لأول مرة سيتنفس سكان قطاع غزة الصعداء، وسيكون بإمكان عاشقي السباحة والسهر على شاطئ بحرهم الممتد من أقصى الشمال حتى حدود الجنوب، أن يمارسوا هواياتهم المؤجلة دون قلق من الأمراض التي كانت تهدد حياتهم، بسبب تلوث معظم مياه “متنفسهم الوحيد” وعدم صلاحيته للسباحة والاستجمام الآدمي.
“بحر غزة نظيف”، كان هذا الحلم الذي طالما راود سكان القطاع خلال سنوات طويلة، بعد حرمان عاشوا تفاصيله مع ارتفاع نسبة تلوث بحرهم، حرمتهم من التمتع بأول وآخر متنفس وهبته الطبيعة لهم، في ظل ويلات الحصار الإسرائيلي الخانق المفروض عليهم للعام الـ12 على التوالي وقتل معظم مظاهر الحياة به.
يعتبر شاطئ البحر في غزة المكان الوحيد الذي يستطيع السكان من خلاله الترويح عن أنفسهم وممارسة السباحة في فصل الصيف، ويشهد إقبالًا كبيرًا من المواطنين
نسبة تلوث مياه بحر قطاع غزة التي تخطت حاجز الـ75% بحسب تقارير رسمية صدرت عن مراكز صحية وبيئية عالمية، ستزول تمامًا هذا الصيف، وستنجح مشاريع عاجلة تشرف عليها دول عربية على تنقية وتنظيف مياه البحر من كل أشكال التلوث والمياه العادمة التي تصب فيه.
يعتبر شاطئ البحر في غزة المكان الوحيد الذي يستطيع السكان من خلاله الترويح عن أنفسهم وممارسة السباحة في فصل الصيف، ويشهد إقبالًا كبيرًا من المواطنين، وسجلت طواقم الإنقاذ مؤخرًا حالات وفاة وما يزيد على 78 حالة إصابة بين المواطنين بالتقيؤ والإسهال جراء تعرضهم للمياه الملوثة في أثناء السباحة وتم نقل الحالات للمستشفيات، وغالبية الحالات من الأطفال دون 16 عامًا، فيما تعرض 7 منقذين بحريين لحالات تسمم جراء استمرارهم بدخول المياه لإنقاذ الغارقين في عرض البحر.
إنقاذ متنفس غزة الوحيد
كشفت تحاليل مخبرية أجرتها جهات رسمية مختصة في قطاع غزة، عن تسبب أزمة الكهرباء في تدهور الوضع البيئي، وتلوث 75% من مياه الساحل الممتد على مسافة 40 كيلومترًا.
وبحسب مختصين من وزارة الحكم المحلي وسلطة جودة البيئة ووزارة الصحة ومصلحة المياه وبلديات الساحل والشرطة البحرية في قطاع غزة، فإن تلوث البحر طال معظم السواحل بفعل ضخ مياه الصرف الصحي إلى الشواطئ.
تلوث الشاطئ
يقول سعيد العكلوك ممثل وزارة الصحة: “التحاليل المخبرية توصلت إلى أن أجزاءً واسعة من شاطئ بحر قطاع غزة ملوثة وغير صالحة للاستجمام”، مشددًا على ضرورة التحرك لتشغيل المضخات وعملها بشكل تام لمنع تفاقم الأزمة.
وبحسب بهاء الأغا مدير عام الحماية في سلطة جودة البيئة، فإن محطات معالجة المياه العادمة متوقفة عن العمل، مبينًا أن البلديات تضطر إلى تصريف المياه العادمة إلى البحر من دون معالجتها، ما يشكل خطورة صحية على سكان القطاع، لكون البحر هو المتنفس الوحيد لهم، مع استمرار أزمة الكهرباء وتوجه المواطنين للشواطئ.
أعلن اتحاد بلديات قطاع غزة قبل أشهر، إغلاق عدد من المناطق المقابلة لشواطئ القطاع بالكامل، لضخ مياه الصرف الصحي فيها، لعجز البلديات عن توفير الوقود لمحطة المعالجة
وأشار إلى أن ثمة خطر على حياة المواطنين الذين يقدمون على السباحة، من الإصابة بالتهابات جلدية وحساسية، فيما قد يؤدي ابتلاع المياه إلى الإصابة بالإسهال أو التهاب الجهاز الهضمي.
وكان اتحاد بلديات قطاع غزة، قد أعلن قبل أشهر، إغلاق عدد من المناطق المقابلة لشواطئ القطاع بالكامل، لضخ مياه الصرف الصحي فيها، لعجز البلديات عن توفير الوقود لمحطة المعالجة.
هذه المخاطر ستزول أخيرًا، والمشروع الذي يجري تجهيزه سينقذ السكان والبحر معًا وسيكون الأول من نوعه في قطاع غزة، كشف تفاصيله مدير عام المياه والصرف الصحي في بلدية غزة، المهندس رمزي أهل، الذي أكد أن البلدية وشركة توزيع الكهرباء، بدأتا فعليًا بتنفيذ مشروع “تنقية شاطئ بحر غزة على امتداد 40 كيلومترًا” على أرض الواقع بتغذية محطات الصرف الصحي بالطاقة الكهربائية للحد من مشكلة التلوث.
ويقول أهل: “البلدية لا تألو جهدًا في محاولة القضاء على مشكلة تلوث مياه البحر خاصة أنه المتنفس الوحيد للمواطنين”، مشيرًا إلى أن البلدية تسعى بكامل طاقاتها لتشغيل كل محطات معالجة المياه، لافتًا أن التحدي الكبير هو انقطاع التيار الكهربائي خلال الصيف المنصرم.
المياه العادمة تصب في بحر غزة
مضيفًا “المشروع سيشمل جميع محطات الصرف الصحي المتصلة بشواطئ بحر قطاع غزة، فشركات توزيع الكهرباء بدأت بالتنسيق مع بعضهما لتنفيذ المشروع بدءًا من محافظة غزة، وصولًا إلى جميع المحطات الخمسة الرئيسية على مستوى القطاع”.
التحدي الأكبر
التحدي الأكبر والعائق أمام البلدية، بحسب المهندس أمل، يتمثل في كيفية وصل مياه الصرف الصحي لمحطات المعالجة، الذي يحتاج إلى تيار كهربائي متواصل على مدار الساعة، موضحًا أن ذلك يحتاج لكمية كبيرة من السولار لتشغيل المحطات في ظل انقطاع التيار الكهربائي خلال الصيف الماضي الذي وصل إلى 20 ساعة.
ولفت أن بلدية غزة تنسق مع شركة توزيع كهرباء غزة بعد موافقة اللجنة القطرية لإعمار غزة واستجابتها لنداء البلدية وقيامها بتمويل المشروع الذي سينهي مشكلة تلوث مياه البحر قبيل بداية الصيف، مؤكدًا أن البلدية استطاعت منذ شهر فبراير الماضي رفع مستوى كفاءة محطات المعالجة المركزية في غزة وفق المحددات البيئية والدولية والفلسطينية.
يرجع تلوث أجزاء كبيرة من الشاطئ إلى تفاقم أزمة انقطاع التيار الكهربائي عن قطاع غزة، ما تسبب في تصريف أكثر من 115 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي يوميًا إلى شاطئ البحر دون معالجة أو بمعالجة جزئية
وأشار أهل إلى أن اللجنة القطرية لإعمار غزة خصصت مبلغ (مليون و200 ألف دولار) لتشغيل محطة صرف غزة، موضحًا أن المشروع كاملًا تبلغ تكلفته ما يقارب 4 ملايين دولار.
ويرجع تلوث أجزاء كبيرة من الشاطئ إلى تفاقم أزمة انقطاع التيار الكهربائي عن قطاع غزة، ووصول انقطاع الكهرباء لـ18 ساعة متواصلة ما سبب في تصريف أكثر من 115 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي يوميًا إلى شاطئ البحر دون معالجة أو بمعالجة جزئية، بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ سنوات طويلة.
ورغم أن حلقات الحصار تشدد يوميًا على سكان قطاع غزة، فإن تمسكهم بالأمل والتحدي فتح طاقة نور جديدة لهم، اليوم البحر وغدًا قد يكون البر والجو معًا، فنضال أهل غزة من أجل حياة كريمة عادلة لم يتوقف ولن يتوقف في وجه الاحتلال الإسرائيلي وحصاره الخانق.