ترجمة وتحرير: نون بوست
يمكن للواقع المعزز تغيير جراحة الدماغ بفضل منصّات التشخيص القوية، وإحداث ثورة في علم الأشعة، وفتح المجال أمام التقنيات الجديدة المستخدمة في الجراحة الترميمية. ويعتبر الواقع المعزّز، المعروف أيضًا باسم الحوسبة المكانية التي تتمثل في دمج الأجسام المادية مع الرقمية، من بين التوجهات التقنية الحالية التي تعمل إلى جانب الواقع الافتراضي والواقع المختلط على تغيير كافة الصناعات، بما في ذلك الرعاية الصحية ومجال التعليم الطبي.
على الرغم من أن هذه التقنيات باتت تحظى بالكثير من الاهتمام في الوقت الراهن، إلا أنها كانت مطروحة منذ مدّة طويلة. ففي سنة 1965، قدم روبرت مان أول نظام افتراضي في مجال الطب (ثاوزند فايسز أوف فيرتشوال رياليتي). وقد أُستُخدم هذا النظام لتحديد الإجراء المناسب لعلاج مرض العظام، إلى جانب استعماله لتسهيل بيئة تدريبية جديدة للمتخصصين في جراحة العظام.
في ستينيات القرن الماضي، ظهرت أولى أجهزة المحاكاة التي احتوت على صور ثلاثية الأبعاد. وفي أواخر الثمانينيات، طُرحت شاشة مثبّتة على الرأس (جهاز يمكن ارتداؤه) لتصوير المؤثرات البصرية للواقع الافتراضي في الطب. وبعد مرور ما يزيد عن عقد من الزمن، بدأت التطبيقات الرائدة الأولى في التعليم الطبي في الظهور في شكل بعض الإجراءات العملية. ويشترك كل من الواقع المعزّز والواقع الافتراضي في بعض الجوانب التقنية. وعلى الرغم من أن عملية تطوير الواقع المعزّز بدأت منذ الستينيات، إلا أن هذا المصطلح لم يوضَع إلا بحلول سنة 1990.
مع ذلك، بدأ عصر جديد من الحوسبة المكانية ضمن الاستخدام السريري. وحاليًا، تزوّد تقنية الواقع المعزّز الطبيب والجرّاح بمعلومات إضافية حول المريض أثناء إجراء تدخلات طبية، على غرار التصوير المقطعي المحوسب والتصوير بالرنين المغناطيسي. ويحظى الواقع المعزّز بمكانة هامة بالنسبة للطلاّب والأساتذة على حد سواء عندما يتعلق الأمر بالتعليم الطبي. وتشمَل التطبيقات الرئيسية في التعليم الطبي تمثيل الآليات في أبعاد المكان والزمان في علم وظائف الأعضاء، أو استخدام البعد الرابع وتقنية ثلاثي الأبعاد لتصوّر البنية الصعبة في علم التشريح.
لمحة بسيطة عن الواقع المعزز في الطب
يُظهر الواقع المعزّز في الطب ما يمكن تحقيقه في القرن الحادي والعشرين باستخدام التقنيات الرقمية المتطوّرة.
ويعمل الباحثون في جميع أنحاء العالم عن كثب مع شركات تكنولوجيا الواقع المعزّز حول المسائل الطبية الدقيقة، على غرار جراحة الدماغ وإعادة ربط الأوعية الدموية، حتى يتمكّنوا من تطويع الواقع المادي والافتراضي في غرفة العمليات.
كيف يمكن للواقع المعزز تغيير جراحة الدماغ؟
من المتوقع أن تصبح عملية إزالة أورام الدماغ قريبًا أسهل بكثير بفضل تحسّن مهارات الجرّاحين، حيث سيتمكنون من إجراء العملية الجراحية مع رؤية صورة دماغ المريض تطفو داخل الغرفة. وفي الفيديو أعلاه، يستخدم الجراح الواقع المعزّز للتخطيط لعملية حجّ القحف على الجلد والعظام والجافية، وكذلك بعد العملية على القشرة المخية.
في الوقت الراهن، تبذل الشركتان الرائدتان في مجال التقنيات الطبية “ماجيك ليب” الأمريكية و”براين لاب” الألمانية، جهودًا مشتركة لإضافة هذا البعد المبتكر إلى العمليات الجراحية والتصوير الطبي في نظام التشغيل. ويجمع هذا النظام بين إدارة البيانات الطبية لشركة “براين لاب” والحوسبة السحابية والتصوّر وبرامج المعالجة المسبقة للبيانات مع الحوسبة المكانية والمنصات التجريبية لشركة “ماجيك ليب” التي تعمل على تصنيع أجهزة بصرية باستخدام الواقع المعزّز.
وفقًا لهاتين الشركتين، يعِد الإصدار الأول من هذا المنتج بتسيير التخطيط الجراحي والمحاكاة في غرفة العمليات. وأكّدت الشركتان أنه سيقع توسيع نطاق استخدام هذا المنتج بسرعة ليشمل الجيل التالي من العوالم الافتراضية والمادية لغرفة العمليات وغرفة العلاج الإشعاعي ووحدة العناية المركزة وجناح الأشعة.
الواقع المعزز: رؤية ما تحت جلد المريض
طوّر طالبان مختصّان في مجال علم الحاسوب في جامعة ألبرتا الكندية، إيان واتس ومايكل فيست، تقنية جديدة باستخدام الواقع المعزّز، أطلقا عليها اسم “بروجكت دي آر”. وأشرف كل من بيير بوولنجر، وهو بروفيسور في كلية العلوم ورئيس شركة “هيلث كير سلوشنز”، وغريغ كوتشوك، وهو بروفيسور في كلية الطب التأهيلي بجامعة ألبرتا، على الأبحاث التي قام بها الطالبان.
تسمح هذه التقنية بعرض الصور الطبية، على غرار التصوير المقطعي المحوسب وبيانات التصوير بالرنين المغناطيسي، على جسم المريض مباشرة. فضلًا عن ذلك، تمتاز هذه التقنية بالقدرة على تتبع الحركة، حيث تنتقل الصورة عندما يتحرك المريض بفضل البرنامج المخصوص الذي صممه إيان واتس، مما يتيح للطبيب الاطلاع بشكل كامل على التشريح الداخلي للمريض. ويظهر الفيديو أعلاه كيف تعمل تقنية “بروجكت دي آر”. ويمكن استخدام هذا النظام في التخطيط الجراحي والدقة في الجراحة وإعادة التأهيل وجراحة تنظير البطن، والعلاج الطبيعي، وكذلك في التعليم.
وفقًا لمطوري هذه التقنية، تمتلك هذه التقنية القدرة على تقديم صور مجزأة لجسم المريض، وهذا يعني أنه لا يمكن إظهار الرئتين أو الأوعية الدموية إلا بناء على ما يحتاج الطبيب رؤيته لتجنّب تشتيت انتباهه والتركيز بشكل أفضل على المنطقة المستهدفة فحسب.
استخدام الواقع المعزز للرؤية عبر الأنسجة وإعادة وصل الأوعية الدموية
في الكلية الامبريالية للعلوم والتكنولوجيا والطب في لندن في مستشفى سانت ماري، المركز الرئيسي لعلاج الصدمات، أظهر فريق من الباحثين، لأول مرة، كيف يمكن لتقنية الواقع المختلط والنظارات الذكية “هولولينس” من مايكروسوفت أن تستعمل خلال مباشرة حالة المرضى الذين يخضعون لعملية ترميم الأعضاء السفلية.
وفقًا لهذا الفريق، يمكن لهذه التكنولوجيا أن تساعد الجرّاحين على تحديد موقع الأوعية الدموية الرئيسية وإعادة وصلها ببعضها خلال الجراحة الترميمية. ومن شأن هذه التقنية أن تساعد المرضى في الحصول على نتائج أفضل. وحسب الدكتور فيليب برات، وهو زميل باحث في قسم الجراحة والسرطان، فإن فريقه يعتبر من أوائل الفرق في العالم التي اعتمدت نظارات “هولولينس” الذكية بنجاح في غرفة العمليات.
من خلال استعمال نظارات “هولولينس”، يمكن للجرّاحين تركيب الصور الضوئية على المريض أثناء خضوعه للجراحة، وهو ما يمكنهم من رؤية العظام، ومجرى الدم، وتحديد مكان العضو المراد العمل عليه. وتعتبر هذه التكنولوجيا قادرة على تقليص الوقت الذي يقضيه المريض تحت التخدير، كما تقلّل أيضًا من هامش الخطأ البشري.
حسب تقرير صادر عن الكلية الإمبريالية للعلوم والتكنولوجيا والطب في لندن، أفاد الفريق الجراحي بأنه نجح في الحالات الخمس الأولى مع مرضى من البشر انطلاقًا من رجل يبلغ من العمر 41 عامًا تعرض لإصابات بليغة في ساقه جراء حادث سيارة، وامرأة مسنة تبلغ 85 عامًا تعاني من كسر مركب في الكاحل. وقد وجد الجرّاحون أن نظارات “هولولينس” أداة فعالة في غرفة العمليات ناهيك عن أنها أفضل من تقنية الموجات الصوتية المعتمدة لتحديد الأوعية الدموية. وهذه ليست سوى البداية لكيفية استعمال تقنية الواقع المعزز في الطب.
المصدر: إنترستنغ إنجينيرينغ