منذ أن نجحت الجهود الدولية في التوصل إلى اتفاق يوقف القتال بين لبنان ودولة الاحتلال الإسرائيلي، شكّلت فترة الـ 60 يومًا اللازمة لانسحاب الآليات الإسرائيلية من بلدات جنوبي لبنان ومواضع التوغل، عنوانًا للتشكيك في قدرتها على الصمود أمام الاحتكاكات المتوقعة بين اللبنانيين من جهة، وآليات وقوات جيش الاحتلال المتواجدين على الأراضي اللبنانية من جهة أخرى.
حملت تصريحات جيش الاحتلال وإعلاناته، وما أكّده ديوان رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، بشأن أن الأخير ووزير حربه يسرائيل كاتس، أمرا الجيش بعدم السماح بدخول سكان القرى اللبنانية القريبة من الحدود إلى قراهم والاستمرار في العمل ضدّ كل خرق، نبرةً تصعيدية تحمل في جوهرها تأكيد وجود اعتبارات بكون يد جيش الاحتلال مطلقة في لبنان، ومع صلاحيات بالتصرف العدواني دون أي رادع.
شكل عنوان “حرية الحركة” لجيش الاحتلال في لبنان أحد أهم المطالب التي روّج لها بنيامين نتنياهو، بوصفها مدخلًا لأي حلّ في لبنان، وهي تعني في جوهرها أن لـ”إسرائيل” الصلاحية المطلقة للتدخل بالنيران، في إطار مواجهة محاولات “حزب الله” اللبناني ترميم قدراته العسكرية ميدانيًا، أو إعادة التسلُّح، ما يعني أن الاستهداف يمكن أن يطال كل ما يمكن أن يصنَّف على أنه شكل من أشكال خطوط الإمداد.
تهدئة تترنّح وخروقات لا تتوقف
بُعيد الساعات الأولى لدخول اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان و”إسرائيل” حيز التنفيذ فجر يوم 27 نوفمبر/ تشرين الثاني، لينهي المواجهات العسكرية التي اندلعت منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، دعا رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، جميع اللبنانيين إلى العودة إلى أراضيهم حتى لو كانت ركامًا، وقال في كلمة متلفزة إن البلاد تطوي لحظة تاريخية كانت الأخطر على لبنان هددت شعبه وتاريخه.
في مساء اليوم ذاته، أعلن الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، حظر التجول جنوب نهر الليطاني، مضيفًا: “كل تحرك نحو هذه المناطق يعرضكم للخطر. نخبركم أنه ابتداءً من الساعة الخامسة مساءً (17:00) وحتى صباح غد في الساعة السابعة صباحًا (07:00) يمنع بشكل مطلق الانتقال جنوبًا من نهر الليطاني”.
وتابع: “من يوجد شمال نهر الليطاني ممنوع عليه الانتقال جنوبًا، من يوجد جنوب نهر الليطاني يجب عليه أن يبقى في مكانه. نذكركم بأن جيش الدفاع لا يزال منتشرًا في مواقعه بجنوب لبنان وفق بنود اتفاق وقف إطلاق النار، حيث ستتعامل قواتنا مع كل تحرك ينتهك هذا الاتفاق وبحزم”.
من جانبه، قال رئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هاليفي: “وفقًا للتوجيهات التي أقرّها وزير الدفاع ورئيس الوزراء ومجلس الوزراء، سنضرب بكل حزم عناصر حزب الله الذين يقتربون من قواتنا ومن منطقة الحدود والقرى داخل المنطقة التي حددناها”، مضيفًا: “كانت عملياتنا في لبنان حازمة للغاية، وسيكون تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار أكثر حزمًا”.
بشكل متتابع، تدحرجت الأحداث على مدار أيام الاتفاق الماضية، ولم تتوقف الخروقات الإسرائيلية التي شملت عمليات قصف وإطلاق رصاص واستهداف منشآت وسيارات، وأدّت إلى استشهاد عدد من اللبنانيين.
ووفقًا لصحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، حذّرت فرنسا “إسرائيل” من مغبّة انهيار وقف إطلاق النار في لبنان، وسط الخروقات التي تتعمّدها لبنود الاتفاق، وللأجواء اللبنانية، مضيفة أن الفرنسيين أبلغوا “إسرائيل” أنه “حدث 52 انتهاكًا من جانب إسرائيل لوقف إطلاق النار، ما لم يمر عبر الآلية، وأدى إلى مقتل 3 مواطنين لبنانيين”، فيما بدأت الطائرات الإسرائيلية دون طيار بالتحليق مرة أخرى في ارتفاع منخفض فوق بيروت. وأضافت الصحيفة أن “باريس تخشى انهيار وقف إطلاق النار”.
تجري هذه الأحداث قبل انتظام عمل لجنة الرقابة الخماسية التي اكتملت عضويتها بوصول الجنرالَين الأمريكي والفرنسي، بالإضافة إلى ممثلي لبنان والأمم المتحدة و”إسرائيل”، وهي الآلية التي يفترض أن تضع حدًّا للانتهاكات الإسرائيلية، من تنفيذ غارات متقطعة وإطلاق نار وتحذير السكان من العودة والتنقل في الحافة الأمامية.
وتعقيبًا على الخروقات الإسرائيلية، صرّح نبيه بري بأن “إسرائيل” تجاوزت 54 خرقًا فيما يلتزم لبنان و”حزب الله” بما تعهّدا به، متسائلًا عن دور اللجنة الفنية التي أُلّفت لمراقبة تنفيذ الاتفاق من هذه الخروقات والانتهاكات المتواصلة، مؤكدًا أنها مدعوة إلى مباشرة مهامّها فورًا وإلزام “إسرائيل” بوقف انتهاكاتها وانسحابها من الأراضي التي تحتلها قبل أي شيء آخر، عادًّا أن ما تنفذه قوات الاحتلال الإسرائيلي من أعمال عدوانية يمثل خرقًا فاضحًا لبنود الاتفاق.
“حرية الحركة” بين التأكيد والنفي
قبيل تصديق الحكومة الإسرائيلية على اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، أكّد مسؤول إسرائيلي أن هذا الاتفاق يضمن حرية تحرك بلاده في الداخل اللبناني عند حصول أي انتهاك. وفي تصريحات صحفية، شدّد المتحدث باسم الحكومة ديفيد مينسر، على أن “الاتفاق سيحافظ على حرية إسرائيل في العمل دفاعًا عن نفسها لإزالة تهديد حزب الله”.
من جهته، أطلق وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس، تحذيرات وتهديدات شدد فيها على أن تل أبيب “لن تتسامح مطلقًا مع أي انتهاك محتمل لوقف إطلاق النار”، وأنه “ستحبط أية محاولة لتهريب الأسلحة إلى حزب الله”، في إشارة واضحة إلى تمسك الاحتلال بحرية الحركة في الجنوب اللبناني حتى بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. وقد كان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، أكد أن الاتفاق يشمل كل الضمانات الأمنية اللازمة لـ”إسرائيل”.
وفي معرض تسويقه للاتفاق، كان رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، قد صرّح بعد اجتماعه مع مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي قائلًا: “سنحافظ على حرية العمل العسكري الكامل، إذا هاجمنا حزب الله، أو حاول تجديد بنيته التحتية الإرهابية على الحدود، أو أطلق صاروخًا، أو حاول حفر نفق، أو إدخال شاحنة صواريخ، فسنضربهم”، مضيفًا: “سنردّ بقوة على أي خرق من حزب الله في المستقبل”.
في المقابل ذكر وزير الدفاع اللبناني موريس سليم، في تصريحات صحفية، أن الحديث “عن حرية التحرك” للجيش الإسرائيلي في لبنان “يناقض” مضمون ما نُشر في الاتفاق المؤلف من 13 بندًا، وأن الاتفاق “لا ينص على هذا الموضوع”، وأضاف: “نحن لن نقبل به، وما هو منصوص عنه في الاتفاق يقول إن من حق الجانبَين الدفاع عن النفس”.
رغم الاحتجاج اللبناني، الذي تبعه احتجاج فرنسي قُدّم مباشرة إلى وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، فقد أكد الأخير أن “إسرائيل” تعمل على فرض الاتفاقيات من خلال الرد على “انتهاكات حزب الله” الذي يتطلب إجراءات مباشرة وفورية، محذرًا من أن على “قوات حزب الله التحرك فورًا شمالًا”، مضيفًا: “لن نقبل العودة إلى الوضع الذي كان عليه في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2023”.
يؤكد السلوك الإسرائيلي أن الاحتلال يعمل على فرض الوقائع على الأرض بتحويل الهجمات الإسرائيلية المباشرة على منشآت وأفراد يدّعي أنهم مسلحون تابعون لـ”حزب الله”، بحيث تتحول أولًا فترة الـ 60 يومًا إلى فرصة لإنجاز الجيش مهامه على الأرض دون ثمن مرتبط بالمواجهة والخسائر المترتبة عنها، فيما يجري خلالها التمرير التدريجي لمبدأ حرية الحركة، وفحص مدى قابلية الحزب اللبناني على تمريره أمام وطأة الحاجة للهدوء والحفاظ على الاتفاق.
توسيع المعركة بين الحروب
فعليًا، يعمل الاحتلال على توسيع استراتيجية “المعركة بين الحروب” التي تغطي الأنشطة العسكرية الهجومية التي يشنّها جيشه، بهدف تعطيل قدرة “حزب الله” على تعظيم قوته وتعزيز حضوره وبنيته التحتيه في الأراضي اللبنانية والإسرائيلية.
طور مفهوم “المعركة بين الحروب” بوصفه استجابة لما فرضته نتائج حرب تموز 2006، وما أظهرته من قصور استخباراتي إسرائيلي في مواجهة تعاظم قوة الحزب اللبناني، ويصف رئيس الأركان السابق لجيش الاحتلال غادي أيزنكوت، العلاقة بين حرب تموز 2006 وبلورة مفهوم المعركة بين الحروب، في دراسة منشورة في معهد واشنطن للدراسات، بالقول إن “طبيعة التهديدات التي يتعرض لها أمن إسرائيل تتغير تغيرًا كبيرًا، فقد أدّى ضعف الدول العربية وجيوشها إلى نشوء واقع تطورت فيه التهديدات التقليدية وغير التقليدية ودون التقليدية (أي الفصائل والمنظمات شبه العسكرية) في آنٍ واحد”.
في مطلع العام 2011، تبنّت هيئة الأركان في جيش الاحتلال جزئيًا ما سُمّي بـ”فريق الحرب السرية”، ودمج في الخطة متعددة السنوات لتطوير قدرات الجيش الإسرائيلي وتحديث آليات عمله. ووفقًا لـ”أيزنكوت”، أدّى تطوير مفهوم “المعركة بين الحروب” ونجاحه إلى ترسيم عقيدة عسكرية جديدة لدى جيش الاحتلال.
وهو مبدأ أضفى الطابع المؤسساتي على المفهوم ضمن الأنشطة العملياتية الإسرائيلية، وحدّد كيفية دمجه في استراتيجية مختلف المؤسسات الأمنية وأهدافها وإدارتها، خلال تعاونها مع بعضها ومع نظيراتها في الخارج، وجمع المفهوم المكونات السرّية والحرب المعرفية مع الجهود الأمنية والاقتصادية والسياسية الدولية، كل ذلك بهدف ممارسة السلطة اللازمة لمواجهة المخاطر الأمنية دون تصعيد الموقف والوصول إلى الحرب.
في العام 2013، ومع تشخيص أن التوتر في الأراضي السورية أعطى مساحة أوسع للحزب اللبناني لتوسيع خطوط إمداده، إضافة إلى أن التطورات المتلاحقة في الساحة السورية باتت تسمح بهامش أوسع من الحركة للجيش الإسرائيلي، أطلق جيش الاحتلال حملة لمواجهة توسع الحضور الإيراني والقوى الحليفة له في سوريا حملت اسم “يركبون الأمواج”.
مرت الحملة بمراحل متدحرجة، في إطار استثمار تصاعد الأزمة السورية لإيجاد فرصة ملموسة لإطلاق عمليات للسيطرة بالنيران على طرق ومحاور نقل الأسلحة، خصوصًا تلك المصنّفة بأنها “مخلة بالتوازن”، خاصة أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ الدقيقة.
أخذت هذه الأنشطة الطابع الهجومي السرّي، وترسّخت تحت مفهوم “المعركة بين الحروب”، وعدّت الساحة السورية الساحة الرئيسية للعمليات من هذا النمط إلى جانب ساحات أخرى، وقد أخذت على عاتقها مواجهة التمركز المقاوم في المنطقة، وقد نقلت مهام قيادة المعركة بين الحروب لتصبح تحت قيادة رئيس الأركان في جيش الاحتلال مباشرة.
تدريجيًا، بدأت الضربات الإسرائيلية تأخذ طابعًا علنيًا بدرجة أكبر، شملت اعترافات إسرائيلية رسمية في أكثر من محطة بالمسؤولية عن الهجمات على الأراضي السورية، التي استهدفت ما ادّعى أنها خطوط إمداد، ومدرجات مطارات يستعملها الحرس الثوري الإيراني في عمليات نقل السلاح.
أطلق “حزب الله” عددًا محدودًا من الصواريخ كردٍّ شكلي على الخروقات الإسرائيلية، بهدف تحفيز الوسطاء واللجنة المكلفة بالمراقبة بتحرك أكثر جدّية لوقف تلك الخروق.
لم تسمح قواعد الاشتباك التي سادت في لبنان من خلال هذه السنوات إلى تحويل الضربات الإسرائيلية إلى ضربات واضحة وعلنية، بل قد استطاع “حزب الله” تطوير استراتيجية مواجهة لاستهداف كوادره في سوريا، عبر تثبيت قاعدة أن الرد سيكون من الأراضي اللبنانية، ما قيّد حركة جيش الاحتلال حفاظًا على الوضع القائم على حدود شمالي فلسطين المحتلة.
انصبّت جهود الاحتلال خلال هذه السنوات في الساحة اللبنانية على الجهد الاستخباراتي والإعداد لتوجيه ضربات مؤثرة ضد الحزب اللبناني، في لحظة المواجهة التي استعد لها استعدادًا كبيرًا وجهّز خططها العملياتية على مدار سنوات، وشكّل الهجوم على لبنان العنوان الأبرز في المناورات التي أجراها جيش الاحتلال، وكانت آخرها مناورة “عربات النار” التي حاكت هجومًا مع مناورة برّية سريعة في جنوبي لبنان.
يعكف جيش الاحتلال على توسيع الضربات العلنية ضمن “المطاردة الساخنة” التي تجري لعمليات تسليح وإمداد “حزب الله”، لتشمل ضربات داخل الأراضي اللبنانية، على غرار “الاستباحة” الحالية للأراضي السورية، بحيث تتحول غارات سلاح الجو الإسرائيلي إلى فعل مستدام وفق ما يستجدّ في بنك أهدافه، ضمن ما يحاول تثبيته في قواعد الاشتباك الجديدة.
قواعد الاشتباك أمام مفترق طرق
لطالما احترف “حزب الله” إدارة نيرانه وفق قواعد اشتباك واضحة مع الجيش الإسرائيلي، وطور الحزب اللبناني عبر سنوات نشاطه العسكري في جنوبي لبنان عددًا من التجارب تحولت إلى شكل من أشكال سمات أية جولة اشتباك بين الحزب وجيش الاحتلال.
حافظت قواعد الاشتباك لسنوات على مقدرات الحزب اللبناني بعيدًا عن نيران الهجوم الإسرائيلي المباشر، وفي المقابل ساد الهدوء الحدود اللبنانية، وبخلاف حرب تموز 2006 تجنّب جيش الاحتلال حتى في جولات الاشتباك أن يهاجم المنشآت الرئيسية في لبنان، التزامًا بجوهر قواعد الاشتباك التي يتجنّب وفقها الحزب اللبناني ضرب أية أهداف إسرائيلية تصنّف على أنها أهداف “غير عسكرية”.
وخلال أيام الاشتباك التي سادت جنوبي لبنان منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول، حاول “حزب الله” على مدار المواجهة أن يثبّت قواعد الاشتباك وفق قاعدة “عسكري مقابل عسكري”، إلا أن جيش الاحتلال عمد إلى تجاوزها واختراقها في مواضع متعددة، ممارسًا الضغط الأقصى على الحزب اللبناني.
هل يريد ترامب حقًا إنهاء الحرب في غزة قبل عودته للبيت الأبيض؟
عقب “هجوم البيجر” وتوسع الحرب جنوب لبنان، أعاد “حزب الله” ضبط قواعد الاشتباك، ووفقًا لما جرى تجنّب جيش الاحتلال استهداف مطار بيروت الدولي أو أية منشآت حيوية للدولة اللبنانية، مقابل التزام “حزب الله” بالامتناع عن استهداف المطارات الإسرائيلية والمنشآت المدنية الرئيسية، مثل محطات الغاز والكهرباء في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي قواعد ثُبّتت بالنيران.
وبعد الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني، يعمل جيش الاحتلال على إعادة صياغة قواعد الاشتباك المستدامة في الأراضي اللبنانية، بحيث يستوحي من جوهر نصوص الاتفاق مداخل لمهاجمة أهداف تابعة للحزب اللبناني، تحت ذريعة منع الحزب من إعادة التموضع والتسلح جنوب نهر الليطاني، إضافة إلى ضرب خطوط الإمداد.
يرجع التزام الحزب اللبناني بالامتناع عن تنفيذ ردود فعل على الخروقات الإسرائيلية إلى سعيه لإنجاح الاتفاق الحالي وإنهاء الحرب بأي ثمن كان، على قاعدة حفظ ما يمكن حفظه، مراهنًا على قدرته على المدى البعيد في إعادة ضبط بوصلة قواعد الاشتباك.
مع ذلك، أطلق “حزب الله” عددًا محدودًا من الصواريخ كردٍّ شكلي على الخروقات الإسرائيلية مع مساء اليوم السادس من وقف إطلاق النار، بهدف تحفيز الوسطاء واللجنة المكلفة بالمراقبة بتحرك أكثر جدّية في وقف تلك الخروق، في محاولة إلى منع تحول الـ 60 يومًا القادمة إلى عشرات الأيام المتفجرة التي سيكون فيها أمام مواقف محرجة، فإما المخاطرة بتفجير الاتفاق، وإما قبول تلقي الضربات بوتيرة شبه يومية تستهدف المنشآت والأفراد، ما يعني استمرار النزيف في قدراته وتجهيزاته التي يحتاج إلى حفظها وترميمها احتياجًا حثيثًا للحفاظ على معادلات القوة.
تضع الأيام القادمة الحزب اللبناني أمام مفترق طرق صعب، ما لم تتحرك الولايات المتحدة وفرنسا على نحو الخصوص لاتخاذ خطوات أكثر حزمًا لمنع الخروقات الإسرائيلية، والسعي إلى تثبيت مبدأ “حرية الحركة” داخل الأراضي والأجواء اللبنانية، ما يحولها إلى نسخة جديدة من الاستباحة الإسرائيلية للأراضي السورية، ويمنح نتنياهو إنجازًا على الصعيد الاستراتيجي يمكن وصفه بأنه شكل من أشكال التغيير بعيد المدى، في إطار قواعد الاشتباك في الشرق الأوسط.