ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد التحقيق الذي نشرته مجلة “نوفيل أوبسرفاتور” الفرنسية، يشتبه القضاء في أن الأمير هنري كروي قد اختلس ملايين الدولارات ومارس التهرّب الضريبي على نطاق واسع. وكان لنا لقاء مع هذا الأمير للرد على هذه الاتهامات.
إن هذا الرجل الذي يحمل اسما مميزًا، وتم تقديمه في الصحافة على أنه بطل عالمي في التهرّب الضريبي، يعتبر أن الأمر يستوجب التصحيح لأن ما ارتكبه ليس تهرّبًا ضريبيًّا بل “تحسينًا لوضعه الضريبي”، وهو أمر لا يمكن أن يمر بسهولة. لقد ظهر هذا الرجل على غلاف مجلة “نوفيل أوبسرفاتور”، وتم تشبيهه بالغسالة الأوتوماتيكية في المجال الضريبي وبأنه يمارس التهرّب على نطاق واسع، في إطار ملف استقصائي تحت عنوان “أوراق دبي”، وهو أمر يقرّ هذا الأمير البلجيكي ومؤسس مجموعة “هيلان” لإدارة الثروات بأنه سبب له بعض القلق والإزعاج.
يذكر أن خمسة زبائن لمجموعة “هيلان” التي أسسها هنري كروي في بداية الألفية رفقة شقيقه إيمانويل، والتي يمارس من خلالها أعمال إدارة الثروات، رفعوا دعاوى قضائية ضده
بعد تبرئته لعدم كفاية الأدلة في سنة 2015 في محكمة الاستئناف في مدينة لياج البلجيكية، التي كانت تنظر في التهم الموجه له بالتحيّل الضريبي، وبعد أن أطلقت عليه الصحافة تسمية “الأمير الأسود”، وجد هنري كروي نفسه مجددًا أمام القضاء. في 15 آذار/ مارس الماضي، حين أعلمه المدعي العام في جنيف بأنه تم وضعه قيد التحقيق القضائي بشبهة إدارة الأموال بشكل غير قانوني. ويذكر أن خمسة زبائن لمجموعة “هيلان” التي أسسها هنري كروي في بداية الألفية رفقة شقيقه إيمانويل، والتي يمارس من خلالها أعمال إدارة الثروات، رفعوا دعاوى قضائية ضده.
هؤلاء الزبائن الخمسة يتهمون الشركة باختلاس الأموال التي تم ائتمانها عليها، حيث أن مبلغ 84 مليون يورو تبخّر في مكان غامض بين رأس الخيمة ودبي، الإماراتيتين. وقد وُضع المتهم تحت الرقابة القضائية في سويسرا، وهو يخضع الآن لتحقيق أولي مفتوح في فرنسا، من قبل المكتب الوطني للتحقيقات المالية، بشبهة القيام بعمليات تبييض أموال وتهرّب ضريبي.
في خضم هذه العاصفة الإعلامية والقضائية، قرّر هنري كروي كسر الصمت والتحدث إلى مجلة لوبوان. وقد وضّح بنفسه بعض الأمور وعرّف بنفسه، حيث قال بكل جدية: “أنا أعمل في المجال المالي وأنتمي إلى عائلة قديمة ليست سوداء ولكنها تحمل اسمًا نبيلًا يعود إلى القرن الخامس عشر. وأنا على وعي تام بأهمية هذا الأمر”.
قصر نيافر
حدد هنري موعدًا معنا في مكتب محاميه، السيد إيمانويل مارسيني، في شارع سان جيرمان في باريس. وقد حضر ببدلة أنيقة، ولكنها ليست بذلك القدر من الأرستقراطية مثل البدلة السوداء التي ظهر بها على غلاف مجلة “نوفيل أوبسرفاتور”، وكان جالسًا على طاولة في قصر آزين الذي يملكه في مقاطعة نيافر الواقعة في وسط فرنسا، أين كان يقيم حفلات صاخبة ومترفة.
أفاد أحد أصدقاء هذا الأمير قائلا “إن هذا القصر الشهير بعيد جدا عن أن يكون مثل قصر فرساي، كما تصوره وسائل الإعلام. إنه بسيط للغاية في الواقع. ولكن الأمير هنري هو الذي يضيف هالة على هذا الأمر لأنه يحمل اسما مثيرا للاهتمام”
حيال هذا الشأن، قال هنري: “إن ذلك القصر لم يعد ملكي، لقد بعته لأنني كنت بحاجة للمال من أجل مشروع آخر. أما بالنسبة للحفلات، فلم تحدث إلا في مناسبة واحدة، في عيد ميلاد ابنتي الكبرى عندما أتمت 18 سنة. لقد أكلنا طعامًا جيدًا حينها، ولكن لم يكن هناك كافيار على الطاولة”.
في سياق متصل، أفاد أحد أصدقاء هذا الأمير قائلًا “إن هذا القصر الشهير بعيد جدًا عن أن يكون مثل قصر فرساي، كما تصوره وسائل الإعلام. إنه بسيط للغاية في الواقع. ولكن الأمير هنري هو الذي يضيف هالة على هذا الأمر لأنه يحمل اسمًا مثيرًا للاهتمام، ولكنه في كل الأحوال ليس رجلًا ثريًا. فوالده ليوبولد، الذي كان رجلًا مناضلًا منذ بدايته، كان يميل إلى اليسار واستقبل في بروكسيل اللاجئين الفارين من الأنظمة الدكتاتورية اليمينية المتطرفة في أمريكا اللاتينية. لقد كان من ذلك النوع المنتمي لتيار البورجوازية البوهيمية، ولهذا السبب أسمته الطبقة النبيلة في بلجيكا بـ “الأمير الأحمر”. وفي بداية حياته كان الأمير هنري فقيرًا جدًا، ومن أجل تمويل دراسته، كان يعمل موظف حمل الصناديق في شركة كوكا كولا، لذلك إن الحقيقة بعيدة جدًا عن الصورة التي رسمت له في العالم”.
لكن هنري كروي لم يأت لمقابلتنا حتى يحدثنا عن حسبه ونسبه، أو عن أطفاله وزوجته الرائعة التي تشتغل أخصائية في معالجة صعوبات النطق، بل جاء ليدافع عن نفسه أمام الاتهامات الموجه له. وكما هو معروف، فإن أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم، لذلك وجه هنري اتهامات للجميع وقال: “إن مبلغ 84 مليون يورو الذي يتم الحديث عنه، قمت بإيداعه في العام 2016 بين يدي شركة ائتمانية محلية مقرها في الإمارات تحمل اسم “رولاين سي” يديرها أليكسي كوروتاييف، وهو بطل أولمبي سابق في رياضة الغطس دخل مجال الأعمال، واستفاد من جنسيته المزدوجة الروسية السويسرية. وهذه الشركة لها علاقة مع شركة مالية أخرى تحمل اسم إيه دي إس”.
أضاف كروي: “تم تحويل مبلغ 18 مليون دولار من قبل كوروتاييف من أجل استثماراته في فريق كرة القدم رودا جي سي الهولندي، إضافة إلى مصحة لعلاج العيون في انجلترا. وطبقًا لمعلوماتي، فإن الملايين التي تبقت لا تزال بحوزة شركة إيه دي إس. وقد ادعى كوروتاييف أن هذه الأموال ملكه. أما زبائن مجموعة “هيلان”، ومن بينهم مديرها المحلي، فهم يسعون للحصول على هذه الأموال من خلال إصدار ادعاءات خاطئة”.
فقدت السيطرة
إن كل هذه التصريحات غير قابلة للتأكيد أو الإثبات، لذلك يتم تفنيدها من قبل المعنيين بالأمر. وإذا اعتمدنا على كلام هنري كروي، فإنه هو الوحيد الذي يخوض معركة اليوم لاستعادة أموال الزبائن الذين كان مكلفًا بإدارة أصولهم، حيث بين: “لقد كنت دائمًا أحمل في قلبي مصلحة الزبائن، وأجعلها أهم من مصلحتي الشخصية. وعندما انهار كل شيء قبل عامين (أثناء المحاكمة في جنيف قال إنه فقد السيطرة) وجدت نفسي في وضعية نصف تقاعد. فقد أصبحت أعمل لوقت قليل وأهتم بعدد محدود من الحسابات”.
على الرغم من أنه ماهر في المسائل المالية، إلا أن هنري كروي يستعمل الكثير من العبارات الإنجليزية الغريبة، وأحيانا تكون جمله طريفة، خاصة مع طريقة نطقه للكلمات
اليوم، يُقسم هنري بأنه قرّر بذل كل جهوده للعثور على الأموال المسروقة وإعادتها لمن يستحقها، حيث يقول: “لقد حركت دعوى قضائية جماعية في إنجلترا، حيث يتمتع زبائني بتمثيل قانوني مباشر من قبل مكتب المحاماة سي إم إس. لقد قام خمسة أشخاص بتقديم شكاوى ضدي، ولكن أغلب الزبائن التاريخيين لمجموعة “هيلان” لم يقوموا بذلك. إن الدعوى القضائية التي أرفعها الآن ستجمع 50 بالمائة من الأموال المسروقة. ولماذا اخترت إنجلترا؟ لأن القيام بهذا الهجوم في الإمارات هو أمر مكلف جدًا ومعقّد للغاية.. لن أضيف المزيد حول هذا الأمر”.
على الرغم من أنه ماهر في المسائل المالية، إلا أن هنري كروي يستعمل الكثير من العبارات الإنجليزية الغريبة، وأحيانًا تكون جمله طريفة، خاصة مع طريقة نطقه للكلمات. وفيما يتعلق بكوروتاييف الذي يتهمه بأنه قام بإغراقه، قال هنري كروي: “لقد كنت أعتقد أنه تم التثبت من خلفيته بشكل كاف، ولكن للأسف يبدو أن الحال ليس كذلك، إذا صدقنا بعض المواقع الاستقصائية الروسية”. والمقصود هنا هو أنه لم يبحث بشكل جيد حول هوية هذا الرجل.
عندما يتكلم هنري حول طبيعة أنشطته المالية في خارج البلاد، فهو يقوم بهذا الأمر بكل وضوح وباستخدام العبارات التقنية الدقيقة: “أنا أحب القانون والطريقة التي يمكننا أن نلعب بها معه. أنتم تقولون إن ما أفعله هو تهرّب من دفع الضرائب، وأنا أجيبكم بأنها مجرد هيكلة قانونية أو استخدام للثغرات والاختلافات بين نظامين ضريبيين”.
أما عندما يتم تذكيره بأن هذا الأمر غير أخلاقي، فهو يجيب بكل أريحية: “أنا أتوخى أسلوبًا أنجلوساكسونيًا يتمثل في البحث عن الطريق التي تضمن لي دفع أقل قدر ممكن من الضرائب. هذه هي وظيفتي، وفي إطار هذه الثقافة التي أعيش فيها، فإن هذا الأمر منتشر جدًا، وبالتالي يمكن اعتباره أخلاقيًا، بل إنه يرقى إلى مرتبة الواجب تقريبًا”.
200 ألف ورقة تم فحصها
يرتكز التحقيق الاستقصائي المسمى “أوراق دبي” على حوالي 200 ألف وثيقة سرية تمّت قرصنتها من خوادم مكتب “هيلان”، حسب ما يؤكده كروي نفسه الذي يقول: “لقد تمت قرصنة حاسوبي”. وتحتوي هذه الوثائق على عبارات غريبة تعيد إلى الأذهان المغامرات والملاذات الضريبية. والأمر هنا يتعلق بالشركات الائتمانية، والشركات الوهمية التي توضع في الواجهة، والحسابات الخارجية، والبطاقات مسبقة الدفع ورسائل مشفرة، في دول مثل جزر مارشال وبورتوريكو وبهاماس.
أكد كروي أن “المبالغ التي يتم الحديث عنها ليست بتلك الضخامة عندما نتذكر أن الأمر يتم في دبي، بل إنها مبالغ متواضعة جدا بالنسبة لأي شخص مكلف بإدارة الثروات”
لكن هنري يفضّل تنسيب هذا الأمر: “هذه الآليات التي تم وصفها في التحقيق ليست جديدة، إذ أن هنالك أشخاص يرثون ثروات طائلة في الخارج، ولسوء الحظ يتخذون قرارًا بعدم الإفصاح عنها لسلطة الضرائب. إنهم يودعون أموالهم لدى متخصصين من أجل التهرّب من دفع الضرائب. لا، أنا لا أقول إن هذه الممارسات لم تصبح موضوعًا مثيرًا للجدل على الأقل في فرنسا، ولكن لم تكن هناك في إطار عملي أي ممارسة للكذب بشكل حرفي، أو ممارسات معقدة، أو عمليات تحيل في إطار عصابات منظمة. نحن في هذا العمل نقوم بأنشطتنا الائتمانية العادية، التي تعتمد على وسائل قانونية وتتعامل مع بنوك معترف بها. وزبائن مجموعة “هيلان” ليسوا من الطبقة الأوليغارشية، أو من أثرى أثرياء العالم، أو من الذين حصلوا على أموالهم بشكل غير نزيه”.
فضلًا عن ذلك، أكد كروي أن “المبالغ التي يتم الحديث عنها ليست بتلك الضخامة عندما نتذكر أن الأمر يتم في دبي، بل إنها مبالغ متواضعة جدًا بالنسبة لأي شخص مكلف بإدارة الثروات”. وأضاف هنري: “من أجل تحسين الإقرار الضريبي، يجب أن يكون هناك أشخاص مستعدون لتقديم هذه الخدمة. فكل هذه الآليات المستخدمة، تستخدمها أيضًا أغلب مكاتب المحاسبة الكبرى، وهي منتشرة على نطاق واسع. وهذا الأمر متواصل إلى حد اليوم، على الأقل لدى الشركات الكبرى، ولكن اهتمامي ينحصر في الثروات الصغيرة والمتوسطة”.
لقد استغل هنري هذه الفرصة للإشارة إلى جيرالدين ويتاكار، وهي أيضًا واحدة من أبطال تحقيق “أوراق دبي”، وداعمة لهذا الأمير. هذه الخبيرة المالية البريطانية التي تقاعدت الآن، تنشط كرئيسة لمؤسسة خيرية، وقد تم تكريمها من قبل الرئيس السابق نيكولا ساركوزي وملكة انجلترا، ويتم تقديمها الآن على أنها واحدة من الشركاء في مجموعة “هيلان”، التي استفادت من الاسم البارز لهذه السيدة.
الأمير هنري:”هذه القضية تتجاوزني بشكل كامل. وأكرر مرة أخرى، لم أقم بمغالطة أي شخص أو سرقة أي مبلغ. ومبلغ 84 مليون يورو قد تم اختلاسه وإيداعه لدى مؤسسة سمسرة غامضة يقع مقرها في أبوظبي، أين قام كوروتاييف بفتح حساب، وهذه هي الحقائق
في إحدى الوثائق التي أشارت إليها وحدة التحقيقات في الإذاعة الفرنسية المشاركة في الاستقصاء، نصح هنري كروي أحد موظفيه بوجوب “تهدئة المخاوف التي يشعر بها الزبون وإلا فإننا سوف نستنجد بالسيدة جيرالدين ويتاكار من أجل تجنب هذه الحالة. سيكون اسمها هي وليس اسم الزبون هو الذي سيظهر، وهذا يخفض المخاطر إلى الصفر”. ولكن الأمير هنري ينفي بشدة حدوث هذا الحوار، مؤكدًا أن جيرالدين لم تكن شريكة ولا مديرة في الشركة ولا مستفيدة من مجموعة “هيلان”، بل مجرد زبونة عادية يتم التعامل معها بناء على صفتها في المؤسسة الخيرية.
ابن آوى
يريد هذا “الأمير الأسود” تصحيح الأمور وإعادتها إلى نصابها، حيث يقول: “هذه القضية تتجاوزني بشكل كامل. وأكرر مرة أخرى، لم أقم بخداع أي شخص أو سرقة أي مبلغ. ومبلغ 84 مليون يورو قد تم اختلاسه وإيداعه لدى مؤسسة سمسرة غامضة يقع مقرها في أبوظبي، حيث قام كوروتاييف بفتح حساب، وهذه هي الحقائق. واليوم يتم تقديمي على أنني ذئب وول ستريت أو النسخة الجديدة من بيرني مادوف، وهو أمر لا معنى له. إن وضعيتي الآن سيئة جدًا، إذ أن منزلي في سويسرا تم احتجازه وفقدت كل السيولة المالية التي كنت أملكها. وأنا لم آت هنا لأبكي على مصيري، بل لتصحيح الأمور؛ إذ أن هناك مسارًا قضائيًا يتم الآن، سأقوم بالرد على الاتهامات. كما أنني في أماكن أخرى أعلمت العدالة الفرنسية بأنني على ذمتها وأرغب في التعاون معها لشرح أنشطة مجموعة “هيلان””.
بعد ذلك، وجه لنا هنري كروي نصائحًا: “قوموا بطرح الأسئلة الصحيحة: لماذا يتم تسليط كل الأضواء علي؟ من المستفيد من هذه القضية؟ من هم الأبطال الحقيقيون ولمصلحة من يتم تصويري على أنني متحايل؟ وفي النهاية قال: “عندما تأتي المشاكل، تسارع حيوانات ابن آوى، ولكنني سأدافع عن نفسي”.
المصدر: لوبوان