يخرج الجزائريون اليوم في مسيرات للجمعة التاسعة على التوالي للتأكيد على مضيهم في حراكهم السلمي إلى غاية رحيل باقي رموز نظام بوتفليقة، وفي مقدمتهم رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح والوزير الأول نور الدين بدوي، وسط دعوات من المعارضة والناشطين بعدم الرد على استفزازات السلطة التي قد تكون مشابهة لما حدث يوم الجمعة الماضي والمتمثلة في جرّ المتظاهرين إلى العنف تحت مبررات فندتها قيادة الجيش التي أكدت وقوفها إلى جانب الشعب وحمايته بشكل كامل خاصة أثناء المسيرات.
وتمكنت جمعة الأسبوع الماضي الذي كانت تحت شعار “رحيل الباءات الثلاث” أن تُسقط أول الباءات وهو رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز الذي قدم استقالته صبيحة الثلاثاء، ما يعطي للمتظاهرين جرعة نضال إضافية للخروج بقوة من جديد بشعار واحد عنوانه رحيل كل “الباءات”.
جمعة خاصة
أما ما يميز جمعة اليوم؛ هو أنها تصادف تاريخ الإعلان عن رئاسيات 2019 لوتمت مثلما خطط لها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، والتي كانت ستكون نتائجها فوزه “الساحق كالعادة” لو لم يسقطها حراك 22 فبراير الذي جعل حلم الولاية الخامسة لبوتفليقة وانتخابات 18 إبريل أمان لم تتحقق للرجل الذي جثم في كرسي الرئاسة طيلة 20 عاماً.
على مواقع التواصل الاجتماعي، تصدرت وسوم #حراك_19_أفريل و #يتنحاو_قاع و #ترحلوا_يعني_ترحلوا تغريدات الجزائريين عشية مسيرة الجمعة التاسعة.
وتذكر الجزائريون على مواقع التواصل الاجتماعي هذا التاريخ بتعليقات ساخرة، تساءلوا فيها أنه كان من الممكن أن يعيشوا مسرحية الرئاسيات للمرة الخامسة كما جرت عليه العادة كل 5 سنوات في العقدين الأخيرين.
كما تنظم مسيرات اليوم قبل 3 أيام من إنهاء الحراك شهره الثاني، وهي فترة تستدعي التوقف عند ما تحقق منذ المسيرة الأولى التي انطلقت ضد الولاية الخامسة لبوتفليقة وصولًا إلى مسيرات المطالبة برحيل نظام الرئيس المرغم على الاستقالة.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، تصدرت وسوم #حراك_19_أفريل و #يتنحاو_قاع و #ترحلوا_يعني_ترحلوا تغريدات الجزائريين عشية مسيرة الجمعة التاسعة.
احتجاجات الخميس
وشهدت الجزائر الخميس احتجاجات للطلبة في عدة جامعة تطالب بالديمقراطية والحرية، وتلح على رحيل بقايا نظام الرئيس بوتفليقة.
وبدورها شهدت ولاية بجاية المجاورة تجمعا احتجاجيا أمام مقر الولاية شارك فيه برلمانيون ورؤساء بلديات ومنتخبون للتأكيد على رفضهم للانتخابات الرئاسية المقبلة وامتناعها عن تأطيرها ماديا و إداريا
ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية التي اكتسبت نوعًا من الموضوعية منذ انطلاق الحراك الشعبي، أن ولاية تيزي وزو (وسط البلاد) شهدت مسيرة شارك فيها منتخبون محليون وبرلمانيون حتى من حزبي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي الحاكمين للمطالبة بتغيير نظام الحكم الحالي والتعبير عن رفضهم للانتخابات الرئاسية المقبلة.
وبدورها شهدت ولاية بجاية المجاورة تجمعًا احتجاجيًا أمام مقر الولاية شارك فيه برلمانيون ورؤساء بلديات ومنتخبون للتأكيد على رفضهم للانتخابات الرئاسية المقبلة وامتناعها عن تأطيرها ماديًا و إداريًا.
وبولاية بومرداس شرق العاصمة، نظم موظفو جهاز العدالة من أمناء الضبط والأسلاك المشتركة وقفة احتجاجية سلمية أمام مبنى مجلس قضاء بومرداس الولاية دعما لمطالب الحراك الوطني المنادي بالتغيير الشامل.
وبولاية وهران، نظم عمال قطاع الثقافة وقفة احتجاجية أمام مقر المديرية الولائية للثقافة مساندة للحراك الشعبي ومطالبين بـ”الحق في ثورة ثقافية” و”فتح ملفات الفساد التي طالت القطاع الثقافي” .
رغم كثافة المسيرات التي تعرفها مختلف مناطق الجزائر المنادية برحيل رموز نظام بوتفليقة، إلا أن السلطة تواصل سياسة اللامبالاة بحراك شعبي سمع به الخارج قبل الداخل
وحمل المشاركون في هذه الوقفة التى تزامنت مع انطلاق تظاهرة شهر التراث شعارات “تفعيل المادة 7 و 8 من الدستور” و”لا شرعية لوزيرة الثقافة” و”ثورة ثقافية .. حق” و”شعب بدون ثقافة كإنسان بدون لسان”، حسب ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية.
ورغم كثافة المسيرات التي تعرفها مختلف مناطق الجزائر المنادية برحيل رموز نظام بوتفليقة، إلا أن السلطة تواصل سياسة اللامبالاة بحراك شعبي سمع به الخارج قبل الداخل من خلال البحث عن حلول ترقيعية تبقى بعيدة كل البعد عن تطلعات الشارع الذي يبدو أنه تجاوز هذه الحلول ومصر على تحقيق مطالبه بنضاله السلمي.
اقتحام جامعات ومخاوف
واليوم الجمعة، تنظم مسيرة تحت هاجس محاولات السلطة أو جهات خفية إخراج هذا الحراك من سلميته، مثلما حدث في الجمعة الماضية التي عرفت قمعًا للمتظاهرين من قبل قوات الشرطة، إضافة إلى إطلاق الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين رغم نفي مصالح الأمن أن تكون هي من قامت بذلك، لذلك تفرقت الآراء بين اتهام السلطة بالإقدام على ذلك وبين اتهام مندسين يريدون التشويش على الحراك.
وما يرفع التخوف من أن تشهد مسيرة اليوم قمعًا أو عنفًا هو حادثة دخول جهات أمنية لكلية الحقوق لاعتقال طلبة دون تصريح من إدارة الجامعة، وهو ما يعتبر إجراء غير قانوني بالنظر إلى أن الوسط الجامعي له حرمته ولا يمكن لأي جهة أمنية أو غيرها اقتحامه إلا بترخيص من رئيس الجامعة.
هذه التخوفات من قمع المسيرات تبقى مجرد فعل وقائي لدى المتظاهرين الذين يؤكدون أنه لا يوجد حتى الآن ما يمنعهم من مواصلة حراكهم
ويوم الأربعاء الماضي اقتحمت 3 سيارات تابعة للشرطة كلية الحقوق بجامعة الجزائر 1، ليخرج منها رجال أمن توجهوا مباشرة إلى المدرج 205 الذي كان يحتضن في تلك اللحظة اجتماعًا للطلبة يتمحور حول موضوع الحراك الذي يعد الطلبة أحد ركائزه.
وحاول الآمنيون اعتقال طالب بالقوة، إلا أن تدخل باقي زملائه حتم عليهم مغادرة الحرم الجامعي بسرعة.
وقال عميد كلية الحقوق بالنيابة عماد الدين: “نظرًا للأحداث المؤسفة التي شهدتها كلية الحقوق بجامعة الجزائر1، يوم 17 إبريل نيسان، فإن إدارة الكلية تنفي أي اتصال أو ترخيص بالدخول للحرم الجامعي، و على اثر ذلك توجهت بتبليغ إلى الجهات الوصية لتتخذ ما تراه مناسبا من إجراءات قانونية”.
وجاء في بيان للشرطة صدر الجمعة الماضي: “ولنكن واعين بأن المظاهرات السلمية لا يمكنها أن تتم على حساب حرية الحركة وسلامة الأشخاص والممتلكات واستمرارية المرفق العام والمصلحة العامة للمواطن.”
وبعثت هذه الجملة الشك لدى البعض في أن تستعمل مطية لقمع المتظاهرين وشل تحركاتهم تحت غطاء الاحتراز الأمني، رغم تأكيد قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح أن الجيش يسهر على حماية الشعب أثناء المسيرات.
باشر رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح الخميس مشاوراته مع شخصيات سياسية تنفيذا لخارطة الطريق التي أعلن عنها يوم تسلمه مصالحه الرئاسية منذ أكثر من أسبوع
وقال قايد صالح إن ” قرار حماية الشعب بمختلف مكوناته قرار لا رجعة فيه ولن نحيد عنه مهما كانت الظروف والأحوال، وأسدينا تعليمات واضحة لا لبس فيها لحماية المواطنين لاسيما أثناء المسيرات، لكن بالمقابل ننتظر من شعبنا أن يتفادى اللجوء إلى العنف وأن يحافظ على الممتلكات العمومية والخاصة، ويتجنب عرقلة مصالح المواطنين، وأود الإشارة في هذا الإطار إلى ضرورة الاحترام التام لرموز الدولة وعلى رأسها العلم الوطني“.
وأكد قايد صالح أن “الجيش لن يتخذ أي قرارات لا تخدم الشعب والوطن، وحريص على أن لا تراق قطرة دم جزائري واحدة، خدمة لمصالح أطراف معادية، التي لم يعجبها الطابع السلمي للمسيرات، فالجزائر في أيدي أمينة برجال مخلصين مستعدين للدفاع عن بلادهم مهما كلفهم الثمن.“
لكن هذه التخوفات من قمع المسيرات تبقى مجرد فعل وقائي لدى المتظاهرين الذين يؤكدون أنه لا يوجد حتى الآن ما يمنعهم من مواصلة حراكهم، لأن كل أفلام التخويف التي كانت تعرضها السلطة في السابقة لوأد أي تحرك ضدها صارت موضتها قديمة ولا يمكنها تثبيط عزيمة الجزائريين للخروج في مسيرتهم التاسعة.
مشاورات
إلى ذلك، باشر رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح الخميس مشاوراته مع شخصيات سياسية تنفيذًا لخارطة الطريق التي أعلن عنها يوم تسلمه مصالحه الرئاسية منذ أكثر من أسبوع، وذلك استعدادا لندوة تعقد الإثنين المقبل بمشاركة 100 شخصية من معارضة وموالاة تحت عنوان إيجاد حلول للخروج من الأزمة.
رفض الحزبان الإسلاميان المعارضان جبهة العدالة والتنمية وحركة مجتمع السلم المشاركة في هذه المشاورات كونها جاءت من سلطة تفتقد للشرعية الشعبية
واستقبل بن صالح الخميس رئيس المجلس الشعبي الوطني (البرلمان) الأسبق عبد العزيز زياري ورئيس جبهة المستقبل عبد العزيز بلعيد، إضافة إلى المحامي المعروف ميلود براهيمي.
لكن هذه المشاورات يبدو أنها تحمل في طياتها أسباب فشلها، فقد عبرت عدة أحزاب معارضة عن عدم مشاركتها فيها، بالنظر إلى أن بن صالح الذي يقودها كان قد فشل عام 2011 في الخروج بنتائج ملموسة عندما قاد مشاورات للإصلاح السياسي بأمر من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
ورفض الحزبان الإسلاميان المعارضان جبهة العدالة والتنمية وحركة مجتمع السلم المشاركة في هذه المشاورات كونها جاءت من سلطة تفتقد للشرعية الشعبية.
وقال عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم ” تسلمنا رسالة ممضاة من السيد حبة العقبي بصفة الأمين العام للرئاسة تدعو الحركة إلى المشاركة في “لقاء جماعي تشاوري ” تنظمه ” رئاسة الجمهورية” يوم الإثنين 22 أفريل. تؤكد الحركة أن اللقاء هو ذاته اعتداء على الإرادة الشعبية وزيادة في تأزيم الأوضاع”.
يبدو أن مشاورات بن صالح لن تختلف عن تلك التي أجراها نور الدين بدوي لتشكيل حكومته الحالية المرفوضة شعبيا
وأعلن مقري أن حركنه ” لن تحضر هذا الاجتماع وتدعو جميع القوى السياسية والمدنية إلى مقاطعته، وتذكر الحركة النظام السياسي أن سياسة فرض الأمر الواقع هي التي أوصلت البلد إلى ما نحن عليه، وأن الاستمرار في التعنت في عدم الاستجابة للشعب الجزائري الذي طالب بإبعاد رموز النظام في إدارة المرحلة الانتقالية والشروع في انتقال ديمقراطي حقيقي عبر الحوار والتوافق الوطني ستكون عواقبه خطيرة على الجزائر والجزائريين يتحمل أصحاب القرار الفعليين مسؤوليته.”
ويبدو أن مشاورات بن صالح لن تختلف عن تلك التي أجراها نور الدين بدوي لتشكيل حكومته الحالية المرفوضة شعبيًا، وإلى أن تكشف القائمة الكاملة للشخصيات المدعوة للمشاركة فيها تبقى تلبية هذه الدعوة مرتبطة بمسيرة اليوم التي قد تحمل ردًا جديد على رسائل السلطة وتحركاتها، وعلى رأسها المشاورات التي أطلقها الرئيس المؤقت بن صالح.