لحظات قليلة تفصل المصريين عن بدء الاستفتاء الشعبي المثير للجدل على التعديلات الدستورية المقترحة والتي أقرها مجلس النواب قبل أيام، وحددتها الهيئة الوطنية للانتخابات، لتبدأ اليوم الجمعة للمصريين في الخارج وتنتهي الأحد 21، فيما تبدأ في الداخل غدًا، السبت، وتنتهي الإثنين، على أن يكون الإعلان عن النتيجة في موعد أقصاه السبت 27 من الشهر الجاري.
التعديلات تمسّ بنودًا طالما أثارت استياء المصريين طيلة العقود الماضية، تلك المتعلقة بتمديد فترة ولاية الرئيس عبد الفتاح السيسي وتمكينه من الكرسي حتى 2030، بجانب مؤسسات الدولة الأخرى على رأسها القوات المسلحة والقضاء، الأمر الذي أحدث انقسامًا داخل الشارع المصري وسجالًا بين المؤيدين والمعارضين خلال الشهرين الأخيرين.
بخلاف الفريق المؤيد لتلك الخطوة من الأحزاب السياسية وأعضاء البرلمان ورجال الأعمال والتي لم تؤثر الصيغة النهائية للتعديلات المقترحة في مواقفهم إذ استبقوها بحملات مكثفة من الدعايا الانتخابية دون انتظار لما ستسفر عنه جلسات الحوار الوطني داخل البرلمان، فهناك فريق على الجهة الأخرى له رأي مغاير.
وفي الوقت الذي يقف فيه المؤيدون في خندق واحد مدافع عن التعديلات وكأنها معركة حياة أو موت دون معرفة تفاصيلها، فإن المعارضين للاجتراء على الدستور وتفصيله على مقاس شخص بعينه هم من يعانون من حالة انقسام، ففريق يرى بضرورة المشاركة والتأكيد على رفض ما وصفوه بالجريمة، فيما فضّل أخرون خيار المقاطعة تجنبًا لما أسموه “حصول النظام على اللقطة” من خلال الحضور الكثيف.
سجال على منصات السوشيال ميديا وداخل الأروقة السياسية بين فريقي المعارضة، فلكل وجهة نظره التي يؤمن بها، وبين الداعين للمشاركة والتصويت بـ “لا” من جانب والمطالبين بالمقاطعة من جانب أخر، يقف 61 مليون و800 ألف ناخب لهم حق التصويت، في انتظار ما ستسفر عنه نتائج هذا الاستفتاء الذي بات وصمة عار في جبين مدنية الدولة وديمقراطيتها المنشودة.
“سنشارك ونقول لا”
الفريق الأول من الرافضين للتعديلات يرون بضرورة المشاركة في الاستفتاء وتسجيل حالة رفض عامة لما ينتوي النظام تمريره وإيصال رسالة للعالم بكذب ما تروجه السلطات بشأن الموافقة الشعبية على هذه الخطوة، لافتين إلى أن المشاركة الكثيفة ربما تحول عرسهم المتوقع إلى نكد وفضيحة.
العديد من صفحات السوشيال ميديا تتبنى هذا الموقف منها، صفحة الموقف المصري، صفحة البوست السياسي، صفحة ثـورة 25 ينـاير2011، صفحة مصر فوق الجميع لا لتعديل دستور مصر، صفحة Freedom for Egypt _ الحرية لمصر، صفحة حزب حزب الدستور.
جربنا المقاطعة كتير.. بس وإحنا بنقاطع قبل كدة كان عندنا فرصة نعبر عن رفضنا من خلال الشارع ومن خلال منصات إعلامية كان فيها هامش حرية، دلوقتي مفيش قدمنا غير صناديق الاقتراع.. هننزل ونشارك ونقول #لا_للتعديلات_الدستورية
هذا بجانب العديد من الشخصيات العامة التي دعت للنزول والمشاركة والتصويت بـ “لا” على رأسها البرلماني هيثم الحريري وأحمد طنطاوي، والفقيه الدستوري محمد نور فرحات والمحامي طارق نجيدة والفنان عمرو واكد والصحفية مي عزام وغيرهم من المؤيدين لهذا التوجه.
الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي وعلى صفحته الرسمية على “فيس بوك” عدد أسباب رفضه لتلك التعديلات منها تفصيل مادة على مقاس الرئيس والاستماتة من أجل التمديد له وإبقاءه على كرسي الحكم، فضلا عن اجتراء التعديلات على الدستور واستقلال القضاء وأقحام القوات المسلحة في المشهد السياسي.
الحزب دعا إلى ضرورة المشاركة وبكثافة والتصويت الجماعي بالرفض لهذه الجريمة على حد وصفه، حماية للجيل الحالي والأجيال القامة من المصريين، مذيلا بيانه بعبارة ” حنعمل الصح ونقول لا للتعديات الدستورية “.
أما صفحة “لا لتعديل دستور 2014 عايزين رئيس جديد لمصر” فحثت على المشاركة والنزول وعدم الاستجابة للأصوات المحبطة وفق تعبيرها، مضيفة: “من حقك تكون لسه مقتنع بالمقاطعه لكن حالياً فيه لحظة إجماع واضحه بين كل المعارضه على النزول والتصويلا بلا”
أما المتحدث باسم التيار الشعبي حسام مؤنس فأشار إلى أن “التعديلات وأسبابها والطريقة اللي تمت بها والتعجل الشديد فى عقد الاستفتاء والتغييب الكامل لأى مساحة للمعارضين للتعديلات علشان يوصلوا صوتهم، كلها مكشوفة وواضحة لقطاع كبير من المجتمع” مضيفا ” فيه خوف صحيح، فيه تردد صحيح، فيه إحباط صحيح .. بس كمان فى مستقبل هيجى هيجى .. ولو عايزين نبقى طرف فيه يبقى بحضورنا ووجودنا، مش بالقعدة والفرجة والاستسلام للاحباط واليأس .. مش بس فى الاستفتاء، فى كل مساحة ممكنة وانتخابات جاية ومعركة بتتفرض على البلد دى .. أننا نقول لا جايز المرة دى متغيرش حاجة فى النتيجة، بس جايز كمان تبقى بداية خروج من حالة سكون وسكوت وخوف طالت. اللى فى ايدنا نعمله، واللى بصوتنا نقدر نقوله. كلمة (لا) لها أثر وصدى، وهيوصل ولو بعد حين”
فيما أكد الكاتب الصحفي أنور الهواري أن ما وصفه بـ “الديكتاتورية الجديدة 2013-2030” أسقطت عن وجهها كل الأقنعة، وظهرت علي حقيقتها، ديكتاتورية عربية مُبينة، كاشفة عن نفسها، واضحة الملامح، كاملة الأوصاف. مضيفًا في منشور عبر صفحته في فيسبوك أن مواجهة تلك الديكتاتورية يجب أن يكون بسياسة الاعتدال المطمئن والنفس الطويل والصبر الجميل، بالرأي والفكر والعلم والثقافة والوعي والإقناع، بما يكفي لتشريحها والإبانة عن عوراتها السياسية وتهافت منطقها الكاذب والملتوي والمرواغ، وبما يكفي لنزع الغطاء عن مزاعمها الأخلاقية والوطنية.
في كل الأحوال سيتم التلاعب في نتائج الاستفتاء وستبدل الصناديق كما حدث في المرات القادمة، ومن ثم فليس هناك من دافع للمشاركة سوى مساعدة النظام في الحصول على “اللقطة” التي يسعى لها
وأضاف “الزمن معنا، والزمن عليها، والمستقبل معنا، والمستقبل عليها، هي ليست أكثر من طفح جلدي قادم من بطن التاريخ المريض.. سوف نذهب إلي صناديق الاستفتاء، وسوف نقول: لا للتعديلات الدستورية، لا لتأسيس ديكتاتورية جديدة، لا للحكم الفردي المطلق، لا لاستغفال الشعب، لا لمصادرة مستقبل الأجيال، لا للحكم بالحديد والنار”.
وهو نفس ما ذهب إليه محمد سعد عبدالحفيظ، عضو مجلس نقابة الصحفيين المصرية، الذي طالب بالوقوف طوابير أمام لجان الاستفتاء “كلموا الناس علشان كل واحد رافض للتعديلات الدستورية يعرف أنه مش لوحده.. جربنا المقاطعة كتير.. بس وإحنا بنقاطع قبل كدة كان عندنا فرصة نعبر عن رفضنا من خلال الشارع ومن خلال منصات إعلامية كان فيها هامش حرية، دلوقتي مفيش قدمنا غير صناديق الاقتراع.. هننزل ونشارك ونقول #لا_للتعديلات_الدستورية”
أما الصحفي محمد العربي فيشير في حديثه لـ “نون بوست” إلى أن النظام الحالي ما عاد في حاجة إلى حشود جماهيرية ولا يفرق معه مشاركة من مقاطعة، فقد نجح بديكاتوريته في فرض شرعيته التي اعترف بها معظم دول العالم، وفي الداخل لديه من الحلفاء والأنصار ما يسمحون بتجييش الجماهير سواء من أجل مصالح أو خوفا من عقاب، ومن ثم لم يعد هناك من سبيل للمواجهة سوى الصناديق الانتخابية أيا كانت الظروف.
لن نسمح لهم بـ “اللقطة”
وفي الجهة الأخرى هناك فريق يرى بضرورة المقاطعة الكاملة لكافة الاستحقاقات الصادرة عن النظام الحالي، لافتًا إلى أن الهدف الرئيسي من الحث على النزول هو “اللقطة” وتصدير صورة للعالم أن هناك إقبالًا جماهيريًا على الاستفتاء، ومن ثم فليس من الذكاء تقديم هذه المنحة لهم على طبق من ذهب كما يقول أنصار هذا الفريق.
الكاتب معتز أبو أدهم يرى أن النزول معناه اعتراف رسمي بشرعية النظام الحالي، الذي يسعى وفق رأيه إلى إثبات شعبية هذه الخطوة التي قوبلت بتنديد دولي وإقليمي ومحلي كبير، ومن ثم فالخروج الوحيد من المأزق هو الحضور والمشاركة الكثيفة التي تفند تلك الاتهامات.
انخفاض القابلية للحشد عند موظفي القطاع العام والعلاوات المعلنة غير ذات جدوى، فيما تتصدر القاهرة الكبرى الأقاليم الجغرافية العازفة عن المشاركة لأول مرة منذ سنوات طويلة
وأضاف الكاتب لـ “نون بوست” أنه في كل الأحوال سيتم التلاعب في نتائج الاستفتاء وستبدل الصناديق كما حدث في المرات القادمة، ومن ثم فليس هناك من دافع للمشاركة سوى مساعدة النظام في الحصول على “اللقطة” التي يسعى لها، وسيصدرها على أنها تأييد له ولخطواته وليست أصوات معارضة.
الفرصة الأخيرة لينا إننا نشوف قوتنا علي أرض الواقع
إن صوتنا يبقا ليه لازمة مرة واحده في التاريخ#أنزل_قول_لا #لا_للتعديلات_الدستورية #باطل
— Hossam Hassan (@alclown2018) April 18, 2019
فيما ذهبت هناء المرسي، باحثة سياسية، إلى أن المقاطعة ربما تكون أبلغ رسالة في مواجهة الجريمة التي تطهى داخل مطابخ النظام الحالي، موضحة أن العزوف عن المشاركة وخواء لجان الاستفتاء ستكون ضربة موجعة تكشف عوار الإدعاءات التي ساقتها السلطات الحاكمة.
الداعمون لهذا الفريق يفقدون الثقة في نزاهة إجراءات الاستفتاء، وعليه فإن المستفيد الأول من المشاركة سيكون السيسي ورفاقه، أما المعارضون فسيخسرون آخر ورقة يتمسكون بها في مواجهة الاعتراف بشرعية النظام، وعليه يرون أن الحل الأفضل هو المقاطعة وفضح اللجان الخاوية.
ولذلك انا بأيد اي حد نازل سواء نازل يتظاهر او ناازل يقولل #لا_للتعديلات_الدستورية المهم ان الشارع يزدحم بالرافضين للتعديلات وانا متأكد ان اللي هيصوت بلا لما يلاقي مظاهرات هينضم لها
— Saif Eldin (@WQzfL6zB6E9Sa1v) April 18, 2019
تراجع المشاركة وانقسام داخل الكتلة القبطية
في دراسة أجراها المركز المصري لدرسات الإعلام والرأي العام (تكامل مصر) وهو مركز مستقل، حول التعديلات الدستورية، كشفت عن تراجع ملحوظ بين عينة البحث فيما يتعلق بالرغبة في المشاركة في الاستفتاء على عكس ما يروج له الإعلام المؤيد للنظام.
الدراسة التي حصلت “نون بوست” على نسخة منها، أجريت في 14 و15 و16 أبريل الجاري على عيّنة عشوائية طبقية ممثلة للمجتمع المصري قدرها 3154 مفردة. كما أجري التحليل واستخراج النتائج باستخدام التحليل العاملي، وتوصل إلى العديد من النتائج على رأسها وجود انقسام حاد داخل الكتلة القبطية، والقطاع الأكبر لن يشارك.
كذلك توصلت إلى انخفاض القابلية للحشد عند موظفي القطاع العام والعلاوات المعلنة غير ذات جدوى، فيما تتصدر القاهرة الكبرى الأقاليم الجغرافية العازفة عن المشاركة لأول مرة منذ سنوات طويلة وهو أمر يتطلب الوقوف عنده طويلًا، هذا بخلاف ارتفاع معدلات رفض المشاركة داخل فئات كبار السن وتقاربها مع معدلات الرفض عند الشباب.
ومن اللافت للنظر في النتائج التي توصلت إليها الدراسة ارتفاع معدلات رفض المشاركة عند فئة النساء متفوقة على فئة الذكور لأول مرة منذ 2013، وهي القاعدة العريضة الأساسية التي طالما ارتكن إليها السيسي في الاستحقاقات الانتخابية التي شهدتها مصر خلال السنوات الست الماضية.
وفي المجمل، أثبتت التجارب السياسية طيلة السنوات الماضية أن المقاطعة لم تجدي نفعًا، فالنظام الحالي تجاوز مرحلة البحث عن شرعية لوجوده بمراحل، وفي ظل السياسات القمعية الممارسة، ضاقت معها سبل المواجهة وتقلصت رقعة المنافسة بصورة كبيرة، ولم يعد سوى الصندوق –برغم سلبياته وفقدان نزاهته- ساحة وحيدة للرفض والمعارضة.
وأمام تراجع مساحة الخيارات باتت المشاركة وإعلان الرفض بصورة رسمية وتعزيز ذلك بتوثيق وحضور مكثّف يعكس حجم المعارضة، ضرورة منطقية، فرضتها ظرفية الزمان والمكان والحال، لعلها تكون نواة لبناء قاعدة مشتركة لأطياف المعارضة بشتى أنواعها، لكن يبقى الاتفاق حول توحيد الأهداف والموقف بشأن عملية المشاركة هي المحك لنجاح هذه الخطوة في ظل حالة الانقسام الواضحة بين فريقي الرافضين للتعديلات.