ترجمة وتحرير: نون بوست
التقط مقطع فيديو نشرته طائرة مسيرة، والذي نشره مهندسون عسكريون إسرائيليون على إنستغرام، يظهر عملية هدم محكوم للمباني في جنوب مدينة غزة على طول ممر نتساريم.
قام الجيش الإسرائيلي بتوسيع تواجده في وسط غزة خلال الأشهر الأخيرة؛ حيث قام بتحصين القواعد العسكرية وهدم المباني الفلسطينية، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين وصور الأقمار الصناعية، وهي خطوة تشير إلى أنه ربما يستعد لفرض سيطرة طويلة الأمد على المنطقة.
ومنذ الأشهر الأولى للحرب على غزة، احتلت القوات الإسرائيلية طريقًا بطول أربعة أميال، يُعرف باسم ممر نتساريم الذي يشطر القطاع لمنع مئات الآلاف من النازحين من غزة من العودة إلى الشمال. وقد نما ذلك ببطء إلى كتلة من الأراضي تبلغ مساحتها 18 ميلًا مربعًا تسيطر عليها القوات الإسرائيلية، وفقًا للجيش الإسرائيلي وتحليل صحيفة نيويورك تايمز لصور الأقمار الصناعية ولقطات الفيديو.
وعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية، هدم الجنود أكثر من 600 مبنى حول الطريق في محاولة واضحة لإنشاء منطقة عازلة. كما قاموا بتوسيع شبكة من النقاط العسكرية المزودة بأبراج اتصالات وتحصينات دفاعية بشكل سريع.
وتشير عملية التوسع هذه إلى تحول في موقف إسرائيل التي كانت تتجنب إلى حد كبير احتلال أراضي غزة، مما خلق فراغًا سمح لحماس بإعادة تأكيد سيطرتها على بعض أجزاء غزة. وقال الجيش الإسرائيلي إن التوسيع كان لأسباب عملياتية.
وأثار التوسع أيضًا تكهنات حول خطط إسرائيل لمستقبل غزة، فقد تعهد القادة الإسرائيليون بالحفاظ على السيطرة الأمنية في غزة حتى بعد الحرب، دون أن يقولوا بوضوح ما قد يستتبع ذلك. ويقول محللون عسكريون إسرائيليون إن الزيادة في البنية التحتية على طول ممر نتساريم قد تخدم هذا الغرض.
وأعطت السيطرة على الممر، الذي يقطع قطاع غزة من الحدود الإسرائيلية إلى البحر الأبيض المتوسط، إسرائيل القدرة على تنظيم حركة التنقل عبر طول القطاع، مما يبقي مئات الآلاف من الفلسطينيين النازحين في الجنوب. وفي الأشهر الأخيرة، قام الجيش الإسرائيلي بتمديد سيطرته على الأراضي على جانبي الممر، الذي يبلغ عرضه حوالي 4.3 أميال وطوله 4.3 أميال، لتسهيل سيطرة القوات الإسرائيلية على المنطقة، بحسب ما قاله العقيد ناداف شوشاني، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، في مقابلة معه.
استولت إسرائيل على غزة واحتلتها في الحرب العربية الإسرائيلية سنة 1967، واحتفظت بمستوطنات يهودية وقواعد عسكرية هناك، وسحبت إسرائيل قواتها ومستوطنيها في سنة 2005.
وقال بعض الوزراء الإسرائيليين إن السيطرة العسكرية في غزة يجب أن تمهد الطريق لإعادة الاستيطان اليهودي، على الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استبعد ذلك في الوقت الراهن. وتقع مستوطنة نتساريم الإسرائيلية السابقة – التي سُمي الممر العسكري باسمها – داخل المنطقة التي تخضع الآن للسيطرة الإسرائيلية الكاملة.
ويُظهر تحليل صحيفة “نيويورك تايمز” لصور الأقمار الصناعية على مدى الأشهر الثلاثة الماضية أن الجيش الإسرائيلي لديه ما لا يقل عن 19 قاعدة كبيرة في جميع أنحاء المنطقة وعشرات القواعد الصغيرة. وبينما تم بناء بعضها في وقت سابق من الحرب، تُظهر الصور أيضًا أن وتيرة البناء تبدو متسارعة؛ فقد تم بناء أو توسيع اثنتي عشرة قاعدة من هذه القواعد منذ أوائل سبتمبر/ أيلول، والعديد منها مرصوف ومُحاط بسور وتحتوي على ثكنات وطرق وصول ومواقف للمركبات المدرعة. وغالبًا ما تكون محاطة بخنادق دفاعية وسواتر وعوائق لعرقلة المركبات.
وقال العقيد شوشاني إن الاحتلال البري الموسع كان ببساطة لأسباب عملياتية، مضيفًا: “أي شيء تم بناؤه هناك يمكن إزالته في غضون يوم واحد”.
ومع ذلك؛ يشير حجم التحصينات إلى أن إسرائيل تستعد على الأقل لمعركة طويلة الأمد في غزة. وقال آفي ديختر، وهو وزير في الحكومة الإسرائيلية، إن إسرائيل “ستبقى في غزة لفترة طويلة”.
وقال ديختر للصحفيين في القدس: “نحن بالتأكيد لسنا في بداية النهاية، لأنه لا يزال أمامنا الكثير من العمل الذي يتعين علينا القيام به”.
وقال عمير آفيفي، الجنرال المتقاعد الذي يتم إطلاعه على إحاطات منتظمة من قبل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، إن العديد من قادة الجيش في البلاد يعتقدون الآن أن “الانسحاب والفصل لم يعودا خيارين”.
وأضاف الجنرال أفيفي، الذي يقود منتدى للمسؤولين الأمنيين السابقين من المتشددين: “لهذا السبب يبنون كل هذا. وفي نهاية المطاف، الحقائق تتحدث عن نفسها”.
في نوفمبر/ تشرين الثاني، قام نتنياهو بجولة في ممر نتساريم في زيارة نادرة نسبيًا إلى قطاع غزة. وقال رئيس الوزراء في بيان له إن القوات الإسرائيلية في المنطقة “تقوم بعمل رائع”، مضيفًا: “لقد حققوا نتائج ممتازة نحو هدفنا المهم – لن تحكم حماس في غزة”.
لقد عارضت إدارة بايدن السيطرة الإسرائيلية طويلة الأمد في غزة، التي تأمل أن تصبح جزءًا من الدولة الفلسطينية المستقبلية. وقد دعا الرئيس المنتخب دونالد ترامب إسرائيل إلى “إنهاء” الحرب، دون أن يحدد الشروط التي قد يراها مقبولة لغزة ما بعد الحرب.
قاعدة موسعة
وفي مارس/ آذار؛ بدأ الجيش الإسرائيلي في بناء واحدة من أكبر قواعده داخل ممر نتساريم وتوسيعها على مدار السنة لتشمل مزيدًا من التحصينات و نقطة تفتيش على الطريق.
إحدى أكبر القواعد الإسرائيلية، التي تقع عند تقاطع ممر نتساريم والطريق السريع الرئيسي الذي يمتد من الشمال إلى الجنوب، قد توسعت بشكل مستمر طوال السنة. وهي الآن تحتوي على بنية تحتية واسعة، مثل برجين للاتصالات ونقطة تفتيش كبيرة، وفقًا لصور الأقمار الصناعية.
وقامت القوات الإسرائيلية بتدمير ما لا يقل عن 620 مبنى سكني وبيوت زجاجية زراعية وغيرها من المباني بالأرض في الفترة من 3 سبتمبر/ أيلول إلى 21 نوفمبر/ تشرين الثاني، وفقًا لتحليل “نيويورك تايمز”. ونشر جنود إسرائيليون من كتيبة الهندسة القتالية 749 التابعة للجيش الإسرائيلي مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي لعمليات الهدم التي نفذوها.
يُظهر مقطع فيديو تم تصويره في أوائل أكتوبر/ تشرين الأول، وتم تحميله على حساب كتيبة الهندسة القتالية 749 على إنستغرام، ما لا يقل عن ثلاثة مبانٍ تم تدميرها من عمليات هدم تحت السيطرة في جنوب مدينة غزة.
وتحققت صحيفة “نيويورك تايمز” من 11 مقطع فيديو، تم تصويرها بواسطة طائرات مسيرة، وتوفر نظرة شاملة للجهود الإسرائيلية لإعادة تشكيل جغرافية جنوب مدينة غزة. وقد تم نشرها لأول مرة على نطاق واسع من قبل يونس الطيراوي، وهو صحفي فلسطيني قام بتحميلها من حسابات الجنود على مواقع التواصل الاجتماعي.
وردًا على سؤال حول سبب قيام الجيش بهدم المباني، قال العقيد شوشاني إن بعض المباني على الأقل كان يستخدمها المسلحون الفلسطينيون كمراكز مراقبة وأماكن للاختباء. وقال محللون عسكريون إسرائيليون إنه مع تسوية جزء كبير من المنطقة بالأرض، سيكون من غير المرجح أن يهاجم مقاتلو حماس القوات الإسرائيلية التي تقوم بدوريات في ممر نتساريم أو في النقاط العسكرية الإسرائيلية.
وبدأ الجنود الإسرائيليون في رصف وتحصين ممر نتساريم في أواخر السنة الماضية، بعد فترة وجيزة من بدء الاجتياح البري للجيش الإسرائيلي لغزة. وأطلقت إسرائيل حملتها ضد حماس في غزة بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 التي قادتها حماس، والتي تقول السلطات الإسرائيلية إن نحو 1200 شخص قُتلوا في إسرائيل واحتجزوا 250 آخرين كرهائن. وبحلول شهر يونيو/ حزيران، كانت معظم المباني الواقعة على بعد نصف ميل شمال وجنوب الطريق قد اختفت، مما أدى إلى إنشاء ما اعتبره الجيش الإسرائيلي منطقة عازلة.
وكانت قرية المغراقة في غزة، التي تبعد حوالي أربعة أميال جنوب مدينة غزة، الأكثر تضررًا خلال تلك الفترة. وكان أكثر من 10,000 شخص يعيشون في المغراقة قبل الحرب، محاطين ببساتين الليمون العطرة وحقول الطماطم والخيار.
تُظهر صور الأقمار الصناعية التي التقطتها شركة “بلانيت لابز” في مايو/ أيار 2023 قبل الحرب الحالية (إلى اليسار) وفي سبتمبر/ أيلول 2024 (إلى اليمين) كيف دُمرت قرية المغراقة بالكامل تقريبًا خلال فترة البناء المبكرة على ممر نتساريم.
وبحلول شهر أغسطس/ آب؛ كانت القرية قد دُمرت تقريبًا مع أراضيها الزراعية. ولم يبق في القرية سوى عدد قليل من المباني التي لا تزال قائمة، وفقًا لصور الأقمار الصناعية والسكان السابقين. وقال الجيش الإسرائيلي إن حركة حماس قد رسخت نفسها في المنطقة، مما استلزم بناء “بنية تحتية دفاعية” لتعزيز السيطرة.
وقال بشير أبو كميل، 50 سنة، الذي فر مع زوجته وأطفاله إلى جنوب غزة في وقت سابق من الحرب، إن سكان القرية الفلسطينيين لا يحلمون سوى بالعودة إلى أرضهم.
وأضاف أبو كميل أن سكان القرية الفلسطينيين تمكنوا في البداية من العودة لتفقد منازلهم وأرضهم، ولكن مع ازدياد ترسيخ الوجود الإسرائيلي في المنطقة، أصبحوا يخشون أن يكون مجرد الاقتراب من الأنقاض بمثابة حكم بالإعدام، على حد قوله.
وقال: أما الآن، “لم يبقَ شيء سوى الدمار”.
المصدر: نيويورك تايمز