بينما تعيش الميليشيات التابعة لإيران أسوأ أيامها عسكريًا منذ سنوات، في منطقة شمال غرب سوريا، يبدو أن جبهة أخرى فُتحت ستواجه فيها تلك الميليشيات مع قوات نظام الأسد معركة جديدة في شرق البلاد.
وأطلق مجلس دير الزور العسكري التابع لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” معركة ضد قوات الأسد والفصائل الإيرانية متعددة الجنسيات، في شمال شرق مدينة دير الزور، وتحديدًا في تجمع بلدات معروفة محليًا وإعلاميًا باسم “القرى السبع”.
“القرى السبع” هي الحسينية والصالحية وحطلة ومراط ومظلوم وخشام والطابية، وتحمل أهمية استراتيجية من حيث إنها المناطق الوحيدة الخاضعة لسيطرة نظام الأسد في شرق الفرات (الشامية)، الذي يقع بأكمله تحت سيطرة “قسد” المدعومة أمريكيًا، بينما تقبع مناطق غرب الفرات (الجزيرة الفراتية) كاملةً تحت سيطرة الأسد.
وتكمن أهمية هذه القرى كونها تجاور قاعدة كونيكو، وهي في الأصل محطة لتوليد الغاز والتي تعتبر من أهم القواعد العسكرية الخاضة لسيطرة قوات التحالف الدولي.
وترتبط هذه القرى بمنفذ برّي وحيد مع مدينة دير الزور الخاضعة لسيطرة النظام، وتعدّ مناطق التماسّ الأكثر قربًا بين النظام و”قسد”، وتشهد منذ العام 2017 اشتباكات متقطعة بين الجانبَين، غير أن العمل العسكري الحالي ضدّ هذه القرى يحمل طابعًا مختلفًا، بحسب أحمد العطرة المتحدث باسم “شبكة عين الفرات” المعنية بأخبار الشرق السوري.
وقال العطرة لـ”نون بوست”، إن الأيام الماضية شهدت بالفعل وصول تعزيزات ضخمة من “مجلس دير الزور العسكري” التابع لـ”قسد”، إلى خطوط التماسّ مع “القرى السبع”، استعدادًا لشنّ هجوم عسكري واسع واستعادة السيطرة على هذه القرى، تحت اسم “معركة العودة”، بينما تشمل هذه التعزيزات مقاتلين من أبناء العشائر بريف دير الزور الغربي، لا سيما من أبناء هذه القرى الذين هجّرتهم الميليشيات الإيرانية خلال السنوات السابقة.
وتشكّل هذه القرى -بحسب العطرة- ما يسمّيها “شوكةً في خاصرة” البلدات التي تسيطر عليها “قسد” وحلفاؤها في التحالف الدولي، إذ تشنّ الميليشيات الإيرانية من “القرى السبع” هجمات صاروخية بشكل متكرر ضد قاعدة كونيكو، التي تتمركز فيها قوات التحالف الدولي.
وخلال اليومَين الماضيَّين، شنّت قوات التحالف الدولي هجمات بقذائف مدفعية وصاروخية ضد مواقع الميليشيات الإيرانية في القرى المحيطة بقاعدة كونيكو، لا سيما قرية “خشام” التي تحاذي القاعدة، غير أن “العطرة” يقول إن هذه الهجمات لا علاقة لها بمعركة “مجلس دير الزور العسكري”.
ووفقًا للمتحدث باسم “عين الفرات”، فإن عناصر الميليشيات الإيرانية في “القرى السبع” انسحبوا بشكل جماعي نحو مدينة دير الزور، ومنهم تمّ نقلهم إلى مدينة البوكمال، فيما تحصّن مقاتلون محليون من “متشيعي قرية حطلة”، التي تعدّ أكبر معقل للميليشات في محيط مدينة دير الزور، استعدادًا للمواجهة.
هدف خفي
في العام 2017، تقاسمت “قسد” بدعم التحالف الدولي، وقوات النظام بدعم روسي إيراني، السيطرة على دير الزور بعد طرد تنظيم “داعش” الذي بسط نفوذه فيها صيف 2014، ومنذ ذلك الحين شكّل نهر الفرات حدًّا طبيعيًا فاصلًا بين الجانبَين، وبقيت هذه القرى المشار إليها استثناءً من القاعدة، وشهدت موجة نزوح واسعة لسكانها نحو مناطق “قسد” خوفًا من عمليات انتقام نفّذتها الميليشيات الإيرانية هناك.
وبحسب العطرة، فإن اسم العملية (معركة العودة) يكشف الغرض المعلن منها، وهو عودة الأهالي النازحين إلى بيوتهم وقراهم، فيما يبدو غرض “إبعاد الخطر الإيراني عن قاعدة كونيكو الأمريكية هدفًا غير معلن”، إذ تعرضت القاعدة منذ انطلاق الحرب في غزة وبعدها اندلاع جبهة لبنان “هدفًا مفضّلًا” لميليشيات إيران والفصائل العراقية، بما تقول تلك الفصائل إنه “إسناد لمحور المقاومة” في لبنان وغزة.
ومنذ العام 2017 لم تخضع خرائط السيطرة بين جانبَي نهر الفرات لأي تغييرات، رغم حدوث اشتباكات شبه دائمة بين البلدات والقرى على جانبَي النهر، وفيما تشكّل “معركة العودة” أول هجوم بهذا الحجم نحو مناطق الميليشيات الإيرانية، يفيد العطرة بعدم وجود معلومات أو تحركات عسكرية من قبل “قسد” لشنّ هجمات نحو مناطق شرق الفرات التي يسيطر عليها نظام الأسد والميليشيات الإيرانية.
وتعدّ منطقة الميادين (40 كيلومترًا شرق دير الزور) معقلًا أساسيًا لفصائل إيرانية متعددة الجنسيات، شنّت خلال السنوات الماضية مئات الهجمات الصاروخية ضد قاعدة حقل العمر النفطي الأمريكية، في منطقة ذيبان على الجهة الشرقية لنهر الفرات، وهذا ما يمكن أن يمنح التحالف الدولي “ذريعة قوية” لمهاجمة تلك المنطقة، بحسب العطرة الذي يؤكد عدم وجود مؤشرات حالية لذلك، حتى لحظة إعداد هذا التقرير على الأقل.
غير أن موقع “فرات بوست”، المعنيّ بشؤون محافظة دير الزور، أكّد أن نظام الأسد استقدم تعزيزات عسكرية من الحرس الجمهوري والحرس الثوري الإيراني إلى قرى شرق الفرات، بعد توافد حشود عسكرية من أهالي تلك القرى على خطوط التماسّ تحضيرًا لطرد الميليشيات الإيرانية منها.
وهو ما أكّده كذلك موقع “نهر ميديا”، الذي أفاد بأن مدينة البوكمال، على الحدود العراقية السورية، شهدت استنفارًا “على أعلى مستوى” للميليشيات الإيرانية خلال اليومَين السابقَين، وأرسلت تعزيزات إلى البادية خوفًا من تحركات قد تنفذها القوات الموجودة في قاعدة التنف (يسيطر عليها جيش سوريا الحرة بإشراف أمريكي)، باتجاه نقاطها في بادية البوكمال.
وتعليقًا على ذلك، قال الناطق باسم “عين الفرات” إنها “تحركات احترازية” من المتوقع أن تقوم بها الفصائل الإيرانية والعراقية في دير الزور، في ظل حالة “الانهيار غير المسبوق” الذي تتعرض له في جبهات ريفَي حلب وإدلب.
وختم حديثه بالقول إن جميع الظروف على الأرض تتيح لـ”قسد” من جهة، وأبناء العشائر العربية من جهة ثانية، مهاجمة جميع مناطق غرب الفرات، التي تعني طرد فصائل إيران منها وتوجيه “الضربة القاضية” لما تبقى من نفوذ طهران في سوريا، والنهاية الرسمية لمشروع “الهلال الشيعي” في المنطقة.
ختامًا.. تؤكد معركة “القرى السبع” أن التطورات العسكرية في دير الزور قد تدخل مرحلة جديدة تحمل معها انعكاسات استراتيجية كبرى. فإلى جانب هدف تحرير المناطق وإعادة المهجرين، تسعى هذه التحركات لتقليص النفوذ الإيراني الذي طالما اعتمد على هذه المناطق كنقطة ارتكاز لتمدد مشروعه الإقليمي