فصل جديد من فصول التصعيد يشهده الشارع السوداني إثر مواصلة الضغوط على المجلس العسكري الانتقالي جراء إصرار “قوى إعلان الحرية والتغيير” على الاستجابة لرؤيتها الخاصة بضرورة تشكيل مجلس رئاسي مدني من المقرر أن يتم كشف أسمائه خلال مؤتمر صحفي اليوم الأحد.
الرؤية التي سلمتها قوى المعارضة للمجلس العسكري الأربعاء الماضي أعقبتها حشود جماهيرية غفيرة تدفقت إلى الساحة خارج مقر القيادة العامة للجيش، وسط الخرطوم، في أكبر تجمع منذ أطاح الجيش بالرئيس عمر البشير في 11 من أبريل/نيسان الحاليّ، فيما واصل رواد مواقع التواصل الاجتماعي ضغوطهم لتنحي العسكر برئاسة عبد الفتاح البرهان.
تزامن هذا التصعيد مع دخول الولايات المتحدة على خط الأجواء المشتعلة، ملقية بثقلها، عبر الإعلان عن إيفاد مبعوثها إلى الخرطوم لـ”إبعاد العسكريين عن الواجهة وإعادتهم إلى تولي مسؤولياتهم الأمنية فقط لا غير”، وهو الموقف الذي ربما يغير كثيرًا من موازين القوى على الأرض.
بيان و3 مستويات
في بيان له نشره على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”؛ أعلن “تجمع المهنيين السودانيين” الكشف عن الأسماء المختارة لقيادة المجلس الرئاسي المدني، وهو أحد الأركان الثلاث للسلطة المدنية الانتقالية التي تصبو إليها المعارضة، خلال مؤتمر صحفي حاشد مزمع عقده اليوم الأحد.
التجمع وفق بيانه دعا الجماهير ووسائل الإعلام والبعثات الدبلوماسية إلى “حضور وتغطية المؤتمر الصحافي، للإعلان عن الأسماء المختارة لتولي المجلس السيادي المدني الذي سيضطلع بالمهام السيادية في الدولة، كذلك استعراض تفاصيل الجهود المتقدمة بشأن السلطات المدنية الأخرى، التي سيتوالى إعلان أسماء عضويتها تباعًا”.
المجلس المدني المقرر إعلان أسمائه الأحد سيضم بين طياته تمثيلاً للعسكريين وسيحل محل المجلس العسكري الانتقالي الحاليّ
وتأتي هذه الخطوة بحسب التجمع “بناءً على رؤية قوى إعلان الحرية والتغيير التي أعلنت عن ثلاثة مستويات للسلطة المدنية الانتقالية، تعمل وفق الدستور الانتقالي الذي تمت صياغته من قوى إعلان الحرية والتغيير، وهي مجلس رئاسي مدني يضطلع بالمهام السيادية في الدولة، ومجلس وزراء مدني صغير من الكفاءات يقوم بالمهام التنفيذية وتنفيذ البرنامج الإسعافي للفترة الانتقالية، ومجلس تشريعي مدني انتقالي يقوم بالمهام التشريعية الانتقالية”.
أشار قيادو التجمع في تصريحات مختلفة لهم أن المجلس المدني المقرر إعلان أسمائه الأحد سيضم بين طياته تمثيلاً للعسكريين وسيحل محل المجلس العسكري الانتقالي الحاليّ، كاشفين أنهم لم يحصلوا على رد من المجلس حتى كتابة هذه السطور، مؤكدين تمسكهم بالمستويات الثلاث للانتقال المدني للسلطة.
يذكر أن “قوى الحرية والتغيير” سلمت المجلس العسكري الانتقالي، الأربعاء الماضي، مقترحًا بتشكيل المجالس الثلاث: مجلس رئاسي مدني ومجلس وزراء يكون من الكفاءات الوطنية ومجلس تشريعي مدني انتقالي يضم في تكوينه كل قوى الثورة من الشباب والنساء ويراعى فيه التعدد الإثني والديني والثقافي السوداني.
إجراءات للتهدئة
وفي الجهة الأخرى أصدر المجلس العسكري بقيادة البرهان المدعوم سعوديًا وإماراتيًا ومصريًا عددًا من القرارات بهدف تهدئة الأجواء وطمأنة المحتجين المعتصمين أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، حيث أعفى عددًا من المسؤولين الحكوميين في وزارتي الإعلام والاتصالات، والموارد المائية والكهرباء.
وبحسب البيان الصادر عن المجلس فقد تمّ إعفاء العبيد أحمد مروح من منصب وكيل وزارة الإعلام والاتصالات، وحسب النبي موسى محمد من منصب وكيل وزارة الموارد المائية والكهرباء، وزين العابدين عباس الفحل من منصب الأمين العام للمجلس القومي للأدوية والسموم، وكلّف المجلس العسكري عبد الماجد هارون بتسيير مهام وكيل وزارة الإعلام والاتصالات.
قال مسؤول أمريكي لم يكشف هويته إن هدف بلاده على المدى القصير “إبعاد الجيش عن الساحة والعودة إلى القيام بمسؤولياته الأمنية فقط لا غير”
هذا بجانب عدد من القرارات الاقتصادية التي أصدرها المجلس مؤخرًا لتخفيف حدة القلق المسيطر على الشارع في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد، منها اتخاذ إجراءات سريعة لمحاربة الفساد وتجميد الأموال المشبوهة ومراجعة حركة الأموال عن طريق البنك المركزي اعتبارًا من الأول من أبريل/نيسان الحاليّ.
كما قرر البنك المركزي تجميد الحسابات المصرفية للوحدات الحكومية التي تم حلها من العسكري الانتقالي، كذلك المؤسسات الحكومية والتشريعية والتنفيذية، وفي مقدمتها رئاسة الجمهورية والمجلس الوطني ومجلس الولايات، فيما ذكرت مصادر مقربة من أسرة البشير أن السلطات أفرغت مسكنه بالقيادة العامة للجيش وأمرت عائلته بالمغادرة.
#اعتصام_القياده_العامه
Just retweet it #لم_تسقط_بعد pic.twitter.com/TjmB3ipWCK
— hamada|? (@hamada_nori) April 19, 2019
أمريكا تدخل على الخط
دوليًا دخلت الولايات المتحدة بثقلها على خط الأزمة في السودان، حيث أشادت بالأوامر التي أصدرها البرهان بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وإنهاء حظر التجول، كما أعلنت إيفاد مبعوث إلى الخرطوم لتشجيع الانتقال إلى الديموقراطية، وذلك وفق بيان صادر عن البيت الأبيض.
فيما تشير بعض المصادر أن ماكيلا جيمس نائبة وزير الخارجية الأمريكية لشؤون شرق إفريقيا، ستتوجه إلى الخرطوم هذا الأسبوع، في الوقت الذي صرحت فيه المتحدثة باسم وزارة الخارجية مورغان أورتاغوس أن “الولايات المتحدة ستحدد سياساتها بناءً على تقييمنا للأحداث”، إلا أنها أضافت أن المحادثات الخاصة برفع السودان عن قائمة الدول الراعية للإرهاب ستبقى متوقفة.
أورتاغوس أضافت “نحن مسرورون لقرار الإفراج عن السجناء السياسيين وإلغاء حظر التجول في الخرطوم”، وأكدت أن الولايات المتحدة تريد من المجلس العسكري وغيره من وحدات الجيش “إظهار ضبط النفس وتجنب النزاع ومواصلة التزامها بحماية الشعب السوداني”، وأشارت إلى أن “إرادة الشعب السوداني واضحة: حان الوقت للتحرك باتجاه حكومة انتقالية جامعة وتحرم حقوق الإنسان وحكم القانون”.
وفي السياق ذاته قال مسؤول أمريكي لم يكشف هويته إن هدف بلاده على المدى القصير “إبعاد الجيش عن الساحة والعودة إلى القيام بمسؤولياتهم الأمنية فقط لا غير”، مضيفًا “وعلى المدى الطويل التأكد من تحضير أي مجموعة مسؤولة عن العملية الانتقالية آلية تنفيذية انتقالية تؤدي إلى حكومة ديمقراطية حقيقية تعكس إرادة الشعب السوداني”.
BLESSED FRIDAY#اعتصام_القيادة_العامة pic.twitter.com/YEGE3VZ7Ok
— ALaA ABADY (@alaa_abady) April 19, 2019
هل يستجيب العسكر؟
لم يعلق المجلس العسكري على الورقة المقدمة من المعارضة بخصوص المجلس المدني وهو ما ربما يزيد من سخونة الأجواء في ظل إصرار قوى “الحرية والتغيير” على التمسك بما جاء في رؤيتهم المسلمة التي تطالب باستبدال المجلس الحاليّ بآخر مدني، ما يعني لجوء البرهان ورفاقه إلى خيار التنحي أسوة بما فعل بن عوف قبل ذلك.
في هذا السياق كشف مصدر مقرب من صفوف المعارضة السودانية رفض ذكر اسمه أن أي تأخير في رد المجلس أو تلاعب على المقترحات المقدمة ربما يزيد الأوضاع سوءًا، لافتًا في تصريحاته لـ”نون بوست” أن تحالف المعارضة لن يتردد في إعلان المجلس الرئاسي والحكومة المدنية بجانب مجلس تشريعي بمفرده.
وأوضح المصدر أن هذا التحرك يأتي استنادًا إلى شرعية الثورة التي منحها الثوار والشعب السوداني للتحالف المتحدث باسم المحتجين، الأمر الذي يجعل من أي تحرك يقومون به شرعيًا بصورة كبيرة مقارنة بالتسويف المتوقع من المجلس المعين بعيدًا عن إرادة الشارع التي فرضت على البشير ترك منصبه عنوةً.
إلا أنه وفي الجهة الأخرى يرى أن الدعم الذي تلقاه العسكر من الرياض وأبو ظبي والقاهرة خلال الأيام الماضية ربما يدفعه إلى عدم التعاطي مع تلك المطالب سريعًا، لافتًا إلى أن الكلمة النهائية للشارع وللمواطن السوداني بصرف النظر عن أي تدخلات خارجية، محذرًا من السيناريو الأسوأ حال وهو حدوث أي صدام بين الثوار والمجلس العسكري.
ساعات قليلة تتبقى على كشف المعارضة النقاب عن أسماء المجلس الرئاسي والحكومي المدني المقترح – وفق بيان قوى الحرية والتغيير – في ظل تمسك المجلس الانتقالي بالصمت، الأمر الذي ربما يحمل المزيد من التصعيد خلال الساعات القادمة ما لم تحدث تدخلات من هنا أو هناك لتهدئة الأجواء والوصول إلى نقطة اتفاق.