على مدى اليومين الماضيين سارع نظام الأسد تجاه الدول العربية بهدف الحصول على حشد سياسي يمكّنه من مواجهة عملية “ردع العدوان” التي أطلقتها فصائل المعارضة شمال سوريا وكبّدت النظام خسائر فادحة وسيطرت على مساحات جغرافية شاسعة، تحتوي على طرق دولية ومواقع عسكرية واقتصادية استراتيجية.
وفي خضمّ الأحداث المتسارعة وسيطرة فصائل المعارضة على كامل محافظة إدلب ومساحات من حلب، أهمها مركز المحافظة، أعربت دول عربية عن تضامنها وموقفها الداعم للنظام السوري، خلال مباحثات هاتفية مباشرة مع رئيس النظام بشار الأسد، ووزير خارجية حكومته بسام صباغ.
ويسعى النظام السوري إلى حشد الدول العربية إلى جانبه بهدف مواجهة المستجدّات والتطورات الميدانية الأخيرة، والتي شكّلت حالةً مفاجئة وضعت خلفها الكثير من علامات الاستفهام المحلية والخارجية. فهل يستجيب العرب لدعوات الأسد؟ وماذا يمكنهم تقديمه؟
مواقف عربية داعمة
تكررت المباحثات الهاتفية خلال الأيام الثلاثة الماضية بين رؤساء الدول العربية ووزراء الخارجية من جهة، والنظام السوري من جهة أخرى، حيث أجرى وزير الخارجية في حكومة الأسد بسام صباغ، اتصالات هاتفية مع نظرائه في كل من السعودية، مصر، الأردن، العراق، سلطنة عُمان، والإمارات.
وأظهر وزراء الخارجية تضامنًا مع النظام، حيث أكّد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، خلال مكالمة هاتفية في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني، “وقوف مصر الداعم للنظام السوري ومؤسساته”، معربًا عن قلقها إزاء التطورات في سوريا.
كما تلقى صباغ اتصالًا هاتفيًا من وزير الخارجية العُماني بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي، في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني، تناولا خلالها التطورات على الساحة السورية، وأعرب عن “تضامن سلطنة عُمان مع سوريا، وتأكيدها أهمية سيادة ووحدة الأراضي السورية، وضرورة استعادة الأمن والاستقرار والحيلولة دون توسيع نطاق الصراعات”.
بينما أكّد نائب وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي، خلال اتصال هاتفي مع صباغ، وقوف الأردن إلى جانب سوريا ووحدة أراضيها وسيادتها واستقرارها، في إشارة إلى النظام السوري، وسلامة مواطنيها، ورفض كل ما يهدد أمنها، مشددًا على ضرورة تكثيف الجهود لحلّ سياسي للأزمة السورية “يخلصها من الإرهاب”، في إشارة إلى عمليات فصائل المعارضة السورية.
وأعرب وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، عن دعم العراق للنظام السوري في مواجهة ما وصفهم بـ”المجاميع الإرهابية”، معتبرًا “أن زعزعة الاستقرار في سوريا يشكّل تهديدًا لأمن المنطقة”، ومشددًا “على أهمية تعزيز التعاون الإقليمي لمواجهة التحديات الأمنية ومكافحة التطرف”.
وعلى صعيد الرؤساء، عبّر رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد، في مباحثات هاتفية مع الأسد، في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني، عن تضامن بلاده مع النظام ودعمه في محاربة ما أسماه بـ”الإرهاب المتطرف”، في إشارة إلى فصائل المعارضة السورية التي تشنّ عملية “ردع العدوان” ضدّ النظام السوري والميليشيات الإيرانية.
كما أجرى رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني، اتصالًا هاتفيًا مع الأسد وبحث تطورات الأوضاع الجارية في سوريا، واعتبر السوداني أن “أمن سوريا واستقرارها يرتبطان بالأمن القومي للعراق، ويؤثران في الأمن الإقليمي عمومًا، ومساعي ترسيخ الاستقرار في الشرق الأوسط”.
العراق يبذل الجهود
ركّزت معظم الدول العربية على أهمية استعادة الاستقرار ودعم جهود مسار الحل السياسي في سوريا، باستثناء العراق، الذي توجّه إلى استلام زمام الوساطة للنظام السوري عبر الدول العربية إلى تركيا.
وأجرى العراق اتصالات عربية وإقليمية في المنطقة لتباحث التطورات المستجدة في سوريا، حيث أكد السوداني، خلال اتصال مع الملك الأردني عبد الله الثاني بن الحسين، في 1 ديسمبر/ كانون الأول، أن “الأمن والاستقرار في سوريا يمثلان أهمية لا يمكن التهاون معها”.
من جانبه، أجرى وزير خارجية العراق فؤاد حسين، اتصالات منفصلة مع نظيره الأردني والمصري والإمارات، حيث أكّد جميعهم دعم بلدانهم للنظام السوري في مواجهة ما أسموه “الإرهاب والتطرف”.
بينما ناقش البلدان الجاران العراق وتركيا التطورات الميدانية في سوريا، خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية العراقي مع وزير الخارجية التركية هاكان فيدان، وأكدا “أن الأوضاع الراهنة في سوريا معقدة جدًّا، ويجب ألا تشكّل تهديدًا للأمن والاستقرار في المنطقة”.
واعتبر الباحث في مركز الحوار السوري أحمد القربي، أن الوساطة العراقية ضعيفة ولم تنجح في السابق، حتى يعود الحديث عنها مجددًا في إعادة تفعيل مسار تطبيع علاقات تركيا مع النظام السوري، أو في الحصول على حشد عربي مساند لموقف النظام، لأن الخارطة العسكرية في الميدان نسفت كل الجهود السياسية السابقة، مشيرًا إلى أن قدرة العراق في دعم النظام ستكون عسكريًا عبر الحشد الشعبي.
وفي هذا السياق، نقل موقع “تلفزيون سوريا” عن مصادر محلية، بعد منتصف ليلة أمس، خبر استهداف قوات التحالف الدولي بغارتَين جويتَين لرتل عسكري، مكوّنًا من ميليشيا الحشد الشعبي العراقي ولواء فاطميون، بعد دخوله من معابر غير رسمية إلى سوريا عند أطراف مدينة البوكمال الحدودية مع العراق.
كما نقلت وكالة “رويترز” عن مصدر كبير في نظام الأسد تأكيده دخول العشرات من مقاتلي الحشد الشعبي العراقي من العراق إلى سوريا عبر طريق عسكري قرب معبر البوكمال. وقال الضابط إن “الميليشيات تشمل كتائب حزب الله العراقي وجماعة فاطميون.
مواقف السعودية وقطر
رغم أن معظم مواقف الدول العربية إزاء التطورات التي تشهدها الساحة السورية في إطار عملية “ردع العدوان”، تؤكد دعمها وتضامنها مع النظام السوري في مواجهة ما أسمته بـ”الجماعات الإرهابية”، إلا أن المملكة العربية السعودية ودولة قطر لم توضحا موقفهما.
وتلقى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، اتصالًا هاتفيًا من قبل صباغ، لمناقشة التطورات السورية، إلا أن الرياض لم تحدد موقفها، واقتصر بيانها المقتضب على أن الاتصال بهدف “مناقشة المستجدات في سوريا والمنطقة، والجهود المبذولة بشأنها”.
وبعد يومَين من اتصال صباغ بنظيره السعودي فيصل بن فرحان آل سعود، أكدت مصادر في وزارة الخارجية التركية لوكالة “الأناضول”، أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، بحث مع نظيره السعودي التطورات في سوريا، خلال اتصال هاتفي الأحد 1 ديسمبر/ كانون الأول.
وحسب الباحث أحمد قربي فإن موقف السعودية ليس غيابيًا عن المشهد، لأن غالبية دول الخليج وفي مقدمتها السعودية، تسعى إلى قضية إعادة الاستقرار، وترى أن النظام السوري قادرًا على السيطرة وضبط الأمن في سوريا.
وقال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن المحادثات التركية-السعودية ربما تكون تخوفًا من قبل الرياض، في محاولة منها لإيجاد طمأنة تركية، إضافة إلى استغلال وتوظيف التحركات العسكرية الميدانية في معركة “ردع العدوان”، من أجل تحريك مسار الحل السياسي في سوريا، وسحبها إلى هذا المجال”.
وأضاف: “إن موقف قطر داعم للمعارضة، رغم مضيّ غالبية الدول العربية في قضية تطبيع علاقاتها مع النظام، إلا أنها كانت في موقف متحفظ، بينما تحركات الفصائل على الأرض لم تظهر ردود أفعال قطرية سياسية أو عسكرية، وعمليًا قطر مستفيدة بشكل أو بآخر من تقدُّم المعارضة، كون موقفها يتماهى مع الموقف التركي”.
وكان وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل جاسم آل ثاني، قد أجرى اتصالًا هاتفيًا في 1 ديسمبر/ كانون الأول، مع وزير الخارجية التركية فيدان، بحثا خلاله التطورات في الساحتَين السورية والفلسطينية، وناقشا الملفات المشتركة، حسب بيان وزارة الخارجية القطرية في منصة “إكس”.
فيما أعربت الجامعة العربية عن قلقها، خلال بيان يوم الأحد 1 ديسمبر/ كانون الأول، تعليقًا على التطورات في سوريا، حيث قال المتحدث باسم الأمين العام للجامعة العربية جمال رشدي: “تتابع جامعة الدول العربية بقلق بالغ التطورات الميدانية في سوريا، وتؤكد على ضرورة احترام وحدة وسيادة وسلامة الأراضي السورية”.
تأثير مواقف الدول العربية
ركزت بيانات وتصريحات الدول العربية، دعمَ بعضها النظام، على إعادة الاستقرار من خلال تفعيل أدوات الحل السياسي في سوريا، إلا أن أدوات وأوراق الدول العربية ضعيفة جدًّا في الملف السوري، لأن معظمها كانت طرفًا متحيزًا للنظام السوري، وبالتالي فقدت أهم أدوات الوساطة، حسب ما يرى قربي.
وأشار الباحث إلى أن الدول العربية لا تركز على الملف السوري، وتتعاطى مع القضية السورية من بوابة النظام السوري، ما يعني ضعف أدوات التأثير على المشهد في سوريا عسكريًا، باستثناء العراق الذي يمكن أن يساند النظام عسكريًا عبر ميليشيا الحشد الشعبي، بينما يقتصر دور الدول العربية على تقديم بعض الأموال.
إلا أن الباحث في مركز عمران للدراسات نوار شعبان، قلّل من فاعلية تصريحات الدول العربية الداعمة للنظام السوري، معتبرًا أن النظام استخدمها إعلاميًا، لأنه بحاجة إلى إرسال رسائل للحاضنة الشعبية وشركاء آخرين، ليؤكد لهم أن العرب لا يزالون معه.
وقال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن الدول العربية الداعمة للأسد وفي مقدمتها الإمارات، لا يمكنها أن تقدم للنظام السوري دعمًا وإسنادًا في معاركه في الشمال، لكن ربما تستطيع أن تقف معه دبلوماسيًا، عبر فتح خطوط تواصل مع جهات فاعلة في الشأن السوري مثل تركيا”.
وأضاف: “إن الولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة بايدن تغاضت عن تقارب الدول العربية مع النظام السوري، وسمحت لها تمرير المساعدات خلال زلزال 6 فبراير/ شباط 2023، رغم قانون قيصر، لكنها قريبًا ستكون بإدارة دونالد ترامب، وهي أكثر حزمًا في التعامل مع الوجود الإيراني في سوريا، وضد أي محاولة تقديم دعم للنظام السوري”.
وأوضح أن مسألة استجابة الدول العربية للنظام السوري ترتبط بالدرجة الأولى في علاقته مع إيران، فرغم التصريحات المتباينة والخجولة بين الدول العربية، إلا أن الأسد استقبل وزير خارجية إيران في دمشق، ولم يقدم أي خطوة إيجابية في سياق المطالب العربية.
ونقلت وسائل إعلام، عن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، قوله في زيارته إلى رأس النظام السوري بشار الأسد، “إن الوضع في سوريا صعب”، معتبرًا أن النظام وحكومته ستتغلب على المعارضة السورية.
في حين اعتبر الباحث في مركز الشرق للدراسات، سعد الشارع، أن تعويل النظام السوري على الدول العربية التي أظهرت دعمها له غير مجدٍ، وهي لا تستطيع أن تقدم أكثر من بيان وتصريح، بعد صدور بيان الجامعة العربية.
وقال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن المفردات التي اُستخدمت في تصريحات الدول العربية الداعمة للنظام السوري قد تكون مزعجة للشعب السوري الثائر، لكنها تندرج في حالة البروتوكول الدولي، وعمليًا لا يمكنها أن تقدم شيئًا للنظام”.
وأضاف: “إن الدليل في ذلك بعض الدول أعادت علاقاتها مع النظام السوري منذ سنوات، لكنها لم تستطع أن تقدم له شيئًا ملموسًا في المسارات التي وضعتها، كما أن النظام لا يمتلك أدوات وخطوات قوية تمكنه من إبرام اتفاقيات مع الدول العربية”.
وشكّل التقدم الذي أحرزته فصائل المعارضة السورية في معركة “ردع العدوان” صدمة على المستويين الداخلي والخارجي، لا سيما بعد خسارة النظام السوري بشكل مفاجئ لمدينة حلب التي تتميز بثقلها على الصعيدَين السياسي والاقتصادي، ما دفع النظام السوري إلى محاولة الحشد العربي للتخلُّص من الضغوط العسكرية والسياسية والاقتصادية الخانقة.