يواصل قائد ميليشيات الكرامة المتهمة بارتكاب جرائم حرب في ليبيا، اللواء المتقاعد خليفة حفتر، عمليته العسكرية ضد العاصمة طرابلس التي أدت إلى أزمة إنسانية خانقة، يتوقّع أن تتضاعف حدتها في ظل الانقسام الدولي تجاه ما يحصل في العاصمة، ما جعل العديد من المراقبين يؤكدون أن طرابلس ضحية الانقسام الدولي وتضارب مصالح القوى الإقليمية.
25 ألف نازح
ارتفع عدد النازحين إلى قرابة 25 ألف شخص، بينهم أكثر من 4500 في آخر 24 ساعة، وفق ما أشارت إليه منظمة الهجرة الدولية، أمس الأربعاء، حيث قالت: “لاحظنا أعلى زيادة في النزوح خلال يوم واحد، مع أكثر من 4500 شخص نازح بسبب المعارك”.
من جانبه قال عميد بلدية طرابلس المركز عبد الرؤوف بيت المال، إن النازحين يتوزعون على بلديات العاصمة بينها الزنتان والزاوية وجادو وككلة وبني وليد، مؤكدًا في الوقت نفسه أن عدد النازحين في تزايد وهناك أعداد لم يتم حصرها.
وأوضح بيت المال في مؤتمر صحفي، أمس الأربعاء، أن 450 عائلة لم يتمكنوا من المبيت في منازلهم بسبب احتدام المعارك في أحياء العاصمة ليلة الثلاثاء فلجأوا إلى المساجد والمدارس ولم تتمكن فرق الإغاثة من الوصول لهم ودعمهم بالمساعدات.
Our concern deepens as civilians in #Tripoli are increasingly at risk due to the intensifying clashes. Nearly 25,000 people fled their homes looking for safety, and more than 3,000 migrants remain detained, among them are children and pregnant women.
— IOM Libya (@IOM_Libya) April 17, 2019
قبل ذلك، قالت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، إنها استطاعت إجلاء 150 لاجئًا من مركز احتجاز أبو سليم جنوب العاصمة طرابلس، بينهم نساء وأطفال إلى مركز آخر تابع لها وسط المدينة، إلا أنها لم تتمكن من نقل باقي المحتجزين بسبب احتدام المعارك.
كما حذّرت الأمم المتحدة من وجود نحو 3 آلاف مهاجر عالق بمراكز الاعتقال في مناطق النزاع أو بالقرب منها يتهددهم الموت، إما بسبب المعارك أو نقص الطعام والمياه، وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الإثنين، إن عدد الأشخاص الذين فروا من منازلهم بسبب الأعمال القتالية الحالية في العاصمة الليبية وما حولها يتزايد بوتيرة سريعة.
أكثر من 200 قتيل
بلغت حصيلة هذه العملية العسكرية التي أعلنها حفتر في الـ4 من أبريل/نيسان الحاليّ، وتستهدف العاصمة طرابلس مقرّ حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا، 205 قتلى و913 جريحًا، بحسب حصيلة أخيرة لمنظمة الصحة العالمية.
أغلب الضحايا من المدنيين، وتتوقع المنظمات العالمية ارتفاع عددهم وتفاقم ظاهرة النزوح في ضوء الاستخدام المستمر للضربات الجوية والمدفعية الثقيلة منذ بدء الأعمال القتالية الحاليّة. وأوضح مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أن المستشفيات الواقعة بالقرب من خطوط القتال الأمامية في طرابلس والمناطق المحيطة، تتلقى يوميًا أعدادًا متزايدة من الضحايا، وفقًا لشركاء المكتب في القطاع الصحي.
Toll for armed conflict in #Tripoli is 205 dead and 913 wounded. Medical specialists that WHO #Libya deployed to support frontline hospitals are helping perform dozens of surgeries. pic.twitter.com/94zXHzsQq1
— World Health Organization in Libya (@WHOLIBYA) April 17, 2019
مساء الثلاثاء، سقطت عدة صواريخ على طرابلس، ما أدى إلى مقتل 6 مدنيين بينهم ثلاث نساء في حيي أبو سليم والانتصار السكنيين جنوبي العاصمة، وفق ما صرح به مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية.
في غضون ذلك، أدان فائز السراج “وحشية وبربرية” خليفة حفتر الذي وُصف بأنه مجرم حرب، وأضاف أن حكومته ستعرض الأربعاء “كل المستندات للمحكمة الجنائية الدولية بشأن ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”، وتابع “نحمّل مجلس الأمن والمجتمع الدولي المسؤولية القانونية والإنسانية لمحاسبة هذا المجرم على فعله”.
أزمة هجرة منتظرة
يرى رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج، أن هذه العملية العسكرية ستؤدي إلى تدفق مئات الآلاف من المهاجرين نحو السواحل الجنوبية للقارة الأوروبية، وقال السراج في مقابلة مع صحفيتين إيطاليتين، إن الحرب في بلاده قد تدفع أكثر من 800 ألف مهاجر نحو السواحل الأوروبية.
وأضاف السراج “لن يكون هناك فقط 800 ألف مهاجر جاهزين للرحيل، سيكون هناك ليبيون يفرون من هذه الحرب، فيما استأنف إرهابيو تنظيم الدولة الاسلامية نشاطهم في جنوب ليبيا”.
سجلت العديد من المناطق في طرابلس، انقطاعًا في إمدادات المحروقات، حيث أصبح البنزين مادة نادرة يصعب الحصول عليها
أضاف “نواجه حربًا عدوانية قد تصيب بعدواها منطقة المتوسط برمتها، على إيطاليا وأوروبا أن تكونا موحّدتين وحازمتين للتصدّي للحرب العدوانية التي يشنّها خليفة حفتر، وهو شخص خان ليبيا والمجتمع الدولي”، لافتًا إلى أن الدمار سيطال أيضًا الدول المجاورة.
وقال نائب رئيس حكومة الوفاق أحمد معيتيق، في مقابلة نشرتها لاريبوبليكا صباح الإثنين إن الهجوم الذي تشنّه قوات حفتر هو انقلاب عسكري من شأنه أن يغرق البلاد في حرب أهلية ستستمر 30 سنة، محذرًا المجتمع الدولي من الدخول في أي مفاوضات مع حفتر.
من جهتها، قالت المنظمة الدولية للهجرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي: “يستحيل توقع عدد الأشخاص الذين يمكن أن يغادروا ليبيا”، مضيفة “ثمة قلق الآن على أمن المدنيين والمهاجرين في البلاد”.
ارتفاع الأسعار ونقص في المحروقات
معاناة الليبيين لم تتوقف هنا، فتصاعد الحملة العسكرية ضد طرابلس، أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية لا سيما الخضراوات والفواكه والحليب والسكر، ارتفاعات كبيرة نتيجة نقص المعروض، في ظل إغلاق الأسواق الرئيسية، وعدم وصول الإمدادات من المناطق الأخرى.
كما سجّلت العديد من المناطق في طرابلس، انقطاعًا في إمدادات المحروقات، حيث أصبح البنزين مادة نادرة يصعب الحصول عليها، ووصل سعر الخمسة لترات إلى 60 دينارًا، بعد أن كان لا يتجاوز 4 دنانير (الدولار 1.39 دينار).
خسائر بشرية كبيرة نتيجة القصف العشوائي لقوات حفتر
من جانب آخر، أعلنت الشركة العامة للكهرباء انقطاع التيار الكهربائي عن 14 منطقة جنوبي طرابلس جراء الاشتباكات التي تشهدها المنطقة، وأشارت الشركة إلى إصابة الدوائر والخطوط الكهربائية المسؤولة عن إمدادات التغذية إلى المناطق.
فيما حذّر رئيس “المؤسسة الوطنية للنفط” في ليبيا، مصطفى صنع الله، من أن تجدد القتال في البلاد قد يقضي على إنتاج البلاد من الخام، وفقًا لمقابلة أجراها مع صحيفة “فايننشيال تايمز” في وقت سابق، واتجهت أسعار الخام نحو الصعود.
وقال صنع الله: “أخشى أن الوضع قد يكون أسوأ بكثير من عام 2011 بسبب حجم القوات المشاركة الآن بالقتال”، متحدثًا إلى “فايننشيال تايمز” عبر الهاتف من مكتبه في طرابلس على بعد بضعة كيلومترات من ساحات القتال.
انقسام دولي
هذه الأوضاع يتوقع أن تزداد سوءًا في ظل مواصلة حفتر لهجومه العسكري ضد العاصمة التي تضم المؤسسات الشرعية في ليبيا ومقرات السفارات والبعثات الدبلوماسية الأجنبية، مستغلاً الانقسام الدولي في هذه القضية.
إلى الآن لم يتمكن لا مجلس الأمن ولا الاتحاد الأوروبي من إصدار بيان مشترك يدين عملية حفتر العسكرية، ومن المنتظر أن يعقد مجلس الأمن، اليوم، اجتماعًا مغلقًا للتشاور بشأن إيجاد سبل المضي قدمًا”، فقد دعت ألمانيا إلى عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي لمناقشة وقف القتال المتصاعد في ليبيا، بعد أن أخفق مجلس الأمن المكون من 15 عضوًا في الاتفاق على دعوة مشتركة لوقف إطلاق النار في طرابلس.
واعترضت غينيا الاستوائية نيابة عن الدول الإفريقية الثلاثة بمجلس الأمن، على مشروع قرار صاغته بريطانيا، يطالب بوقف إطلاق النار والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية إلى مناطق القتال بالقرب من طرابلس بلا شروط، لم يلق إجماعًا بعد.
تسعى كل من فرنسا وروسيا، فضلاً عن بعض الدول العربية على رأسها الإمارات ومصر والسعودية، إلى فرض اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي لا يعترف بالشرعية الدولية، بالقوة على الليبيين
قبل ذلك، عرقلت روسيا تمرير بيان بريطاني في مجلس الأمن يطالب بوقف هجوم قوات حفتر نحو العاصمة طرابلس، وتضمن النص الذي اقترحته بريطانيا، تهديدًا بمحاسبة قوات حفتر إذا لم توقف هجومها، وجاء في النص البريطاني أن مجلس الأمن يدعو قوات حفتر لوقف كل أنشطتها العسكرية ويحض كل القوات المسلحة في ليبيا، بما فيها تلك التابعة لحكومة الوفاق الوطني، إلى العمل على عودة الهدوء.
أما أوروبيًا، فقد عرقلت فرنسا بيانًا للاتحاد الأوروبي يدعو خليفة حفتر إلى وقف الهجوم على طرابلس، وكانت مسودة البيان ستنص على أن الهجوم العسكري بقيادة حفتر على طرابلس “يعرض السكان المدنيين للخطر ويعرقل العملية السياسية ويهدد بمزيد من التصعيد الذي ستكون له عواقب وخيمة على ليبيا والمنطقة بما في ذلك التهديد الإرهابي”.
تضارب المصالح
الانقسام الحاصل بشأن أزمة طرابلس، يرجع في جزء كبير منه إلى تضارب مصالح القوى الإقليمية الكبرى، فكل دولة تسعى إلى فرض حليفها وتمكينه لبسط نفوذه في ليبيا التي تعاني من التفكك منذ سنوات عدة، حتى تسيطر على البلاد.
ورغم ادعاء كل الدول رغبتها في إيجاد حل سلمي للأزمة في ليبيا ووقف معركة طرابلس في أقرب وقت ممكن، فإن معظمها يسعى بقدر الإمكان إلى عرقلة أي حل سياسي يمكن التوصل إليه بين الفرقاء الليبيين، فذلك يعني انتهاءها وانكشاف خدعها.
وتسعى كل من فرنسا وروسيا، فضلاً عن بعض الدول العربية على رأسها الإمارات ومصر والسعودية، إلى فرض حفتر الذي لا يعترف بالشرعية الدولية، بالقوة على الليبيين رغم جرائم الحرب التي ارتكبتها قواته منذ انطلاق عملياتها في ليبيا سنة 2014.
مجلس الأمن يفشل في إدانة هجوم حفتر
ترى هذه الدول أن وجود حفتر على رأس الدولة الليبية مستقبلاً، سيمكنها من مدخرات البلاد النفطية الهائلة، كما سيمكنها من منطقة إستراتيجية على الحوض الأبيض المتوسط وفي منطقة الساحل الإفريقي.
في مقابل ذلك، ترى دول أخرى على رأسها ألمانيا وإيطاليا وقطر وتركيا والجزائر وتونس، ضرورة التوصل إلى حل سياسي شامل في ليبيا، يضمن وجود كل الأطراف التي تؤمن بالشرعية الدولية وانتخاب قيادة مدنية جديدة للبلاد، توحد البلاد وتضع حدًا لانعدام الاستقرار والفوضى والعنف الذي اتسمت به ليبيا في السنوات الأخيرة.
أمام تضارب وجهات نظر ومصالح هذه الدول، تبقى ليبيا تنزف وحدها دون أن يتحرك أحد لنجدتها، حتى إن بعض أبنائها اختاروا التخندق ضمن سياسة المحاور، حبًا في الجاه والمكانة، دون أن يولوا أي اهتمام لشعبهم الذي يعاني الويلات جراء تواصل أزمة بلاده.