جدل كبير ومعارضة أكبر، ذلك الذي أفرزه إصرار مجموعة من القوى السياسية على تشريع قانون خاص بجرائم المعلوماتية ونشر البيانات والأخبار على شبكة الإنترنت، خاصة أن مشروع القانون ضم عدة فقرات جعلت من إقراره وسيلة للحد من حرية التعبير، إذ تضمنت فقرات القانون المقترح منع وتحريم استخدام الـvpn وكذلك عدم استخدام الأسماء المستعارة وغيرها من المحددات.
الأسطر التالية تقرأ في حيثيات مشروع القانون من محورين: أولهما النظرة القانونية للمشروع ورأي المختصين، وثانيهما دور القانون المحتمل في الحد من حرية التعبير لأجل حماية صانعي القرار.
لغط قانوني كبير بخصوص مشروع قانون المعلوماتية
من أكثر المواد جدلاً التي نصت عليها مسودة مشروع قانون جرائم المعلوماتية هي المادة الثالثة (أولا – أ) من الفصل الثاني للمسودة التي تنص على “يعاقب بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن 25 مليون دينار عراقي ولا تزيد على 50 مليون دينار كل من استخدم عمدًا أجهزة الحاسوب وشبكة المعلومات بقصد المساس باستقلال البلاد ووحدتها وسلامتها أو مصالحها الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية أو الأمنية العليا”.
لم توضح مسودة القانون الكيفية التي تبني عليها الجهات القضائية أحكامها على مرتكبي هذا الفعل، إذ لم توضح الآلية أو كيفية التثبت من صحتها إلكترونيًا، أو التحقق من أن الشخص يريد الإضرار بوحدة البلاد واقتصادها أو أمنها.
لم توضح مسودة المشروع ماهية الجهة المختصة بتحليل تلك البيانات أو التثبت من صحتها ومدى تأثيرها على الأمن العام في البلاد أو الاقتصاد الوطني
مادة أخرى لا تقل غموضًا عن سابقتها، إذ تنص المادة 13 (أولا – ب) على “يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 3 سنوات أو بغرامة لا تقل عن 5 ملايين دينار ولا تزيد على 10 ملايين أو بكلتا هاتين العقوبتين كل من استعمل أو اصطنع عمدًا توقيعًا أو وسيلة أو محررًا أو كتابة إلكترونية خلافًا للشروط والمواصفات التي تحددها الجهة المختصة”. إذ لم توضح مسودة المشروع ماهية الجهة المختصة بتحليل تلك البيانات أو التثبت من صحتها ومدى تأثيرها على الأمن العام في البلاد أو الاقتصاد الوطني.
مواد فضفاضة وغير محددة بوصف معين، إضافة إلى عدم التعريف الواضح بجرائم المعلوماتية، وغيرها من الفقرات والمواد التي جعلت قانون جرائم المعلوماتية يثير لغطًا كبيرًا لم يسبق له مثيل في العراق.
الخبير القانوني طارق حرب يقول من جانبه عن مشروع القانون إن المشروع جاء ذريعة لإشعال خلاف حاد بين الحكومة والبرلمان ومنظمات المجتمع المدني، واصفًا مقدمي المشروع ومناقشيه داخل البرلمان بـ”الجهل بالقانون”.
وأضاف حرب في تصريح صحفي “جميع هذه الجرائم التي وردت في مشروع القانون وردت أساسًا في قانون العقوبات العراقي وعولجت بمواد جرى السير على اعتمادها منذ زمن طويل”.
أوضح الخبير القانوني علي التميمي أن القانون يضم الكثير من المصطلحات العائمة التي قد لا تتمكن السلطات القضائية من تحديد هويتها، ومنها مصطلح الرموز الدينية والتعدي على الآداب العامة والإخلال باستقلال البلاد
ولفت حرب إلى أنه كان من الأجدر بالمشرعين أن يعالجوا قضايا فنية مهمة، ومن ضمنها سرقة المعلومات وحقوق التأليف والإبداع، وليس الخوض في أمور عالجتها القوانين حتى بالنسبة للقضايا المتعلقة بالارهاب.
خبراء قانونيون أكدوا أن صياغة نصوص مشروع قانون جرائم المعلوماتية تتعارض مع فلسفة التشريع القانونية المعمول بها، إذ وضح الخبير القانوني علي التميمي أن القانون يضم الكثير من المصطلحات العائمة التي قد لا تتمكن السلطات القضائية من تحديد هويتها، ومنها مصطلح الرموز الدينية والتعدي على الآداب العامة والإخلال باستقلال البلاد.
وبيّن التميمي أن الجرائم الإلكترونية هي الإساءة المباشرة أو غير المباشرة للأشخاص، وغالبًا ما تكون عبر وسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وتويتر، مشيرًا إلى أن المادة 433 من قانون العقوبات رقم 111 لعام 1969 أشارت صراحة إلى هذه الجريمة حتى قبل وجود الإنترنت.
وأكد التميمي أن المشكلة تكمن في التحقق الإلكتروني من الجريمة عبر الإنترنت، فيمكن أن تكون الحسابات الشخصية للأشخاص المتهمين بالإساءة غير مسيطر عليها، وبالتالي فإن إثباب الجريمة يكون صعبًا للغاية، إذ تحتاج إلى برمجيات خاصة ومتقدمة للتعقب وهذه تقع على عاتق هيئة الاتصالات.
أشار فريق التحليل الرقمي في المركز إلى افتقار مسودة القانون لتعريفات واضحة بخصوص المصطلحات الواردة فيه
مركز الإعلام الرقمي، وفي بيان تفصيلي بثه على موقعه الرسمي يوم السبت 13 من أبريل/نيسان الحاليّ، أكد أن مسودة قانون جرائم المعلوماتية المقرر تشريعه في البرلمان العراقي بصيغته الحاليّة، بحاجة ماسة للمراجعة وإعادة دراسة فقراته وصياغتها من خلال إشراك المختصين.
وشدد المركز في بيانه على أن القانون المزمع إقراره في البرلمان قد يتحول إلى أداة استبدادية لقمع الحريات الشخصية والعامة، فضلاً عن نسفه في أكثر من مادة لقانون حماية الصحفيين العراقيين، معتبرًا أن مسودة القانون في كثير من بنوده قد تكون مكرسة لحماية مجموعة قليلة من صانعي القرار، وقد يتحول القانون إلى مجموعة مواد استبدادية لقمع أي رأي معارض للحكومة أو السياسيين.
وأشار فريق التحليل الرقمي في المركز إلى افتقار مسودة القانون لتعريفات واضحة بخصوص المصطلحات الواردة فيه، فضلاً عن أنه يفتقر لمواد ترغم الشركات على حماية خصوصية المستخدمين العراقيين على الإنترنت.
يرى الصحفي العراقي ريحان الموصلي أن قانون جرائم المعلوماتية قد يحد من حرية التعبير، خاصة أن القانون سيعاقب كل من ينشر أي انتقاد للحكومة على وسائل التواصل الاجتماعي
ومن بين ما أكد عليه بيان المركز تسليط الضوء على بعض المواد التي تنتهك الخصوصية، مثل حظره استخدام الـVPN وهو أمر يعتبر أساسي في عمل الكثير من البرمجيات المتقدمة، كما تضم مسودة القانون مصطلحات فضفاضة ومطاطة وغير دقيقة، في حين أن مواد أخرى باتت غير منطقية، إذ تجعل إحدى مواد مشروع القانون جميع المواطنين العراقيين عرضة للسجن لمدة سنة، فضلاً عن معاقبته الفتيات اللواتي يستخدمن أسماء مستعارة، دون أن يتماشى القانون مع المحددات المجتمعية للشعب العراقي وأعرافه التقليدية، بحسب نص البيان.
من جانبه يرى الصحفي العراقي ريحان الموصلي أن قانون جرائم المعلوماتية قد يحد من حرية التعبير، خاصة أن القانون سيعاقب كل من ينشر أي انتقاد للحكومة على وسائل التواصل الاجتماعي، وبيّن الموصلي لـ”نون بوست” أنه قد يصل الحال إلى معاقبة كل شخص ينتقد عمل الدوائر الخدمية أو الوزارات، إذ سيعد القانون ذلك إخلالاً بأمن البلاد وتحريضًا.
تعديل محتمل
بعد القراءة الأولى لمشروع القانون في البرلمان قبل أيام، قال رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان عدنان الأسدي إن قانون جرائم المعلوماتية يعد حاجة ماسة للبلاد لحماية البلاد من الجرائم الإلكترونية. لافتاً إلى أن مشروع القانون سيرى تعديلاً قبل إقراره بنسبة 90%، موضحًا أن مشروع القانون فيه ضعف كبير بالتعريفات وهي قديمة وفقيرة وقابلة للتأويل، وأشار إلى أن بعض المواد التي نصت عليها مسودة مشروع القانون مذكورة سلفًا في قانون العقوبات.
لغط كبير يدور بين الصحفيين والناشطين في العراق بشأن الآلية التي ستعتمدها السلطات القضائية في إنزال العقوبات على المتهمين الوارد وصفهم في مسودة مشروع القانون
وبيّن الأسدي أن لجانًا برلمانية عدة تشارك في تعديل مشروع القانون ونقاشه وهي اللجان المشرفة عليه، وهي كل من لجنة الأمن والدفاع ولجنة التعليم العالي واللجنة القانونية ولجنة الثقافة والإعلام والسياحة ولجنة حقوق الإنسان والأسرة والمرأة والطفل ولجنة الخدمات والإعمار.
لغط كبير يدور بين الصحفيين والناشطين في العراق بخصوص الآلية التي ستعتمدها السلطات القضائية في إنزال العقوبات على المتهمين الوارد وصفهم في مسودة مشروع القانون، فحتى إن أُقر القانون في البرلمان ودخل حيز التنفيذ، فإن السلطات القضائية في تلك الحالة ستكون بحاجة ماسة إلى جهة أمنية خبيرة في مجال تقنية المعلومات والتعقب الإلكتروني من خلال الوصول إلى محل إقامة المتهم والقبض عليه، وهذه غالبًا ما تكون عن طريق تتبع الـIP الذي يعرف على أنه الطريقة التي يتم بها إرسال المعلومات بين أي جهازين سواء كانا حواسيب شخصية أم هواتف نقالة ذكية أو غيرها.
أي تطبيق لهذا القانون يجب أن يسبقه تجهيز الحكومة لبنية تحتية قوية في مجال الاتصالات، ومنها شراء معدات ومنظومات تعتمدها الدول المتقدمة في مجال تعقب الجرائم والإرهاب الإلكتروني
ويمكن لأي محترف في مجال استخدام الحاسوب أن يستخدم برمجيات معينة تمكنه من تجاوز عقبة الـIP وهي برمجيات لا تحتاج حتى للـVPN الذي يحظره القانون، الذي يمكن تعريفه ببساطة على أنه برمجيات تغير جغرافية مزود الخدمة بالإنترنت والمعروف عالميًا بالـservers.
إذ يمكن استخدام برامج متعددة ومنها برمجيات المصادر المفتوحة المتاحة مجانًا على الإنترنت مثل الـvirtual machine وغيرها التي تغير الموقع الجغرافي للمستخدم دون علم مزود خدمة الإنترنت بذلك.
وبالتالي، فإن أي تطبيق لهذا القانون يجب أن يسبقه تجهيز الحكومة لبنية تحتية قوية في مجال الاتصالات، ومنها شراء معدات ومنظومات تعتمدها الدول المتقدمة في مجال تعقب الجرائم والإرهاب الإلكتروني.