ترجمة وتحرير: نون بوست
لا تزال المحروقات تمثل أهم مصادر عائدات العديد من البلدان العربية. وعلى الرغم من أن هذه الموارد تكتسي أهمية كبرى إلى جانب محدوديتها، إلا أنه لا يمكن نفي ضرورة الاستعداد لمرحلة ما بعد النفط. وفي هذا السياق، تفك الباحثة نسيمة وهاب العثامنة شيفرة رهانات هذا التنويع الاقتصادي.
من بين أهم القضايا التي سيواجهها العالم العربي في المستقبل، قضية تنويع الاقتصاد. وفي الوقت الذي تواصل فيه هذه البلدان “التعويل على مصادرها الطاقية”، فإنها في المقابل مازالت تعتمد بشدة على عائدات المحروقات. وتعتبر حكومات هذه الدول “الذهب الأسود، هبة من السماء” لذلك تركز عليه كمصدر التمويل الوحيد.
لقد بات من الضروري إيجاد بديل عن الغاز والنفط، وفقا لنسيمة وهاب العثامنة، الباحثة في التحولات السياسية والاقتصادية في العالم العربي، ومؤلفة كتاب “ما بعد النفط في العالم العربي والإسلامي. من التبعية إلى الاستراتيجيات البديلة”. وقد تطرقت هذه الباحثة إلى هذا التحول الذي لا مفر منه.
جون أفريك: إلى أي مدى تعتمد اقتصاديات بلدان شمال إفريقيا ودول الخليج على الإيرادات المتأتية من المحروقات؟
نسيمة وهاب العثامنة: تتأتى 97 بالمئة من عائدات هذه الدول من استغلال النفط والغاز. وتعاني هذه الاقتصاديات نقصا في التنوع وليس لها مصادر تمويل أخرى سوى المحروقات. ولا يقتصر ذلك على ممالك النفط في الخليج فحسب، بل يشمل أيضا مصر وليبيا والجزائر. وفي الخليج، سجلت قطاعات الخدمات والسياحة والمالية تطورا، في حين أن المنطقة المغاربية لم تحقق بعد تقدما في هذه القطاعات رغم إمكانية نموها بالتوازي مع ما توفره عائدات النفط، ولكنها لم تصل إلى ذلك بعد.
نسيمة وهاب العثامنة: منذ سبعينيات القرن الماضي، وفي أعقاب الاستقلال، بدأت معظم دول المنطقة في تأميم مواردها، حيث ساهم هذا التغيير في در الكثير من المال
وأضحى هذا التنويع أمرا عاجلا وضروريا من أجل أن تستعد هذه الدول لمرحلة ما بعد النفط.
جون أفريك: لماذا لم يحدث هذا التنويع بعد؟
نسيمة وهاب العثامنة: يعود ذلك إلى عدة أسباب. إن الإشكال يتمثل في أن عائدات النفط متغلغلة ضمن الدورة الاقتصادية الخارجية حتى في الولايات المتحدة، التي غالبا ما تمثلها البنوك الأوروبية أو الأمريكية. كما أن الدول العربية لا تستفيد مباشرة من هذه العائدات، بل تخضع لعملية تطوير المدخرات الوطنية قبل استثمارها في البلد الذي تتأتى منه العائدات النفطية. بالإضافة إلى ذلك، إن غياب الشفافية في إدارة الأموال العامة وتفشي الفساد الهيكلي لهما أيضًا تأثير كبير، فكل هذه العوامل مجتمعة تؤثر على المصالح الوطنية والتنمية الاقتصادية لهذه البلدان.
جون أفريك: يعني أن هذه الدول تعيش وضعا متناقضا: فهي تصدر ثروة هائلة، في الوقت الذي تعاني فيه اقتصاداتها من ضعف كبير. كيف تفسرين ذلك؟
نسيمة وهاب العثامنة: منذ سبعينيات القرن الماضي، وفي أعقاب الاستقلال، بدأت معظم دول المنطقة في تأميم مواردها، حيث ساهم هذا التغيير في در الكثير من المال. ولكن الكثير منهم قاموا بتطوير نموذج اقتصادي كان بمثابة اختيار خاطئ لأنه لم يلب الاحتياجات الوطنية. نلاحظ بعد ذلك تخطيط الدولة المنفصل عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي بعد الاستقلال. بعد ذلك، وقع تسجيل مخططات حكومية بمعزل عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي في فترة ما بعد الاستقلال.
في المغرب العربي تعتبر عائدات النفط بالنسبة لهم بمثابة “لقمة سائغة” لا يرغبون في التخلي عنها
لطالما كانت النخبة راضية عن هذه “الهبة من السماء”، دون البحث عن مصادر أخرى لتمويل الاقتصاد. وينطبق هذا الأمر على كل من ليبيا والجزائر ومصر، فكل هذه البلدان ترتكز على الصناعة النفطية، والتفكير في ضمان التنمية الموازية للبلاد عبر التعويل على عائدات هذا القطاع، ولكن دون تسجيل منافع. وخلال الثمانينيات، وجدوا أنفسهم جميعا في ديون مما شكل صدمة نفطية في هذه البلدان التي أضحت تخضع لمخططات التكيف الهيكلي التي وضعها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
جون أفريك: مع ذلك، هناك العديد من الاختلافات بين المغرب العربي ودول الخليج
نسيمة وهاب العثامنة: طبعا، هياكل الدولة المختلفة لها تأثير مباشر على النظام الاقتصادي، والأمر سيان بالنسبة لعدد السكان. فسكان البلدان المغاربية أكثر من سكان الدول الأصغر مساحة على غرار قطر والإمارات، التي لديها موارد أكثر. لسوء الحظ، يحدث التغيير أو التقدم بسرعة أكبر في ظل نظام استبدادي تتمركز حوله إدارة المخزون الطاقي. وفي الوقت الحاضر، نجحت فعليا كل من الإمارات والبحرين وقطر في اتخاذ التدابير اللازمة استعدادا لمرحلة ما بعد النفط من خلال التشجيع على السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر.
جون أفريك: نلاحظ تغيرات مهمة في الخليج، ولكن ماذا عن المغرب العربي؟
نسيمة وهاب العثامنة: في الواقع، يمكن ملاحظة هذا التغيير في الخليج، حيث تهدف جميع الخطط بغض النظر عن مدى اختلافها إلى إيجاد مصادر بديلة عن عائدات النفط. فعلى سبيل المثال، سنت السعودية والإمارات لأول مرة ضريبة على القيمة المضافة بنسبة خمسة بالمئة.
نسيمة وهاب العثامنة: إذا لم يحدث تغيير في السنوات القادمة، فستندلع أزمة اقتصادية. قد تغرق هذه البلدان في الديون إذا لم يعد لديها دخل من عائدات النفط
في المغرب العربي، وقع الإعلان عن هذا الإجراء لكن لا يوجد إصلاح حقيقي. هناك نقص واضح في الإرادة السياسية، إلى جانب غياب التعاون بين بلدان هذه المنطقة. وفي الوقت الحالي، تعتبر عائدات النفط بالنسبة لهم بمثابة “لقمة سائغة” لا يرغبون في التخلي عنها. ما لم يكن هناك تغيير جذري في النخبة التي تحكمنا على الأقل في المستقبل القريب. وتتمثل إحدى إمكانيات شمال أفريقيا في تطوير سوق مشتركة تعود بالنفع على الجميع.
جون أفريك: ما هي عواقب غياب هذه الإرادة السياسية؟
نسيمة وهاب العثامنة: إذا لم يحدث تغيير في السنوات القادمة، فستندلع أزمة اقتصادية. قد تغرق هذه البلدان في الديون إذا لم يعد لديها دخل من عائدات النفط، وبذلك ستكون مجبرة مرة أخرى للجوء إلى المؤسسات المالية الدولية لتعديل اقتصاداتها. إنهم يعتمدون على احتياطيات النفط ويعولوّن كثيرا على سعر برميل النفط. وفي حالة الجزائر وليبيا مثلا، فإن كلاهما يحتاج إلى أن يكون سعر البرميل حوالي 85 دولارًا، لكن سعره اليوم أقل من ذلك مما تسبب في خلق حالة من انعدام التوازن في ميزانية الدولة.
المصدر: جون أفريك