس النواب والشيوخ ومئات المجالس التشريعية للأقاليم والمحافظات والمدن، وبعد حملة انتخابية استمرت 6 أشهر فتح 800 ألف مركز اقتراع أبوابه أمام نحو 192 مليون شخص يحق لهم التصويت، للإدلاء بأصواتهم على مدى 8 ساعات فقط.
لم يسبق أن كان للمعارضة خلال العقدين الماضيين روافد تأييد من حراك شعبي يسعى للتغيير بهذا الزخم
ومن أبرز ملامح الانتخابات الرئاسية عودة المعارِض برابوو سوبيانتو إلى مواجهة الرئيس الحاليّ جوكوي للمرة الثانية، لكن المواجهة شرسة هذه المرة مقارنة بعام 2014 في ظل تشكل تيار معارض تتوسع حشوده يؤيد سوبيانتو ويتمايز عن التحالف الحاكم بشكل غير معهود منذ عقدين، وظهر ذلك في تجمعات يصعب على حزب لوحده حشدها، ليس في جاكرتا وحدها، بل في مدن جاوا وسومطرة وغيرههما.
ولم يسبق أن كان للمعارضة خلال العقدين الماضيين روافد تأييد من حراك شعبي يسعى للتغيير بهذا الزخم، وقد توجه بتأييده لمرشح تحالف المعارضة الوطنية والإسلامية برابوو سوبيانتو العسكري المتقاعد الذي يخوض غمار التنافس الرئاسي للمرة الثالثة، ويرافقه في الترشح لمنصب نائب الرئيس رجل الأعمال ساندياغا صلاح الدين أونو الذي فاز بمنصب حاكم جاكرتا عن المعارضة قبل عامين.
أما في الانتخابات التشريعية فيتنافس 245 ألف مرشح، يتوزعون على 16 حزبًا سياسيًا على 575 مقعدًا في البرلمان، حيث يؤيد ائتلاف من 8 أحزاب ويدودو بجانب حزبه (الحزب الديمقراطي الإندونيسي للنضال) مقابل 5 أحزاب أخرى تدعم سوبيانتو، كما تتنافس 4 أحزاب إقليمية مستقلة من إقليم آتشيه ذاتي الحكم شمال غربي البلاد.
سوبيانتو يدلي بصوته في مدينة بوغور
وقبل انطلاق موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية انشغل الساسة وعامة الناس بكثير من الأخبار والتفاصيل المثيرة للقلق والجدل بشأن إجراء الانتخابات، وما يحيط بها من ترتيبات الاقتراع الورقية أو الإلكترونية، لكن ذلك ليس سوى واحد من إشكالات يدور الجدل حولها، فقد قدمت المعارضة تحقيقًا مطولاً في سجل الناخبين وما تراه من وجود 17 مليون اسم فيه ينطوي على أخطاء بيانية مما قد يسهل استخدامها في أي محاولة تلاعب، وهو ما نفته مفوضية الانتخابات، ويرتبط بذلك إشكال تعدد جهات الإحصاء الحكومية إلى جانب التحذير من أي اختراق محتمل للمنظومة الإلكترونية للانتخابات.
وانضم ما يقارب 350 ألفًا من أفراد الشرطة والجيش إلى 1.6 مليون من قوات الأمن المتمركزة في أنحاء البلاد المؤلفة من 17 ألف جزيرة لتأمين التصويت، غير أن انتشار الأخبار الكاذبة بصورة كبيرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي قد يكون له أثر على الناخبين، ومن المتوقع أن يُعرف المرشح الفائز بالرئاسة في ساعة متأخرة من مساء اليوم، لكن النتائج الرسمية قد لا تعلن قبل مايو/أيار المقبل.
حلم الفترة الرئاسية الثانية
عندما فاز بائع الأثاث السابق جوكو ويدودو (57 عامًا) برئاسة إندونيسيا في الانتخابات قبل 5 سنوات بدا أنه يمثل بداية جديدة بعيدًا عن النخب العسكرية والسياسية التي تشبثت بالسلطة منذ سقوط حاكم البلاد القوي سوهارتو الذي حكم إندونيسيا على مدى 32 عامًا من عزل أحمد سوكارنو في عام 1967 حتى استقالته في 1998.
اليوم يخوض الرئيس ويدودو (57 عامًا) رجل الأعمال السابق – الذي بدأ مشواره السياسي قبل نحو 14 عامًا برئاسة بلدية مدينة صغيرة ثم حاكمًا للعاصمة جاكرتا – السباق الانتخابي متسلحًا بسجل إنجازاته، أملاً في إعادة انتخابه منافسًا لسوبيانتو (67 عامًا) الذي فاز عليه الرئيس بفارق 6% فقط من الأصوات عام 2014، وبجانب ويدودو، يترشح نائبه معروف أمين (76 عامًا) الذي يعد من القيادات الدينية البارزة في إندونيسيا، وهو رئيس جمعية العلماء الإندونيسية أعلى هيئة دينية في البلاد.
تشير أغلب استطلاعات الرأي ومؤشرات التصويت إلى أن ويدودو يتقدم بفارق مريح، لكن المعارضة تقول إن التنافس أكثر احتدامًا
كان ويدودو الذي اشتهر بابتسامته البسيطة وجولاته المفاجئة في الأحياء قد وصل إلى السلطة بفضل شعبيته الجارفة التي ولدتها صورة المسؤول طاهر اليد وصاحب الإنجازات التي رسمها لنفسه خلال رئاسة بلدية سولو، ومع ذلك اضطر الرجل المسلم القادم من سولو في وسط جاوة لصد حملات تشويه كانت تتهمه في أثناء صعوده على الساحة السياسية بأنه مناهض للإسلام أو شيوعي أو مدين للصين وكلها اتهامات مسيئة في إندونيسيا ذات الغالبية المسلمة.
كما ورث جوكوي – كما يسميه أفراد الشعب – اقتصادًا خارجًا من فترة ازدهار السلع الأولية، وواجه برلمانًا معرقلاً ومراكز قوى تعارض الإصلاح والشفافية، لكنه عمل بانتظام على تكوين أغلبية في البرلمان، ورغم أنه لم يستطع تحقيق هدف رفع معدل النمو إلى 7% فقد قاد حملة لم يسبق لها مثيل من بناء المواني والمطارات وشق الطرق.
وفي أثناء فترة رئاسته كان ويدودو مكبلاً بتوقعات طامحة أن يتمكن من حل مجموعة من المشاكل القديمة من انتهاكات لحقوق الإنسان في الماضي إلى اقتلاع الفساد المستشري، ورغم ذلك ركز على إنعاش الاقتصاد بتقليص البيروقراطية وتخفيف قواعد الاستثمار، وفي بعض الأحيان كان يواجه خلافات داخل مجلس الوزراء، وأثارت تقلبات في السياسات شكوكًا في قدرته على توجيه فريق العاملين معه في بلد يبلغ عدد سكانه 260 مليون نسمة.
الرئيس جوكو ويدودو يدلي بصوته في إحدى اللجان الانتخابية بالعاصمة جاكرتا
على الصعيد الخارجي بدا ويدودو أكثر تأكيدًا للذات ورفض الدعوات لتخفيف أحكام الإعدام على مهربي المخدرات الأجانب في 2015، الأمر الذي تسبب بالأساس في توتر العلاقات مع أستراليا، كما عقد اجتماعًا لمجلس الوزراء على متن سفينة حربية قبالة جزر ناتونا بعد أن أعلنت الصين وجود مصالح متداخلة لها في منطقة بحرية قريبة منها.
وكانت أصعب فترات رئاسته من 2016 عندما عقدت لقاءات شعبية ضخمة استهدافًا للمواطنين من أصول صينية في جاكرتا وحاكم المدينة المسيحي الذي اتهم بازدراء الأديان، مما رفع حدة التوترات الدينية في إندونيسيا لأعلى مستوى منذ سنوات، واضطر ويدودو أن ينأى بنفسه عن باسوكي بورناما الذي كان في السابق من حلفائه ودخل السجن بتهمة الإساءة للإسلام.
وتشير أغلب استطلاعات الرأي ومؤشرات التصويت إلى أن ويدودو يتقدم بفارق مريح، لكن المعارضة تقول إن التنافس أكثر احتدامًا، في حين قال سوبيانتو في مؤتمر صحفي أمس الثلاثاء إنه يتوقع الفوز بنسبة 63% من أصوات الناخبين، وفي حال الخسارة، حذرت المعارضة من أنها قد تطعن بالنتائج بسبب شوائب في القوائم الانتخابية، ملوّحة حتى بإمكان تنظيم تظاهرات في الشارع، لكن إذا أعيد انتخاب ويدودو يتوقع المحللون بصفة عامة أن يواصل التركيز على الاقتصاد لكنهم يختلفون فيما إذا كانت الوتيرة ستزداد سرعة.
أحزاب علمانية بشعارات دينية
في أرياف جاوا وسومطرة حيث عشرات الآلاف من المعاهد الدينية ذات الملايين من المريدين والخريجين تحتدم معركة الساسة لكسب التأييد، لذلك اضطر جوكوي إلى تغيير صورته الإعلامية سعيًا لكسب أصوات التيار الديني التقليدي، واختار رئيس مجلس علماء إندونيسيا مرشحًا لمنصب نائبه، رغم أن جوكوي ينتمي لحزب معروف بعلمانيته ورفضه السابق للخطاب الديني.
هذا الحزب “النضال من أجل الديمقراطية” معروف أيضًا بمرجعيته العلمانية، وأنه يجمع بين مؤيديه خليطًا من اليساريين والقوميين والليبراليين وعامة العلمانيين، وهؤلاء ظلوا يؤيدون هذا الحزب طوال عقود مضت، بل إن غير المسلمين يشكلون 44% من نوابه في البرلمان المركزي الحاليّ بجاكرتا، وفي ذلك ذلك مجازفة قد تفقد جوكوي نسبة مما صوتوا له في الانتخابات السابقة.
اللافت أن أحزابًا كانت ترفض بشدة كل ما هو ديني في ممارستها السياسية، صارت اليوم تلجأ إلى الشعارات والمظاهر الدينية سعيًا لمزيد من التأييد
“طلع البدر علينا من ثنيات الوداع”، أنشودة سمعها الإندونيسيون في مقطع دعائي للرئيس الحاليّ مع المرشح لمنصب نائبه معروف أمين، وهما يلبسان الزي الديني التقليدي مع عشرات من الشباب والفتيات بحجابهن، مع التركيز أيضًا على مشهد تقدم الرئيس جوكوي إمامًا في الصلاة في أماكن كثيرة، وبُثت هذه الدعاية مع دعايات أخرى قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية التي تُجرى اليوم متزامنة لأول مرة في تاريخ البلاد.
ليس جديدًا أن تستدعي أحزاب إسلامية أو حتى مسيحية إلى الخطابات الدينية في الحياة السياسية، لكن اللافت أن أحزابًا كانت ترفض بشدة كل ما هو ديني في ممارستها السياسية، صارت اليوم تلجأ إلى الشعارات والمظاهر الدينية سعيًا لمزيد من التأييد. اللافت أيضًا أن هذا تقليدًا لأسلوب استخدمه بشكل مختلف فنيًا مرشح المعارضة في انتخابات حكم جاكرتا قبل عامين، ولو كان هناك مرشحون كثر لاختلف مشهد المنافسة الرئاسية برمته.
ويعود التغيير في خطاب الرئيس جوكوي وحزبه بإبراز المظهر الديني إلى ما لاحظه من تأثير الحراك الشعبي الإسلامي المعارض الذي اشتهر باسم حراك الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2016، الذي شهد حشودًا مليونية أسهمت في إسقاط حاكم جاكرتا الأسبق باسوكي تشاهيا بورناما الشهير باسم أهوك ووصوله أخيرًا إلى المحاكمة ثم السجن.
لم يكن سقوط أهوك فقط بسبب تعليقه على احتكام المسلمين لآية كريمة في سورة المائدة في اختيار ساستهم، بل لتراكمات في نفوس المحتجين على أسلوب حكمه وإدارته ولغة خطابه وتعنيفه وصراخه في وجوه بعض الناس والكلمات النابية التي كان يستخدمها أحيانًا في أحاديثه، ولربما ظل حاكمًا لجاكرتا رغم أنه مسيحي ومن ذوي الأصول الصينية، لو خاطب الناس بكلمات هادئة ولما اعترض عليه أحد.
مقطع دعائي للرئيس الحاليّ جوكو ويدودو مع المرشح لمنصب نائبه ورئيس مجلس علماء إندونيسيا معروف أمين
قد يكون من الطبيعي أن تستخدم أحزاب ذات خلفية دينية ألحانًا دينية أو عبارات تخاطب المنطلقات الدينية لمؤيديها، لكن اللافت أن بعض المرشحين من غير المسلمين من أحزاب مختلفة أيضًا يظهرون ببعض المظاهر الدينية الإسلامية كالتهنئة بيوم طلاب المعاهد الدينية من مرشح مسيحي، والتهنئة بذكرى الإسراء والمعراج من مرشحة مسيحية مع لبس الحجاب، رغم أنها ظلت تنتقد التراتيب الإدارية ذات الصبغة الدينية في المحافظات، وهاجمت مصطلحات دينية عديدة في خطاباتها، في حين بدا التخبط واضحًا في إستراتيجيات الدعاية للعديد من المرشحين والأحزاب.
مع اقتراب الانتخابات يتكرر مشهد مجيء الساسة إلى المعاهد الدينية، حيث يدلي معظم طلبة المعاهد الدينية وطالباتها بأصواتهم لأول مرة، فهم ممن ولدوا بعد التحول الديمقراطي عام 1998، لكن هذه الظاهرة الغرض منها كسب الأصوات، ويأسف البعض لما أفرزه ذلك من انقسام في التيارات الإسلامية بين تقليدية مع الحكومة وإصلاحية ومحافظة مع المعارضة.
“بيزنس” السياسة والإعلام
لعل أبرز ما يميز هذه الانتخابات ترقب كل طرف لنتائج مفاجئة بسبب التفاوت الكبير بين نتائج استطلاعات الرأي، حتى صار كثيرون من الساسة وعامة الناس يشككون في حصيلة أي استطلاع بعد أن بدا لهم إسهام بعضها مع مؤسسات إعلامية في صناعة شهرة مرشح أو تعزيز رأي بدلاً أن يكون الاستطلاع قارئًا لتوجهات الناخبين.
وفي خضم هذا التنافس المحموم ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية الإندونيسية برزت أسماء رجال مال وأعمال وأثرياء السياسة، وربما جمعوا بين المال والإعلام والعمل السياسي، باعتبارهم لاعبين مؤثرين في المشهد الانتخابي والحياة السياسية، منهم رئيس الحزب القومي الديمقراطي سوريا بالو، وهو صاحب مؤسسة إعلامية وقناة تليفزيونية تعد الأكثر دفاعًا عن الرئيس الحاليّ جوكو ويدودو، كما دافعت عن حاكم جاكرتا السابق باسوكي تشاهيا بورناما قبل إسقاطه وسجنه.
تابع الإندونيسيون نبأ كشف هيئة مكافحة الفساد عن أموال طائلة تم تجهيزها من سياسيين من التحالف الحاكم لتوزع على الناخبين ممن يسمون “زوار فجر” يوم الاقتراع
ومن أصحاب الأحزاب الجديدة هاري تانو – صيني الأصل – الذي أسسس حزب وحدة إندونيسيا، الداعم للتحالف الحاكم والرئيس جوكوي، وإلى جانب كونه صاحب أعمال تجارية وشراكات عالمية، فإن أهم ما يعتمد عليه في عمله السياسي إمبراطوريته الإعلامية، التي تعد الأكبر في إندونيسيا، وتشمل قنوات وإذاعات ومواقع إلكترونية وصحفًا.
وتطول قائمة الأسماء لتشمل الوزير السابق داحلان إسكان صاحب مجموعة “جاوا بوست” الإعلامية، وارتبط اسمه بأحزاب وتحالفات في الفترة الماضية، كذلك الوزير السابق ورجل الأعمال الحاليّ أبو رزال بكري صاحب قناة “تي في ون” التي تعتبرها المعارضة الأكثر حيادية وتمثيلاً لصوتها.
وكان مؤشر حرية الصحافة لعام 2017 الصادر في مايو/أيار الماضي، قد أشار إلى أن المؤسسات الإعلامية الإندونيسية ليست متحررة من الناحية الاقتصادية والاستثمارية، وأنها لا تنجو من تدخلات ملاكها خاصة إذا كان الأمر متعلقًا بمصالحهم أو بمصالح المعلنين.
وتشير دراسة أخرى لمؤسسة مراقبة الفساد الإندونيسية في تقرير لها نشر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى أن رجال الأعمال يشكلون 53% من أعضاء البرلمان الحاليّ البالغ عددهم 560 برلمانيًا، وحسب الدراسة تطرح هذه النسبة تساؤلات عما إذا كان هؤلاء يعملون من أجل وضع سياسيات لجميع فئات المجتمع أم يسعون لحماية مصالحهم.
رجال الأعمال والإعلام يلعبون دورًا مهمًا في دعم حملة الرئيس الحاليّ جوكو
وتشير دراسة ثالثة أصدرتها جمعية متابعة البرلمان الإندونيسي إلى أن 49% من المرشحين للبرلمان المقبل – وهم 1893 مرشحًا من مجموع 1991 مرشحًا من 16 حزبًا – يعيشون في العاصمة جاكرتا و4 محافظات محيطة بها، وهو ما يمثل – حسب الدراسة – إشكالاً في تمركز نصف المرشحين في العاصمة وحولها، في حين أنهم يترشحون عن محافظات وأقاليم أخرى، رغم أنهم قد يكونون منتمين إلى تلك المناطق ثقافيًا أو عرقيًا.
في هذه الأجواء، يزداد القلق بين كثير من الإندونيسيين بشأن احتمالات التلاعب بنتائج الانتخابات ورقيًا أو إلكترونيًا، وتوسع الجدل بعد الذي كشف عنه مراقبو الانتخابات من عشرات الآلاف من أوراق الاقتراع المعدة لتصويت الجالية الإندونيسية في ماليزيا التي تم التأشير فيها مسبقًا لصالح الرئيس جوكوي وحزب متحالف معه قبل التصويت بأيام.
كما تابع الإندونيسيون نبأ كشف هيئة مكافحة الفساد عن أموال طائلة تم تجهيزها من سياسيين من التحالف الحاكم لتوزع على الناخبين ممن يسمون “زوار فجر” يوم الاقتراع.
الاقتصاد مقدمًا على البيئة
شهدت المناظرات بين مرشحيّ الرئاسة (جوكوي وسوبيانتو) تركيزًا على الملف الاقتصادي بتفاصيله المرتبطة بمعاناة الناس في الصحة والتعليم والخدمات والإنتاج الزراعي والصناعات، امًّا البيئة فقد كانت ملفًا مفقودًا مع اقتراب موعد الانتخابات.
بينما تسبب إزالة الغابات والتعدين فيضانات مدمرة، وعلى الرغم من هذه التهديدات، لم تكن حالة البيئة قضية رئيسية مع توجه البلاد إلى صناديق الاقتراع هذا الأسبوع
سيختفي ثلث غابات إندونيسيا المطيرة بحلول عام 2020 إذا لم يتم فعل شيء لعكس الأضرار الناجمة عن مزارع قطع الأشجار وزيت النخيل، كما تمتلئ المياه المحيطة بجزيرة بالي السياحية بالبلاستيك، بينما تسبب إزالة الغابات والتعدين فيضانات مدمرة، وعلى الرغم من هذه التهديدات، لم تكن حالة البيئة قضية رئيسية مع توجه البلاد إلى صناديق الاقتراع هذا الأسبوع.
وتمثل القضايا البيئية تحديًا كبيرًا لإندونيسيا، حيث تمتد أرخبيلها على بعد 2830 كيلومترًا على طول خط الاستواء من آتشيه في الغرب إلى بابوا في الشرق، وتسبب إزالة الغابات والتعدين والتآكل فيضانات أكثر من أي وقت مضى، ففي عام 2017، قُتل 343 شخصًا، ونزح 2.5 مليون شخص نتيجة للفيضانات، كما أن جاكرتا، عاصمة البلاد المترامية الأطراف، تغرق بشكل أسرع من أي مدينة أخرى على هذا الكوكب، ويعزى ذلك بشكل رئيسي إلى انخفاض مستويات المياه الجوفية.
مؤيدو الرئيس الحاليّ يؤكدون أن سياساته أسهمت في إعانة سكان الأرياف وخفضت نسبة الفقر بينهم، ويجادلهم معارضون في ذلك، فسياسة استيراد ما ينتج محليًا في نظر الاقتصاديين قد أضرت بالمنتج المحلي، ويمتد الحديث إلى الآثار الحقيقية لمشاريع البنية التحتية التي ركز عليها الرئيس جوكوي، ولا يُنسى ارتفاع ديون إندونيسيا الخارجية لحد غير مسبوق إلى 383 مليار دولار أمريكي يتقاسمها القطاعان الحكومي والخاص.
حرائق الأراضي دمرت آلاف الهكتارات من الغابات في إندونيسيا عام 2015
القضايا الاقتصادية تتقدم على غيرها في أذهان الناخبين، فالسياسات التي تبنتها الحكومة أثارت جدلاً بين فئات من المواطنين، وأضافت زخمًا لخطاب المعارضة يتجاوز الجدل في القضايا الأيديولوجية وعشرات الملايين في الأرياف والمدن يلمسون آثار كل قرار اقتصادي، وهو ما يؤثر في خياراتهم الانتخابية.
أمَّا برابوو سوبيانتو، مرشح المعارضة الإسلامية والوطنية والجنرال السابق الذي أُعيقت طموحاته بصلاته بنظام سوهارتو، وهو والد زوجته السابقة، وبتاريخه العسكري المثير للجدل، فقد زخرت حملته بالشعارات القومية، وسعى للتقرب من المجموعات الإسلامية الأكثر راديكالية، ودعا إلى زيادة النفقات الدفاعية والأمنية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، يفاخر سوبيانتو بسياسته الحمائية بعنوان “إندونيسيا أولاً” المستوحاة من حملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقد وعد بإعادة النظر في الاستثمارات الصينية المقدرة قيمتها بمليارات الدولارات في إندونيسيا.
وكان ظاهرًا تركيز الجنرال المتقاعد في دعايته على قضايا الحياة اليومية والنهوض بإندونيسيا للاستفادة من خيراتها وتحقيق طموحات الشباب، كما كان واضحًا أن الأحزاب الداعمة لبرابو، سواء حزبه “حركة إندونيسيا العظمى”، وهو أكبر الأحزاب المعارضة في البرلمان أو الأحزاب الإسلامية، تركز في خطابها على قضايا حياتية وقضايا العدالة والثروات والخدمات، بشكل مختلف عن أسلوب التحالف الحاكم في تفاصيل ما يعد به الناخبين.