مضى عام ونصف تقريبًا على سيطرة قوات النظام مدعومة بميليشيا محلية سورية وميليشيا “حركة النجباء” العراقية و”حزب الله” اللبناني وميليشيا “الحرس الثوري الإيراني” على مدينة البوكمال في ريف دير الزور الشرقي، والمحاذية للحدود السورية العراقية، وذلك خلال عملية عسكرية ضخمة بدأت الخميس 9 نوفمبر / تشرين الثاني من عام 2017 أدت إلى طرد تنظيم “الدولة” منها.
وضمن العقوبات التي تحاك من قبل واشنطن ضد طهران للخروج من سوريا بشكل فعلي، أدرجت واشنطن الإثنين 8 أبريل / نيسان الجاري ميليشيا الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب. يعتبر القرار هو الأول من نوعه في تصنيف جيش دولة على قائمة الإرهاب، جيشٌ يقدّر تعدداه بـ 100 ألف مقاتل، ولكن هذا القرار سيرتبط بتنفيذ عمليات عسكرية ضد مواقع الحرس الثوري الإيراني في سوريا ودول منطقة الشرق الأوسط، ومنها تدمير المخطط الشيعي نحو مياه المتوسط مرورًا بالعراق وسوريا.
سياسيًا: واشنطن تتوعد طهران والأخيرة ترد
وجه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في مؤتمر صحفي تحذيرًا صريحًا إلى الشركات والبنوك المتعاونة مع إيران، وأكد قدرة القرار باستخدام “أدوات لوقف التعامل مع الحرس الثوري، وأن الأمر سيفرض على الدول التي تقوم بالتعامل معه إعادة النظر في تعاملاتها”.
وتابع بومبيو أن الحرس الثوري منذ تأسيسه قبل 40 عامًا لعب دورًا رئيسيًا فيما سُمي تصدير الثورة، ونفّذ أنشطته في لبنان والعراق وسوريا واليمن. وأضاف أن “ضم الحرس الثوري إلى قائمة الإرهاب من قبل إدارة ترامب يُلحقه بتنظيمات عديدة سبق أن تم تصنيفها، كتنظيمات (القاعدة) و(داعش) و(حزب الله) اللبناني وتنظيمات فلسطينية”. وتوجّه واشنطن تهديداتها لأكثر من 100 كيان تابع للميليشيات الإيرانية بأنها ضمن قوائم الإرهاب، فيما وجّه الرئيس الأمريكي قبل أيام تهديدات لطهران في فرض عقوبات جديدة.
من جانبه قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الإثنين 8 أبريل/نيسان، إن “المسؤولين الأميركيين الراغبين في تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية يريدون جر أميركا إلى مستنقع”. فيما تحاول إيران تهديد واشنطن أنها ستتلقى الرد بشكل أكبر بعد فرضها حزمة عقوبات، إضافة إلى تصنيف الحرس الثوري على قائمة الإرهاب.
وفي السياق أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني أن الإجراء الأمريكي ضد الحرس الثوري “استفزازي وخطر وغير مسبوق في العلاقات الدولية”، فيما أعلن الحرس الثوري الإيراني أنه سيرد بالمثل على القرار، وأشار إلى أن الحماقة الأمريكية ستجعل الحرس أكثر عزيمة على تعزيز المنظومات والقدرات الدفاعية. وقال الحرس الثوري الإيراني في بيان له نشرته وكالة تسنيم الخميس 11 أبريل/نيسان: “سنقوم من خلال استخدام استراتيجية الرد بالمثل المقتدرة على الأعداء وعند الضرورة بتلقين العدو دروساً لا تنسى”، وأكدت إيران ردها بتصنيف القيادة المركزية للجيش الأمريكي والقوات التابعة لها في منطقة غرب آسيا، كمنظمة إرهابية تقوم بدعم المتطرفين، وتشكّل خطرًا على جمهورية إيران، بعد مصادقة البرلمان الإيراني على الرد بالمثل.
تزداد حدة التهديدات بين ساسة طهران وواشنطن بعد القرار الذي اتخذته الأخيرة، واستمرار إيران في تعزيز وجودها في سوريا ودخولها في شؤون الشرق الأوسط سيدفع الولايات المتحدة الأمريكية لاتخاذ إجراءات عسكرية على الأرض ربما تبدأ بالقضاء على مواقع الميليشيات الإيرانية في سوريا من خلال دعمها لميليشيا قسد
ومن جانبه، قال المبعوث الأميركي الخاص إلى إيران برايان هوك: “إن الحرس الثوري لطالما كان يهدد القوات الأميركية منذ تأسيسه”. وأضاف: “كلما فرضت عقوبات على إيران تتبعها سلسلة من التهديدات”، واعتبر هوك أن من يهدّد القوات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط إيران وحرسها الثوري الذي يعمل دون رقابة وعقاب.
وتزداد حدة التهديدات بين ساسة طهران وواشنطن بعد القرار، واستمرار إيران في تعزيز وجودها في سوريا ودخولها في شؤون الشرق الأوسط. كل هذا سيدفع الولايات المتحدة لاتخاذ إجراءات عسكرية على الأرض ربما تبدأ بالقضاء على مواقع الميليشيات الإيرانية في سوريا من خلال دعمها لميليشيا قسد في القضاء على الحرس الثوري أو إجباره على الانسحاب من سوريا.
عسكريًا: معركة محتملة بين طهران وواشنطن في البوكمال.. ما حقيقتها؟
ملامح بدء تطبيق ما أعلنته الإدارة الأمريكية في تصنيف ميليشيا الحرس الثوري الإيراني، باتت واضحةً ومرجح انتقالها إلى معركة عسكرية بين واشنطن وطهران، في البوكمال، المعقل الرئيسي لميليشيا الحرس الثوري في سوريا، محاولةً من خلال ذلك تضيق الخناق على النفوذ الإيراني هناك بعد دعوات واشنطن لطهران بالانسحاب من سوريا.
وفي حديث خاص أجراه “نون بوست” مع مدير شبكة “الفرات بوست” أحمد الرمضان، قال: “إن ميليشيا الحرس الثوري الإيراني وميليشيا حزب الله وميليشيا فاطميون قاموا بتعزيز مواقعهم بأكثر من 700 عنصر في مختلف بلدات محافظة دير الزور، وخاصة في حي الكتف داخل مدينة البوكمال”.
أرسلت الميليشيات الشيعية تعزيزات إلى قرية القبائم، في دير الزور، فيما أرسلت قوات النظام تعزيزات إلى المحطة الثانية في ريف حمص الشرقي، وشهدت مواقع الحرس الثوري الإيراني خلال الأسابيع القليلة الماضية قصفاً من الطائرات الحربية مما أدى إلى وقوع خسائر بشرية ولم تفصح إيران عن خسائرها نتيجة القصف
وأضاف الرمضان: “الميليشيات نشرت أسلحة ثقيلة في أحياء البوكمال المحاذية لنهر الفرات وداخل خطوط النار الواقعة بينها وبين قسد”، وأوضح: “حصّنت مواقعها داخل المنطقة الممتدة من البوكمال إلى الميادين، بشكل غير مسبوق”، واعتبر الرمضان أن التحصينات هدفها التصدي لأي هجوم محتمل في إشارة إلى التهديدات الأمريكية للميليشيات الإيرانية. ويأتي ذلك تزامنًا مع تصنيف واشنطن الحرس الثوري الإيراني على لائحة الإرهاب خلال الأيام الماضية.
وإلى ذلك أرسلت الميليشيات الشيعية تعزيزات إلى قرية القبائم، في دير الزور، فيما أرسلت قوات النظام تعزيزات إلى المحطة الثانية في ريف حمص الشرقي. بالإضافة، شهدت مواقع الحرس الثوري خلال الأسابيع القليلة الماضية قصفًا من الطائرات الحربية مما أوقع خسائر بشرية لم تفصح إيران عنها. وبحسب أحمد الرمضان “استهدفت الطائرات قصر نواف الفارس السفير السوري السابق في العراق، والتي اتخذت ميليشيا حركة النجباء منه مقراً لقواتها، وتعرض للقصف خلال تخريج دورة عسكرية من قواتها”، وبدت الميليشيات غير قادرة على الرد، فيما لم يعلن التحالف الدولي الجهة التي استهدفت مواقع ميليشيا الحرس الثوري. يذكر أن القوى المسيطرة على محافظة دير الزور تتتمثل بالحرس الثوري وحزب الله وحركة النجباء العراقية وميليشيا فاطميون.
وقال أحمد الرمضان: “إن قسد تستعد بدعم من التحالف لشن هجوم على البوكمال، في معركة تشارك فيها قوات (مجلس دير الزور العسكري) وقوات (مغاوير الثورة)، في قاعدة التنف الواقعة في البادية السورية”، وأضاف: “أرسلت قسد قواتها نحو حقل العمر النفطي، ومن المتوقع مشاركة المكون العربي المتمثل بمجلس دير الزور العسكري فقط”.
وأكد أن “الهدف من معركة البوكمال، هي قطع طريق إيران ما بين سوريا والعراق (البادية)، خاصة بعد إعلان نظام الأسد عن مشروع السكة الحديدية الواصلة بين (دمشق بغداد)”، وبيّن أن المعركة يمكن أن تمتد من البوكمال إلى مدينة الميادين، كما سيتبع التحالف الدولي أسلوب قتال “داعش” في المعركة المحتملة ضد الحرس الثوري.
وأشار إلى أن “التحالف الدولي زود قسد خلال الأسبوعين الأخيرين بكميات كبيرة من الأسلحة، وشوهدت العشرات من الشاحنات التي تحمل أسلحة ومعدات ثقيلة وهي تدخل إلى مناطق سيطرة قسد بدير الزور”، وتبدو ميليشيا قسد المدعومة من التحالف الدولي تستعد لخوض معركة ضد ميليشيا الحرس الثوري الإيراني في مدينة البوكمال شرق سوريا، بعد انتهائها من تنظيم “الدولة”، وكانت قد اعتبرت إدارة واشنطن أن الحرس الثوري الإيراني بعملياته الإرهابية يمثل “القاعدة” و “داعش”.
يبدو المجتمع الدولي وعلى رأسهم واشنطن وموسكو يرفضون التدخل الإيراني في سوريا، إضافة إلى محاولة طهران كسب المنطقة في مخططها الشيعي والاستثمار الاقتصادي، في الشرق الأوسط
من المرجح وقوع معركة عسكرية ضخمة ضد الميليشيات الإيرانية في البوكمال، بمشاركة ميليشيا قسد بمكونات عربية من المنطقة، وبدعم من التحالف الدولي. وتسعى واشنطن لمنع طهران من فتح الطريق الدولي الواصل بين (طهران ـ بغداد ـ دمشق ـ بيروت)، وإذا نشبت المعركة فستحاول الميليشيات الإيرانية الدفاع عن تواجدها بشتى الوسائل لأنها وصلت لمستوى جيد وغير مسبوق في مشروعها الذي طالما حلمت بتنفيذه. وفي ظل ذلك لن تتخلى إيران عن خطة ستعود عليها بملايين الدولارات، وستمكنها من التجارة غير المشروعة لرفع اقتصادها. من جهة أخرى، تصرّ الإدارة الأمريكية على اقتلاع الوجود الإيراني في سوريا والشرق الأوسط بشكل كامل، لإيقاف التهديد المباشر لحليفتها “إسرائيل” وبحجة تهديد مصالحها في الشرق الاوسط.
ويعد التصعيد الأخير من قبل الولايات المتحدة السياسي والعسكري على الأرض بداية التخلي عن ميليشيا إيران في سوريا وانتهاء مهمتها الموكلة إليها، إضافة إلى الخلافات الحاصلة بين ميليشيا إيرانية وأخرى روسية في سوريا لفرض النفوذ. ويبدو المجتمع الدولي وعلى رأسهم يرفضون التدخل الإيراني في سوريا، إضافة إلى محاولة طهران كسب المنطقة في مخططها الشيعي والاستثمار الاقتصادي، في الشرق الأوسط، من خلال الدفاع عن حلفائها، وستسعى واشنطن عبر قواتها المتواجدة في العراق وشمال الفرات في سوريا وفي قاعدة التنف توجيه صفعة قوية لميليشيا الحرس الثوري، فهل نشهد معركة كسر العظم بين طهران وواشنطن في سوريا؟