تواصل قوات المعارضة السورية زحفها السريع نحو العديد من المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد لليوم السادس من عملية “ردع العدوان”، التي أطلقتها الأسبوع الماضي، مستفيدة من سلسلة العمليات العسكرية التي استطاعت من خلالها تحرير مناطق استراتيجية، كانت تحت سيطرة قوات النظام والميليشيات الإيرانية و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
خلال الساعات الماضية وسِّعت قوات المعارضة رقعة تحريرها في ريفَي حلب وحماة، حيث أعلنت الفصائل ضمن عملية “فجر الحرية” عن تحرير مدينة تل رفعت أبرز مواقع “قسد” في منطقة شمال حلب، إضافة إلى تحرير الشيخ عيسى التي أُسقطت تلقائيًا 24 قرية محيطة بها، ما يعني توسع العمليات باتجاه مدينة منبج الخط الاقتصادي الساخن، والذي يربط مدينة حلب بطرفَي الفرات الشرقي والغربي منه، إضافة إلى كون منبج خزانًا بشريًا للعائلات السورية من حمص وريفها وحماة ودير الزور.
السيطرة على تل رفعت ومحيطها التي تبعد 18 كيلومترًا جنوب الحدود التركية، و35 كيلومترًا عن مدينة حلب، يعني تحرير 850 كيلومترًا مربعًا، طالما شكّلت أرقًا وخطرًا أمنيًا على حياة المدنيين في المناطق المحررة لا سيما أعزاز وجرابلس، فمنذ 8 سنوات حين دخلتها “قسد” الكردية وهجّرت أهلها بغطاء روسي، لم تتوقف القذائف والاستهدافات الصاروخية على الأحياء السكنية والأسواق هناك.
حاولت “قسد” خلال اندلاع المعارك أمس الأحد في تل رفعت تشكيل ممر نحو شمال شرق سوريا، إلا أنها فشلت في ذلك بعد تمكُّن قوات المعارضة من قطع طريق الرقة- حلب، ليتمَّ ربط أوصال ريف حلب الشرقي والغربي والشمالي بمركز المدينة.
تحرير تل رفعت سبقه ضربات عنيفة استهدفت مطار منغ العسكري، لتتمَّ السيطرة عليه واغتنام 3 دبابات داخله، بعد أكثر من 8 سنوات على احتلاله من “قسد” التي غيّرت اسمه إلى اسم “Serok Apo”، ويعني “القائد أوجلان”، قبل أن تنسحب منه عام 2017 وتسلّمه للقوات الروسية.
ويبعد المطار عن حلب حوالي 40 كيلومترًا، وهو مطار عسكري مخصّص للمروحيات، ويضمّ مدرّجَين طول الواحد منهما 1.2 كيلومتر، لينضمّ إلى 3 مطارات أخرى تم تحريرها، وهي كويرس في ريف حلب الشرقي وأبو الضهور ومطار حلب الدولي، أول مطار مدني يقع تحت قبضة المعارضة، وثاني أكبر المطارات في سوريا بعد مطار دمشق الدولي.
استمرار التوسُّع
عمليات التقدم السريع المتواصلة سواء على محاور ريف حلب وريف حماة، استطاعت عبرها غرفة عمليات “فجر الحرية” ضمّ 11 قرية بريف حلب الشرقي إلى مناطق سيطرتها خلال الساعات الماضية، كما استولت على معدّات عسكرية ثقيلة، بما في ذلك دبابات ومدافع.
أما في ريف حماة الذي تجمعت في بعض قراه وبلداته قوات النظام، تسجّل “كتائب شاهين” المسؤولة عن استخدام سلاح المسيّرات الانتحارية استهدافات دقيقة لعربات وسيارات عسكرية ودفع رباعي لقوات النظام، لا سيما في صوران وحلفايا، وقمة جبل زين العابدين، إضافة إلى استهداف مروحية قبل إقلاعها في مطار حماة.
وأعلنت إدارة غرفة العمليات العسكرية استهداف كتائب شاهين، أهدافًا حسّاسة واستراتيجية للنظام بمناطق العمليات في حماة، أدّت إحدى تلك الهجمات إلى مقتل العميد عدي غصة، رئيس فرع الأمن السياسي التابع للنظام، فيما تحدثت مصادر إعلامية عن استهداف العميد سهيل الحسن المدعوم من قبل روسيا.
محاولات لإنقاذ النظام
وفي ظل اشتداد المعارك العسكرية، لم تهدأ محاولات تدخل حليف النظام الروسي والإيراني إلى جانب النظام، عبر التصريحات السياسية المنتقدة لتوسع المعارضة السورية، وعبر الميدان، فسلاح الجو الروسي الذي يستهدف المدنيين لا يغادر سماء حلب وإدلب، أما إيران فرغم المراقبة الأمريكية لنشاطها عبر الحدود من جهة الشرق السوري، لا تزال تحاول توجيه أذرعها الولائية بأية طريقة لمساندة النظام.
وكشفت مصادر سورية لوكالة “رويترز” عن “وصول مقاتلين عراقيين من الحشد الشعبي إلى سوريا، لدعم النظام في مواجهة الفصائل المسلحة المعارضة.
وقالت “رويترز” نقلًا عن مصدرَين عسكريَّين سوريَّين، إن “ميليشيات مسلحة شيعية تنتمي إلى كتائب حزب الله العراقية ولواء فاطميون، وصلت الليلة الماضية إلى سوريا قادمة من العراق، عبر ممر عسكري قرب معبر البوكمال الحدودي لدعم الجيش السوري في معاركه ضد الفصائل المسلحة المعارضة”.
إلا أن طائرة حربية أمريكية استهدفت أرتال تلك الميليشيات المؤلفة من 20 سيارة من نوع بيك آب، على أطراف البوكمال بريف دير الزور الشرقي، ما أدّى إلى وقوع قتلى وجرحى وتدمير معظم الرتل الذي كان وجهته نحو محافظة حماة لمساندة قوات النظام، بعد الخسائر التي تكبّدها على يد فصائل المعارضة خلال الأيام القليلة الماضية.
“قسد” تعلن التعبئة
تراجعت قوات “قسد” الكردية وانسحبت من تل رفعت نحو منبج، جراء ضربات المعارضة العنيفة ومحاصرتها من عدة محاور، الأمر الذي دفع “الإدارة الذاتية”، جناح “قسد” المدني، عبر بيان لها إلى إعلان التعبئة العامة في مناطقها، زاعمة أن عمليات المعارضة “تهدد كل سوريا، وتستهدف مشروع الإدارة الذاتية، وأن هذا الهجوم يستهدف احتلال وتقسيم سوريا، وتحويلها إلى بؤرة للإرهاب الدولي”.
ودعت مؤسساتها إلى “الاستنفار الكامل وعمل خلايا أزمة لمواجهة تحديات العدوان التركي”، مطالبة شباب وشابات شمال وشرق سوريا بالالتفاف حول “قسد” لمواجهة ما أسمته بـ”العدوان”.
وعلى غرار العام 2011، يسلّم النظام السوري مواقعه إلى “قسد” قبل انسحابه منها، وهو ما يجري حاليًا في عدة مواقع شمال شرق سوريا، بعد تسليم عدة أحياء من الجهة الشمالية والشرقية لحلب، والتي تضمّ عشرات الآلاف من السكان الأكراد، كالأشرفية والشيخ مقصود وبستان الباشا والهلك الفوقاني.
خلال ساعات الليل الفائتة، جرى التفاوض مع عناصر “قسد” الموجودين في تلك الأحياء للخروج بشكل آمن منها، لا سيما بعد وقوع اشتباكات متقطّعة وتصفية عناصر من قوات المعارضة كانوا قد ضلّوا طريقهم ودخلوا تلك الأحياء.
ووجّهت “إدارة العمليات العسكرية” لفصائل المعارضة المشاركة في عملية “ردع العدوان”، دعوة لعناصر “قسد” للخروج بسلاحهم إلى شمال شرقي سوريا بشكل آمن”، مؤكدة في بيان لها “أن أكراد سوريا جزء لا يتجزّأ من المجتمع السوري، وله كامل الحقوق المشتركة مع باقي أبناء هذا البلد”.
نازحون يعودون إلى قراهم
بعد تحرير مساحات شاسعة، انتشرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل توثّق زيارة المهجرين بيوتهم وتفقُّد قراهم، ورغم الدمار الواسع في المنازل والبنية التحتية وغياب الخدمات ونهب مقتنياتها من عناصر النظام، إلا أن الكثير منهم يؤكد على إعادة إعمار تلك البيوت والعودة إليها.
ومنذ انطلاق عملية “رد العدوان” التي بدأت صباح يوم 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، كان الهدف منها حسب تصريح القيادي العسكري في إدارة العمليات العسكرية التابعة لغرفة عمليات الفتح المبين، حسن عبد الغني، توسيع المناطق الآمنة تمهيدًا لعودة الأهالي إليها، وطرد الميليشيات الإيرانية منها.
واستجابة للاحتياجات المتزايدة الناتجة عن التطورات الميدانية والإنسانية في البلاد، أعلن الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) عن توسيع نطاق عملياته الإنسانية والخدمية، لتشمل مدنًا وبلدات جديدة في سوريا.
ووفق “الخوذ البيضاء”، فإن برنامج عملها سيشمل المناطق السكنية المأهولة، والمدن والبلدات والقرى التي سيعود إليها سكانها الذين كانوا مهجّرين منها، بالتوازي مع استمرار أعمال المنظمة في المناطق التي كانت تخدمها.
بالمقابل، وبالتزامن مع استمرار هجمات فصائل المعارضة، ترتفع وتيرة التصعيد العسكري وهجمات طيران النظام والاحتلال الروسي في عموم الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة، فقد أعلن الدفاع المدني السوري مقتل 4 مدنيين، بينهم امرأة، وإصابة 54 مدنيًا بجروح منها بالغة، بينهم 25 طفلًا و16 امرأة، في حصيلة غير نهائية لغارات جوية هي الأعنف لطائرات النظام الحربية، استهدفت أحياء مدينة إدلب ومخيمَين للمهجّرين.
وتشهد مدينتا إدلب وحلب تصعيدًا كبيرًا، ففي صباح اليوم جّدد الطيران استهدافه لمدينة إدلب، ما أدّى إلى تسجيل قتلى وجرحى مدنيين لا يزالون عالقين تحت الأنقاض، إضافة إلى استهداف مدينة معرة النعمان ببراميل متفجرة.
أما حلب، لا سيما المدينة التي تحوي 5 ملايين مدني، فقد تعرضت لقصف جوي عنيف طال مدخل المشفى الجامعي وأحياء سكنية في حي الجميلية ومنطقة ملعب الحمدانية، ما أدّى إلى مقتل 12 شخصًا وإصابة 23 آخرين، كما استهدفت الغارات تجمعًا يضمّ الكلية الإيطالية وكنيسة تريسنت وديرًا في حي الفرقان.