ترجمة وتحرير: نون بوست
خلال الأيام القليلة الماضية، واجه رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان وابلًا من الانتقادات على خلفية تصريحاته الأخيرة حول احتمال التوصّل إلى تسوية مستقبلية مع الهند بشأن قضية كشمير. وفي حديثه إلى مجموعة من الصحفيين الأجانب، أفاد خان بإمكانية تزايد فرص التوصّل إلى اتفاق مع ناريندرا مودي في حال فاز حزبه اليميني “بهاراتيا جاناتا” في الانتخابات الجاري عقدها في الهند. وقد توقّع خان أن يكون هذا الأمر أفضل من التعامل مع حزب المؤتمر الوطني، الذي يواجه صعوبات عديدة إلى جانب افتقاره إلى رأس المال السياسي للتعاون مع باكستان، خوفًا من عزل الحزب اليميني الهندي المؤثر.
منذ ذلك الحين، أصبح خان محل انتقادات لاذعة من قبل خصومه السياسيين وبعض الأصوات البارزة في وسائل الإعلام الباكستانية، نظرا لأنهم اعتبروا موقفه تأييدًا صارخًا لمودي وسياساته القمعية، بمن في ذلك الدبلوماسية السابقة وزعيمة المعارضة بمجلس الشيوخ شيري رحمن، التي ندّدت بشدة بتصريح رئيس الوزراء. وتعتقد شيري أنه بدلًا من أن تنشغل باكستان بتقديم الدعم لبعض الأفراد، ينبغي أن تركز على التعامل مع الدولة الهندية ككل. وفي إطار الحديث عن قضية كشمير، أشارت زعيمة المعارضة إلى أن تفضيل طرف أو حزب معين على الآخر لا يمثّل تدخلًا فحسب، بل يقلّل من شأن الأحزاب الأخرى ويجعلها تنأى بنفسها عن أي جهود دبلوماسية مستقبلية.
بالنسبة للسياسة والجدل القائم حول قضية كشمير، وصف الخبير المشهور في جنوب آسيا ستيفن ب. كوهين طبيعة العلاقة بين البلدين بالتعاون “عالي المخاطر ومنخفض الربح”
قد تكون زعيمة المعارضة محقة في هذه النقطة، ذلك أن اختيار المرشحين المفضلين وشركاء التفاوض المحتملين قبل بدء الانتخابات يعتبر إلى حد ما هفوة دبلوماسية. وفي حال تمعنّا في تصريحات رئيس الوزراء بشكل موضوعي، فإن كل ما فعله هو الإقرار بواقع سياسي قاسٍ لطالما شكّل ملامح العلاقة بين البلدين.
أما بالنسبة للسياسة والجدل القائم حول قضية كشمير، وصف الخبير المشهور في جنوب آسيا ستيفن ب. كوهين طبيعة العلاقة بين البلدين بالتعاون “عالي المخاطر ومنخفض الربح”. فالعلاقات الهندية الباكستانية القائمة على “المخاطر العالية ومنخفضة الربح” تستند إلى حقيقة أن جميع أشكال التعاون بين البلدين كانت تاريخيًا محفوفة بالمخاطر لا سيما في مجال السياسة المحلية. وغالبًا ما تتجاوز خسائر قادة البلدين، على الصعيد السياسي، مكاسبهم وهو ما ظهر عبر تاريخ كلا البلدين خاصة عند الدعوة إلى توسيع نطاق التعاون بينهما.
فعلى سبيل المثال، تجلّت مظاهر هذه المخاطر من كلا الجانبين خلال زيارة مودي المفاجئة إلى باكستان في أواخر سنة 2015. ونظرًا للتقارب حديث العهد بينه وبين رئيس الوزراء السابق نواز شريف، أكد كلا الزعيمان على أن علاقتهما الشخصية المتنامية تخدم بشكل كبير المصالح الهندية الباكستانية بصرف النظر عن الانتقادات التي واجهها كلاهما بسبب تصالحهما ومبالغتهما في الاهتمام بقضايا طال أمدها.
بعد مرور ست سنوات، باءت خطة النقاط الأربع التي وضعها مشرف نتيجة سنوات من المحادثات السرية مع حكومة مانموهان سينغ الصينية بالفشل
مع ذلك، كان نواز شريف، الذي سبق أن ضعف نفوذه، أكثر من ظهر ضعيفًا أو متنازلًا أكثر من اللازم، إذ واجه شريف جملة من العقبات بسبب هشاشة علاقته بالمؤسسة العسكرية. وبدلاً من التوصّل إلى حلول عملية مع الهند، وجد شريف نفسه مستبعدًا سياسيًا نتيجة لهذه المبادرة.
في الحقيقة، ينطبق الأمر ذاته على فترة ولاية برويز مشرّف، الذي بلغ نفوذه السياسي ذروته في سنة 2001 حيث تمتّع بحصانة ضد المخاطر السياسية المتأتية من القادة المدنيين. وبينما بدا مشرف خلال “قمة أغرا” شديد الرغبة في العثور على حل عمليّ، قوبل مقترحه بالرفض من قبل القادة الهنود بمن فيهم لال كريشنا أدفاني، الذي اعتبر أن مخاطر التصالح مع الجنرال الباكستاني مرتفعة للغاية.
بعد مرور ست سنوات، باءت خطة النقاط الأربع التي وضعها مشرف نتيجة سنوات من المحادثات السرية مع حكومة مانموهان سينغ الصينية بالفشل، حيث بدأ يدفع ضريبة المشاكل السياسية المتراكمة في الداخل. وتسبّبت الشكوك التي تحوم حول المستقبل السياسي لمشرف في تفاقم المخاطر التي واجهها القادة الهنود في أواخر سنة 2007، أي في الوقت الذي اعتبر فيه الجميع أن القادة قد فعلوا كل شيء ما عدا إيجاد حل جذري لمعالجة قضية كشمير.
في ظل المفارقة التي تخلّلت العلاقات بين الهند وباكستان منذ وقت طويل، لا يعتبر كل من خان ومودي أوّل أو آخر زعيمين يواجهان “المخاطر العالية والربح المنخفض” المنجر عن الدعوة إلى السلام والمصالحة بين باكستان والهند
لكن الأمر الأكثر إثارة للسخرية يتمثل في الفرصة الضائعة للهند في أحداث شيملا سنة 1972، حين عجزت أنديرا غاندي التي كانت آنذاك في أوج قوتها عن وضع اللمسات الأخيرة بخصوص قضية كشمير مع السياسي المهزوم عسكريًا آنذاك ذو الفقار علي بوتو. ووفقًا للرواية المثيرة للجدل، عجز كلا الطرفان عن تحويل الاتفاق اللفظي إلى اتفاق مكتوب والتوقيع عليه بسبب إلحاح بوتو. وحسب ما ورد في القصة، طلب بوتو مزيدًا من الوقت للتفكير نظرًا للمخاطر السياسية العالية التي سيواجهها في حال توصّل إلى تسوية نهائية بشأن كشمير.
بالعودة إلى أحدث تصريح أدلى به عمران خان، يعد وصفه لحزب المؤتمر بالضعيف وبأنه يفتقر إلى القدرة على مواجهة مثل هذه المخاطر بمثابة الملخص الصريح للدروس التاريخية المذكورة، ناهيك عن المخاطر التي يواجهها خان نفسه كلّما دعا إلى التعاون مع حكومة حزب بهاراتيا جاناتا المتطرّف والمروّج للحرب. وعلى الرغم من دعوتها المشكوك فيها إلى السلام، لا تزال حكومة حزب بهاراتيا جاناتا تقدّم فرصة تعاون أكثر واقعية بشأن قضية كشمير.
لكن في ظل المفارقة التي تخلّلت العلاقات بين الهند وباكستان منذ وقت طويل، لا يعتبر كل من خان ومودي أوّل أو آخر زعيمين يواجهان “المخاطر العالية والربح المنخفض” المنجر عن الدعوة إلى السلام والمصالحة بين باكستان والهند. وبما أنه لا يوجد إجماع سياسي واسع النطاق وصادق وصارم حول ضرورة إرساء السلام والمصالحة بين البلدين، فإنه من المرجّح أن يظل هذا الهدف الذي يسعى عدد ضئيل من الأشخاص إلى تحقيقه بعيد المنال.
الرابط: مودرن ديبلوماسي