ترجمة وتحرير: نون بوست
كافح المجتمع المدني والجهات الفاعلة السياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل مستمر من أجل تحقيق التغيير الديمقراطي والإصلاحات الإيجابية منذ اندلاع ثورات الربيع العربي سنة 2011. ومع ذلك، شهدت هذه الأطراف انتكاسات وتكبّدت حتى الهزيمة بسبب الجهود التي تبذلها الإمارات العربية المتحدة من أجل تقويض هذا التغيير.
يمكن ملاحظة هذا التدخل من خلال المحاولات الحالية التي يسعى من خلالها الشعب في كل من ليبيا والسودان إلى تركيز الديمقراطية في المنطقة. كما لُوحظ كذلك التدخل الإماراتي في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الماضي. وفي الواقع، لن يُعرقل النظام الإقليمي الذي لا يتألف من الحكام الاستبداديين والعسكريين طموحات قوة أبوظبي الناعمة الإقليمية، فقط. فمن المرجح أن يُلهم النجاح الديمقراطي في أماكن أخرى في المنطقة، التغيير داخل دولة الإمارات العربية المتحدة ويتحدى الوضع السياسي الراهن.
منذ أن أعلن الجنرال الليبي خليفة حفتر، الذي نصّب نفسه قائد الجيش الوطني الليبي، عن مهمّته المتمثلة في السيطرة على البلاد ومعارضة الديمقراطية والوقوف في وجه حكومة الوفاق الوطني المنافسة التي تدعمها الأمم المتحدة في طرابلس، تأهبّت الإمارات لدعمه
في حين يحتفي المراقبون الدوليون وأولئك الذين يدفعون الشعب من أجل تحقيق التغيير، بالربيع العربي، تُراقب دولة الإمارات العربية المتحدة ما يحدث بعين الخوف والريبة، خاصة بسبب تأثير “نظرية الدومينو” الذي نشرته في جميع أنحاء المنطقة. ففي ظل دعوة بعض الأكاديميين والناشطين في الإمارات، على غرار ناصر بن غيث وأحمد منصور، في سنة 2011 إلى إجراء إصلاحات، أطلقت السلطات الإماراتية حملة قمع ضد هؤلاء الذي تحدّوا النظام مصدرة أحكاما في حقهم تشمل السجن لفترات طويلة ودفع غرامات ضخمة.
في الحقيقة، تمتدّ هذه الأجندة المضادة للثورة إلى ما أبعد من حدود الإمارات. فمنذ أن أعلن الجنرال الليبي خليفة حفتر، الذي نصّب نفسه قائد الجيش الوطني الليبي، عن مهمّته المتمثلة في السيطرة على البلاد ومعارضة الديمقراطية والوقوف في وجه حكومة الوفاق الوطني المنافسة التي تدعمها الأمم المتحدة في طرابلس، تأهبّت الإمارات لدعمه. وعموما، قدّمت أبوظبي مجموعة كبيرة من الطائرات والمركبات العسكرية وغيرها من المعدات الضرورية، ما دفع بكل من حفتر والسياسيين المتحالفين معه إلى تقديم الشكر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة.
والجدير بالذكر أن الطائرات الحربية الإماراتية نفّذت غارات جوية ضد خصوم حفتر في شرقيّ ليبيا، الأمر الذي ساعد جيشه على السيطرة على ذلك الجزء من البلاد. ووفقا لما تم تداوله، انتشرت الأسلحة الإمارتية خلال الهجوم الذي شنّه حفتر على طرابلس، الذي حطّم الآمال المتعلقة بإجراء الانتخابات الليبية وقوّض نجاح عملية السلام.
بعدما أطاحت الانتفاضات في السودان بحكم الرئيس عمر البشير الذي دام 30 سنة، وبعدما سيطر مجلس عسكري انتقالي على الحكومة، أصدرت أبوظبي بيانا لدعم استمرار الحكم العسكري في السودان
علاوة على ذلك، شيّدت أبوظبي قواعد للقوات الجوية المنتشرة في شرقيّ ليبيا. أما الشركات الإمارتية، فهرّبت النفط الليبي بطرق لم توافق عليها الأمم المتحدة، وذلك بالتعاون مع حفتر. ومع وجود حظر دولي على الأسلحة في ليبيا، ينتهك كل هذا الدعم الذي تقدّمه أبوظبي، القانون الدولي بشكل مباشر، ويمنع ليبيا من أن تُصبح دولة إقليمية ديمقراطية خاصة مع إمكانية استقطاب ليبيا المستقرة الغنية بالنفط لاستثمارات دولية أكبر من شأنها أن تنافس الإمارات.
في الوقت الراهن، بعدما أطاحت الانتفاضات في السودان بحكم الرئيس عمر البشير الذي دام 30 سنة، وبعدما سيطر مجلس عسكري انتقالي على الحكومة، أصدرت أبوظبي بيانا لدعم استمرار الحكم العسكري في السودان. وفي هذا الإطار، التقى المبعوثون الإمارتيّون والسعوديون بشخصيات بارزة في المجلس الانتقالي العسكري في 13 أبريل /نيسان وتعهّدوا بدعم رئيس المجلس، عبد الفتاح برهان. ونظرا لاستقالة وزير الاستخبارات السوداني السابق، صلاح غوش، الذي أشرف على حملة القمع التي طالت المتظاهرين في عهد البشير، ستبحث الإمارات عن شخصيات محتملة أخرى لدعمها في حكومة ما بعد الثورة.
من خلال دعم الحكم العسكري الذي فُرض بالقوّة، تسعى الإمارات العربية المتحدة إلى تكرار نموذج الانقلاب المصري ما بعد سنة 2013. فقد جعل عبد الفتاح السيسي بلاده مقرّبة من أبوظبي حتى عندما كان بصدد سحق الإسلاميين وقمع حرية التعبير والتعهد بالقيام بانتهاكات واسعة فيما يتعلق بحقوق الإنسان. وتجدر الإشارة إلى أن البرلمان المصري وافق مؤخرا على التعديلات الدستورية التي من شأنها أن تمنح الجيش المزيد من السلطة، حيث من المرجح أن تسمح للسيسي بالبقاء في السلطة حتى سنة 2030. كنتيجة لذلك، يبدو أن مليارات الدولارات التي تمنحها الإمارات لمصر، ساهمت في دعم النظام وعرقلت أيّ انتقال ديمقراطي من شأنه أن يطال البلاد.
على الرغم من أن الحكومة الإماراتية حاولت بقوة إظهار الصورة الإيجابية المتعلّقة بسياستها الخارجية باعتبارها تهتم بالجانب الإنساني ولا تسعى للتدخل في شؤون الغير، إلا أن سياساتها تشير إلى عكس ذلك
تعدّ تونس من بين الدول التي نجا انتقالها الديمقراطي من التدخل الإماراتي. ونظرا لأنها تحظى بسمعة طيّبة باعتبارها نموذجا إقليميا يُحتذى به بعد نجاحها النسبي في تحقيق الديمقراطية، تشعر أبوظبي بالقلق إزاء فرضية الدعوات التي من الممكن أن تطلقها باقي الدول لمن أجل ترسيخ الديمقراطية.
كنتيجة لذلك، حاولت الإمارات تقويض حزب حركة النهضة الإسلامي المؤيد للديمقراطية، ودعمت بهدوء حزب نداء تونس العلماني، بقيادة وزير الخارجية السابق في عهد الديكتاتور السابق، بن علي. وبحسب ما ورد، قدّم المسؤولون الإماراتيون يد المساعدة لنداء تونس من أجل تكرار النموذج المصري وافتكاك السلطة من يد حزب حركة النهضة. ومن جانبه، اتهم الرئيس السابق، المنصف المرزوقي، الإمارات بمحاولة زعزعة استقرار البلاد ودعم القوى الرجعية. لكن عدم وجود جيش قوي في تونس، كما هو الحال في مصر، جعل من الصعب على دولة الإمارات العربية المتحدة تعطيل مسار الديمقراطية في البلاد.
لم يمنع هذا الوعي المتنامي إزاء النفاق الإماراتي الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، من الحفاظ على علاقات قوية مع الإمارات وتزويدها بالأسلحة
على الرغم من أن الحكومة الإماراتية حاولت بقوة إظهار الصورة الإيجابية المتعلّقة بسياستها الخارجية باعتبارها تهتم بالجانب الإنساني ولا تسعى للتدخل في شؤون الغير، إلا أن سياساتها تشير إلى عكس ذلك. وفي الوقت الراهن، تقف جهود العلاقات العامة الإماراتية في وجه الشخصيات السياسية والمحللين والناشطين الذي أصبحوا على وعي أكبر بالنفاق الذي تمارسه البلاد، خاصة في السودان، حيث يتحدى المتظاهرون النفوذ الإماراتي واستمرار الحكم العسكري في البلاد. وعموما، ساهم هذا الوعي المتنامي في تقويض جهود الإمارات الرامية للتأثير على انتقال تونس.
في المقابل، لم يمنع هذا الوعي المتنامي إزاء النفاق الإماراتي الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، من الحفاظ على علاقات قوية مع الإمارات وتزويدها بالأسلحة. والجدير بالذكر أن هذه العلاقات تمنح بعض الدول الغربية نفوذا، يجب عليهم استخدامه للضغط على الإمارات من أجل وضع حد لتدخلها في شؤون الدول الأخرى وتطبيق سياسة خارجية أكثر عدلا.
المصدر: لو لبوغ