بينما تتسارع الأحداث في شمال غرب سوريا على وقع تقدم عملية “ردع العدوان” في محاور القتال بمحافظتي حلب وحماة، لا يبدو أن بشار الأسد هو الخاسر الوحيد في المشهد، إنما تظهر إيران بشكل لافت كأنها صاحبة المعركة، والمتضرر الأكبر فيها.
وتشكّل مدينة حلب ومحاور ريفها الجنوبي أهمية خاصة لدى إيران وفصائلها متعددة الجنسيات في سوريا، بينما تتوجس طهران من تمدد عملية “ردع العدوان” بما يشمل توجيه ضربات مؤلمة لمناطق نفوذها في بقية الخريطة السورية، لذلك سارعت إلى إرسال وزير خارجيتها في جولة تشمل سوريا وتركيا، للبحث عن سبل إيقاف العملية.
في الإعلام الإيراني الرسمي توجه حديث المسؤولين الإيرانيين في تحميل مسؤولية ما يجري في شمال غرب سوريا، للطرفين الأمريكي والإسرائيلي، إذ نقلت وكالة “مهر”، التي تعد إحدى المنصات الناطقة باسم الحرس الثوري الإيراني، عن وزير الخارجية، عباس عراقجي، قوله إن طهران تؤكد “بحزم أن الجماعات الإرهابية في سوريا وداعميها الأمريكي والصهيوني لن يحققوا أي هدف وسنشهد هزيمتهم قريبًا”، وشدد عراقجي، خلال مراسم إحياء يوم البحرية، على أن بلاده تدعم “الحكومة والجيش السوري في مواجهة الجماعات الإرهابية”، حسبما نقلت عنه وكالة تسنيم.
وفي إشارة غير مباشرة إلى تركيا، دعا الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، ما وصفها بـ”الدول الإسلامية” لـ”عدم السماح لأمريكا وإسرائيل باستغلال الصراع في سوريا”، وأضاف: “حاولنا الحوار مع جيراننا خلال الفترة الوجيزة من حكومتنا، وعرضنا وجهات نظرنا وسياساتنا معهم”.
على الجانب التركي، كان التعليق حول عملية “ردع العدوان” بلسان وزير الخارجية، هاكان فيدان، الذي أكد أن بلاده “ليست مُنخرطة في الصراعات الدائرة في حلب”، مشيرًا إلى أن أنقرة “تتخذ احتياطاتها، وستتجنب أي إجراء قد يؤدي إلى موجة هجرة جديدة”، وهو التصريح الذي أغلق الباب أمام أي مسؤولية تركية عن العملية، وقطع الطريق أمام طهران لاتهام أنقرة بـ”خرق” اتفاق خفض التصعيد وفق مسار أستانا.
وبينما كانت التصريحات الإيرانية الرسمية “دبلوماسية” تجاه تركيا، إلا أن الصحف الإيرانية شبه الرسمية، والمقرّبة من الحرس الثوري الإيراني والمرشد علي خامنئي، كان لها رأي آخر ولهجة مختلفة عن اللهجة الرسمية، إذ حمّلت أنقرة بشكل مباشر مسؤولية العملية العسكرية للمعارضة السورية، وبعضها تحدثت عن “تنسيق تركي إسرائيلي” بهذا الخصوص.
وتحت عنوان “نتنياهو وأردوغان ضد سوريا”، نشرت صحيفة “كيهان” المقربة من المرشد الإيراني، تقريرًا حول هجمات فصائل المعارضة في شمال غرب سوريا، والذي أكد أن “دولة أجنبية أو أكثر متورّطة بهذا الهجوم”، وأضاف التقرير أن “وجود أيادٍ أجنبية في تطورات الأيام الثلاثة الماضية في شمال سوريا ليس بالأمر المعقد، ودور الجيش التركي في هذا الصراع واضح للغاية”، مشيرًا إلى أن “الارتباط الكامل لمنطقة إدلب بحدود وأراضي تركيا يؤكد مسؤوليتها عن هذا الهجوم”.
وكررت صحيفة “خراسان” الأصولية، المزاعم والاتهامات نفسها، قائلة إن الجيش التركي يشارك بالهجمات ضد مواقع ومناطق سيطرة نظام الأسد، كما ربطت بين هجمات المعارضة السورية، وتصريحات أدلى بها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قبل ساعات من بدء عملية “ردع العدوان”، قال فيها إن بلاده سترسم “حزامًا أمنيًا من البحر الأبيض المتوسط إلى حدود إيران”.
ولفتت إلى أن “الغاية من إعطاء تركيا الضوء الأخضر للمعارضة بالهجوم ليست مجرد الانتقام، بل الهدف الآخر ربما هو التحضير لشن عمليات عسكرية ضد الإدارة الذاتية الكردية”، وفق تعبيرها.
وعلى المنوال نفسه، شككت وكالة “تسنيم”، في تصريحات وزير الخارجية التركي حول عدم وجود أي دور لأنقرة في عملية “ردع العدوان”، وكتب الصحفي الإيراني الخبير في الشؤون التركية، علي حيدري، أن تركيا “لها دوافع كثيرة، من بينها رغبة الرئيس أردوغان بلعب دور جديد في سوريا”، بعد تعثر مطالبه في تحقيق التطبيع السياسي مع دمشق، بسبب الخلاف على بند انسحاب الجيش التركي من سوريا.
وترتبط إيران مع تركيا – فيما يتعلق بالملف السوري – باتفاق وحيد هو “مسار أستانا”، الذي انطلق في مطلع العام 2017، بعد أيام قليلة من تهجير مقاتلي المعارضة السورية من أحياء حلب الشرقية إلى محافظة إدلب، بعد أسابيع من التصعيد الجوي الروسي والبري المشترك بين قوات الأسد والفصائل الإيرانية الداعمة لها.
ودخلت مناطق شمال غرب سوريا، ومن بينها محافظة إدلب وريف حلب الغربي، في بنود اتفاق “مناطق خفض التصعيد”، التي تقضي بوقف إطلاق النار والحفاظ على خرائط السيطرة بين فصائل المعارضة ونظام الأسد، برعاية “دوريات مراقبة” روسية تركية.
غير أن الفترة الممتدة بين 2017 و2020، شهدت خرق نظام الأسد وحلفائه الإيرانيين والروس للاتفاق عدة مرات، عبر شن عمليات عسكرية كبيرة قضمت فيها عشرات القرى والبلدات، وكان الهجوم الأخير في 2019 والذي أفضى إلى سيطرة الأسد على مناطق شاسعة في ريف إدلب الجنوبي وريف حلب الغربي، قبل أن تتوقف العملية بتوقيع “اتفاق موسكو” بين الرئيسين الروسي والتركي في مارس/آذار 2020.
وفي هذا الصدد، نقل موقع “شبكة العالم” الإيرانية، أن هجوم فصائل المعارضة في حلب، يعد “خرقًا واضحًا للاتفاق”، وقال الموقع إنه “لولا موافقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وضوؤه الأخضر وإذن الجيش التركي، لما تجرأ الإرهابيون على إطلاق رصاصة أو التقدم باتجاه ريف ومدينة حلب”، كما اتهمت الصحيفة نفسها أنقرة، بالتخطيط للهجوم من أجل “إضعاف المقاومة في لبنان”، على حد قولها.
وشكّلت عملية “ردع العدوان” التي انطلقت من ريف حلب الغربي نحو مدينة حلب ثم ريفيها الشمالي والجنوبي، وسيطر مقاتلوها على كل محافظة إدلب، ومدينة حلب ومناطق شاسعة أخرى، صدمة كبيرة في الأوساط الإيرانية، في وقت شددت فيه تل أبيب خلال حربها في لبنان، على ضرورة إنهاء الوجود الإيراني في سوريا، وقطع ممر السلاح الإيراني في سوريا، نحو “حزب الله”.
وربط موقع “انتخاب” الإيراني بين المعركة في سوريا، والتصعيد الذي حصل في لبنان، وقال إن الرئيس التركي “أراد استغلال ضعف إيران وحزب الله في سوريا، وتورط روسيا في الحرب في أوكرانيا قبل وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض، من أجل خلق حقائق جديدة، كما فعل من قبل في حربي ناغورنو كاراباخ (في أذربيجان) وليبيا”.
لكن حجم “ردع العدوان” وطبيعتها تكشف عن تجهيز وتخطيط وتدريب يزيد عن 6 أشهر للعملية، أي أن الإعداد لها سبق على الأغلب بعدة أشهر الحرب الإسرائيلية مع حزب الله التي بلغت ذروتها في قبل شهر ونصف من الآن فحسب.