من جديد عاد ملف المصالحة الفلسطينية الداخلية بين حركتي فتح وحماس، ليتصدر المشهد السياسي الحساس الذي يمر بأكثر الأوقات خطورة تزامنًا مع مساعي الإدارة الأمريكية لاستغلال الظروف القاسية وحالة الفرقة القائمة لتمرير صفقتها التي باتت تعرف باسم “صفقة القرن”.
ورغم أن تجربة الفلسطينيين مع ملف المصالحة كانت قاسية ومريرة وتخللها الكثير من العقبات والصدمات طوال الأعوام الـ12 الماضية من عمر الانقسام، فإن بعض الأمل عاد في نفوسهم بتحقيق وحدة وطنية رغم حالة القلق السائدة من العودة مجددًا لمربع الخلاف وتبادل الاتهامات.
عودة ملف المصالحة للساحة بعد غياب استمر شهورًا، جاء من خلال ورقة جديدة قدمتها حركة فتح إلى نظيرتها حماس عبر الوسيط المصري، ليُرمى حجر جديد بمياه المصالحة الراكدة، تترقبه عيون الفلسطينيين بحذر وقلق عله يُخرجهم من نفق مظلم دخلوا فيه منذ 12عامًا ولم يخرجوا منه حتى هذه اللحظة.
وعن تفاصيل الورقة الجديدة، قال القيادي في حركة فتح، عبد الله عبد الله، إن حركته قدمت مبادرة إلى حركة حماس في غزة عبر جمهورية مصر العربية، مضيفًا “حركة فتح طلبت من مصر تسليم تلك المبادرة لحركة حماس خلال 24 ساعة”.
خطوة نحو المصالحة
أوضح عبد الله أن المبادرة تتضمن استكمال تنفيذ اتفاق 2017 وصولًا إلى انتخابات تشريعية ينتج عنها تشكيل حكومة وحدة تعطي كل فصيل حجمه الذي حصل عليه في صندوق الاقتراع، متابعًا حديثه “نأمل أن تكون المبادرة الخطوة الأخيرة، فالوقت لا يسمح بأي تلكؤ، الجانب المصري يستشعر الخطر على القضية، ونحن أخذنا المبادرة على عاتقنا”.
وبيّن عبد الله أنهم يصرون على ضرورة إنهاء الانقسام والوحدة الفلسطينية، من أجل صد الاحتلال الإسرائيلي بممارساته التعسفية تجاه القضية الفلسطينية.
ذكر قيادي في حركة فتح أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يريد صيغة اتفاق مع حركة حماس بشأن متطلبات المرحلة المقبلة والخروج بتأكيد على وحدة السلطة في الضفة والقطاع
وعن أسباب هذا الحراك المفاجئ من حركة فتح وتقديم ورقة المصالحة الجديدة، ذكر قيادي في الحركة أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يريد صيغة اتفاق مع حركة حماس بشأن متطلبات المرحلة المقبلة والخروج بتأكيد على وحدة السلطة في الضفة والقطاع، وصولًا إلى اتفاق على برنامج سياسي يتطابق مع برنامج منظمة التحرير.
وأضاف أن عباس يريد الحصول على تطمينات من حركة حماس بشأن عدم الموافقة على أي ترتيبات في غزة لا تريدها السلطة الفلسطينية التي تصرّ بدورها على إيجاد دور لحكومة محمد أشتية الجديدة في القطاع.
هذا وعلم مراسل “نون بوست” أن وفدًا من حركة حماس برئاسة عضو مكتبها السياسي خليل الحية، سيتوجه إلى العاصمة المصرية القاهرة خلال أيام، لعقد مشاورات مع جهاز المخابرات العامة، والتباحث في الورقة الجديدة التي قدمتها حركة فتح.
مسيرات في غزة تطالب بإنهاء الانقسام
وبشكل قاطع ترفض حركة حماس حكومة أشتية الجديدة وتعتبرها “غير شرعية”، وتطالب بتشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة، ورفع ما تسميه العقوبات عن غزة وعقد الإطار القيادي لـ”منظمة التحرير” الذي تشارك فيه حركتا حماس والجهاد الإسلامي.
أما حركة فتح، فتصر على تمكين الحكومة أولاً في قطاع غزة، من خلال تسليمها الدوائر الحكومية والوزارات بما فيها أجهزة الأمن، وتطبيق الاتفاقات الموقعة.
هل ستزول عقبات المصالحة؟
وفي سياق متصل، اعتبر الناطق باسم حركة حماس فوزي برهوم، أن ما ينشره قيادات في حركة فتح بشأن موضوع المصالحة وتقديم أوراق بالخصوص “لا يعدو كونه محاولات للمراوغة والاستهلاك الإعلامي فقط”، وقال برهوم: “يأتي ذلك للتغطية على خطوات فتح ورئيسها محمود عباس الانفصالية وجريمة إجراءاته الانتقامية ضد أهلنا في قطاع غزة”.
رأى المحلل والكاتب السياسي مصطفى الصواف، أن الرئيس عباس يريد مصالحة على المقاس الإسرائيلي، من خلال مصالحة تُجرد المقاومة من سلاحها الذي تواجه به الاحتلال وجيشه
ولفت الناطق باسم حركة حماس إلى أن “التدهور الخطير الحاصل في الحالة الفلسطينية، بسبب هذه الإجراءات، ليس بحاجة إلى مزيد من الأوراق لإهدار الوقت، وإشغال الرأي العام بها، بل بحاجة إلى إنهاء هذه الإجراءات فورًا والتزام حركة فتح بمبدأ الشراكة والبدء بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في اللقاءات السابقة، وفي مقدمتها اتفاق القاهرة 2011، وتفاهمات بيروت 2017 التي تتحدث عن تشكيل حكومة وحدة وطنية وانعقاد الإطار القيادي الفلسطيني والذهاب إلى انتخابات عامة رئاسية وتشريعية وإمكان التوافق على انتخابات المجلس الوطني”.
بدوره رأى المحلل والكاتب السياسي مصطفى الصواف أن الرئيس عباس يريد مصالحة على المقاس الإسرائيلي، من خلال مصالحة تُجرد المقاومة من سلاحها الذي تواجه به الاحتلال وجيشه.
وأضاف الصواف “يجب أن تفهم حماس والجهاد والفصائل الفلسطينية أن السعي وراء المصالحة مع شخص مثل محمود عباس عبارة عن أوهام لن تتحقق”، داعيًا إلى عدم السعي وراء أكاذيب وتصريحات تضليلية عن مبادرات المصالحة الجديدة ووعود رفع العقوبات عن قطاع غزة.
واتخذ عباس إجراءات عقابية إضافية على خلفية التفجير الذي استهدف موكب رئيس حكومته بغزة الذي نفت حماس ضلوعها فيه، وشملت العقوبات خصمًا يتراوح بين 40% و50% من رواتب موظفي السلطة وتقليص كمية الكهرباء والتحويلات الطبية وإحالة الآلاف إلى التقاعد المبكر الإجباري وتأخير متعمَّد في صرف رواتب الموظفين، ما ضاعف الأزمة والمعاناة في غزة.
رغم ضبابية المشهد السائد بعد تقديم ورقة المصالحة الجديدة، حرص الفلسطينيون على عدم تعليق آمال كبيرة على أي جهود للمصالحة، كونهم انكووا بنيران الفشل عشرات المرات
الجدير ذكره أن ملف المصالحة الفلسطينية تعثر منذ عدة شهور، إثر نشوب خلافات بين حركتي فتح وحماس، بخصوص تفسير بنود اتفاق وقعته الحركتان بالقاهرة في أكتوبر/تشرين الأول 2017، ووصل وفد من حركة فتح القاهرة أواخر الأسبوع الماضي لبحث ملف المصالحة وتحريك مياها الراكدة.
ومنذ نهاية مارس الماضي، يجري وفد أمني مصري جولة بين قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، يلتقي خلالها قيادات من حماس وممثلين عن الفصائل الفلسطينية ومسؤولين إسرائيليين، لاستكمال تفاهمات “التهدئة” في قطاع غزة التي تقودها بلاده وقطر والأمم المتحدة منذ شهور، فضلًا عن إتمام المصالحة الفلسطينية.
ورغم ضبابية المشهد السائد بعد تقديم ورقة المصالحة الجديدة، وحرص الفلسطينيون على عدم تعليق آمال كبيرة على أي جهود للمصالحة، كونهم انكووا بنيران الفشل عشرات المرات، فإنهم يحلمون بيوم انتهاء هذه الورقة السوداء من سجل التاريخ الفلسطيني ويتمنون أن يكون قريبًا.